العوامل المشتركة بين المسرح الديني والمسرح التقليدي:
(الالم)--
ضمن مراحل تطور المسرح ومنذ العصور ماقبل الميلاد ، كان الالم عند البطل في الطقوس الدينية هي السمة المتعارف عليها ولا سيما في المسرحيات التراجيدية المأساوية، والتي كانت تتخلل حياته، هذا الالم هو الحالة المشتركة التي كان يعيشها بطل المسرحية مع الجمهور، والذي تاثر بها ايضا المسرح الديني الكنسي في طرح مواضيعه المسرحية، ومن خلال عرض مسرحية الالام، (الجلد والتعذيب والصلب) جميع هذه الحالات التي كان يجسدها البطل في المسرح الديني، هي موجودة مع البطل في المسرح التقليدي الجماهيري، ففي عرض مراحل الام السيد المسيح في صلبه على الصليب، كان الجمهور المتلقي يتقاسم الالم والوجع مع البطل في المسرحية، ويتعايش مع حالته ، ويندمج مع الاحداث المعروضة ،وكذلك في المسرح العلماني ان صح التعبير جميع العروض المسرحية التي تتضمن الالم والمأساة، يتقاسمها البطل مع المتلقي، وهذا ايضا لا يقتصر على الالم والمأساة وانما ايضا حتى في المسرحيات الكوميدية هناك الفرح والانتصارات وجميع هذه الحالات والانفعالات النفسية هي ردود افعال مشتركة مابين البطل والمتلقي.
التنفيس والتطهير
كانت عملية الاندماج مع مايطرح من خلال المسرح الديني، ان كانت من جراء الطقوس الدينية ومراسيمها، او الخطب والتي كانت تلقى من قاعات الكنائس والمساجد جميعها لها تاثير مباشر على المتلقي، ونحن نلاحظ الكثير من المؤمنين المصلين ودموعهم تنهمر من اعينهم وهم يتابعون الصلاة او الاحتفالات الدينية (الطقوس الاحتفالية) ان كانت في الواقع او من خلال مايطرح من على المسرح الديني، هذه الدلالات والانفعالات ينتج عنها اندماج روحي ونفسي وتفاعل مع ماكان يطرح امامهم مما يؤدي بهم في بعض الحالات الى النحيب والتعاطف الوجداني ونتائج هذا التفاعل والاندماج مع مايطرح يؤدي بالمتلقي الارتياح التفسي ومن خلال عملية التنفيس والتطهير، وهذا يشمل المسارح الدينية والعلمانية اي التقليدية معا، فقد تناول المسرح الديني قصص شهداء الكنيسة وبطولاتهم في الدفاع عن ايمانهم بعقيدتهم، وكذالك من خلال الخطب كاسلوب لطرح المفاهيم الجوهرية التي كان يتضمنها الدين من خلال عرض مأساة الالام في الكنائس، والحديث عن القادة المسلمين وتجسيد شجاعتهم واستشهادهم من اجل الذود عن العقيدة والايمان في المساجد، هذه الماثر والقصص الدينية حينما كانت تطرح من قبل مقدميها (رجال الدين)، كانوا يعتمدون في خطاباتهم المؤثرة ،على الاندماج والتقمص، ان كانت من خلال القاعات والمساجد او العروض المسرحية الدينية، كانوا يتالمون ويتوجعون ويبكون الماساة ،فهذه العواطف الجياشة المؤثرة كانت تنتقل انتقالا مباشرا وتتفاعل مع نفوس المتلقين والذين كانوا يعيشون الالم والفاجعة والنكبات التي تلم بابطالهم، وهذا لا ياتي الا من خلال عملية الاندماج مع مايعرض عليهم فينتج عنها المشاركات الوجدانية والعاطفية بحيث تحدث عملية التنفيس والتطهير والارتياح الذاتي عند المتلقي وكما يحدث تماما في المسرح التقليدي ولا سيما في المسرحيات الجدية والماساوية والكوميدية.
