أن تكون الكتابة بحدّ ذاتها ممارسة وجود، هكذا أن تكون بزعانف مختلفة لا تخصّ سمكة واحدة، وأن تخوض في مياه كثيرة لا تتشابه، وكأنّك في حوض زينة، ترى عيون الآخرين ولا تكترث، يهمُّكَ أن تخوض في مياه جديدة وتعلم أنّك في الحوض، وأنّ موسم هطول الأمطار يجمع حقائبه، وأنّ الأفق الذي يحتضن السماء والأرض معا يوشك أن يفلت أيضاً من مشهدٍ تكرّر كثيراً، وتتساءل، الى أين يمكن أن تّتجه اللغة؟ وكأنّني طفل يلهو بأحجارٍ من أحرفٍ على حافّة بعيدةٍ عن عيون الآخرين ، فلماذا إذن أشعر أنّني في حوضٍ وأنّ عيون قططٍ كثيرة تحلم بتهشّم الزجاج؟
***
لقد أحببتُ الكتابة حقّاً، لأنّني أجد انعتاقي بها ، إنعتاقي من عيون الآخرين، سيلاحقون الكلمات، يفكّكون حروفها، لكنّهم لن يعثروا على المعنى، المعنى ليس في الكتابة بل خارجها، المعنى في الحياة التي يعيشها الكاتب أو القارئ، الكتابة قناع، لعبة أيضاً، هي فرصة للتخفّي وللإستمتاع، الكتابة الحوض، والكلمات زجاج يحاول الآخرون رؤيتي من خلاله.
***
لا يزال الإتجاه غامضاً، لكن متى كان الإتّجاه واضحاً حقّاً، مغفّلون أولئك الذين يعتقدون معرفة الإتّجاه، الإتّجاه فخّ، النجاة أن تجري ليس كماء، أن تسقط ليس كمطر، وأن تصعد ليس كبخار، الإتّجاه تنازل عن الذات، لكن، ألا يمكن للذات أن تكون اتّجاهاً؟
***
أن تكون بين الآخرين، لكن خارج الطرق كلّها، في المدينة، لكن خارج الزمن. تطرح أسئلة ولا تنتظر إجابة، يهمُّكَ الشكّ ويقلقك السقوط في يقين.
لا تنفعل، لكنّك تحزن كثيراً، تحزن لأنّ الفجوة تّتسع بين ما ترى وبين اللغة التي تكتب، تحزن لأنّ الفاصل بينك وبين القارئ لا يمكن أن تحذفه الكلمات.
تريد أن تقول كلّ شيء في جملة واحدة، وتعلم أنّ المعنى زمن آخر، تدرك جيّداً أنّ اختزال الوقت لا يحدث اعتباطاً، وأنّك محض أزمنة كثيرة قرّرت الإعتكاف في جسد ضيّق.
***
كلّ علاقة زمن آخر، التجوّل في الطبيعة زمن آخر، تحسّس الهواء زمن آخر، الوقوف أمام المرآة زمن آخر ، صعود قطار زمن آخر، أزمنة كثيرة وجسد واحد ، تتكدّس الأزمنة فيتهاوى الجسد، الجسد الذي يأخذ شكل الزمن في كلّ لحظة، ما يشيخ ليس الجسد، بل الزمن الذي في الجسد.