في مقال سابق تناولت بحثا عن تاثير البيئة على الانسان وتاثر الانسان بالبيئة التي ِيعيش فيها، هذه العلاقة قد تساعد على خلق سيرة ذاتية للانسان من جراء هذه التاثيرات والمؤثرات المشتركة والمحيطة به، كالطبيعة والحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية وحتى الدينية، وبين هذه التاثيرات، علاقات ترتبط بالانسان وتؤثر على تحديد هويته المستقبلية، وترسم له عالما يعيش في اجوائه ويؤثر فيه ويكتسب من هذا العالم هوية شخصية مشعة بحرفيتها ومهارتها وابداعاتها الفكرية والثقافية لتجعل من صاحبها كوكبا مشعا ومتميزا بين اقرانه من عباقرة عصره، وهذا شان كل عباقرة هذه العصور الماضية واللاحقة والمستقبلية، وكثير من الشخصيات كان لها تاثيرات ابداعاتها في عصرها، الا انها اندثرت وباتت في طي النسيان وقد يكون للاعلام سبب من اسباب هذا النسيان، الا ان ذكرهم جاء على لسان محبيهم والمعجبين بهم، متداولين اسمائهم وسيرتهم الذاتية وعلى مر العصور.
ولهذا وللاسباب نفسها وجب علي ذكر سيرة بعض الفنانين من السناطيين واسلط الضوء على مسيرتهم والظروف التي ساعدت على ظهور نجوميتهم في الساحة الفنية في العراق والعالم اجمع، ولهذا ساذكر الاجداد والاباء من السناطيين والذين كانوا يعيشون في قرية سناط وقبل نزوحهم وهجرتهم الى زاخو ومحافظة نينوى ومن ثم محافظة بغداد، لاسباب منها، الاظطهاد الديني وقتذاك، وانعدام الامن والاستقرار في تلك المنطقة الحدودية والتي تقع على الاراضي التركية والعراقية، والمعارك التي كانت تجبر السناطيين في الدفاع عن ممتلكاتهم وعلى اراضيهم ضد اللصوص وقطاع الطرق من السكان الحدوديين مابين العراق وتركيا، وقصة الشهيدتان السناطيتان نازي وجوان عطرتا بشهادتهما شرف كل السناطيين والسناطيات بعطر العفة والشرف واللاتي ذهبن ضحية اعتداء اثيم على عرضهن وشرفهن من قبل شرطة المنطقة الحدودية انذاك، الا ان الشباب السناطيين كالوا بالكيل مكيالين وثأروا لهن، وخرجت سناط بشبابها وشيوخها ونسائها واطفالها في موكب جنازة مهيب يليق بهاتين العروستين وحناجرهم تشدوا بالحان وترانيم جنائزية يليق بمقامهم.
اذن كانت هناك ترانيم كنسية وشعراء من السناطيين والمهتمين بالادب والفنون الموسيقية ومنهم الاب الروحي القس متي ربان، والذي اشتهر بقصائده بين السناطيين، منها الماساوية، والكوميدية، والمونولوجات الكوميدية الساخرة والمشتقة من الاحداث اليومية للسناطيين، مما شجعت بعض السناطيين على التلحين من هذه القصائد والمتوافقة مع الاحداث يومذاك.
المعارك والتي دافع السناطيين من خلالها عن اراضيهم ومصالحهم الاقتصادية، مما حفزت بعض الشعراء من السناطيين على انتاجات شعرية حماسية تحث من خلالها السناطيين على الدفاع عن اراضيهم وتبث القوة والشجاعة في نفوسهم.
اضافة الى المناسبات الحزينة والتي كان لها تاثيرا على الحالة النفسية للسناطيين دفعت الشعراء، وبعض الملحنين الفطريين من السناطيين والذين كانوا يستعينون بالحان فلكلورية من تلك المنطقة، ولا سيما النساء ممن يملكون من الحنجرة الصافية لتادية بعض الالحان في الماتم والوفيات، والعكس من هذا ايضا برزت اصوات جميلة كانت تحيي الافراح في الاعراس والمناسبات الدينية ومصاحبة مع الدبكات الفلكلورية والعزف على الطبل والزرنة، والجدير بالذكر، كانت هناك جوقات من النساء والرجال يتبادلن الغناء والرد فيما بينهم، فبرزت اصواتا نسائية جميلة ابهرت السامعين بادائهن الجميل، والموالات الفلكلورية للرجال والتي دفعتهم على التنافس فيما بينهم في الاداء.
