1
عندما تتابع أخبار العراق، فانك لا تتابع أخبار دولة وانما حكايات عجيبة غير قابلة للتصديق،
لو كانت شهريار حية بيننا لروتْ لشهريارها حكايات عنه تجعله يشيب في الليلة الأولى!
ولو كان الدادائيون يعيشون في العراق لما احتاجوا الى خيال جامح يؤالف بين المتناقضات، يكفيهم أن ينقلوا الواقع كما هو وتصوير الأحداث كما هي.
حتى الخرافة نفسها لا تصدق ما يحدث هنا.
ربما تسرب اللامعقول الى عناصر الطبيعة ذاتها، فتشكلت عندنا عناصر هجينة لا تعرف وظائفها الحقيقية.
ليس هنالك مُخرج يستطيع الاحاطة بهذه الكوميديا السوداء ولا مَخْرَج لتهرب منه.
أخبار أشد فتكا من السموم،
بل السموم أقل منها ضررا حيث انها تقتلك بجرعة واحدة،
أما هذه الأخبار فهي تعلعلك وتجعلك معلّقا بين الحياة والموت.
ليست هناك حكاية لكي تقبض على خيوطها وانما هناك خيوط تلفّك وتلقيك في دوامتها.
انها تقودك الى المتاهة والمتاهة تقودك الى متاهة أخرى،
فلا خيار لك إلاّ أن تعض لسانك واذا سقط منك فليس من حقك أن تنحني لتلتقطه!
نحن نعرف ان الأزمنة تدور دوراتها لتسقط من تسقطه وترفع من ترفعه،
ولكنها عندنا بحاجة الى من يدلّها على نفسها!
وان تجرأتَ وسألت:
ما الذي يحدث، ما الذي يجري؟
ستأتيك لطمة من السؤال نفسه.
كل شيء يحتال على نفسه لكي لا يكونها.
الذي يعدو لا يعرف اتجاهه والواقف لا يعرف ماذا ينتظر والذي يراوح في مكانه يظن ان لا مكان آخر سواه.
انقطعت السبل أم تقاطعت لا فرق،
وبين هذا وذاك تخرج لك أفواج لا تعرف ماذا تريد منك أو تريد منها ولكنها تدعوك أن ترطن معها؟!
فقد الكائن هيبته أو كأنه يهرب منها،
بل أصبحت تهمة يحاول أن ينفيها عن نفسه.
كل الأخبار تقول لك:
لا مكان للأسوياء هنا، كل عقل جريمة تعاقب عليه المليشيات!!
2
أخبار العراق ليس مهمتها أن تخبرك، وعليك أن لا تسعى الى ذلك، بل أن تهيئ الأقنعة الخاصة لها!
هي ليست أخبار الحياة ولا الموت ولا البرزخ ولا الماوراء، انها خلطة عجيبة مما يتساقط، وعليك أن تكتشف جهات السقوط، تلك هي الحرية الوحيدة المتاحة لك!
ليس من حقك أن تقول: أنا هنا أو هناك، دون أن يكون لك من يحدّد جهتك!
في العراق لا تقل: أين أنا، بل قل أين أنت، فضمير الغائب" أنت " يمنحك فضاء واسعا للمناورة والافلات.
عليك أن تتلقف الأخبار مثلما تتلقف المفخخة، واذا تناثرت أشلاؤك فليس معنى ذلك ان المفخخة هي التي قتلتك، وانما بسبب كونك وضعت نفسك في طريقها.
كل النوافذ مغلقة وما يتراءى لك تورّط فيه كثيرون، هنا درب الصد مارد، هنا حفر سوداء تشبه الثقوب السوداء ولا تعلم كيف تبتلعك.
هنا مطابخ للأخبار العاجلة التي تُبث كل لحظة، فثمة طوابير من الأخبار تنتظر دورها، وهناك طوابير من القتلى ينتظرون دورهم فيها.
أعوام مرت ونحن لا نعرف نوع الأخبار التي نريدها ولا عمّ تتحدث، ولماذا تحثّنا على الانزلاق!
الأخبار تبدأ عندنا بعد أن ننام، فهي تستمد مادتها من الكوابيس.
لم يترك لنا المنبريون فسحة لتجنب الغرق في مجاري الأخبار، بل حرموا علينا حتى التلويح قبل أن يجرفنا الموج الى أعماقه!
ليس هناك أخبار في العراق وانما أبواق وزعيق هستيري، فثمة قناعة سائدة وهي أن تجد الأخبار ضالتها في الهستيريا.
نشرات يومية تجعلك مستباحا وتقلّبك على البطانة لتقول لك: انها تعرف نوازعك وأنت بين هذا وذاك مرتهن بما سيؤول اليه أمرك في نزيفها الذي لا ينقطع.
أخبار تشتتك، وأنت المشتت أصلا، لكي لا تبحث عما يخصّك فيها، وانما تسرب اليك ما يخصها فيك.
اخبار توقظك من نومك لكي تفرض عليك أحلامها، كل ما يحيط بك، هو طُعم لها، وعليك ان تتقبل هذا الطُعم صاغرا.