لوحاولنا التعرف على عالم الاطفال وعلى مايفظله كل طفل من اطفالنا، لتوقفنا عند نقطة المحاكات والتقليد للعديد من الشخصيات القريبة منهم والبعيدة عنهم ايضا، بكل تفاصيل ابعادهم الشخصية من الكلام والحركة وحتى طريقة واسلوب سيرهم واسلوب تكلمهم ، ومراقبة كل مايفعلونه في حياتهم الشخصية من الطبائع الجسدية والنفسية وحتى الاجتماعية ، وتقليدهم بشكل يدع للاعجاب والمتعة في ان واحد على مايقدمونه ويستعرضونه من هذه المحاكات والتقليد للاخرين ، (وعديدة هي المواقف التي نشاهدها من خلال اطفالنا وهم يمثلون مستعينين بملابس ابائهم واكسسواراتهم كالنظارات وعكازاتهم واحذيتهم، وحتى المكياج يستعينون باقلام مكياج امهاتهم من اجل رسم الشارب واللحى على وجوههم مرتدين القبعات الشمسية على رؤوسهم ليظهروا مهارة في التقليد وهم يقلدون طريقة كلامهم واصواتهم مما يجلب الضحك والاعجاب بما يقدمونه هذا النوع ولا سيما في المراحل المبكرة من اعمارهم لديهم ملكة الخيال والتخيل في التفكير والمحاكات، ودقة في تشخيص الملاحظات واقتباسها واختزانها في ذاكرتهم ( التجربة المكتسبه ) اضافة الى هذا التقليد والمحاكات يملكون ايمانا صادقا بما يؤدونه من هذا التقليد) ( 1 )، وتشير الباحثة نهى الصراف في مقال لها بعنوان ( التقليد عند الطفل بين الضرورة والضرر والمنشور في ميدل ويست جاء فيه: ولهذا يعتقد بعض علماء النفس بأن الطفل ربما يولد ولديه الخاصية الفطرية لتقليد الآخرين حتى قبل أن يتاح له اكتسابها بموجب تفاعله مع محيطه من خلال عملية النمو، لذلك يبدو الطفل – خاصة في السنوات الخمس الأولى من حياته - وكأنه مغرم بالتقليد حتى أنه يحاول أن يتشرب ملامح الشخص الذي يقلده بحركات يديه وطريقة مشيه وملامحه وربما نبرة صوته، حيث يرصد الطفل تصرفات المحيطين به ويختزنها في عقله ثم يكررها في الوقت المناسب على أنها سلوك خاص به من دون إضافات تذكر.
والأشخاص الذين يميل الطفل إلى تقليدهم هم الأشخاص الذين يحبهم ويحترمهم بالطريقة التي يحاول معها التطبع بطباعهم وجعلهم قدوة له. ولعل أهم هؤلاء الأم والأب اللذان يحصل من خلالهما على مصادر سلوكه وردود أفعاله تجاه أحداث الحياة المختلفة، فيتعلم اللغة ومراعاة الآداب والتقاليد ويتعلم كيف يستفيد من تجاربهما عبر سنوات خبرة ومران طويلين. لذلك يعد التقليد ضروريا للطفل لاكتساب التجارب الأساسية في سنوات طفولته المبكرة، لكن بعد أن يتقدم في نموه النفسي والعقلي وينبغي تدريبه على أن يقيّم بناء حياته على أساس التجربة والإدراك الشخصيين، بحيث يساعده هذا في تعزيز قدرته على الابتكار والإبداع وتحقيق ذاته وصقل شخصيته المستقلة.) .
اذن لهؤلاء الاطفال ملكة من الخصب لتادية ادوارا قد تكون غير متناسبة مع اعمارهم ، انما يتقنون ادائها بمهارة جيدة ، وقد يعود هذا لاسباب منها :-
- اولا- الفطرة التي يملكونها والصادقة في تجسيد مايوعز لهم من عقلهم الباطن، للتنفيس والتطهير عن ذاتهم، وهذا الخزين جاء نتيجة دقة ملاحظاتهم لحركات الكبار واختزانها، ومن ثم الاستعانة بها عند التمثيل او التقليد، حيث برز العديد من الاطفال الذين ساهموا بمواهبهم الفطرية في عالم السينما ، وقد برز العديد من الاطفال الممثلين والممثلات في السينما المصرية والعالمية، وساتي على ذكر اسمائهم لاحقا من هذا المقال .
