سيقولون جاء ومضى، ثمّ ماذا بعد؟
أراد شيئاً، لم تُفتح له الأبواب، ألهذا قرّر ألا ينتظر وألا يدخل أيضا؟
سيتراكم السؤال، فقد قال كلمات كثيرة، كم مرّة استخدم حروف الجرِّ؟
كأنّه أراد أن يجرّ العالم الى نافذته؟!
ومع هذا، قليلون جدّاً هم الذين انتبهوا لمجيئه ولذهابه، بل الشائع أنّه ذهب دون أن يعلم بذلك أحد.
***
قال: أنا كنتُ شاهداً على لحظاته الأخيرة، كان يجمع تفاصيله الدقيقة جدّاً ، جعلها أكداساً وأشعل النار فيها.
رأيت لمعة في عينيه، إحمراراً ، كأنّه انعكاس اللهب، أو صعوده من الأحشاء.
***
آخرٌ قال: لم يتكلّم، لم ينطق حرف جرٍّ واحدٍ ، كأنّه قرّر ألا يجرّ شيئاً في ذهابه الأخير، كأنّه فقد الرغبة تماماً.
كانت النار تتسلّق أيّامه، بينما وقف يراقب صعودها وتسلّقها من شرفةٍ الى أخرى، يراقب النار كمن ينتظر سقوط بناية حياته كلّها.
***
الشهود لم يكونوا كثيرين، وهذا ما سيجعل الروايات أكثر حدّة، وغير قابلة للإضافة أو للتأويل.
سيقع اللاحق في فخّ رواية السابق .
يظلّ الغائب منضوياً لرواية الشاهد .
***
المفارقة التي لا يمكن النجاة منها، هي أنّنا لسنا وحيدين في العالم، ولأنّه كان مقيماً بين الآخرين، فإنّ رؤيته لسقوط البناية بعد إحراق كلّ التفاصيل لم يكن نهايتها والى الأبد.
بقي من البناية حضورها في حيوات وأذهان الآخرين.
كان عليه أن يعي أنّ زوال الوثائق يعني أنّها ستواصل حياتها من شفة الى أخرى.
***
في المحو الكبير تظلّ الذاكرة حريصة جدّاً على تهريب أدقّ التفاصيل تحت ركام التعتيم والتضبيب.
الثقافة الشفاهية هي أعلى درجات الإحتجاج ضدّ الخرف والنسيان.
***
الأغبياء فقط هم أولئك الذين يعتقدون أنّ سقوط البناية يعني زوالها والى الأبد.