1
يا للخيبة... فما أنا الا رقم من الأرقام..
قطرة في هذا السيلان البشري..
أعداد تتساقط وأعداد مرشحة للسقوط، أعداد عالقة بين الحياة والموت، أعداد اختفتْ ولا نعلم عنها شيئا، بل انها لا تعلم عن نفسها شيئا.
نحن نعيش في متاهة الأعداد، في انشطارها الأميبي. أعداد بلا معدود تبدأ رحلة التيه.
أعداد لا تشبهنا ولا تشبه حتى نفسها، انحشرت هنا وزُجّ بها هناك، ثم اقتيدتْ بعد ذلك إلى مصائر مجهولة.
لقد خرجنا من هيبة الأعداد لندخل أنفاق انحطاطها، طالما انها تزحف على شكل كتل لحمية معصوبة الأعين.
الأعداد تحشرنا في بياناتها، نحن بضاعتها الأكثر كسادا في أسواق المزايدات.
كنا أعدادا في مدونات الحروب ومانزال.
الأعداد تتعكز على بعضها في محاولة للمّ شمل المعدود!
مآتم الأعداد عندنا ونحن الذين نواسي معدوداتها.
أعداد تخرج من خانق وتدخل آخر،
أعداد لا يُستدل عليها إلاّ حين تكون خارجة من الحياة،
أعداد أشبه بزوائد تشرخ هيبة العدد.
نحن أبدية الأعداد، نهرب من عدد إلى آخر، وكأننا نتبادل شواهد القبور.
أعداد بشرية تتزاحم فتحجب وجه الانسان الحقيقي!
عندما تصبح الأعداد شغلنا الشاغل فان الزمن يصبح بلا معنى، حتى أحلامنا يتم ترقيمها!
الأعداد الساقطة لا تهمنا طالما هناك بدائل تنوب عنها،
هكذا تصبح الأعداد قطيعا يواصل دوره، إذ لا قيمة لها إلا الاستغراق في هذا الدور حتى النهاية.
الواقفون خلف المنابر يسوقون الأعداد باتجاه مآربهم، باتجاه النهايات وكأنها حطب لها، وغالبا ما يستعينون بما تبقى منها لتأدية دور الكومبارس، أو الضحايا المتناثرة على أرض حرب قادمة!
تتضخم الأعداد في لحظة وتتضاءل في لحظة أخرى، وما بين اللحظتين ثمة من يبحث عن أرقام ليجاهر بها على الواجهات، فقد أصبحت الواجهات مصيدة للأعداد!
2
في غرف تشريح الموتى تقترب الأعداد من نفسها، فهي تواجه ذواتها بلا موجهات ولا أوامر صارمة، صار العد خارجا عنها ولا يعنيها في شيء، بل غالبا ما يتم التكتم على الأعداد الحقيقية للجثث!
الاقامة في الأعداد هي اقامة في المؤقت، فاذا كان تكدسها لسبب فان انفراطها سيكون لسبب أيضا، وعلينا أن لا نتجاهل دروس التاريخ في ذلك.
العبيد أعداد تستهلك بعضها في دوامة الانحطاط.
الذي ينمّي أعداده انما ينمّي شيئا خارجها، فهي لا تعني له شيئا بذاتها قدر ما يعنيه توظيفها في غايات تخصه.
معظم الذين يكتبون عن المواجهة المحتملة انما يكتبون بذاكرة الأعداد والحشود، وكأنما الأعداد هي التي تصنع التاريخ!
من الاجحاف أن نحشر الأشخاص الذين سخّروا لنا العالم بابتكاراتهم العلمية في موازين الأعداد، انهم من تقاويم الندرة التي لا تخص العدد.
عندما يتحرر الفرد من تبعية الأعداد يرتقي بذاته ويجسدها كما هي، لا كما يُراد لها.
نحن هنا أو هناك، أنساقنا العددية تبعدنا عن ذواتنا، وتجعلنا وجبة سائغة لكل طارئ، أشبه بنباتات متناثرة في صحراء الوجود.