وبما اننا نعلم بان المسرح اصبح اليوم علم من العلوم التي دخلت عليه علوم الحاسبات والتكنولوجيا وهندسة الديكور والاضاءة، وعلم النفس في تحليل ابعاد الشخصيات المركبة والتي تعرض من على خشبة المسرح وهذه جميعها ساهمت في تطوير اساليب الطرح وخدمت المسرح واصبحت من متممات عناصره الفنية ، وعليه يجب علينا مراعات جميع هذه العناصر، واخذها بنظر الاعتبار ولا سيما في النصوص والتي تقدم للاطفال، ودراسة واقع النص من حيث بساطة الفكرة والطرح ، وعن طريق الوسائل التي تساعد على اضفاء حالة الانبهار والاندهاش، من خلال خلق عنصري التشويق والشد للاحداث المعروضة من على خشبة المسرح ، اضافة الى بساطة الديكور والالوان الجميلة الزاهية والتي تساعد على اضفاء جو من المتعة والفرجة للطفل، ولهذا يجب الحرص الدقيق ومراعاتنا لكل مايطرح من على خشبة المسرح، ان كان لمسرح الطفل التقليدي ، او مسرح الدمى، او مسرح القرقوز ، او مسرح خيال الظل، او مسرح الدمى القفازية والتي يلعبها الممثلون وهم يلبسون الدمى القفازية باكفهم ، ومن خلال بوكس الفرجة ( وساتي على شرح تجربتي معها من خلال مسرحية حسان والوحش ، والتي شارك بتقديم عرضها فنانو الفرقةالقومية للتمثيل في بغداد ،منهم الفنانه مريم الفارس ،و جبار الشرقاوي وحياة حيدر وفارس عجام وسناء سليم ------ الخ ) . ان خطورة العرض في مثل هذا النوع من المسرح تكمن في ان الجمهور المتلقي هم من الاطفال ، وهؤلاء يتميزون بسرعة التاثر والمحاكات بما يشاهدونه ، ولهذا وجب مراعاة الالفاظ الجميلة والافكار التربوية وعدم المساس بشخصياتهم او الطعن بها من خلال هذه العروض .
تأسييس ادب الطفل في العراق
لو عدنا الى المسرح في العراق وما تميز به ضمن الاحقاب الزمنية الماضية، لعلمنا انه تميز بتسييس مضامين مايطرح، ولا سيما ادب الاطفال الذي طرح ثقافة التسييس، ومن خلال كتاب الدراما ، وتميزت انتاجات المؤسسات الحكومية
الاعلامية بتوجيهات مركزية من حيث التوجه الاعلامي المركزي ، وجميعه يصب في حملة التعبئة والتثقيف السياسي، وحرمانه في هذه المرحلة من طرح قضاياه ومشاكله التربوية والاجتماعية، وحرمانه من الاساليب العلمية الحديثة في التثقيف والتعليم حتى البرامج التلفزيونية اخذت منحا جديدا لثقافة الطفل، فكرست برامج الاطفال للتسييس وثقافة المرحلة التعبوية من فنون القتال واساليبها المختلفة، الا ماندر من بعض البرامج الترفيهية للاطفال والتي كانت تقدم من بعض المؤسسات التربوية للثقافة والاعلام ، وبعض الاصدارات من مؤسسة ثقافة الاطفال من اصدارات لقصص الاطفال ، والمجلات الملونة والتي كانت تعتمد على الاساليب الفنية في اخراجها الى حيز الوجود .
اما في المسرح ، فقد بقي في دور سبات ومحصورا في المدارس ومن خلال المسرح المدرسي الطلابي وعن بعض العروض المسرحية الوطنية الافكار والمشتقة افكارها وحكاياتها من خلال الكتب والمجلات والقصص العربية، ومجلدات الف ليلة وليلة.
