لقد كنت محظوظاً أن أُدعى الى حفلة عرس رجلين مِثْلِيين من قارّتين مختلفتين، أحدهما إيراني الجذور بينما كان الآخر كنديّا، رجلان إلتقيا هنا في أستراليا، القارّة الثالثة والبلد الثالث، فتآلفا، وعشق أحدهما الآخر، بل وجد كلٌّ منهما في الآخر جزءه المتمّم، فقرّرا أن يعيشا معا كزوجين الى ما أتيح لهما من الوقت ومن الحياة .
***
أقول كنتُ محظوظاً لأنّني أبحث دائماً عن ما يثير لديّ أسئلة تحاكم العادات والتقاليد التي لفرط تكرارها أصبحت وكأنّها الأكثر عقلانية والأكثر طبيعية، وهي ليست كذلك إلا بسبب قمع واضطهاد ما يخالفها من سلوكيات وأنشطة حياتية.
***
رجلان في لحظة حبّ وإحترام متبادلين، كان النقاء ظاهراً على وجهيهما، كانا مثل طفلين يتلمّسان الحياة بكلّ حواسهما، كنتُ شاهداً حريصاً على قراءة كلّ شيء، ورغم أنّها المرّة الأولى التي أحضر فيها حفلة زواج مثليين، إلا أنّني وجدتُ كلّ شيء مألوفاً وحقيقيّا، بل لم يكن هناك أيّ خدش للحياء الجمعي، الحياء الذي تمّ تلقيننا إيّاه خطأً، على العكس تماما، بدا المدعوون - وهم من قارّاتٍ مختلفة، ومن هويّات متعدّدة، وبألسنة لا تتشابه - سعداء ومتضامنين مع الزوجين، كان الإنسجام هو الموسيقى التي إحتضنت الجميع.
***
كنتُ شاهداً للحظة إنكسار رتابة الزواج (الطبيعي) وتراجعه كاحتمال ليس إلا.
لم يعد غريباً زواج رجلين أو إمرأتين، فالزواج لم يعد يعني المعادلة القديمة (رجل وامرأة).
أصبح للحقيقة وجهاً آخر، بل أصبح الفرد أكثر إلتصاقاً بذاته من قبل، ولم نعد مخدوعين بالأوهام التي تمّ تناقلها جيلاً بعد جيل .
***
كان إيقاع الحفلة هادئاً، بعض الحضور ألقى خطباً تحدّث فيها عن لطف وشجاعة الرجلين، وبعض الحضور رقص على إيقاعات فارسيّة، وقد أثارني ذلك حقّاً وحفّزني، فطلبتُ من زوجتي (بشرى الدرّاجي)، التي كانت برفقتي، ومن المترجم (محسن بني سعيد)، ومن الفنان التشكيلي (مازن أحمد)، وكانا مدعويين أيضاً، طلبتُ من الجميع أن نقوم بإداء فقرة عراقية مشتركة، أن نترك بصمتنا أيضاً في هذا الكرنفال الإنساني الجديد، إقترحتُ فيها أن نغنّي أغنية الفنانة سيتاهاكوبيان (صغيرة كنت وانت صغيرون)، وقد فعلناها، فأبدا الزوجين إمتنانهما، وكذلك أهلهما والحضور، بل إنّ رجلاً إنجليزيّاً إقترب منّي وقال بعربية ثقيلة: "شُكُراً" .
***
محظوظ وسعيد أن أكون شاهداً على كسر رتابة عتيقة، وتدشين سلوكٍ إجتماعيٍّّ جديد.