1
عندما رأيتها للمرة الأولى وهي واقفة على الرصيف المقابل لمعابد "انكور وات " التاريخية في كمبوديا، ظننتها كوكبا مهاجرا أراد ان يلتقط صورة تذكارية مع البشر في ذلك المكان، ومثل ممسوس وقفتُ في مكاني لأرتوي من ذلك البهاء!
وعبثا كنت أحاول الامساك بنفسي التي طلقتني حينها بالثلاث وهي تنزع صوبها وتتيه في مدارها.
اقتربتْ مني.. لم تكن هي التي اقتربتْ مني.. كانت شيئا خارج كل احتمال، ربما رفعتُ راية استسلامي وربما سقطتُ مغشيا عليّ، ولكنني أجزم انني لم أكن أنا!
لم تكن امرأة، كانت خصوبة للنظر، قواما مصبوبا في قالب استثنائي، كائنا محتشدا.
حواسي المحدودة لم تستوعب ما ترى، كنت أظنها تتحدث مع كائنات غريبة مثلها، لكنها قلّصتْ المسافة بيني وبينها حين أبصرتْ ذهولي وأنا أحدق فيها.
وبسرعة البرق قالت لي بالانكليزية: أذهب معك بثلاثين دولارا !!
صعقتني جملتها تلك، فلم يخطر في بالي على الاطلاق أن تكون امرأة شارع!
كنت أريد أن أستغرق فيها، أن امحو الصدأ الذي تراكم فيّ وانا انظر الى الوجوه الملطخة بالأصباغ، كانت بصبغة الهية لا نظير لها.
ثم أضافت قائلة: هل اشتريتْ؟
خذلتني اللغة، فأنا لستُ ممن يفهم الجمال صفقة عاجلة!!
كانت تبحث عن جواب يطمئن نوازعها، جواب يختصر لحظة وجودها المزروعة هناك، انها ليست لحظتها، انها لحظة اكراه الكائن الذي تكون متعلقات جسده عبئا عليه!
لم أقل نعم.. ولم أقل لا.. تركتها معلّقة مثلي، وكنتُ مثلها معلّقا في الفجوة التي صنعها سؤالها، فهل أقوّض أحلامي دفعة واحدة لأشتري ما كنت أحلم به بثمن بخس؟
كيف لتلك المرأة ان تكون مشاعة بصوتها الذي تشوبه نبرة توسل؟
2
لن أشتريك أيتها المرأة.. أريد احلامي التي طاردتك فيها.. أريد نفسي التي انفرطت في الشتات وهي تبحث عنك، أريد كبرياء الكائن وهو يجد نزوعه في الآخر، لا بضاعة مشاعة على واجهة العرض يقلّبها أي كان!
نعم أنا أريدك.. ولكن ليس بمفردة الشراء القاسية.. ولا أريدك.. لأنني لا أريد أن أقايض الجمال بدراهم معدودة!
عندما رأيتك اصطخبتْ فيّ أصوات قادمة من جهات بعيدة ومن المؤكد انها جهات الحرمان!
سؤالك الجارح أعادني الى كهوف نفسي، الى ذلك الحيوان البدائي الذي لم يتعرف على جوهر الأشياء بعد، فربما ضحّى بجوهرة نادرة وهو يحطم بها رأس أفعى من أجل الظفر بوجبة عاجلة!!
ليس بامكاني أن أتركها وأمضي حتى لو تذرعتُ بآلاف الحجج وخدعتُ نفسي بمجلدات من التبريرات، لقد توغل سهمها فيّ ولا أريد لأحد أن ينتزعه من أحشائي، لن أخذل ذلك السهم حتى لو نزفتُ دمائي كلها!
لن أشتريك كسلعة.. أريدك توقا جماليا..
طالما حلمتُ بامراة تنقذني في لحظة حرجة لا تنتمي للتاريخ ولا لكل التسميات، إمرأة ليست للتدجين اليومي ولا لملء فراغات الحياة، إمرأة تسوق الفراشات الى أيامي العاطلة، إمراة تستدرج الحياة التي لم أعشها، إمراة لا تنحشر في سجلات الأنثى، لها في كل التفاتة علامة تحثّ الجمال على أن يقف على ساق واحدة!
كانت جملتها تلك طعنة قاتلة ولغة مستباحة تعرّي كل قواميس البراءة.
هل كانت تمزح معي لتختبر شخصيتي وحواسي، هل أرادت ان تبحث عن معنى آخر لنظراتي الشبقية اليها لتصنفها في خانة أخرى، أكون فيها الخاسر الذي سقط في امتحان البراءة؟
هل عرضت نفسها بهذه الطريقة لتكتشف نفسها فيّ؟
هل كانت تلك المرأة قريني الذي يوسوس لي في المساحات المفتوحة؟!