تجد نفسك منشغلاً بأمور عديدة في وقت واحد، وتحاول الخروج على إنشغالاتك كلّها، أن تجد نافذة للهرب منها جميعاً، أو أن تنشغل بأمرٍ واحد، واحد لا غير، أن تستجمع قدراتك الخاصّة في مواجهة ما أنت منشغلٌ به، ربّما لتخرج بنتيجة هي ليست ما يمكن توقّعه منك، لكنّك تُثبت لنفسك قبل الآخرين أنّ فيك من الإمكانيات ما يمكن أن يكون مثمراً وفاعلاً، إلا أنّ تراكم الإنشغالات في وقت واحد، وتشتت الذهن يقودك دائما الى التردّد حتى في اتّخاذ قرار ما حول ما يثير قلقك.
***
لستَ مطالباً بحلّ أزمات الكون، ولكنّك، على الأقل، مطالب بأن تجعل حياتك أكثر يسراً، أن تعمل على توسيع رقعة الإستمتاع في تفاصيل حياتك اليومية، وهنا يكون عليك أن تحدّد ما الذي يمكن أن يوفّر لك إستمتاعاً، أو على الأقل يهيئ مناخاً لذلك.
***
لا أحد يمكن له أن يطلب منك أن تستمتع بهذا الشيء أو ذاك، رغم أنّ هناك بعض المشتركات ، أو هذا ما يبدو لي على الأقل، مثل القيام برحلات إستكشافية للمكان الذي تقيم فيه، أن تتعرّف على المدينة التي أنت فيها ، الاقتراب من تأريخها المعلن، أو الإقتراب من حياتها السرّية، المباح والمسكوت عنه أو التاريخ الساقط سهوا، فهذا على الأقل يمدّ جسور الألفة مع المكان، قد تصل الى حدّ الإنتماء، البعض لا يحبّ ذلك، بل يجد استمتاعه في التردّد الى مكان واحد، ثابت، يتّخذه بديلاً عن المدينة كلّها، المهم هنا أن يحصل من هذا الجزء الصغير على استمتاع تعجز المدينة عن توفيره.
***
هل هو الشعور بالتعب مثلاً، فليس من السهل أن تقضي حياتك بحثاً واستكشافاً، هكذا، ترفع راية الإكتفاء، وكأنّك وصلت الى أعلى ما يمكن أن تصل إليه ، إنّه أمر شخصي جدّاً، أحد ما يقنع بالمحدود، بينما آخر يُلقي سنّارته في اللامتناهي.
***
لكن ألا يعني الإكتفاء - بأيّ شيء أو من أيّ شيء - شكلاً من أشكال النهاية؟ أن تتوقّف رغم أنّ حياتك تجري، أن لا تجد لذّة في الإستمرار، أن تعيش بلا رغبة محفّزة، منطفئاً من شهوة البحث عن معنىً آخر لوجودك في الحياة. الأمر ليس له علاقة بالعمر، لكنّه يلتصق بالثقافة وبالمزاج، المزاج الثقافي الحاضن، وبالتاريخ الشخصي للفرد ذاته.
***
التوقّف هنا يبدو خلاصاً من الوقوع في متاهاتٍ جديدة، يبدو نجاة أيضاً من صداعٍ يخترق الرأس الى أخمص القدم، إلا أنّ هذا التوقّف في حقيقته لن يكون إلا تنازلاً عن الحياة باعتبارها فرصة نادرة لمعرفة كلّ ما هو متاح ، ولو ضمن حدود الحواس.