ذكر إبن حبيب البغدادي في كتابه (المحبّر) أنّ قبيلة مذحج كان لها صنم قبل الإسلام إسمه (يغوث)، وكان منصوباً في منطقة (أنعم)، فقاتلتهم عليه قبيلة غطيف من مراد، فهربت قبيلة مذحج بصنمها الى نجران، فأقرّوه عند بني النار، من الضباب، وكلّها بطون وقبائل يمنية، وأنّهم اجتمعوا على عبادته جميعا.
***
وتذكر كتب الأخبار والسير أنّ بني حنيفة كانوا يسكنون في اليمامة، وهي قرية يكثر فيها النخيل، لذا فإنّ بني حنيفة صنعوا لهم صنماً من تمر، وأنّهم ظلّوا يعبدونه، لكنّهم أكلوه في زمن المجاعة، فعيّرتهم العرب بذلك.
***
ما يحدث هذه الايام في العراق يستحضر الكثير من أحداث وقصص ما قبل الاسلام، كلّ ذلك لأنّ حسّاً مدنياً جماهيرياً بدأ يعلو ويرتفع ليعرّي كلّ المنابر والمراجع الدينية التي ساندت وتساند الى الآن الفساد بكلّ أشكاله.
***
لقد أحيا لديّ قصّة تهريب الصنم (يغوث) ما حدث قبل أيام قليلة من تهريب صنم عراقي الى إيران وبغطاء حكومي بعد أن تمّ تقديم إسمه للمحاكمة في جريمة سقوط الموصل، وما جرّت اليه من مآسٍ يندى لها الجبين البشري .
***
صنم عراقي لم يُصنع من تمر فتأكله الناس أيام الجوع، بل صُنِع من هواء فاسد، نفخته فيه منابر ومراجع دينية، ولا تزال تنفخ فيه، حتى بعد أن تمّ تهريبه الى إيران تحت غطاء وزير الخارجية إبراهيم الجعفري!؟
وكأنّي بقبيلة مذحج تهرب بصنمها الى بني النار في نجران.
***
مهازل تسترجع التاريخ، وكأنّ الحياة تٌدار بأيدي مُهرّجين يتمّ تحريكهم بخيوط مرئية.
***
يبلغ الصلف مداه حين يُعلن أحد أتباع الصنم الهارب، بلغة يفوح منها الهواء الفاسد، يقول النائب التابع (حسن السنيد):
"لن نسمح بمحاكمة نائب رئيس الجمهورية الاستاذ المالكي حتى لو سقطت أربعين موصل، ولو كانت هناك أربعين سبايكر"، بهذا المنطق الغبي، الذي يخلو من أيّ حسّ إنساني، بل يخلو من أيّ شعور بالمسؤولية إزاء الآلاف البريئة التي يتمّ نحرها أو هتك أعراضها هنا وهناك على أرض العراق، أقول بهذا المنطق الغبي يحاولون الآن حماية إلههم الذي تمّ تهريبه الى إيران تحت مظلّة الحكومة ذاتها.
***
بل إنّ أتباع الصنم لا يتردّدون، وقد أتقنوا اللعبة القديمة، في رفع المصاحف على أسنّة الرماح، فقد إتّخذوا من (هزيمة أحد) تبريرا لهزيمة الموصل، وبما أنّ (محمد بن عبد الله) ليس مسؤولاً عن هزيمة المسلمين في أحد، فإنّ الصنم الجديد ومختار العصر ليس مسؤولاً عن الهزيمة وهتك الأعراض، إنّه التأريخ الفجّ الفاسد يعاد إنتاجه دائما، تبلغ المهزلة أقصى صلافتها عندما يتبنّى أتباع الصنم الجديد منهج غريمهم القديم معاوية بن أبي سفيان، إنّهم يرفعون المصاحف على أسنّة الرماح بكلّ صلافة.
***
بالتأكيد ستباشر كلّ ميليشيا الى تهريب أصنامها، الكردي والعربي، أصنام لكنّها أكياس فساء على حدّ تعبير المتنبّي.
***
أريد أن أصرخ من هنا، كلّ صمت مرجعي - إزاء ما يحدث في العراق الآن - خيانة عظمى، ليس لتأريخ العراق، بل خيانة عظمى للضمير البشري.