انما لو عدنا الى حقبة الاربعينيات والخمسينيات من تاريخ مسرح الطفل في العراق ، لا يمكننا اعتبار تلك الانتاجات عروض مسرحية فيها شيئا من الريادة لتجربة مسرح الطفل، لان جميع ماعرض في تلك الحقبة الزمنية في العراق كانت نتاجات لمسرحيات بسيطة وركيكة الطرح تعتمد على مايعده المعلمين من نصوص ركيكة افكارها مشتقة من الكتب العربية والتاريخ الاسلامي وبشكل بسيط لا يرتقي الى ما نسميه بتجربة رائدة متكاملة المقومات والعناصر الانتاجية لمسرح الطفل والتي كانت تقدم ضمن قاعات المدارس وفي مناسبات وطنية ودينية ولاسيما في نهاية كل سنة من تخرج الطلبة لتلك المدارس، ( اي مسرح مناسبات ) الا تجربة فريدة ظهرت وازدهرت لمسرح الطفل في الستينيات من الحقبة الزمنية في العراق، ومن خلال مسرحية ( علاء الدين والفانوس السحري ) والتي قدمها معهد بغداد التجريبي ومن اخراج الاستاذ الرائد المرحوم جاسم العبودي، هذا المعهد والذي اسسه الاستاذ الرائد المخرج ابراهيم جلال في مسرح بغداد والذي كان يعود الى الاستاذ العسكري (طارق الغزالي) لقد شارك في تقديم هذا العرض المسرحي كل من مريم الفارس وجوزيف الفارس، وعبد علي طعمه وغازي ميخائيل وحسن عبد والمرحوم عبد الجبار كاظم والمطربة امل خضير ، وقد نالت استحسان الجمهور الا ان التجربة لم تستمر لتوقف معهد بغداد التجريبي عن الاستمرار باعماله بعد مسرحية المسيح يصلب من جديد لخلافات مالية، وبقيت الساحة الفنية تتطلع الى تجربة جديدة يتم من خلالها تطويرالوسائل التربوية لثقافة الطفل واغناء هذه الثقافة بافكار تساعد على رفع الغبن الذي اصاب هذه الحركة الثقافية واغناء تجربتها بثقافة تنمي وتطور مواهب الاطفال وتصقلها باساليب تربوية حديثة، الا ان هذا لم يحدث لتغلب ادب التسييس في ثقافة الطفل، وبتوجيهات مركزية ادخل مثل هذا النوع من الادب في المناهج التربوية لمدارس المرحلة الاولى في العراق.
تابعونا في الاسبوع القادم..
وهكذا بقيت الساحة الفنية العراقية تتارجح مابين قيود فرضت فرضا على المواضيع الثقافية للطفل ومابين رغبة بعض الفنانين بتطوير واقع الطفل الثقافي باعتماد الاساليب التربوية الحديثة والافكار المتطورة لتطوير الواقع الثقافي باساليب حديثة لمناهج علمية وثقافية وادبية تعتمد على دراسة الواقع السايكولوجي للطفل ، وترجمة هذه الثقافة ونشرها عن طريق الوسائل السمعية والمرئية ، وعن طريق اصدارات خاصة تعني بادب الاطفال وترتقي بمستواه الثقافي باساليب تبهر معتمدة في وسائلها الاعلامية على عنصري التشويق من اجل توصيل هذه الثقافة المعتمدة على المناهج العلمية الحديثة المتطورة للطفل ، هذا الاندفاع المشروع من قبل بعض المختصين بادب الاطفال والثورة على الاساليب القديمة والافكار البالية والانتقاد الذي كان ينشر من على الصحف المحلية دعت الجهات المختصة بمراجعة وتقييم مناهجها والتراجع عن مواصلة تطبيق هذه المناهج ، بعد ان علت اصوات المثقفين والمتنفذين في المؤسسات الاعلامية مما دعت الفرقة القومية للتمثيل ان تاخذ زمام المبادرة الريادية في مسرح الطفل فكان باكورة اعمالها هي مسرحية (علي جناح التبريزي) والتي اخرجها الفنان المرحوم فوزي مهدي ، الا ان هذه التجربة لم يكتب لها النجاح لعدم توفر طموحات الطفل في الفرجة والاستمتاع بمشاهدة احداث مايعرض الا بعد مجيىء المخرج المرحوم الاستاذ قاسم محمد وتقديمه مسرحية طير السعد والتي جسد ادوارها ممثلوا الفرقة القومية للتمثل وعرضت من على خشبة المسرح القومي في كرادة مريم – بغداد ، هذه المسرحية التي اعدها