1
نحن كائنات هشة لا يستقيم عودها إلاّ بالأكاذيب.
نرمّم الآخر بالأكاذيب ونرمّم أنفسنا من خلاله.
الطلاءات وحدها جديرة بنا، وبهذا الكائن الذي يحاول أبدا أن يموّه حقيقته!
لابد أن أتغافل عن تاريخك المخزي لأكتب لك تاريخا مضادا، لابد أن أسوّد الأوراق لكي يتجلى بياضك ويتضح ويبُين ثم أقول: الآن حصحص الحق؟!
كلنا مبرأون، لا شائبة فينا ولا لطخة، هذا ما تقوله أكاذيبنا!!
الذي تعرفه معرفة حقيقية وتعرف ماضيه، يرتدي الآن جلبابا ناصع البياض، وعليك أن تصدق ان هذا هذا الجلباب محا سواد أيامه الماضية!
وحده البهلوان لا يكذب ولا يزيّف الأقنعة التي يرتديها ولا يدّعي انها بديلة عن شخصيته الحقيقية، ولكن بهلواناتنا يغيرون شخصياتهم مع تغيير ملابسهم، فالتطابق بين المظهر والجوهر لا يتعدى عندهم هذا القياس!
نعم لابد من الكذب فهو الترياق الذي ندّخره مع السموم!
وما دمنا ننادي بعضنا من مسافات بعيدة، لا تسمح بتبيّن القول، كي نخبص أنفسنا بالنداء وننسى المُنادى، فلماذا لا نملأ تلك المسافات بالأكاذيب؟
الأكاذيب جعلتنا نبتكر الكثير من الأصنام التي تقودنا، نحن العميان والغمّان، منذ فقدنا الأهلية ونصبنا أوصياء علينا.
نرقّع اللحظات المتصدعة بما تخلّع منا، فكأننا نواسي أيامنا بالسقوط، وكأن الخيانة وجدت ضالتها لكي نبررها بالأكاذيب.
كلما تقدمنا في الأكاذيب انحشرنا في الزوايا الأكثر ضيقا، وانطمست هويتنا وأصبحنا طفيليات غارقة في هلاميتها.
2
يبدو اننا ابتكرنا اللغة من أجل أن نكذب فيها وأن تستغرق حواسنا بالأكاذيب، فهي التي تجعل كل شيء ممكنا ومتاحا.
الذين خرجوا من مدننا، لفّقوا لخروجهم أكاذيب علينا تصديقها، وتلك هي ضريبة عودتهم الينا ثانية!
أكاذيب تمرر عبر واجهاتنا لتكتسب شرعيتها، تنشطر فينا، نحن حاضنتها، دورة حياتها وأزمنتها اللاحقة.
عندما تحوم الأكاذيب حول شخص ما، ذلك لأنها تجد نفسها فيه فالرواية تنتشي برواتها، وفي أغلب الأحيان تكون وسيلة ايضاح لما يقوله!
مادامت الأكاذيب عابرة للقارات وعابرة لشروط الوجود الانساني فغالبا ما تتلبسها الأوهام.
أصبحنا حمولات فائضة تتساقط على جانبيها الأكاذيب.
في عالم الأكاذيب لا تلتقط أنفاسك وغالبا ماتكون نهبا للمفاجآت.
كل ماهو محال تستعيده الأكاذيب، وتلقي به كما تلقي بالنرد على طاولة الحياة.
فصائل تتناوب على حراسة الأكاذيب التي تُزق الينا زقّا.
ماذا يفيد الميت لو وضع في تابوت مصنوع من الذهب الخالص؟
أنها فرصة مجانية لكي تجعل من الآخرين لصوص مقابر، تلك هي حال أكاذيبنا، التي نتلقفها ممن ينسبونها إلى قدسية مزعومة، فنتهافت بلاوعي منا، لسرقة أنفسنا.
المعنى لا يختمر عندنا، فعقولنا تريده أن يبقى فطيرا، لنضحك على أنفسنا.
وسنبقى نعتاش على مروياتنا التي هي نيتاجيف الأكاذيب.