في محاضراتي النظرية لطلبة معهد الفنون الجميلة في بغداد، كنت دائما ااكد على الجانب النظري اي (الثقافة النظرية) لجميع الفنون الجميلة (التشكيلية وبفروعها – والموسيقية –والمسرحية – والسمعية والمرئية) ولهذا انني اامن واجزم بان الثقافة النظرية هي هوية المتكلم ان كانت في الصحافة او في مقابلة اذاعية او تلفزيونية، او في ندوات ثقافية.
ولهذا كنت دائما احث طلبتي على المطالعة وبمختلف المواضيع والاكتساب الثقافي من خلال هذه المطالعة، لانني كنت مؤمنا ولازلت، بان الثقافة النظرية هي سلاح للفنان، وان اكتسابها لنفسه هو سلاح يعزز حضوره وهويته.
ولهذ، العديد من الفنانين والذين يملكون خيالا واسعا ورؤية فيها من الابداع والجمال في تجسيدها على المسرح في اخراجهم لبعض النصوص المسرحية يفشلون في الافصاح والتعبير عن الكيفية التي كانت السبب في هذا النجاح، لانهم لا يستطيعون ان يشرحوا رؤيتهم ويعبروا عن الاسلوب او المدرسة التي كانت السبب لهذا النجاح.
وانا هنا حينما ااكد على ثقافة العامة، لا اعني يهذا المخرجين فقط، بقدر مايشمل هذا الممثلين وجميع الكوادر الفنية والذين يعملون بهذا المجال، فالممثل الذي يملك من الثقافة النظرية هو ذالك الفنان الذي بامكانه ان يبدع وان يتالق بتطبيق مايملك من هذه الثقافة في حرفيته مبتدئا بدراسة شخصيته المسرحية وتشمل هذه الدراسة البحث عن الفترة الزمنية التي عاشتها هذه الشخصية وما احاط بها من الاحداث لتلك الفنرة الزمنية وتاثيرات تلك الاحداث على ردود افعالها وتاثراتها للشخصية، وهذا يشمل المخرجين ايضا، فنحن نعلم ان كل نص يحمل من المضامين الفكرية والفلسفية وانا اقصد النصوص الجيدة والمتكاملة المقومات والعناصر التي تساعد على توصيل افكار المؤلف الى المتلقي وعن طريق الرؤية الصائبة للمخرج، فان كانت ثقافة المخرج محصورة بنطاق ضيق وبمحدودية لا تساعده على تفسير النص وتجسيد مضمونه، فكيف سينجح ويفلح في توصيل افكار ومضامين النص؟
الطاولة المستديرة
في هذه المرحلة الاولية من مراحل البدء بالعمل في اي نص مسرحي، يجلس المعنيون من الفنانين وباشراف مباشر من قبل المخرج والكادر الاداري للعمل المسرحي، مبتدئين بالقراءة الاولية للنص المعني.
ويبدأ المخرج بشرح ابعاد النص المسرحي وفكرته الاساسية، والكشف عن ابعاد شخوص النص وشرح معالمها وما تحمله كل شخصية من دور اساسي في بناء الاحداث للمشاهد المتلاحقة في النص، حيث هنا تلعب الثقافة الذاتية للمخرج في كيفية شرحه ابعاد شخوصه وشرح الفكرة الرئيسية التي يحملها النص المسرحي للممثلين وهنا من حق اي ممثل يناقش المخرج او الكاتب عن بعض الامور الغامضة والتي تحتاج الى تفسير، كل هذا يتم بعد الاتفاق الكاتب والمخرج على الصيغة النهائية للنص، وهذا ايضا يشمل الكادر الفني والاداري في هذه المناقشات وكل منهم يعتمد على امكانياته الثقافية.
فالثقافة الذاتية والخبرة والتجربة والاطلاع الواسع والاحتكاك بالاساتذة من الاكاديميين جميع هذه العوامل تؤهل المخرج بالتعامل مع مصممي الملابس والاضاءة المسرحية والديكور والمكياج وبكل متعلقات السينوغرافيا المسرحية، اضافة الى كل هذا فالمخرج المثقف تساعده ثقافته على معرفة الاحداث وتواريخها وردود افعال الكاتب وتصوراته الفكرية لهذه الاحداث.
اما تعامله مع الممثلين فيجب ان يملك لغة اكاديمية يتعامل بها مع الممثلين في كيفية شرح ابعاد الشخصيات وكشف معالمها، ومساعدة الممثلين على تفسير النقاط الغامضة في النص هنا لا تفوتني نقطة ومن الضروري ذكرها وهذا مشهد مضحك حدث امامي بين مخرج امي وبين ممثل ايضا لا يفقه شيئا عن حرفية التمثيل، وهذا المشهد مازال متعلقا في ذهني وانا اضحك مع نفسي كلما تذكرته مع نفسي واليكم مادار في هذا المشهد:
الممثل-- اليك اشتكي ايتها النجوم وانت ايتها السماء الصافية قسوة هذه الحياة وبما فيها من الماسي والظلم بحق الانسانية-
المخرج-- لا ابني لا، اني مداحس بحرارة الشخصية، اريد منك حرارة اكثر.
الممثل-- (يعيد الحوار ) اليك اشتكي ايتها النجوم وانت ايتها السماء الصافية قسوة هذه الحياة وبما فيها من الماسي والظلم بحق الانسانية.
