أن يأتي التبليغ غامضاً ومُلتبساً كما في عبارة العنوان، فإنّ الأمر بحاجة الى تأمّلٍ وتفصيل.
***
عبارة "كن ما يُراد حتى أنت" هي كلّ ما بقي في ذاكرتي من حلمٍ لا أذكر الجهة التي نطقتها، ولكنّني قفزتُ من النوم الى الصحو كالعادة لأكتب التبليغ على جهاز الآيباد - كانت الساعة تشير الى الساعة الثانية بعد منتصف الليل - على أملٍ أن أستعيدها وأحلّلها لاحقاً، وهكذا عدتُ الى النوم، لكن ليس الى الحلم .
***
أذكر تفصيلاً صغيراً، أنّني قبل أن أصحو، حدث شيء من التفسير لجزءٍ من العبارة وبالتحديد "حتّى أنت"، فقد قال أحدهم: قد تكون: "حتّى تكون أنت أنت".
***
في اليوم الثاني لم أفتح الآيباد، على العكس تماماً إنشغلتُ بترتيب المنزل، لأنّ بشرى تقوم برحلة سياحية مع صديقاتها، والأولاد إنصرفوا كلّ الى عالمه ، ثمّ اتصل بي الجميل محسن بني سعيد ليقترح أن نخرج معاً في رحلة الى "كهف الأيادي الحمراء" في منطقة (غيلنبروك) إحدى المناطق المشرفة على (بلوماونتنز)، وقد خرجنا فعلاً.
***
في الطريق الى كهف الأيادي الحمراء، وأثناء حوارنا تذكّرت أنّني كتبت شيئا على الأيباد منتصف الليلة الماضية، لكنّني لم اتذكّر نصّ العبارة. فأخرجت الآيباد من حقيبتي وقرأتها.
***
قبل أن أقرأ العبارة وأحلّلها أحبّ أن أنتبه الى فعل الخروج من الحلم فقط لتدوين العبارة ، ثمّ نسيان تفاصيل الحلم، بل نسيان العبارة ذاتها، فلولا خروجي من الحلم وكتابتها لما بقيت، ولذهبت كما ذهب الحلم. أعتقد أنّ تبليغاً صارماً، أو أنّني أدهشتني صياغة العبارة وغموضها الى درجة أنّني أوعزتُ لنفسي أن أصحو لتدوينها، يحدث ذلك معي كثيراً.
***
أعود الى العبارة ذاتها: "كُن ما يُراد حتى أنت"، إنّها تبليغ، لكنّه تبليغ يبدو ناقصاً، فأنا لا أذكر من نطق العبارة، كما أنّها لا تشير الى ذلك أيضاً، إلا أنّ الخطاب موجّهٌ لي تحديداً في "كُن". المجهولية لا تقتصر على الجهة الناطقة هنا، بل في "ما يُراد" أيضاً، ليس هناك تحديد لما يُراد، بل ما يُراد منفتحٌ تماماً، فإذا أكملنا العبارة "حتّى أنت" إكتمل الغموض. لهذا كان هناك شيء من التفسير "حتّى تكون أنت أنت".
***
والإقتصار على العبارة وحدها دون التفسير، يمكن أن ينفتح على سلبيّة هائلة، فالتبليغ قمعي إبتداءً ب "كُن"، فليس ثمّة متّسع للنقاش، هكذا عليك أن تكون ما يُراد حتّى أنت، أي أن تكون كالجميع، تفعل ما يُراد منك.
***
لكن هذه السلبية تنزاح تماماً مع التفسير الذي بقي "حتّى تكون أنت أنت"، لأنّ التبليغ هنا ينفتح على فضاءٍ هائل أيضاً، أن أكون أنا أنا وليس شيئا أخر. فما يُراد منّي أن لا أكون أحداً غيري.
***
العبارة على غموضها تكاد تبوح باللعبة التي تحيط بالأشياء، فالحياة محض لعبة وأنا جزء فيها، واللعبة لا يكتمل نصابها إلا أن يكون كلّ جزء فيها هو نفسه تماماً، بحيث يكون الإختلاف جوهر اللعبة كلّها، فنحن كأجزاء مختلفين نؤدّي ما هو مُراد منّا، لمن؟ لا أدري، وقد سكت الحلم عن ذلك أيضاً، إذن، جوهر وجودي يتجلّى كمختلف بين الآخرين "حتّى أنت"، وكلمة أنت تنطق بالخصوصية، فأنت أنت وليس شيئا آخر، أقول أنّ الإختلاف هو جزء من متطلّبات اللعبة التي هي الحياة.
***
عبر هذا التأويل يكون التبليغ - رغم السكوت عن الجهة - واضحاً ومكتملاً، أن تواصل إختلافك.