قبل ان اتناول مسرح ستانسلافسكي في هذا البحث سأسلط الاضواء على هذه الشخصية الروسية التي عاشت منذ 1863 وحتى عام 1938، هذه الشخصية التي احدثت تغييرا في عالم المسرح وتطورا في اساليب اداء الممثل والتاكيد على تطوير مهارته واسلوب تمثيله وكيفية بناء الشخصية وتسخيرها على المسرح وبما تملك من الواقعية والمشاعر الحسية والتي تجعلك تعيش مع هذه الشخصية وكانها شخصية حقيقية وواقعية وحقيقية بوهم يجعلك ان ما تشاهده من الاحداث هي مشاهد حقيقية، في الوقت ذاته ان مانشاهده ماهو الا تمثيل من قبل اشخاص لا ينتمون للحكاية باية صلة، انما هم يقومون بنقل الواقع على خشبة المسرح ممسرحا وبرؤية فيها من الخيال والتخيل للاحداث الحقيقية مشتقة من واقعنا الذي نعيشه وبطرح فيه من الابداع والجمال وصدق الاحاسيس والمشاعر الداخلية والنابعة من ردود افعال انعكاسية تعانيها الشخصية المعنية بالحدث من على خشبة المسرح، اذن من هو ستانسلافسكي؟
في بداية حياته عمل ممثلا ومن ثم مخرجا الا انه كان مشغولا باسلوب اداء حرفية الممثل وكيفية بنائه للشخصية وتجسيدها وفق اسلوب فني يخلق من خلالها حقيقة الواقع التي تنقله هذه الشخصية وتجسده بصدق المشاعر والاحاسيس الداخلية، ولهذا عمل على انشاء مختبر (اي اشبه ما يكون بمعهد فني خاص لفنون المسرح) وضم هذا المختبر مجموعة من الهواة والمحبين للتمثيل، وجعلهم محط انظار المعجبين بعد ان خاض ورشة عمل تدريبي لهؤلاء الهواة وطبق عليهم ما اكتسبه من التجارب اضافة الى رؤيته الخاصة لحرفية التمثيل وكيفية بناء الشخصية وتعاملها مع مايحيطها من على المسرح ان كانت شخصية او من السينوغرافية المسرحية والتي تعطي الصورة الحقيقية للواقع الذي يهدف الى توصيله العرض المسرحي من على خشبة المسرح.
كان يهمه التغيير والحداثة في استحداث طرق واساليب جديدة لتزيد من ابداع الممثل وامكانية استحضار الجو العام للواقعية الممسرحة تختلف عما طرح ما قبل تجربته في المسرح الواقعي، لايمانه بان كل شيىء في الحياة يتجه باتجاه التغيير والحداثة والتطوير بالاساليب العلمية والاجتهادية من اجل اكتشاف طرق واساليب حديثة تجعل الممثل ان يقدم الواقع بشكل جميل وقريب من الواقع الذي يعيشه المتلقي مرتقيا بحرفية فيها من جمالية الاداء والتمثيل اضافة الى الايمان الحقيقي بكل ما يعرض من على خشبة المسرح، ولهذا عمل على هذا التغيير متاثرا بالثورة الصناعية والاقتصادية والثقافية، اضافة الى تاثره ببعض الفلاسفة الاقتصاديين والمفكرين اليساريين في فلسفتهم في تنظير الواقع الذي يروم تغييره باتجاه الافضل، ولهذا حاول ومن خلال هذا التغيير ان يخلق مدرسة تهتم ببناء الشخصية المسرحية من الداخل، وتجسيد المشاعر والاحاسيس الداخلية بصدق التعبير وبصورة واقعية يشوبها شيئا من المخاطبة الوجدانية والعاطفية لمشاعر المتلقي، ولهذا تخرح طلبته من هذه الورشة المختبرية مطبقين ما اكتسبوه من ملاحظات ستانسلافسكي وتجاربه وثقافته والتي اعطتهم فرصة جديدة في عالم المسرح تختلف في الاداء والتمثيل عن اقرانهم من الممثلين لانهم امنوا بهذه الطريقة الجديدة ايمانا صادقا وبهذا الاسلوب لمدرسة ستانسلافسكي، ولهذا قام بتطبيق نظريته ومن خلال طلبته الذين امنوا بهذا الاسلوب في اعمال مسرحية قام باخراجها ولا سيما مسرحية النورس تاليف تشيخوف والتي نالت استحسان واعجاب الجماهير اضافة الى النقاد والمثقفين المعاصرين لفترته انذاك.
