يمكن أن تقفز من طائرة، أو من ناطحة سحاب، أو من جبل، لكنّك أيضاً، وهذه هي الأكثر خطورة، يمكن أن تقفز من النسيان بلا مظلّة
***
أحاول هنا أن أقترب من إحساس بالضياع قبل البدء بالخطوة الأولى، هكذا، أن تجد نفسك وقد هربت الجهات منك، وكأنّ العالم بلا شمال أو جنوب، وبلا شرق أو غرب، وكأنّك في مفترق طرق بينما الإشارة تلتفّ حول نفسها، فكلّ الجهات شمال، وكلّها جنوب، وكلّها شرق، وكلّها غرب، وليس ثمّة ما يشير الى إختلاف، رغم التضاد الصارخ بين الأعلى والأدنى؟!
شيء غريب حتماً أن تجد نفسك واقفاً على مشارف الخطوة الأولى فينسحب الطريق من تحت أقدامك، حتى تبدو معلّقاً في فضاء من ضباب كثيف، ضباب أبيض ناصع الى حدّ العماء.
***
لحظة ضياع تام، وكأنّ أحدهم سرق كلّ شيء من الذاكرة، تركها أنصع من عين أعمى.
***
كنتُ هناك، ولم أكن وحيداً، كان معي أشخاص جنود، يحاولون شيئاً، لكنّهم أيضاً، رغم رغبتهم الجامحة، تخونهم الرغبة ذاتها، يخونهم الخوف من الفشل.
هكذا، يصعد القلق كموجة تغطّي الساحل، لكنّه قلق ألا نكون بمستوى ذواتنا لحظة إتّخاذ قرار الخطوة القادمة.
***
أن تريد، وأن تعمل على ما تريد، وتكاد أن تقطف ثمار الإرادة، لكنّك وأنت تمدّ الكفّ الى الأغصان، ولأمر غامض، ترى الشجرة تحلّق بعيداً، الشجرة التي زرعتها وقمت على خدمتها، فنمت أمام عينيك، الى درجة أن تعرف كلّ غصونها، بل كلّ ورقة فيها.
هكذا، تطير الشجرة قبل لحظة واحدة من بلوغ الكفّ لقطف الثمرة الاولى، تطير الشجرة بينما تقف مذهولاً أمام ما يحدث.
***
النسيان، فجأة وكأنّنا هنا لأوّل مرّة، وكانّنا نتنفّس هواء الحياة توّاً ، أين كنّا؟
بل من نحن؟
ولماذا نحن هن ؟
هكذا دخل الممثّلون الى العرض في مسرحية " كرسي وفخّ"، دخلوا بنسيان تامٍ، لكنّهم دخلوا بحبٍّ أيضاً، كانت هناك رغبة حقيقية في أن يُقدّموا شيئا، هذه الرغبة - وحدها -قادتهم الى التذكّر والتجلّي.
الرغبة الصادقة جعلتهم يقودون سفينة العرض الى المشهد الأخير .
***
رأيت الجمهور يتفاعل مع جريان العرض، لكنّني كنتُ الأقرب الى الجُمَل التي تعلّقت بأجنحة النسيان، لقد نجح الممثّلون في إقناع الجمهور بإضافاتهم، محاولات كسر الدائرة كانت مهمّة حقّاً، كان الإتّفاق مسبقاً " عندما تنسى شيئاً إرتجل شيئاً "، عندما تنسى قل نسيت واجعل الجمهور يعي درجة النسيان، لا تتردّد في ارتجال شيء .
لقد كانت الإرتجالات حيويّة ومهمّة لأنّ الممثّلين حاولوا إدخال الجمهور ضمن العرض، هكذا أن لا يكتفي الجمهور بإداء دور الجمهور، بل أن يستجيب لدعوات وأسئلة الممثّلين .
***
ولعلّ سرّ نجاح العرض أنّ الجمهور كان محترفاً وكان الممثّلون هواة .
***
أنحني للهواة الذين أوصلوا العرض إلى نهايته، العرض الذي كان أقرب الى الإرتجال، بل جعلوا الجمهور المحترف في إصغائه وفي مشاهدته، أقول جعلوه يكسر حاجز الصمت ليكون جزءاً مهماً من العرض بالمداخلات التي جرت ، تعليقاً هنا وآخر هناك .
***
لقد كان القفز من النسيان خَطِراً، لكنّه انتهى آمناً.