واخرجها الفنان المخرج قاسم محمد ، نالت استحسان الجمهور من الصغار والكبار ، ونجحت نجاحا منقطع النظير ، فكانت تجربة جديدة في منهاج اعمال الفرقة القومية من حيث الانتاج ، هذه المسرحية التي عرض الفنان قاسم محمد مهارته وحرفته وتجربته الاكاديمية من حيث اختيار النص وتعريقه واعداده الاعداد الذي حرص من خلاله على طرح افكار العمل بمستوى استيعاب مدارك جمهور الاطفال ، وشمل هذا الاضاءة والديكور البسيط مستغلا مساحة خشبة المسرح باستخدامه الديكور الجميل والبسيط ومن خلال الستائر المعلقة ، استطاع هذا الفنان الرائد ان يبهر جمهوره من خلال طرح هذا العمل وفق رؤية تتماشى مع عالم الطفل ، وجاء العمل الثاني للاطفال لمخرجه الاستاذ قاسم محمد حيث كانت مسرحية الصبي الخشبي اعدادا واخراجا عملا نموذجيا وتعليميا ، يعكس تجربة هذا الاستاذ المهنية والحرفية ، وطرحه لهذا العمل طرحا ابهر الجمهور المتلقي ، ونال استحسان الجمهور ومن الصحافة ومن المهتمين بادب الاطفال ، وقد ابدع كل من الفنانين المرحوم خليل الرفاعي ( الحطاب ) وقاسم الملاك ( الصبي الخشبي ) ومساهمة الفنانة مريم الفارس بدور غريب ادهش الجمهور بتمثيلها هو دور شرطية المرور والذي كان له الاثر على دائرة المرور العامة باستحداث ملاك وظيفي بعنوان ( شرطية المرور في بغداد ) .
كانت هاتين التجربتين لمسرح الطفل في العراق والتي انتجتهما الفرقة القومية للتمثيل قد سجلت تحولا في تاريخ مسيرة ادب الطفل وثقافته من خلال ريادة المخرج الفنان الاستاذ المرحوم قاسم محمد في تجربة مسرح الطفل في العراق .
هذه المبادرة الشجاعة ، اعطت تشجيعا لبقية الفنانين والمهتمين بعالم الاطفال ، بعد ان اطلعوا على الجمهور الذي حضر العروض لمسرح الطفل ، فجائت التجربة الثالثة للاستاذ سعدون العبيدي مختلفة عن تجارب المخرج قاسم محمد من حيث التاليف ، لقد طرح الفنان المؤلف والمخرج سعدون العبيدي نفسه من خلال نصه المسرحي ( زهرة الاقحوان ) حيث جائت هذه المسرحية بطرح جديد واسلوب يختلف عن اسلوب الاستاذ قاسم محمد ، انما لم تقل ابداعا وجمالا عما طرحه قاسم محمد من حيث معالجة مشكلة الطفل باسلوب شيق ينم عن ثقافة عالية بهذا العالم الطفولي من حيث الفكرة و هندسة الديكور والالوان الجميلة والملابس التي ابهرت جمهور الاطفال بالوانها ، مسرحية زهرة الاقحوان هو تاليف عراقي والذي لم يسبق لاي نصا عراقيا لادب الاطفال الا هذا النص الذي كان من تاليف العبيدي ، وقد اشادت به الصحافة والدوائر والمؤسسات المعنية بثقافة الاطفال .
مسرح الطفل في الاربعينيات
لو عدنا الى الاربعينيات من الاحقاب الزمنية الماضية ، ومقارنة ، مع ما قدم في الستينيات من الاحقاب الزمنية اللاحقة من تاريخ مسرح الطفل ، لوجدنا ان هناك مقارنة ومن عدة نقاط ميزت تلك التجربة عن المرحلة اللاحقة اهمها :
ان مسرح الطفل في الاربعينيات كان يعتبر مسرحا مدرسيا ، اي ، لم يكن بالمعنى الصحيح مسرحا متكاملا من حيث الثقافة والاساليب التربوية ، وبعيدا عن التقنيات الحديثة والتي تساعد على متعة المشاهدة من قبل المتلقين من الاطفال ، كانت العروض انذاك تقدم في باحات المدارس معتمدة في عروضها على الحكايات العربية والوطنية ، ولم يكن هذا المسرح معروفا بانه مسرح الطفل انذاك ، بقدر ماكان نشاطا تابع لمديرية النشاط الفني ، ويتميز هذا النشاط باعتماده على الخطابة والحوار التعبوي والمبني على العاطفة والوجدان لاثارة روح الوطنية بين صفوف الطلبة انذاك ، ولهذا لم تعتبر تلك التجربة بتجربة ريادية لمسرح الطفل .
