1
هناك من يتطفل عليك وعلى خلواتك وعلى زمنك برمته تحت عنوان الصداقة، يحاصرك بحضوره الثقيل، ويسد عليك منافذ الهرب وكأن جهرته هي ضريبة البصر التي عليك تسديدها عاجلا!
لا تعرف كيف انحشر معك وأصبح من المحسوبين عليك في ليلة وضحاها؟
أية مسالك سلك وأية مقتربات قربته منك، رغم انك في قرارة نفسك تحذر منه، ورغم تواطئك الظاهري في قبول صداقته!
كل لحظة له رأي، الفكرة عنده هي التي تخدم لحظته، زمنه مرتهن بها.
تتغاضى عن لغته المزعجة وتغضّ الطرف عن نوازعه المريبة، وتنصحه مرارا إلاّ ان ذلك لا يجدي نفعا معه.
لا يرى الأشياء إلاّ في لونه المتقّلب، الذي لا يستقر على حال.
ذلك العنيد في حماقته، يصنف الآخرين على وفق هذه الحماقة، يريدك، ضمنيا، أن تتفرغ له وحده، وأن تسخّر أيامك لنزواته.
لكنه يشعرك إن لا وجهة له إلاّ وجهتك، لا حبّا بك، وإنما لأنه لم يجد سواك من يعامله بلطف.
انه إبن ما يوطّده، وحين يُطرد يبحث عن توطّد آخر!
السُبل الملتوية التي يسلكها بعضهم في التودد للآخر، تجعلك تتغافل عنها، رغم كونك خبيرا بها، قائلا في نفسك:
ربما أكون مخطئا ولماذا عليّ أن أكون سيئ الظن دائما؟
الحقيقة ان سوء الظن ليس حالة مَرَضية كما يعتقد بعضهم، انه نوع من الفراسة وهو من حسن الفطن كما تقول العرب.
2
هو بدونك جرذ ضال، ولذلك يتشبث بك، أنت تعرف ذلك ولكنك تشفق عليه، فتقول له قولا ليّنا، وتحثّه على أن يكتشف نفسه بدلا من مطاردة أسراب الذباب.
كل فعل من أفعاله يستوجب الاعتذار، لكنه يتوسل اليك، بصورة غير مباشرة، في أن تجد مبررا له كي يبقى إلى جوارك!
يستوطنه القلق دائما، وعندما تسأله عن سبب ذلك يحيل الجواب إليك، وعليك أن تبحث عن أجوبة تُطمئِنه!
غالبا ما كنتُ أرتابُ من هذه النماذج، ولا أقود الأمور معهم إلى نهاياتها، خشية أن يتقيأ ذلك الإنسان دود أعماقه دفعة واحدة ويحصل ما لا يحمد عقباه.
الكثير منهم يتكتم على صراخ وحوش الغابة في بواطنه لكنها تنفلت في غفلة منه، وستدرك لحظتها، انك كنت تتعهّد عدوا دون أن تعلم!
وستكتشف في نهاية المطاف انك لم تعامل هذه الشخصية الهزيلة بما تستحقه، وانك أطلقتَ شياطينها لتتغوّل عليك!
القطيعة النهائية معهم، تكون أحيانا مثل الكي، فهي آخر الدواء.