1
الجميع يصرّح ويتبرأ من تصريحه في اليوم التالي، يقول ويتنكر لأقاويله، وبين هذا وذاك نحن أسرى الضدين الذين لا يلتقيان: حانهْ ومانهْ!
كلّ متشبث بقناعاته ويدلي بحججه الراجحة كما يظن، بغض النظر عن صدقها أو عدمه، تلك الحجج والقناعات التي تشكّلت عبر أزمنة من الشبهات.
الجميع يصنّف الجميع ويضع علامة فارقة على سواه، وكل طرف يظن ان الحقيقة معه.
ليس هناك ما ترجّحه أو تعوّل عليه في هذا الوطن، كل بطانة تضع شاخصها في المقدمة ثم تنصب فخاخا من حوله والويل لمن اقترب منه!
عندما يشعر الانسان ان الخلاص لا معنى له وان لاجدوى من الانتظار فهو أمام خيارين، أمّا أن ينخرط في لعبة الاستنزاف أو ينأى بنفسه بعيدا، ولكن هل ثمة منأى أو منتأى، حيث الحياة لا تستقيم إلاّ بالتهديد والقتل؟
مادام التاريخ تتحكم به الشبهات وتسيّره الظنون ويفتي فيه كل من هبّ ودب وينط النطاطون الى جميع الاتجاهات فليس هناك إلاّ الدخان الذي يعمي الأبصار، بل هناك من يستقتل من أجل ادامة هذا الدخان لكي يصبح العماء شاملا!
انها خصومة أطرافها التاريخ والمرويات والخرافات والأساطير والجغرافيا والسياسة وحتى الأسماء دخلت طرفا فيها، خصومة يصح أن نقول فيها كما قيل سابقا: كلما خِيطتْ من جانب تهتّكت من آخر!
مناوشاتهم من النوع الجنوني، فما أن يمسك أحدهم بتلابيب الآخر حتى تصبح المشكلة هي في كيفية فض الاشتباك باتجاه اشتباك آخر، وهكذا تستمر هذه الدوامة على هذه الرنة!
منطق العصابات هو المطّ الى مالا نهاية، من أجل استنبات سلالات متعاقبة من المجرمين، أولئك الذين لا يستوعبون العالم دون جريمة!
2
هناك مراوغة لذاتها، مراوغة تسعى لتبقي المُراوغ في المقدمة، مراوغة لا تسعى الى الحوار مع الأطراف المتنازعة، بل الى تبديد الزمن بهتافاتها الصبيانية!
أقسى أنواع المواجهات عندما تكون الخصومة ليست وجها لوجه وانما خصومة مستترة، فالذي يقف الى جوارك يحفر تحت أقدامك في غفلة منك، حتى يبدو الأمر وكأن الجميع يحفر تحت أقدام الجميع. هامش التحرك والمناورة واسع، فهي ليست حرب جبهات.
هل نحن ازاء حكاية تؤجل نهايتها على الدوام لتبدو بلا نهاية؟
تتصدع الأحوال وتتردى الأوضاع وكل يوم نزيل أنقاض اليوم الذي سبقه!!
دولة لا تستطيع أن تنفّذ قوانينها ولا تمتلك آلية التنفيذ، ليست دولة وانما هي تجمّع لمشبوهين، مهمتهم الوحيدة هي افراغ الخزينة.
هل هذا هو قدر الوطن أن يضيع في سجالات الحمقى والتراشق المتبادل والاستماتة العمياء للحيازة؟
الأبرياء أصبحوا الوجه الآخر للمجزرة، دماء تسيل كل يوم والدولة تستنكر، وكأنها ليست شريكا في الجريمة!!