1
علّمونا منذ الصغر على أن نهلّس ريش الطيور لنحول دون طيرانها، ومنذ ذلك الزمن أصبح التهليس مهنتنا، فأخذنا نهلّس كل شيء يصادفنا الى أن بلغنا أقصى درجات الاحتراف في تهليس أنفسنا لكي نحول بينها وبين وثباتها!
المهلّس أو المهلوس ذلك المُستباح، الذي صيرته الاستباحة شكلا لها، فرضيَ بذلك او أُجبر عليه لكنه في الحالتين استحال الى ايقونة للذل!
هناك من يتآمر على نفسه أو على قوى الكائن الخلاّقة فيه فيستمرئ انحشاره في هذه الايقونة.
نتفَ ريشه أو نتفوه له وكتبوا على جلده الأملح شعاراتهم وعلّقوه عند المفترقات!
هو المرمي والمقذوف كأي نفاية والمُقصى مثل زائدة دودية، الفائض الذي لا ضرورة له، لا يسند شيئا ولا يسنده شيء.
هو خارج مرقاب الآخرين ولا يعوّل عليه في النظر، وغالبا ما يشوش الرؤية بكتلته! تراه هنا وهناك هامشا يرعى في خرائب نفسه، هائما بين الليل والنهار ولا يحتويه مدار ما.
في كثير من الأحيان نهلّس أنفسنا إرضاء لنزوات الآخر الذي يريدنا بلا أجنحة محلّقة، مجرد حيوانات داجنة تأنس لعلفها. لا أدري لماذا تتضخم قائمة المهلوسين أو المهاليس عندنا، أولئك الذين يشيعون فكرة ان السماء لا تصلح للطيران!!
كل مهلوس مستلب وليس كل مستلب مهلوسا، فهناك من يحاول الطيران حتى لو كانت عنده ريشة واحدة!
المهاليس أبواق جاهزة تشرخ هيبة التاريخ.
المهلوس ذلك الكائن الذي يسعى الى أن يكون خفيفا في حلبات الآخرين وجاهزا لتنفيذ أية مهمة. المهلوس مثل المهلْوس لا يعرف ماذا يريد ولا يحيا إلاّ في الهذيان!.
2
يولد الانسان بكامل قيافته الآدمية وتكوينه الالهي ولكن ثمة من يتخلى عن هذه القيافة فهو لا يريد أن يصارع القوى المحيطة به أو يكون ندّا لها، لا يريد أن يكون ذاته، يريد أن يكون مهلوسا أو مهلّسا ومكشوفا أكثر مما ينبغي.
يتلاشى رويدا رويدا لأنه يشعر في قرارة نفسه انه منذور للتآكل.
الأمم المُهَلّسة هي التي فقدت دالتها في الأزمنة فأصبحت تخوض في مستنقغات أنفسها.
لا مكان للطيور الجريئة وسط الكثرة الكاثرة من الطيور المهلّسة وبالتأكيد سوف تجبرها على العيش معها في محمياتها!
أرتال من المهاليس يساقون الى حتوفهم في كرنفال مهيب للانهلاس!
الانقياد الاعمى هو تهليس بل أقسى أنواع التهليس شراسة، انه تهليس الى كل ما يمت الى الكائن بصلة.
الانسان الحقيقي يسعى لكي ينمّي دفاعاته أما المهلوس فيسعى للتخلص منها، انه يدفن نفسه كل يوم في ما انهلس منه دون أن يعي ذلك. الجاهز للانهلاس هو ذلك الذي يلقي سلاحه مستسلما، لمجرد انه تناهى الى أذنيه من بعيد صفير ما، الخائف من أية مواجهة، الذي أدمن لحس الصديد المنبعث من كل مسامة من مسامات جسده، الذي لا مكان له إلاّ في مسطر المهاليس، فلربما فرصة تُعرض عليه ليمارس مهاراته في الهلس!
الشعارات والهتافات الببغاوية تهليس للعقل، الانحناء للاصنام البشرية تهليس، كل ذلك نتاج الجهل الذي هو المهلّس الأكبر.
يقول أحد أمثال الشعوب: الجاهل لا هو انسان مفيد ولا حيوان يُنتفع به!!.