في الرأس حفنة أسئلة، أفكر آحياناً هل أنا جاد حقاً في البحث عن إجابات لها؟
هل أنا حقاً أتحرّك في الاتجاه الصحيح الذي يقود الى حلول حقيقية يمكن بها أن اتجاوز ما يدور في الرأس من تساؤلات، تساؤلات هي أقرب للدهشة والاستغراب، بل هل استنكار لقراءات وسلوكيات تحدد ليس حركة بعض الافراد فقط بل الكوكب بأكمله.
***
لعل أهل وأثقل هذه الاسئلة يتمركز حول فهم واستيعاب نص مقدس، وبالتالي ما الذي ينتج عن هذا الفهم من سلوكيات؟
***
كنت قد تحدثت سابقا عن ذلك الانسان الذي يجد نفسه محشورا في تفاصيل لا تخصه لكنها في نفس الوقت تمثل هويته بالنسبة للاخرين، اقول، اننا جميعا نتحرك داخل هذا الفخ، لاننا نجد انفسنا مطالبين بالدفاع عن انفسنا من انطباعات يلصقها الاخر بنا هي لا تمت بصلة لنا كأفراد، ولكن يتم اسقاطها علينا تحت غباء التعميم.
***
وفعل "غباء التعميم" لا ينحصر على الناس البسطاء فكريا، بل قد يتجاوز ذلك الى عقول ذكية جدا، لكنها لفرط انفعالها، خوفها، تقع في الفخ، علينا أن ننتبه الى أن هناك فوبيا اعلامية تجاه بعض الحركات الدينية، فوبيا يقع في فخها الانسان السطحي والانسان الذكي معا .
***
اذكر حادثة هنا، بعد نشوب حرب العراق- ايران تم منع السفر الى خارج العراق الا ضمن ايفادات حكومية كان احد الاشخاص، رجل كبير في السن، مدمن سفر بشكل سنوي، كان ماركسياً، لا علاقة له بالدين، رغم انه كان ينحدر من عائلة ذات اصول علوية .
***
اذكر هذا الشخص جيدا، فهو من اقربائي المقربين ، بل من اصدقائي الخلّص، رغم فرق العمر ما بيننا انذاك. كان يعاني كثيرا، ويتألم من حرمانه من حقه في متعة السفر ولذة الاكتشاف، لقد استمر قرار منع السفر الى نهاية الحرب، بل ان الحكومة لم تسمح بالسفر الا بعد اكثر من عام على نهاية الحرب، وكان اتجاه السفر محدودا باداء "فريضة الحج"، فكان صديقي الجميل من اوائل الذين قدموا للذهاب الى الحج، قلت له يومها: وما علاقتك بالحج؟
قال: اريد ان اخرج، اريد ان اتنفس هواءً اخر ، حتى ولو كان هواءً خارج اعتقادي.
***
ذهب الى الحج، فلما عاد استقبله الاصدقاء واحتفوا به جدا بعد ان اطلقوا عليه لقب "الحاج"، يومها انفردت به، قلت له: دعك من هذه التسميات، ولكن قل لي ماذا شعرت وما كان انفعالك الحقيقي هناك؟
قال: كنت امشي صامتاً بين مليون انسان كلهم يصيحون: " لبيك اللهم لبيك"، وللحظة شعرت بالخوف، فانا الوحيد الذي يمشي ويطوف ولا يلبّي، فصرخت معهم، لبَّيْت معهم بفعل الخوف.
قلت: انت الان خارج نطاق الخوف، اخبرني عن شعورك الان؟
قال: لا ادري قلت: هل ستواصل معهم ام تعود الى ذاتك؟
قال : سأنتظر واكتشف الاشياء بهدوء
***
ما اريد التركيز عليه هنا هو هذا الرعب الذي يبثه الاعلام ويروج له بقصد أو بدون قصد، ومدى النتائج الكارثية التي يمكن أن يقود إليه فعل التصعيد هذا؟
وكيف يمكن أن يقع أفراد كثيرون ضحايا وهم خارج نطاق دائرة الصراع أصلا، يمكن ان اسميهم هنا بضحايا التعميم، فأن يرتكب شخص ما لأسباب مرضية، أو لأزمة اجتماعية، فراغ عاطفي عائلي في الاغلب، أو لفهم خاطئ لنصّ مقدّس، اقول ان يرتكب شخص ما جريمة فهذا لا يعني ان المجتمع كله مصاب بنفس المرض او الفراغ العاطفي او الفهم الخاطئ المحدود، علينا ان ننتبه لهذا الفخ، لأننا ونحن نخلق ضحايا لا صلة لهم بالامر، نكون نحن انفسنا ايضا ضحية هذا التعميم الخاطئ.