تجربة عبد القادر رحيم
ذكرت المصادر الموثوقة عن الاستاذ عبد القادر رحيم المشرف الفني في مديرية النشاط المدرسي وتجربته في مسرح الطفل في الاحقاب الزمنية المنصرمة ، وبالذات في الاربعينيات من تاريخ عراقنا الثقافي ، ان الاستاذ المشرف الفني ساهم في العديد من الاعمال المسرحية المدرسية وتقديمها من خلال قاعات المدارس ، حيث كانت تعد هذه النصوص من خلال قصص وحكايات عربية واسلامية ووطنية ، اضافة الى مجلدات وقصص وحكايات الف ليلة وليلة ، الا انها لم تكن ترتقي بالمفهوم العلمي ولا الى المقومات والعناصر الاساسية للمسرح النموذجي والمتعارف عليه الان في وقتنا الحاضر ، وكذالك لعدم اعتمادها في اطروحاتها على الاساليب التربوية والارشادية التي تساعد على التنفيس والتطهير من
المعانات النفسية لاطفال تلك المرحلة ، اضافة الى هذا كانت تجارب المسرح المدرسي خالية من جمالية العرض واضفاء عالم البهرجة التي يفضلها الطفل وتساعد على اثارة اهتماماته و على متابعة تلك العروض المسرحية ، وقد افتقرت تلك العروض ايضا الى الاساليب الحديثة والافكار التي من خلالها تساعد على تنمية وتنشيط اذهان الطفل ، ولهذا فهي لا تعتبر تسمية مثل هذه الاعمال بمسرح الطفل ، الا بعد تجربة الاستاذ قاسم محمد وريادته في مسرحية طير السعد ، والاستاذ سعدون العبيدي في مسرحية زهرة الاقحوان ، وكذالك تجربة الفنان الرائد عزي الوهاب وريادته في مسرح الدمى .
انور حيران وطارق الربيعي
في الثمانية والخمسين ، اي عند تاسيس تلفزيون العراق برزت تجربة فريدة وجميلة استهوت ابناء ذالك الجيل من الصغار والكبار وتستحق ان نشير لها بالبنان ، هي تجربة الثنائي انور حيران وطارق الربيعي في البرنامج التلفزيوني( قرقوز) وانما هذه التجربة الرائدة لم تكن تحسب على مسرح الطفل بقدر ماكان تقديمه ضمن برنامج من برامج الاطفال التلفزيونية والمعتمدة في تقديمه على الشخصيات القفازية تقدم للصغار وللكبار ، كان برنامجا ساخرا ينتقد في تقديمه بعض العادات والتقاليد الاجتماعية ويعلق عليها باسلوب كوميدي ، حيث ادخلت عليه بعض التغييرات الى جانب الشخصيات القفازية ، شخصيات دمى تتحرك عن طريق الاصابع والمعلقة بها حبال يستعين بها لاعب الدمى بتحريك دميته وبموجب ماتتطلبه الحركات المرسومة من قبل اللاعبين والمتوافقة مع الحوار ، كانت نصوص هذا التقديم تعتمد على بعض الظواهر المدانة في المجتمع ، وعلى ارشادات صحية وعلى امثلة وحكايات شعبية .
