أحاول أن لا أكتب كلمة، فلا أستطيع.
أحاول أن أبتعد، أن لا أسمع شيئا، فتخترقني الأخبار، وتُجلِسُني في لبّة ما يحدث وما يجري.
وأعرف أنّ الكتابة في هذا الموضوع إنشغال عن ما أسعى إليه، وأعرف أنّ الكلمات هنا لن تقود الى شيء، وكأنّها لا تقول شيئاً، رغم أنّها ابنة حزنٍ وألمٍ حقيقيين.
***
أكاد أدّعي أنّني أعرف شيئاً عن تأريخ العراق، وأكاد أن أقول ، أنّه لم يسبق للعراق أن تمّت إدارته بمثل القذارة التي يُدار بها الآن، كما لو أنّ كلّ جماعة إنتخبت أسطح وأرذل ما لديها وجعلتهم قادتها، لا فرق بين سافرٍ ومعمّم، حتّى كأنّ السفور حجاب، بل كأنّ الوجود عدم.
***
أشعر بالغضب، ليس على من هم وراء كلّ ما يجري، بل على الناس، وكيف يتم التلاعب بعقولهم وحيواتهم، وكيف يقادون للنحر طوعاً! ما هذا الإنقياد اللعين؟!
كيف تفرّغت العقول الى هذا الحدّ؟
كيف أصيبت العيون بالعمى حتى أصبحت لا ترى حتّى ما تراه بنفسها؟!
***
لقد كانت بدعة (داعش) ثمرة طازجة لنظام المحاصصة القميئ.
لم تكن ( داعش ) أكثر من تطبيق نظام المحاصصة كما اتّفق عليه أراذل الجماعات كلّها في مؤتمر لندن، إلا أنّ ما أسموه داعشاً تأخّر كثيراً، كان عليه أن يحدث من البداية، لكنّهم إحتاجوا زمناً لقتل الحسّ الوطني العراقي، فلمّا تحقّق ذلك باشروا به وأخرجوه الى العلن.
***
على الجهة الأخرى، فإنّ قيام (الحشد الشعبي) لم يكن إلا انقلاباً عسكرياً على تطبيق نظام المحاصصة المتّفق عليه بطريقة داعش، لكنّه انقلاب بلا حسٍّ وطني نقي، على العكس تماماً، مفهوم الحشد الشعبي لا يقلّ قيد أنملة من السوء عن ما يُسمّى داعشاً. إنّه الوجه الآخر لداعش، التوأم المضاد.
****
هذا الكلام لن يُرضي أحداً، ولا أريد لأحدٍ أن يرضى، لأنّني أشعر بغضب على الشباب الذي يُغسل عقله بفكرة داعش والحشد الشعبي على السواء، أشعر وكأنّني أتحدّث عن مهازل داحس والغبراء، وما أكثر الغُبْر، وما ألعن مُحَرّكي الدمى ومُثيري الغبار؟!
***
لقد تمّ استثمار الدين لاجتثاث الرغبة في الحياة. أتحدّث هنا عن الجهة التي تدير داعش مثلما أتحدّث عن الجهة التي تدير الحشد الشعبي، كلاهما أنتج لنا جيلاً - ولا أقول شعباً - جيلاً يحبّ الموت أكثر من الحياة، جيلاً مضحوكاً عليه، جيلاً مُستغفلاً الى النخاع، جيلاً يركض خلف هذه اللحية، أو خلف تلك العمامة، دون أن يشمّ نتن هذه اللحية، أو دون أن يشمّ نتن تلك العمامة؟!
***
الشارع العراقي بحاجة الى زلزال، العقل العراقي بحاجة الى رجّة كهربائية، لا يحدث تغيير إجتماعي حقيقي إن لم يكن هناك وعي مدني يدعو للحياة فقط وليس الى ما ورائها، الحياة فقط وليس الى الآخرة.
***
الضعفاء والبؤساء فقط يبحثون عن العدالة الإجتماعية خارج الحياة.
الحياة هي ساحة الوجود وليس العدم.
***
الى المدنيّين تحديداً: كفى ضحكاً على النفس، اللحى والعمائم والفكر الديني لا ينتجون حياة مدنية، إنّهم يدعون الى الموت فكيف ينتجون حياة أو مدنيّة؟!
***
العراق بحاجة الى انقلاب، انقلاب من الداخل، انقلاب على داعش والحشد الشعبي معاً، إنقلاب على المنابر التي أضحت نافذة للنهيق المتبادل، العراق لا يتغيّر من الخارج، الداخل فقط، الداخل المدني، العراق بحاجة الى مدنيين لا يتظاهرون فقط، بل يمتلكون القدرة على قراءة البيان رقم واحد.