وقد كتبت عنه الصحافة مشجعة له وداعية الى اتباع هذا الاسلوب في التمثيل الذي ابهر به المتلقي وجعله يعيش احداث الواقع المعروض من على خشبة المسرح، لقد ازدادت شهرة ستانسلافسكي من خلال مؤلفاته التي تضمنت اسلوبه وخلاصة تعاليمه في التمثيل في مؤلفات جمعت فيها غصارة تجاربه ورؤيته التي امن بها اسلوبا وطريقة لمدرسته والتي اتسمت بخصوصية اداء الممثل ومهارة حرفيته، هذه المؤلفات تضمنت خلاصة تعاليمه ووجهة نظره في كيفية التمثيل وذالك في مؤلفين هما (حياتي في الفن) و (اعداد الممثل) .
تطبيقاتي العملية لمسرح ستانسلافسكي
لقد كانت نظرية ستانسلافسكي تستهويني، وفي الوقت نفسه تعلمت من مسرح برشت الكثير من المتغيرات والمتناقظات ما بين المدرستين، وفي وقتها كنت مشاكسا لبعض المدرسين والذين كانوا يؤمنون بالمدرسة الواقعية بالمفهوم الخاطىء لهذه النظرية، لانه هكذا كانت دراستهم في وقت لم يتعرفوا فيها على مسرح برشت الا القليل، ولما علمت بان عملي سأقدمه امام هذه اللجنة والمؤلفة من الاستاذ الحاج ناجي الراوي رحمه الله والاستاذ حامد الاطرقجي والاستاذ محمد امين الجلبي والاستاذ فاضل قزاز، وباشراف رئيس اللجنة الاستاذ المرحوم بهنام ميخائيل، سررت كثيرا وفرحت اشد الفرح لانني سالعب ياعصابهم من خلال مسرحية (اغنية التم لـ تشيخوف) حيث ان معظم اعضاء هذه اللجنة يؤمنون بالمدرسة الواقعية والتي لا تسمح باختراق الممثل الجدار الرابع في المسرح اي (فتحة المسرح) ولما كانت الشخصية التي احببت تمثيلها (فاسيلي) تسترجع ذكرياتها في ارتجاع فني ليسترجع ذكريات ما قبل الخمسة والاربعين عاما من عمره حينما كان يسند له ادوار البطولة في الفرقة وها هو يعود بذكرياته وبعد خروج جميع منتسبي الفرقة والمسرح حيث بقي وحيدا في المسرح وهو في حالة الثمالة يكلم قنينة الفودكا عن اعجاب الجمهور بتمثيله وتصفيقهم الحار لابداعته ولاسيما حبيبته التي كانت تحضر العرض خصيصا لمشاهدته، ويؤشر باصبعه على مكان جلوسها بين الجمهور، فقمت باختراق فتحة المسرح متوجها الى المكان الذي كانت تجلس حبيبته اثناء مشاهدتها للعرض المسرحي كممثل لشخصية ذاك الحبيب الممثل والذي استوجب عليا في المشهد ان اتغزل مع الكرسي الذي احتضن حبيبتي اثناء عرض المسرحية وانا امثل في القاعة، وكممثل كنت مركزا في الوقت نفسه على اعضاء اللجنة المشرفة لأقرأ وجوههم، وانا على علم مسبقا بالملاحظات والتي بدأ بتدوينها الاستاذ ناجي الراوي ومشاركا بهذه الملاحظات كل من محمد امين الجلبي وحامد الاطرقجي، والفرجة مرسومة على وجوههم معتقدين انهم قد رصدوا خطأ فظيعا في المدرسة الواقعية وبموجب ما املته عليهم ثقافتهم المحدودة انذاك وهي: كيف يمكن اختراق فتحة المسرح في المدرسة الواقعية ههههههه، وانا في الوقت نفسه فرحت بشعورهم هذا والتي عرفته مسبقا عنهم وهذا ما كنت اتوقعه منهم، اما الاستاذ المشرف على اطروحتي الاستاذ بهنام ميخائيل شاهدته مسرورا ومنبسطا لعملي هذا، فانتقامي لهؤلاء الاساتذة ورغبتي في ان يستيقظوا من اوهامهم قمت وعلى الفور برمي زجاجة