1
غالبا ما يوهمك العام الجديد بانه جاء بقيافة جديدة، وغالبا ما تخفي الأضواء البراقة والألعاب النارية الوانه الحائلة.
أنا على يقين تام بان الذي أريده من ذلك العام ليس الذي يريده مني، وتلك أول قطيعة بيننا..
لا أريده أن يستغفلني مثلما يفعل دائما، أتمنى أن تكون فخاخه أقل وطأة، وأن لا أكون مثل السائر في نومه وأنا أقلب صفحات أيامه.
أحلامنا التي لا تنقطع جعلتنا مهرة في تسويق الأكاذيب..
لا أريد لهذه الأحلام أن تكون عبئا على أيامي، أريد ان يكون يومي كما هو، كما يكتب نفسه في التقاويم، أن يأتي ويذهب دون أن أثقله بتبعات يسدّدها عنه اليوم اللاحق.
لا أريده أن يكون مرآة لي ولا أن اكون مرآة له، أريده مثل عابر يمر في غفلة دون أن يحدث ضجة ما أو يترك أثرا في أية مرآة.
أتمنى أن اكون جريئا بما يكفي لأقفل باب حياتي المفتوح أبدا، أن أقول للشمس صباح الخير في يقظتها الأولى لا في أخريات النهار، أن أكفّ عن التجوال في عقول الآخرين وأحرق الكتب التي تجعل بيني وبين العالم حاجزا، أن أحسم الأمر مع الرقيب الذي يتخفّى فيّ، أن أكفّ عن أن اكون دلاّلا لنفسي فيما أقول!!
المدن التي تركتها في منتصف الرحلة تلحّ عليّ، ينبغي أن أعود اليها في العام القادم، فثمة أشياء معلّقة بيني وبينها..
هناك هاجس يتملكني في أن أنام تحت السرير، فربما كانت الأحلام أفضل.
أريد أن أرتدي دشدشة مقلّمة وامتطي قصبة في يوم ممطر وأخوض في البرك والسواقي والمستنقعات وأطارد الأشباح حافي القدمين.
بي شغف لكي أنصت لمحدثي بدل الشرود الذي يلازمني لكي أواسي شروده هو أيضا!
أتمنى أن أجعل أقنعتي تتطابق مع نوع الرقصة التي أرقصها، أن لا أتنكّر للأورام التي تطفح من كل ذرة من ذرات كياني وربما هي التي تسبقني الى الآخرين، أن اكون مثل فقاعة تأخذ تاريخها وتمضي.
لا أريد أن أحمل نفس الراية في السنة القادمة، فلقد خذلتني رايات الأعوام السابقة، ففي كل يوم أضع لها رقعة جديدة، لقد شغلني الترقيع عن التلويح بها.
2
سنواتنا المتتابعة ليست للاضافة وانما للنقصان، لأن كل سنة تعيش عالة على السنة التي قبلها.
في كل عام ينشغل العالم باطلاق الألعاب النارية في الفضاء ونحن مشغولون باطلاق النار على أنفسنا، أما من نهاية لهذه اللعبة وهي تسلّمنا من فزع الى آخر؟
كلنا أشكال محتملة لما سيكون، لا أريد للعام القادم أن يشكّلني على مزاجه، لا أريد أن أكون جنديا مجهولا في أية حرب، فالحروب المتتابعة لا تصنع شيئا إلاّ زيادة أعداد النائمين على الأرصفة، أولئك الذين أخطأهم الموت، فينبتون كل عام جديد مثل شواخص غريبة في المدن..
أحتاج الى حنجرة أخرى ليست للصراخ، حنجرة تواسي نفسها وهي تعيد عليّ بصمت أسماء من رحلوا أو تواسي الأشياء وهي تتقدم الى حتوفها..
أتمنى أن لا تبالغ الأيام في استطالتها فيصبح الناس الى جوارها مجرد أصفار قابلة للمحو في أية لحظة، أن لا ننتشي بحقول السراب من حولنا ونسوّرها بخيباتنا ونحن نضع حولها الخطوط الحمر لنؤكد عائديتها لنا كتسلية لضياعنا!
لا أريد أن أجلس، في نهاية كل عام، قبالة سواحل المحيط الهادئ في منطقة "semaphore" في جنوب استراليا، وأتوهم الأمواج المتلاطمة على الساحل جثثا، وأشبّهها بسنوات عمري.