التقليد والمحاكات في عالم الطفل
التقليد والمحاكات هي ميزة من مميزات عالم الطفولة ، ومفهوم التعلم والمحاكاة للطفل لا يأتي من فراغ بقدر مايأتي من عملية التاثر والتاثير للطفل من البيئة والمجتمع الذي يترعرع فيه ، وقد تناول العديد من علماء النفس هذه الظواهر عند الطفل ومن خلال مراقبتهم ، فجائت بحوثهم ودراستهم بتفسيرات علمية ونفسية اثبتوا من خلالها بان الطفل يتأثر بما يعجبه من المظاهر والسلوكيات في المجتمع ويبدأ بتقليدها وبمحاكاتها ، وياتي هذا كرد فعل لردود افعال خارجية ترضي الحالة النفسية للطفل ، وتضفي عليه حالة المتعة والارتياح من خلال عملية التنفيس والتطهير عنده ، حيث هذه المتعة تاتي من خلال جلب انتباه الكبار لافعاله في التقليد والمحاكاة ، فلو تطلعنا الى عالم الاطفال بدراسة وافية واكتشفنا اهم مايفضلونه في حياتهم الطفولية ، هو التقليد والمحاكاة للكثير من الاشخاص المرغوبين والغير المرغوبين لديهم ، وتجسيد حركاتهم الشخصية من الطبائع
الجسدية والنفسية وحتى الاجتماعية ، وتقليدهم بشكل يدعو للاعجاب والضحك في نفس الوقت على مايقومون به من هذه المحاكاة والتقليد للاخرين .
(وكثيرة هي المواقف الجميلة والمضحكة ونحن نراقب اطفالنا وهم يحاكون بعض الشخصيات الحياتية مستعينين بملابس اولياء امورهم وبأكسسواراتهم ان كانت نظاراتهم او عكازاتهم او احذيتهم وحتى المكياج حينما يرسمون على وجوههم الشارب واللحى ، وتقليدهم بالكلام وطبقتهم الصوتية وهم مرتدين القبعة الخاصة على رؤوسهم في مهارة غاية في الدقة تجلب اعجابنا وتثير ضحكاتنا عند مشاهدتهم .) (2)
هذا النوع من الاطفال يملكون القدرة على التخيل والخيال الخصب في التقليد والمحاكات ، اضافة الى دقة التركيز على التقاط من الصور الحياتية للاشخاص الذين يثيرون اعجابهم ويحبون تقليدهم ويختزنون هذه الصور في ذاكرتهم يعتبرونها من التجارب الحياتية المختزنة ، يحتاجونها عند احتياجهم لها لاستعادتها ويحاكونها ويقلدونها ، فلديهم الايمان الصادق بهذا التقليد .
اذن لمثل هؤلاء الاطفال ملكة وموهبة فطرية في التقليد والمحاكاة وقد يوعز هذا لاسباب منها :
الفطرة المصقولة ذاتيا نتيجة الموهبة التي يملكونها ، والصادقة في تجسيد هذه الاحاسيس وبموجب ما يوعزه العقل الباطن من خيال فطري في ابتكارات ذاتية والتي تاتيهم من الموهبة المختزنة لديهم ليستعينوا بها عند التمثيل ، ولعلنا قد صادفنا اطفالا صغار لا تتعدى اعمارهم عن الشهور التسعة او السنة الاولى من حياتهم عندما يقوم الكبار باداء حركات ما تضحكهم ويقومون بنفس الوقت بمحاكاتها واعادة تقليدها ، وقد برز في عالم التمثيل العديد من الاطفال الذيت ساهموافي انجاح افلام احترافية وكانوا السبب في نجاحها منهم ، في السينما العربية ، سيدة الشاشة العربية السيدة فاتن حمامه ، والفنانة لبلبه ، والفنانه نيللي ، و وجدي العربي ، وبوسي ، وهشام سليم صالح ،وفي السينما الامريكية برز نجوم صغار وابهروا بمهارتهم الصحافة وكبار نجوم السينما الامريكية وصناع النجوم منهم : ماكولدي كولكان ، وديغون ساوى ، وادوارد فورلون .
هؤلاء النجوم من الاطفال العرب والعالم في السينما اثبتوا قدرتهم التمثيلية معتمدين على فطرتهم في الاداء والمحاكات وعلى بعض ملاحظات المخرجين السينمائيين .
