1
أتمنى لك سعة في الأفق وسعة في الرؤية، وان لا تتشابه عليك الأيام وان لا تكون شُبهة فيها، وان لا يكون ندمك استدعاء للأيام الفارّة منك!
كل لحظة تغيّر مسارك هي ولادة جديدة، فلا تقف عند يوم ولادتك كمثابة للأيام، ولا تحيل زمنك برمته اليها، فكم من ولادة وجدتْ لها سجلا آخرَ في تقاويم الارادة، فانكتبتْ من جديد، وكم من ولادة هي أشبه بتراكم طحلبي على مستنقع!
المرارة التي تداولتنا، لم تجعل لنا ذائقة تميز نكهة الأيام فكلها عندنا متساوية!
أنّى لك أن تناور التماسيح التي تسبح في بركة حياتك، وهذا الغبار الذي يغشى العيون والذي هو كل ما تبقى لك، فهل يصلح ان يكون بطاقة بريدية أبعثها لك؟
هل تعرفنا الأيام حقا، هل أُوتيتْ المقدرة على تمييز المسوخ الذين علقوا في فراغاتها المنسية؟
هل أبعث لك ببطاقة ملونة وأنا لا أمتلك لونا حقيقيا يجاهر بي، نحن ما تساقط من الألوان، محض لطخات مريبة على صفحات البياض!
كل تهنئة هي رشوة للعقل لتفسد الحواس، فعلاقاتنا الكاذبة لا تستقيم إلاّ برُشى الأقوال.
هل ان التهنئة هي محاولة لردم ثقب انفتح في جدار حياتك لكي نطليه بزخرف القول؟
كيف يتأتّى لي أن أجمع الأضداد لأسوقها اليك، فأبشّرك بما كانت حياتك حرمانا منه؟
هل أقول لك كل عام وانت بخير، وأنت ورم طارئ عليها أو طفيلي التصق بها؟
الأيام ورطتك الكبرى، فكيف أنقذك من ورطتك، من تلك الخفافيش التي تكفّلتْ بك؟
كان ينبغي أن أقول لك: أتمنى أن تخرج من هذا المصح، من هذا الجنون الذي يطوقنا من جميع الجهات، من هذا العالم المعتل.
قاموسي مثقل بأسماء الذين سقطوا والذين سيتساقطون.
هل كان احتفالك بهذا اليوم يشبهك، وهل ان الذين وفدوا الى الحفلة يحملون ذات الأسماء التي تستدعيها رغباتك المكبوتة، هل تريد أن تتذكرهم حقا من خلال تذكّر أيامك؟
2
كل عام وأنت بخير.. ثم ماذا.. ماذا توحي لك جملة المجاملة هذه؟
هل تشعر بانها خرجت من بئر لا قرار له، خرجتْ لتواسيك في بحبوحة الأوهام، خرجتْ لتقول لك أيها الحصان المقصي من المضمار أما زلتَ تبحث عمن يهتف باسمك؟
وهل سأعيد عليك نفس الاسطوانة في العام القادم؟
أيها العائم على أمواج أعوامه، هل قبضتَ على الدر المخبّأ فيها، أم انك مطرود منها مثلما يُطرد الزبدْ؟
عيد الميلاد يجعلك دائم التلفت الى أيامك المنتهبة، وهذا بحد ذاته عقوبة!
منذ أن أتينا الى الوجود وثمة من يطاردنا، يتجلّى لنا بهيئات شتى، لكنه في جميع الأحوال يتخذ من أجسادنا لوحة يدوّن عليها مقاماته المختلفة، ربما يقول أحدهم انه الزمن، ولكن أي زمن، ما دمنا لعبة في أزمنة الآخرين؟
ربما هذا هو موجز أيامنا التي لم تكن لنا، فلماذا نحتفل بها، لماذا نحاول أن نعلّق عليها راياتنا وهي تخص آخرين، لماذا نوهم أنفسنا باننا كنا، ونحن بلا امكانية ولا إمكان؟
كل عام وأنت بخير.. هكذا نقولها على عجالة من أمرنا، دون أن نعلّقها بالمشيئة الالهية، نقولها مجردة، عارية، فكأنها تواسي عرينا جميعا.
كل سنة تمر علينا هي نتوء على جدار الزمن، ثم تتراكم النتوءات، فتصنع منا سلّما نتسلقه مكرهين باتجاه القبر.
لم أحتفل بعيد ميلادي يوما ولم أمنحه فرصة ليتذكرني أو يتذكر جثتي فيه، الأعمار مما يتساقط وثمة من يحرص على أن يجمع أوراق سقوطه، هناك من يقرأ نفسه في هذه الأوراق وهناك من يطفو عليها وهناك الذي سرقه ما انكتب فيها، وهو يردد في نفسه: أيستحق كل هذا الخذلان أن نحتفل به؟