على الرغم من ذلك البرد القارص حرصت على ممارسة هوايتي المفضلة المشي واجمل مامنحني الدفئ في تلك الليلة هو منظر الهدايا الجميلة التي طغت على السوق بلونها الاحمر والابيض بمناسبة قرب مرور ذكرى عيد الحب (فالنتين) ولم يقطع تاملي لذلك المنظر الجميل سوى صوت احد اصدقائي الذي جاءني من الخلف (لماذا لاتجعل موضوعك لقهوة الخميس عن عيد الحب؟؟) فالتفت اليه بعد ان حييته بابتسامة فاجبته..
رغم ان الموضوع جميل وفيه معاني رائعة لكنه اصبح الان مستهلك فكل الصحف والمجلات حتما ستنزل موضوع بخصوصه ناهيك من ان قصته باتت معروفه للجميع (حكاية ذلك القسيس الذي ضحى بنفسه من اجل عقد قران العشاق في كنيسته سرا رغم تحذيرات الملك الروماني فلاقا لاجل ذلك عقوبة الاعدام) ولكن لاباس طالما الموضوع برمته يتعلق باجمل كلمة وهي (الحب) ساتكلم عن موضوع على غراره وامنياتي ان ينال فائدة واستحسان كل اصدقائي من رواد قهوة الخميس ...
قرات في الاسبوعين الماضيين كتابين لعظيمين من عظماء الادب احدهما (مكسيم غوركي ) والاخر ( جان جاك روسو ) وكلاهما عبارة عن اعترافات وهي اقرب للسيرة الذاتية ونشات كل منهما.
نشا غوركي في بيئة عائلية تكفي لتخريج الف مجرم فقد مات والديه وهو طفل صغير وعرف بديلا عنهما جدا في غاية الخسة والنذالة!! وعرف كذلك اعماما كانو وحوشا ثم تشرد بعد ذلك وبلع ريق الجوع شهورا وعاش الابتذال الانساني في جميع مساوئه ولكن شيئا واحدا كان يسانده ووقف بجانبه في هذه الحياة التي كان يعانيها هو تلك الجدة العظيمة التي ربته على الطيبة والرقة والحنان والمبادئ الانسانية السامية والقيم الشريفة فكان يتذكرها دائما وهو صبي كان يستمع اليها وهي تقص له قصص القديسين ورغم انها كانت انسانة مؤمنة لكنها كانت تعتقد بالكثير من الخرافات وبقى يردد قصصها حتى بعد ان بلغ السبعين من العمر وفاء لذكرها وماتعلم على يديها من رقة وحنان وقيم تلك المراة العظيمة التي كانت تتوسل لفقرها كي تطعم حفيدها. وهكذا ومن رحم تلك المعاناة والعذاب يولد الابداع فصار اشهر كاتب في روسيا وهو اول دعاة الثورة الروسية على حكم القياصرة وسميت مدينته (نوفجراد ) التي كان يسكنها باسمه غوركي وكلمة غوركي تعني باللغة الروسية (المر) نتيجة للمرارة التي عانا منها الشعب ابان فترة حكم القياصرة!! وله الفضل في تاسيس (المدرسة الاشتراكية الواقعية ) ولاننسى مؤلفاته الكبيرة ومنها رواية (الام) تلك الملحمة الانسانية العظيمة وموسوعة (جامعاتي) وهي عبارة سيرة ذاتية ومسرحية (الحضيض) الشهيرة وعشرات العمال الخالدة ..
وكذلك (جان جاك روسو) ذلك المفكر الفرنسي الكبير الذي نشا في اهمال وتشرد وعمل خادما واوشك على السقوط حتى ساوم على مذهبه الديني وباعه لكي يعيش!!
لكنه علرف امراة طيبة احبته بكل مافيها من عقل وقلب وكانت جميلة جدا فبقى طيلة حياته اسيرا لجمالها الذي عشق من خلاله جمال الحياة والطبيعة وسما باخلاقه بالمروءة والشرف.
لقد ارتبط كل من غوركي ورسو بالمجتمع لان الحب دخل قلبيهما وقد وقع لكل منهما من الظروف عزله عن المجتمع ولذلك تشرد كلاهما فقد رحل روسو شريدا وطريدا من سويسرا الى فرنسا والى انجلترا وكان يشكل مع مواطنه فولتير من اهم دعاة الثورة الفرنسية.
اما غوركي كان هو الاخر شريدا نحو اكثر من عشرين سنة ولكن تلك العزلة وذلك النفي لم يؤدي باي احد منهما الى الاجرام او الجنون وانما انتهت بهم الى صدور مؤلفات عظيمة يضمرها الحب وتسمو مواضيعها بالمروءة والشرف ومن منا ينسى مؤلفات روسو الكبيرة مثل كتاب (الاعترافات) وكتابه الكبير (العقد الاجتماعي ) الذي قال في مقدمته ( رغم ان الانسان يولد حرا لكنه محاط بالقيود من كل جانب!!) وصدق الفريد دي موسيه شاعر فرنسا حينما قال (لاشئ يجعلنا عظماء سوى الم عظيم)
اصدقائي الاعزاء دعوني افتح لكم قلبي ... لولا الحب لما كان هناك في الدنيا اي انسان.
ولما كان هناك غوركي ولا روسو .. اربطو حياة شبابنا بالحب واقصد بالحب ليس بنطاقه الكلاسيكي الضيق هو حب الجنس الاخر فقط بل بمعناه الشمولي الذي يسع الكون..حب الله وتعاليمه السامية واكرام انبيائه ورسله لان الله محبة وحب الناس والنور والوطن وحب الام تلك المخلوقة العظيمة وحب المبادئ والخير ..
وثقوا ان حياة الانسان تعد رخيصة وتافهة حين لايعرف معنى كل تلك القيم الموجودة في الحب.
وتلك هي حياة المجرمين الذين لايبالون من قتل اي انسان لسبب تافه!! لان حياتهم تافه وليس لها اي قيمة تذكر انهم يفتقدون الى المعاني السامية وفاقد تلك الاشياء لايعطيها...
التعليق متروك لكم احبتي.. وتذكرو دائما ان لله في خلقه شؤون. .