عناصر مسرح الطفل الفكرية والعلمية والنفسية والتربوية
وبما اننا نعلم بأن المسرح يتكون من عدة عناصر فكرية وعلمية ونفسية وتربوية في الوقت نفسه ، ولهذا يجب مراعاتنا لجميع هذه العناصر واخذها بنظر الاعتبار
ولا سيما في النصوص التي تعرض للاطفال ومن خلال مسرحهم ، فدراسة ثقافة النص التربوية وواقع مكونات عناصره في التاليف ، من الضروري جدا ان يتضمن فكرا سليما وحوارا موسيقية وصالحا لتوصيله للجمهور المتلقي ان كان المتلقي هم من الاطفال ( لانه هناك نوعين من مسرح الطفل ، النوع الاول هو نوع مستهلك يرسل من قبل الكبار الى الاطفال وعن طريق مسرح الطفل ، والنوع الاخر هو مسرح طفل مرسل ، اي ما يرسله الاطفال وعبر منبرهم ( خشية المسرح ) ان كانوا هم يقومون بالتمثيل ويرسلون افكارهم وتصوراتهم الى المتلقي من الجمهور الكبار والصغار .) وكذالك بساطة الطرح وعن طريق الوسائل التي تساعد على اظفاء حالة الانبهار والاندهاش .
تجربتي مع مسرح الطفل
من المؤكد ومن خلال تجربتي في مسرح الطفل اصبحت لديا قناعة ومن خلال هذه التجربة ، الابتعاد عن مشاهد الخوف والذعر لئلا يعطي مردودا سلبيا على الاطفال ، وعندها نكون قد اخفقنا في توصيل مانرغب توصيله للاطفال ، الابتعاد عن الطرح الغير الواقعي في التوجيه والارشاد التربوي ، وطرح القصة باسلوب يتفق مع مدارك الطفل واستيعاب مايطرح عليه من على خشبة المسرح ،
مسرحية حسان والوحش
هذه المسرحية من مسرح الدمى القفازية كانت من تاليفي واخراجي ، تعتمد على قصة بسيطة عالجت من خلالها حب الشهرة والادعاء بالبطولة والشجاعة المزيفة عند بعض الاطفال لجلب انتباه واعجاب ذويهم ، وهذا حسان بطل هذه المسرحية هو نموذج من واقع بعض هؤلاء الاطفال ، حسان الذي كان يدعي البطولة والشجاعة والذي يحكي بطولته المزيفة وانتصاره على الوحش الكاسر والذي اراد افتراسه حين صادفه في عودته الى البيت معللا بهذا الحدث اسباب تاخر عودته الى البيت ، انما والديه اكتشفا هذه الكذبة ولكنهم لم يكذبوه ، فاتفقوا على خطة سليمة من خلالها يعترف حسان باكذوبته ، وهكذا نجحوا الوالدين بهذه الخطة السليمة ومن دون تخديش مشاعر ابنهم حسان باكتشافهم كذبته وبابعاده عن هذه الخصلة الغير الحميدة الصفات .
وقد نالت هذه المسرحية اعجاب الاطفال بازدياد عدد المتفرجين من طلبة المدارس الابتدائية ، حينما مثل وجسد شخوص هذا العمل المسرحي لفيف من نجوم الفرقة القومية للتمثيل مريم الفارس ، وسناء سليم ، وحياة حيدر ، وفارس عجام ، وكريم الزيدي ، وجبار الشرقي ، وبموافقة المديرية العامة لتربية بغداد الكرخ \ 2 مديرية النشاط المدرسي والمؤرخ 4\ 2 \ 1994والمعنون الى ادارات المدارس الابتدائية والمتوسطة وبتوقيع عن المدير العام السيد رعد عبد المنعم .
بالحقيقة هذه الموافقة زادتني حماسا و نشاطا وتفاعلا مع هذا النوع من المسرح ، مسرح الطفل في الفترة التي اوقفت هذه المديرية عرضا مسرحيا للاطفال كان يعرض من على مسرح ساحة الاحتفالات في بغداد ومن قبل احدى الفرق الاهلية والتي كان يتخلل مضمون عرضها بعض الالفاض النابية .
مدة ايام عرض مسرحية حسان والوحش مايقارب الشهرين شاهده جميع طلبة الرسالة والبياع وحي الاعلام والدورة والسيدية والحارثية والمحمودية والبياع وحي العامل ، وكثيرة هي المناطق والتي شملتهم عروض هذه المسرحية والتي اعتمدت في عرضها على الدمى القفازية ، باستثناء الممثل جبار الشرقي خرج للجمهور راويا يحكي لهم قصة حسان وحكاية كذبه مع الوحش .
