وهكذا بقيت الساحة الفنية العراقية تتارجح مابين قيود فرضت فرضا على المواضيع الثقافية للطفل ومابين رغبة بعض الفنانين بتطوير واقع الطفل الثقافي باعتماد الاساليب التربوية الحديثة والافكار المتطورة لتطوير الواقع الثقافي باساليب حديثة لمناهج علمية وثقافية وادبية تعتمد على دراسة الواقع السايكولوجي للطفل، وترجمة هذه الثقافة ونشرها عن طريق الوسائل السمعية والمرئية، وعن طريق اصدارات خاصة تعني بادب الاطفال وترتقي بمستواه الثقافي باساليب تبهر معتمدة في وسائلها الاعلامية على عنصري التشويق من اجل توصيل هذه الثقافة المعتمدة على المناهج العلمية الحديثة المتطورة للطفل، هذا الاندفاع المشروع من قبل بعض المختصين بادب الاطفال والثورة على الاساليب القديمة والافكار البالية والانتقاد الذي كان ينشر من على الصحف المحلية دعت الجهات المختصة بمراجعة وتقييم مناهجها والتراجع عن مواصلة تطبيق هذه المناهج، بعد ان علت اصوات المثقفين والمتنفذين في المؤسسات الاعلامية مما دعت الفرقة القومية للتمثيل ان تاخذ زمام المبادرة الريادية في مسرح الطفل فكان باكورة اعمالها هي مسرحية (علي جناح التبريزي) والتي اخرجها الفنان المرحوم فوزي مهدي، الا ان هذه التجربة لم يكتب لها النجاح لعدم توفر طموحات الطفل في الفرجة والاستمتاع بمشاهدة احداث مايعرض الا بعد مجيىء المخرج المرحوم الاستاذ قاسم محمد وتقديمه مسرحية طير السعد والتي جسد ادوارها ممثلوا الفرقة القومية للتمثل وعرضت من على خشبة المسرح القومي في كرادة مريم – بغداد، هذه المسرحية التي اعدها واخرجها الفنان المخرج قاسم محمد، نالت استحسان الجمهور من الصغار والكبار، ونجحت نجاحا منقطع النظير، فكانت تجربة جديدة في منهاج اعمال الفرقة القومية من حيث الانتاج، هذه المسرحية التي عرض الفنان قاسم محمد مهارته وحرفته وتجربته الاكاديمية من حيث اختيار النص وتعريقه واعداده الاعداد الذي حرص من خلاله على طرح افكار العمل بمستوى استيعاب مدارك جمهور الاطفال، وشمل هذا الاضاءة والديكور البسيط مستغلا مساحة خشبة المسرح باستخدامه الديكور الجميل والبسيط ومن خلال الستائر المعلقة، استطاع هذا الفنان الرائد ان يبهر جمهوره من خلال طرح هذا العمل وفق رؤية تتماشى مع عالم الطفل، وجاء العمل الثاني للاطفال لمخرجه الاستاذ قاسم محمد حيث كانت مسرحية الصبي الخشبي اعدادا واخراجا عملا نموذجيا وتعليميا، يعكس تجربة هذا الاستاذ المهنية والحرفية، وطرحه لهذا العمل طرحا ابهر الجمهور المتلقي، ونال استحسان الجمهور ومن الصحافة ومن المهتمين بادب الاطفال، وقد ابدع كل من الفنانين المرحوم خليل الرفاعي (الحطاب) وقاسم الملاك (الصبي الخشبي) ومساهمة الفنانة مريم الفارس بدور غريب ادهش الجمهور بتمثيلها هو دور شرطية المرور والذي كان له الاثر على دائرة المرور العامة باستحداث ملاك وظيفي بعنوان ( شرطية المرور في بغداد ).