هناك ايضا عوامل اضافية مشتركة مابين الطقوس الدينية الاحتفالية ان كانت في قاعات الكنائس او في المسارح الدينية، والمسارح العلمانية التقليدية والتي يعتمدونها كالاضاءة، والديكور والملابس والنصوص والموسيقى والجوقة من الاصوات النسائية والذكور، هذه العوامل والادوات المشتركة ساعدت المتلقي على ان يعيش باحاسيسه وبخياله الحدث مع الكاهن او مع الخطيب في المساجد، انما تطورت هذه الحالة بعد ظهور كتاب مسرحيين للمسرح الديني معتمدين في نصوصهم على الكتب الدينية والمصادر الرسمية، وبدأت العروض الدينية للمسرح الديني تعرض اعمالها فكانت مسرحيات، الشهيد ماركيوكيس، ومسرحية جاندارك (المحرقة السعيدة) ومسرحية حلم في منتصف ليلة ايار، ومسرحية سيرة القديس مارزيا، وفي الاسلام ظهرت مسرحية الجهاد من اجل الوطن، ومسرحية الحسين شهيدا، التقت اهداف هذه النصوص في المسرح الديني والمسرح التقليدي في عوامل انسانية وفكرية الغاية منها الاصلاح والتغيير باتجاه حياة فيها من القداسة ورفاهية العيش والاهتمام بقضايا الانسان المصيرية.
فاجعة كربلاء
هذه الفاجعة التي ذهب ضحيتها الشهيد الامام الحسين وانصاره من المسلمين نتج عنها ظاهرة درامية من الشعر والرثاء تجسدت من خلالها تفاصيل هذه الماساة والتي جسدت الملاحم البطولية والشجاعة التي تحلى بها الشهيد الامام الحسين وانصاره، هذه الواقعة المقدسة نتج عنها اسلوب في تنظيم الشعر المأساوي التراجيدي يحكي عن قصة فاجعة كربلاء ويرثونها باسلوب شعري هي في الحقيقة نوع من انواع الطرح الدرامي الشعري والذي يتضمن الالم والوجع والحكاية والصراع، تجسد هذا الاسلوب بالابداع في التعبير وكان له تاثيرا مباشرة على المتلقي ولا سيما ممن شاهدوا هذه التشابيه العاشورية، وقد كان ومازال لتاثيرات هذه القصائد الوصفية المؤلمة تاثيرا مؤلما وتعاطفا مع المتلقي من خلال هذا العزاء لهذه الواقعة الكربلائية، لقد صدحت حناجر الالوف من القراء وبحناجر شجية والحان شابها الحزن والالم مما ساعدت على وجود الالم والمأسات في الطرح، اضافة الى وجود الصراع في القصة، وكذالك عملية الاندماج والتقمص والتي كانت تخلق عملية التنفيس والتطهير عند المتلقي، هذه التشابيه اسفرت عن عدة مؤشرات منها:
القصة والحكاية-- الواقعية-- الرمزية-- السياسية.
الالم والوجع ---
هذه الخصوصية في الطرح والتجسيد اكتسبت اسلوبا تراجيديا ومأساويا.
السمات والاسلوب –
هو نوع من انواع الطرح الدرامي الذي يعتمد على اشراك المتلقي مع الحدث والاندماج بالقصة، والمصاحب للحركات الجسدية والمتناسقة مع الايقاع والقراءة الشعرية الملحنة بالحان خاصة لهذه المناسبة المقدسة وبشكل مؤلم ومؤثر في الوقت نفسه.
الصراع--
ان فاجعة كربلاء لا تخلو حكايتها من الصراع مابين الدفاع عن قضية مقدسة بين الشهيد الامام الحسين واتباعه، وبين اعدائه ممن خانوه ونكلوا به، هذا الصراع الذي احدثته الاحداث المتنامية والتي ادى بها الى استشهاد الامام غدرا وخيانة.
جميع هذه العوامل والتي جئت على ذكرها، هي بالحقيقة عوامل يشترك فيها المسرح الديني والمسرح العلماني ويخلق علاقة مباشرة مع المتلقي علاقة متشابهة في التاثر والتاثير، الذي هو الانسان.