المخرج-- بعدك بارد، مداحس بحرارة الشخصية شوف اريدك تفور وتغلي مثل الماي المغلي حتى احس بحرارتك، واتاثر بيا، فاذا راح تبقى على هذا البرود فانت ممثل فاشل.
استعرضت لكم هذا المشهد والذي مازلت اتذكره واغرق من الضحك على تعامل هذا المخرج الامي مع الممثل.
اما الممثل الاكاديمي لا يعتمد على المخرج الا في حالات قصوى حينما يحتاجه لتفسير حالة معينة-- اذن ماهي واجبات الممثل لاتباعها من اجل ان يصل الى الهدف المنشود لانجاح حرفيته ويبدي مهارته في التمثيل؟
فبعد توزيع الادوار على الممثلين من قبل المخرج وعن اقناع مابين الطرفين (الممثل والمخرج) يبدأ الممثل بقراءة دوره مع بقية الادوار والمشاركين اياه في المشهد او الحدث ليستخرج ماخلف السطور من المعاني المستترة والتي ينبغي على الممثل استخراجها، كأن هناك كلمة مثل كلمة صباح الخير، هذه الكلمة بحروفها وشكلها مغرية للممثل ولا سيما الممثل المبتدىء، سيقولها كما هي صورتها الحرفية هي صباح الخير، ولكن الممثل الاكاديمي يسعى الى تجسيد الاجواء النفسية والسببية في الالقاء لمثل هذه الكلمة والتي هي صباح الخير، هل هي في اجواء مفرحة؟
هل هي للعتاب؟
هل هي في اجواء حزينة وتحمل شيئا من تون الحزن في اللفظ؟
هذا ما يجب معرفته والتوصل بالكيفية التي يجب ان تقال لتؤدي مهامها في توضيح هذه التحية، هناك ايضا معلومات عن شخصيتك تذكرها احد هذه الشخوص عنك في حوار مثل:
اسكت، ولك لو مو انت اعرج اشجان سويت؟
اذن من خلال هذا الحوار تستدل على انك اعرج.
هناك ايضا دلالات ورموز يضعها المؤلف ويجب ان تؤخذ بنظر الاعتبار الا وهي احكام الوقف في الدايلوجات مثل:
الفارزة،
علامة الاستفهام،
علامة التعجب،
علامة النقطة،
هذه الدلالات لكل منها تعبيرا ووظيفة في الجملة الواحدة من خلالها تساعد الممثل في الالقاء الصحيح والتلوين من خلال الحنجرة عن معنى الاستفهام وعن معنى التعجب، اما الفارزة والنقطة فلها فوائدها في الالقاء تساعد الممثل على التنفس والوقفة القصيرة في (الفارزة) والوقفة الطويلة في (النقطة)، اي في نهاية الجملة الواحدة بعد ان يكتمل معناها الصحيح.
تحليل الشخصية
هنا تلعب الثقافة الاكاديمية للممثل في اكتشاف معالم شخصيته ليستطيع ان يجسدها وفق هذا التحليل والذي يشمل ما ياتي:
اولا – البعد الطبيعي.
ثانيا - البعد النفسي
ثالثا – البعد الاجتماعي
فالبعد الطبيعي، هو ذالك البعد الذي يشمل المواصفات الجسدية للشخصية مثلا ان كان اعور، او اعرج، او اخرس، او اعضب.
البعد النفسي، وهذا البعد هو الذي يشمل الحالات النفسية والمزاجية من الكابة والحزن والفرح والانشراح والكابة والنرفزة، وكل ما يتعلق بسايكولوجية الشخصية، اي الحالات النفسية.
البعد الاجتماعي، وهذا البعد تشمل حالات العزوبية او انه متزوج او انه فقير او انه غني او انه مثقف او انه امي لا يعرف الكتابة والكتابة.
طبعا جميع هذه الابعاد مرتبطة الواحدة بالاخرى، وتاثيرات كل منهما بالاخرى ايضا فالبعد الطبيعي له علاقة بالبعد النفسي وفي البعد الاجتماعي ايضا، اذن هذه الابعاد مرتبطة الواحدة بالاخرى، وتتفاعل تفاعلا مباشرة بحالاتها وابعادها مع الشخصية المسرحية، فاذا اتبعها الممثل يحصل على نتائج جيدة تكسبه مهارة في حرفيته وتالقا وابداعا، وهنا يتضح لنا ثقافة الممثل وتاثيرها على موهبته وحرفيته في التمثيل.
ماعلاقة الخيال بهذه الابعاد؟
للخيال القدرة على خلق الصورة التي يرسلها من الذاكرة المختزنة ليجسدها على الواقع الذي يعيشه، وهو في تفس الوقت لا يمكننا ان نفصله من حياتنا الواقعية التي نعيشها لكونه عبارة عن صور حياتية تختزن من محيط البيئة التي نعيشها، وقد تاتي هذه الصور باشكال فيها من الخلق والابتكار المقنع والمتفق مع مداركنا العقلية، ولهذا ان للخيال دور في تصوير وخلق الشخصية المراد تسخيرها على المسرح وفق ابعادها الثلاثة التي ذكرناها انفا.
تابعونا في الحلقة القادمة...