كانت هاتين التجربتين لمسرح الطفل في العراق والتي انتجتهما الفرقة القومية للتمثيل قد سجلت تحولا في تاريخ مسيرة ادب الطفل وثقافته من خلال ريادة المخرج الفنان الاستاذ المرحوم قاسم محمد في تجربة مسرح الطفل في العراق. هذه المبادرة الشجاعة، اعطت تشجيعا لبقية الفنانين والمهتمين بعالم الاطفال، بعد ان اطلعوا على الجمهور الذي حضر العروض لمسرح الطفل، فجائت التجربة الثالثة للاستاذ سعدون العبيدي مختلفة عن تجارب المخرج قاسم محمد من حيث التاليف، لقد طرح الفنان المؤلف والمخرج سعدون العبيدي نفسه من خلال نصه المسرحي (زهرة الاقحوان) حيث جائت هذه المسرحية بطرح جديد واسلوب يختلف عن اسلوب الاستاذ قاسم محمد، انما لم تقل ابداعا وجمالا عما طرحه قاسم محمد من حيث معالجة مشكلة الطفل باسلوب شيق ينم عن ثقافة عالية بهذا العالم الطفولي من حيث الفكرة و هندسة الديكور والالوان الجميلة والملابس التي ابهرت جمهور الاطفال بالوانها، مسرحية زهرة الاقحوان هو تاليف عراقي والذي لم يسبق لاي نصا عراقيا لادب الاطفال الا هذا النص الذي كان من تاليف العبيدي، وقد اشادت به الصحافة والدوائر والمؤسسات المعنية بثقافة الاطفال.
مسرح الطفل في الاربعينيات
لو عدنا الى الاربعينيات من الاحقاب الزمنية الماضية، ومقارنة ، مع ما قدم في الستينيات من الاحقاب الزمنية اللاحقة من تاريخ مسرح الطفل، لوجدنا ان هناك مقارنة ومن عدة نقاط ميزت تلك التجربة عن المرحلة اللاحقة اهمها :
ان مسرح الطفل في الاربعينيات كان يعتبر مسرحا مدرسي، اي ، لم يكن بالمعنى الصحيح مسرحا متكاملا من حيث الثقافة والاساليب التربوية، وبعيدا عن التقنيات الحديثة والتي تساعد على متعة المشاهدة من قبل المتلقين من الاطفال، كانت العروض انذاك تقدم في باحات المدارس معتمدة في عروضها على الحكايات العربية والوطنية، ولم يكن هذا المسرح معروفا بانه مسرح الطفل انذاك، بقدر ماكان نشاطا تابع لمديرية النشاط الفني ، ويتميز هذا النشاط باعتماده على الخطابة والحوار التعبوي والمبني على العاطفة والوجدان لاثارة روح الوطنية بين صفوف الطلبة انذاك، ولهذا لم تعتبر تلك التجربة بتجربة ريادية لمسرح الطفل.
تجربة عبد القادر رحيم
ذكرت المصادر الموثوقة عن الاستاذ عبد القادر رحيم المشرف الفني في مديرية النشاط المدرسي وتجربته في مسرح الطفل في الاحقاب الزمنية المنصرمة، وبالذات في الاربعينيات من تاريخ عراقنا الثقافي، ان الاستاذ المشرف الفني ساهم في العديد من الاعمال المسرحية المدرسية وتقديمها من خلال قاعات المدارس، حيث كانت تعد هذه النصوص من خلال قصص وحكايات عربية واسلامية ووطنية، اضافة الى مجلدات وقصص وحكايات الف ليلة وليلة، الا انها لم تكن ترتقي بالمفهوم العلمي ولا الى المقومات والعناصر الاساسية للمسرح النموذجي والمتعارف عليه الان في وقتنا الحاضر، وكذالك لعدم اعتمادها في اطروحاتها على الاساليب التربوية والارشادية التي تساعد على التنفيس والتطهير من المعانات النفسية لاطفال تلك المرحلة، اضافة الى هذا كانت تجارب المسرح المدرسي خالية من جمالية العرض واضفاء عالم البهرجة التي يفضلها الطفل وتساعد على اثارة اهتماماته وعلى متابعة تلك العروض المسرحية، وقد افتقرت تلك العروض ايضا الى الاساليب الحديثة والافكار التي من خلالها تساعد على تنمية وتنشيط اذهان الطفل، ولهذا فهي لا تعتبر تسمية مثل هذه الاعمال بمسرح الطفل، الا بعد تجربة الاستاذ قاسم محمد وريادته في مسرحية طير السعد، والاستاذ سعدون العبيدي في مسرحية زهرة الاقحوان، وكذالك تجربة الفنان الرائد عزي الوهاب وريادته في مسرح الدمى.