مسرحية الكنز المدثور في القصر المهجور
هذه المسرحية من تاليفي واخراجي لمسرح الطفل ، وقد قدمتها من على مسرح النهرين وعن طريق ممثلي فرقة مسرح النهرين ، فبعد نجاح مسرحيتي وتجربتي الاولى مع مسرح الطفل حسان والوحش ، وفترة ايقاف مديرية النشاط المدرسي لكافة عروض الفرق المسرحية الاهلية لمسرح الطفل الا بموافقتها ، انتهزت هذه الفرصة وفاتحت الاخ المسؤول عن فرقة مسرح النهرين الاخ العزيز قاسم وعل ( السراج ) حول مشروع تقديمي مسرحية للاطفال من تاليفي واخراجي وتمثيل اعضاء من فرقته ، فلم يمانع ، وانما وافق وعلى الفور على مشروعي هذا باسثناء تحميله تبعيات موافقة او رفض مديرية النشاط المدرسي ، فوافقت وعلى الفور ، وبدأت بالتمارين بعد ان قمت بتوزيع الادوار وتنفيذ الديكور المبهر والملائم للجمهور من الاطفال ومن خلال حكاية تراثية وعربية تجسد فكرة ان في الاتحاد قوة ( حكاية الاب ووصيته لولديه ان بالاتحاد وعدم التشتت عن بعضهما البعض هي قوة فاشار الوالد بحزمة من العصى وطلب من ولديه ان بكسرها فلم يستطيعوا ، وبعدها طلب منهم تفكيكها وكسرها فاستطاعوا ) هذه هي فكرة المسرحية وانما صغت احداثها حينما طلب الوالد من ولديه ان يبحثا عن الكنز المدثور واخرج من تحت وسادته قصاصتين من الورق ،الواحدة تكمل الاخرى فاعطى نصفها للصغير والنصف الاخر للكبير ، وطلب من كل منهما البحث عن موقع الكنز بحيث يخرجان للبحث عن هذا الكنزو ، بحيث طلب منهما ان يسيرا اثناء البحث، باتجاهات معاكسة لكل منهما ويتوقفا عن السير حينما يلتقيان ويبحثان عن الكنز في موقع اللقاء ، وهكذا بعد توديع والديهما خرج الاول باتجاه الشرق والثاني باتجاه الغرب وبعد ان ساروا ولمدة يومين التقوا في موقع للقصر المهجور ، هذا القصر متروك وليس فيه اي ساكن سوى بعض الرسوم والخرائط و وبعد تحرياتهم عن موقع الكنز في هذا القصر يعثران عليه في داخل صندوق محكم يساعدهم على فتحه حكيم المنطقة وعندما فتحوا الصندوق والذي كان مدثورا في هذا القصر عندها عثروا
على الكنز في داخله والتي هي قصاصة ورقية مكتوب عليها عبارة تقول فيها ( في الاتحاد قوة )
اجيزت هذه المسرحية بعد مشاهدتها من قبل لجنة فحص العروض المسرحية والتابعة للمديرية العامة لتربية بغداد الكرخ الاولى – مديرية النشاط المدرسي والمرقم 32448 والمؤرخ 29 \10 \ 1995 والموجه الى ادارات المدارس المرتبطة بهذه المديرية كافة والمذيل بتوقيع المدير العام السيد احمد خلف صالح وبتاريخ 28\ 10 \ 1995 ، وهكذا نجحت تجربتي مع هذا المسرح مسرح الطفل وبهذا النجاح ومع كل الاسف لم يسلط عليه الاضواء ولا على هذه التجربة الرائعة والتي اكتسبت منها خبرة وثقافة عن ادب عالم الاطفال ، ومع الاسف هكذا كان واقع الاعلام ولا سيما الصحافة والمجلات الصادرة انذاك ، لم تسلط الاضواء على هذا الوقع الجديد من انبثاق تجربة ناجحة لمسرح الطفل ، انما انا تعلمت من ان التعتيم الاعلامي عن انتاجاتي واختباراتي المسرحية انه هو سر نجاحي .