اضافة الى ان موقع سناط في المنطقة الشمالية من عراقنا الحبيب، والمتداخلة مع منطقة كردستان العراق، ساعد الفلكلور الكردي على ان يؤثر بابناء سناط من حيث العادات والتقاليد الاجتماعية والفنية والفلكلورية وحتى اللغة الدارجة في المنطقة نفسها تداخلت مع اللغة السورث للسناطيين وتاثروا ببعض المفردات اللغوية الكردية فيما بينهم، ولهذا وحتى بعد نزوحهم وهجرة القسم منهم الى محافظة الموصل بقيت هذه التاثيرات مسيطرة على حياتهم اليومية من العادات والتقاليد ولاسيما في الافراح والاعراس، (وانا اتذكر في طفولتي وفي الخمسينيات من القرن المنصرم، كنا نحن السناطيين من الابناء والاحفاد، نجتمع مساء كل خميس في دار العم سعيد عزوز رحمه الله واسكنه جنات الفردوس في محافظة نينوى – الموصل-- ولكونه يملك (راديو) وقل من يملك مثل هذا الجهاز في ذالك الوقت، لسماع الحفلة الغنائية المباشرة للمطرب الكردي المرحوم حسن جزراوي وعلى الهواء مباشرة، نحن لم نكن نفقه شيئا من كلمات الاغنية الكردية، وانما صوته الشجي والحان بستاته الغنائية كانت تطربنا، واما ذوينا فكانوا يحسنون التكلم باللغة الكردية ويفهمون معاني مفرداتها )
ولهذا كله جائت هذه التاثيرات لتؤثر بشبابنا السناطيين وتولد بذرة من الاعجاب والتاثر بهذا الفلكلور الغنائي والذي اخذ هوية له سمي بالغناء السناطي والمصاحب بالرقصات والدبكات الجميلة والعزف على الة الطنبور، وتوالت الايام واخذوا الفنانين السناطيين بالاستعانة بالاجهزة الموسيقية الالكترونية واستخدامها في الاعراس والحفلات الاجتماعية مما ساعدت هذه الظاهرة على بروز اصوات شابة جميلة ومثقفة في الغناء السناطي، ومنهم اساتذة تتلمذوا على ايدي اساتذة الموسيقى والغناء في معهد الفنون الجميلة ومعهد الدراسات الموسيقية، وساهموا في تطوير وترسيخ الحركة الفنية في العراق، تجذر انتمائهم من سناط الحبيبة ليصبوا في معين العراق الفني ليكونون جزءا لا يتجزأ من التراث العراقي والفن الاصيل.
وقد اشتهر من بين هؤلاء الفنانين كل من الاساتذة الموسيقيين الاستاذ المرجوم سعيد شابو، والاستاذ الموسيقي خضر السناطي، والمرحوم الفنان سعيد السناطي ،وصباح السناطي، وساهر السناطي، ولهيب السناطي وفراس السناطي وريان جميل زيتو السناطي والفنان ايمن زاخولي ،والفنان يوسف السناطي والفنان المرحوم سالم ايشو حنا، والعازف الرائد الموسيقي الياس متي السناطي، وديلان السناطي وجوني جلال السناطي والفنانه المتالقة ابنة الفنان الموسيقار السناطي خضر السناطي ابنته سحر السناطي، والفنان هلال جميل السناطي، والفنان الشاب صهيب السناطي، والفنان الاستاذ فؤاد ساوى السناطي، واخيرا الفنان الموسيقار عضو الفرقة السمفونية الوطنية الاميريكة فارس جوزيف الفارس السناطي.
هذه الكواكب اللامعة والتي انتشرت في المهجر نتيجة الظروف القاسية التي عاشوها في الوطن الحبيب والتي ادت الى هجرتهم، هؤلاء الفنانين السناطيين من الموسيقيين والملحنين والمطربين مازالوا يواصلون ابداعاتهم وعطائهم الثر، لاثراء التراث الموسيقي العراقي، وانني لعلى ثقة بان هناك اصوات وفنانون ماهرون مبدعون من السناطيين سيكشف التاريخ لنا عن اسمائهم في المستقبل، ولنا معهم لقاء على هذا الطريق، طريق الابداع والتالق.