انور حيران وطارق الربيعي
في الثمانية والخمسين، اي عند تاسيس تلفزيون العراق برزت تجربة فريدة وجميلة استهوت ابناء ذالك الجيل من الصغار والكبار وتستحق ان نشير لها بالبنان، هي تجربة الثنائي انور حيران وطارق الربيعي في البرنامج التلفزيوني ( قرقوز) وانما هذه التجربة الرائدة لم تكن تحسب على مسرح الطفل بقدر ماكان تقديمه ضمن برنامج من برامج الاطفال التلفزيونية والمعتمدة في تقديمه على الشخصيات القفازية تقدم للصغار وللكبار، كان برنامجا ساخرا ينتقد في تقديمه بعض العادات والتقاليد الاجتماعية ويعلق عليها باسلوب كوميدي، حيث ادخلت عليه بعض التغييرات الى جانب الشخصيات القفازية، شخصيات دمى تتحرك عن طريق الاصابع والمعلقة بها حبال يستعين بها لاعب الدمى بتحريك دميته وبموجب ماتتطلبه الحركات المرسومة من قبل اللاعبين والمتوافقة مع الحوار ، كانت نصوص هذا التقديم تعتمد على بعض الظواهر المدانة في المجتمع ، وعلى ارشادات صحية وعلى امثلة وحكايات شعبية .
التقليد والمحاكات في عالم الطفل
التقليد والمحاكات هي ميزة من مميزات عالم الطفولة، ومفهوم التعلم والمحاكاة للطفل لا يأتي من فراغ بقدر مايأتي من عملية التاثر والتاثير للطفل من البيئة والمجتمع الذي يترعرع فيه، وقد تناول العديد من علماء النفس هذه الظواهر عند الطفل ومن خلال مراقبتهم ، فجائت بحوثهم ودراستهم بتفسيرات علمية ونفسية اثبتوا من خلالها بان الطفل يتأثر بما يعجبه من المظاهر والسلوكيات في المجتمع ويبدأ بتقليدها وبمحاكاتها، وياتي هذا كرد فعل لردود افعال خارجية ترضي الحالة النفسية للطفل، وتضفي عليه حالة المتعة والارتياح من خلال عملية التنفيس والتطهير عنده، حيث هذه المتعة تاتي من خلال جلب انتباه الكبار لافعاله في التقليد والمحاكاة ، فلو تطلعنا الى عالم الاطفال بدراسة وافية واكتشفنا اهم مايفضلونه في حياتهم الطفولية، هو التقليد والمحاكاة للكثير من الاشخاص المرغوبين والغير المرغوبين لديهم، وتجسيد حركاتهم الشخصية من الطبائع الجسدية والنفسية وحتى الاجتماعية، وتقليدهم بشكل يدعو للاعجاب والضحك في نفس الوقت على مايقومون به من هذه المحاكاة والتقليد للاخرين. (وكثيرة هي المواقف الجميلة والمضحكة ونحن نراقب اطفالنا وهم يحاكون بعض الشخصيات الحياتية مستعينين بملابس اولياء امورهم وبأكسسواراتهم ان كانت نظاراتهم او عكازاتهم او احذيتهم وحتى المكياج حينما يرسمون على وجوههم الشارب واللحى، وتقليدهم بالكلام وطبقتهم الصوتية وهم مرتدين القبعة الخاصة على رؤوسهم في مهارة غاية في الدقة تجلب اعجابنا وتثير ضحكاتنا عند مشاهدتهم .)
(2) هذا النوع من الاطفال يملكون القدرة على التخيل والخيال الخصب في التقليد والمحاكات، اضافة الى دقة التركيز على التقاط من الصور الحياتية للاشخاص الذين يثيرون اعجابهم ويحبون تقليدهم ويختزنون هذه الصور في ذاكرتهم يعتبرونها من التجارب الحياتية المختزنة، يحتاجونها عند احتياجهم لها لاستعادتها ويحاكونها ويقلدونها، فلديهم الايمان الصادق بهذا التقليد.