1
الضمير المتهستر عندنا يختزل جميع الضمائر، الحاضرة والغائبة والمغيّبة، والضمائر المعلّقة بينهما والتي تخرج رؤوسها وتخفيها، وهو الذي ينطق نيابة عنها ويحدد أزمنتها التي ينبغي أن تحياها!
انه ضمير الأنا المتكلم، الذي هو أكثر الضمائر شراسة وعدوانية، حيث سرق أدوار جميع الضمائر المعلنة والمستترة وجرّدها من أيّ امتياز، ذلك الضمير الفرعوني الذي قال فيما مضى: " أنا ربكم فاعبدون... وما علمت لكم من إله غيري " وجاء بعده من قال: " الدولة أنا "..
وغيرها على نحو: إذا قال فلان، قالت القطعان!!
اي ليس هنالك ضمائر إلاّ ضميره المتهستر، فقد تساوى الحضور والغياب عنده!
الحاضر مُقصى ولا أثر للغائب، الغائب أخذ أثره ومضى، أصبح حكاية منسية في حضور الأنا المتهسترة، التي لا ينبغي إلاّ الاشارة اليها وحدها، فهي الماضي والحاضر والمستقبل..
لا يعيش الضمير المتهستر إلاّ في في الهستيريا، في صناعة المشهد الذي يتفرج عليه ارضاء لنزواته، ولا تهمه التكاليف الباهظة لهذا المشهد، حتى لو كان جثثا تمتد من أول الأرض الى آخرها. وهو يطالبنا دائما بالسير خلفه وحده، وتنزيهه عن الخطأ، فخطواته لا شبيه لها ولا مثيل، فهو إله يمشي على الأرض.
لا ينظر المتهستر إلاّ الى فخامته المُنتزعة من تقاويم الآلهة، هو القول والقائل، الشمس وضياؤها.
انه يسعى لكي يخلق متهسترين مثله دون أن يعلم، فلا بد للهستيريا، والحالة هذه، من هتافات وزعيق وأصوات مجنونة لتكتمل المسيرة الى الهاوية!
الضمير المتهستر ينظر الى الآخرين كما ينظر الى هوامش ضالة لا مكان لها الى جواره.
تاريخنا عبارة عن هستيريا تقتص من نفسها، أصوات متشابكة لا تقول شيئا، أنوات مريضة لا تعيش إلاّ في اقصاء الآخر والغائه من الوجود، وتسعى الى أن تلقمنا تعاليمها الخاصة في هذه الخبصة!
2
المتهستر ضمير مصاب بالسعار، لذلك فهو يسعى الى تهييج سعاره في من حوله، ثم ينتقل هذا السعار مثل العدوى فترى الجميع وقد ارتدى زيا واحدا هو زي السعار ولا أحد يستطيع الافلات منه!
حتى الصمت يصبح سعارا يأكل صاحبه وينخر أحشاءه، طالما ظل يدردم في نفسه ولا يستطيع المواجهة والبوح بصوته.
الضمير المتهستر هو كل فكرة استحواذية وكل دلاّل في مصارف الدم وكل من تمرّس بلعب شيطانية وتمثّل روح الشيطان سرا.
هو ذلك الحزب الذي يتخذ من المقدس راية له لخداع السواد الأعظم من الجهلة، تحت ذريعة انه دليلهم الى الله، وهو وحده من يمتلك الحقيقة وما عداه باطل.
هو ابتلاء الضمائر ونزيفها الذي لا ينقطع، هو الآن الذي لا يشبه أوانه، الذي يتنكر لكل من لا يمجد لحظته، التي هي الزمن كله.
كل ما ليس له يضمه الى مستودعه، فله الحق في الاستحواذ على كل شيء والاحاطة بكل شيء ولا ينبغي لأحد أن يسائله لأنه خارج كل سؤال.
ليس لنا منه إلاّ أجوبته التي تفتي في المصائر، وهو وحده الذي يقرر الأعياد والمآتم والمناسبات الغامضة. ذلك الذي يسطو حتى على أحلام الآخرين ويجنّد من يتقصّاها.
يحشر نفسه في أدق خصوصيات المعرفة وما يقوله هو موعظة لجميع الضمائر.
عندما تختلط الأمور ويشتبك أولها بآخرها، غالبا ما تتكفّل الضمائر المتهسترة بإدارة دفة الأمور!!