1
أفنينا أيامنا ونحن نترقب الأخبار العاجلة، فقد سحقتنا هذه الدوامة؟!
كانت الأخبار العاجلة فيما مضى هي لعبتنا الوحيدة وهي تنتقل بنا من مقبرة الى أخرى، وكنا محض أشباح بشرية تنتظر لحظة سقوطها فيها، كنا أسرى هذه الأخبار فهي التي ترسم لنا شكل أيامنا وتفاصيل حياتنا وربما تختار لنا نوع الشاهدة التي نضعها عند كل قبر!
أخبار لا حصر لها تستدعينا وكأنها تريد أن تفرّغ حمولتها فينا، فما دمنا عجولين مثلها فهي لا تتركنا لشأننا، ستمضي معنا الى النهاية وربما نصبح وجبة لها في أية لحظة!
معظم الأخبار العاجلة لا تقول شيئا، فهي لا تُعنى بنا ولا بمستقبلنا ولا بأيامنا المضاعة بينها، لكن عقولنا أصبحت سلال نفايات لها.
انها لا تفشي سوى عجالتها..
هناك أخبار عاجلة تحاول أن تشكّلنا على مزاجها الدموي فننخرط فيها كأي ضحايا مجانيين!
الأخبار العاجلة التي تُصاغ بطريقة استفزازية تبحث عن نفوس مُستنفرة، تسعى الى تحطيم كل شيء فهي لا تجد نفسها إلاّ في الضجة المفتعلة لتتسيد الموقف.
نترقب الأخبار العاجلة كمن يبحث عن نفسه في متاهة، ربما هي حالة مَرَضية تلك التي تقودنا الى تلمس الأشياء عند الحافات القلقة وفي النهايات الملتبسة.
تستبد بنا الأخبار العاجلة ونرزح تحت هيمنتها وهي تفرض قيمومتها علينا ولا مناص لك من ان نرتّل حروفها ترتيلا!
خرجنا من أنفاق الأخبار العاجلة لندخل أنفاقا أخرى أكثر عجالة وأكثر هستيريا، جعلتنا نعيش في عمائها ونتوطد فيها، بل أصبحنا رواة لها!
2
الأخبار العاجلة تحيلنا الى المؤقت الى تلك الهشاشة التي لا تعرف نفسك فيها ولا تعرف ما الذي ينتظرك أو تنتظره؟!في كثير من الأحيان نتوسل السماء لتمطرنا بالأخبار العاجلة من أجل ان ترتوي صحراء الترقب الكامنة في ذواتنا!
في كل صيحة مكبوتة يتناهى خبر عاجل يود الافصاح عن نفسه.
إن شحّتْ الأخبار العاجلة تكفلنا بصناعتها وبثها على الملأ ثم تتسرب بيننا كاشاعات لا سبيل الى دحضها. غالبا ما ننسى أنفسنا في الأخبار العاجلة لنبتكر لها طفيليات تغذيها.
لن نسمّي أخبار الموت أخبارا عاجلة، ولكننا نسمّي الذي يعجّل بها، ذلك الذي يستقدمها قبل أوانها.
اننا نسمّي الأخبار التي تتلاعب بالعقول وتسعى الى تغيير الاتجاهات والنوازع البشرية مثل هذه الأخبار هي التي تكون حاضنة لأخبار الموت.
تختلط الامور وتحتشد وتتشابك وتصبح الحياة حلبة للملاكمة ولا نتبين الخصوم، ليس إلاّ الزعيق والضجيج ومذيعو النشرات الاخبارية يطلون علينا بين لحظة وأخرى ليخبروننا بانهم سيذيعون علينا بعد قليلا خبرا عاجلا وان فلانا او فلتانا سيوجه خطابا عاجلا الى الأمة.. و.. و.. وعيوننا مشدوهة والأبصار شاخصة لنكتشف بعد التي واللتيا بان ما حدث هو مجرد بروفا لتكملة مسرحية الاستلاب والخداع والتضليل!!
كل ذلك والدولة غائبة أو هي في غيبوبة أو ربما هي مثلنا جالسة تترقب الأخبار، ولا نعرف من بيده الحل والربط! يقول الله تعالى في محكم كتابه: "لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّۚ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ" الانعام 67. واذا كان أحد تفاسير هذه الآية يقول:
لكل خبر قرار يستقر عنده، ونهاية ينتهي إليها، فيتبيَّن الحق من الباطل، وسوف تعلمون - أيها الكفار- عاقبة أمركم عند حلول عذاب الله بكم..
لكننا نقولها بلافتة عريضة:
ان أخباركم، أيها السادة، عميتْ علينا ولا ننتظر منها حقا، بل هي الباطل بعينه، بل باطل الأباطيل.