الفودكا وبقوة شديدة على الارض وامامهم في القاعة بحيث جفل لها جميع الاساتذة الا الاستاذ بهنام ميخائيل والذي كان متوقعا مني ما كنت سافعله، حيث سمعت صوته وهو يصرخ بكلمة (برافو) وبضحكة شابها الانتصار لمفهوم مدرسته الواقعية، وبعد ان جئت على نهاية عرضي المسرحي، وقفت على خشبة المسرح لاستقبل اسئلتهم وملاحظاتهم، وقد افتتح الاستاذ ناجي الراوي تعليقه بتشفي ومقلدا الاستاذ بهنام ميخائيل حينما كان يدعوني بالابن البار قائلا: حبيبي ويا ابن بهنام البار، كيف تخترق الجدار الرابع، اي فتحة المسرح وانت تعرض مسرحية من الادب الواقعي، دجاوبني اشوف، وهنا تاملته مبديا استغرابي وامتعاضي من اسلوب استفساره، ومن بعدها توجهت بنظري الى بقية الاساتذة ان كانت عندهم اسئلة اضافية، واذا بالاستاذ المقلد الاستاذ محمد امين الجلبي والذي تعود دائما ان يخلع نظارته من على عينيه وقت رغبته قراءة ما قد دونه من الملاحظات قائلا: (انت بعد شخليت، كفرت بالمدرسة الواقعية وظلمت تشيخوف وستانسلافسكي، وحتى استاذك بهنام ميخائيل خجلته بهذا التصرف من اختراقك لفتحة المسرح في هذه المسرحية الواقعية، فما اعرف راي بقية الاساتذة بحق عملك؟).
وهنا توجهت بنظري الى الاستاذ بهنام ميخائيل مستفسرا رايه، الا انه سبقني بالكلام قائلا لي، شنو تعليقك جوزيف وجوابك على ملاحظتهم؟
وهنا اخرجت عكسي لاضربهم الضربة القاضية متسائلا الاستاذ الحاج ناجي الراوي، استاذ ناجي، كما قلت وانا معك ان هذه المسرحية هي من المذهب الواقعي، وفي المدرسة الواقعية وحسب أعراف معلوماتكم لا يسمح لي اختراق فتحة المسرح والتي تسمونها بالجدار الرابع اذن دعني اسألك سؤالا وارجو الاجابة عليه بصراحة اين تدور وقائع هذه المسرحية؟ فأجابني في المسرح فأجبته جيد ومن اي شيىء يتكون المسرح؟ فاجابني وبامتعاض، اتريد اختباري، فاجبته وعلى الفور استغفر الله استاذي العزيز، انما في سؤالي هذا اريد ان اجيب على استفساركم وتعليقاتكم بحق عملي، فاستدركت الامر وواصلت حديثي قائلا: فبما ان المسرح يتكون من خشبة للعرض وقاعة للمتفرجين فانا لم اخرج من ديكور الحدث ولم اخترق الجدار الرابع اي فتحة المسرح لان فتحة المسرح اصبحت خلفكم هناك في الخلف، وهذه الخشبة والقاعة معا هي مساحتي في التمثيل مع الاعتذار مسبقا، وهنا صفق الاستاذ المرحوم بهنام ميخائي وصعد على خشبة المسرح ليقبلني، ومن ثم اخذ يشرح وجهة نظره الثقافية بمدرسة ستانسلافسكي.
وهكذا تغلبت باسلوبي هذا على الخوف والمجازفة بحركة من خارج حدود الخشبة وفي القاعة وامام اللجنة واثبت صواب عملي وحركتي هذه التي اديتها في القاعة.
اسف احبتي ان اخرجتكم عن مواصلة ومتابعة اسلوب وثقافة ونظرية ستانسلافسكي الا انها من صميم واقع ثقافته وبما يؤمن، حيث بدأ هذا الاب الروحي للممثلين ان يواصل تجاربه ويدون ملاحظاته في دفتر صغير، وجعل يفكر بأدق التفاصيل المتعلقة في الانتاج المسرحي، بدأ من حرفية الممثل ومتطلبات العوامل الاساسية، والتعليمات التي يجب على الممثل ان يتبعها وان يلتزم بها من دراسة الشخصية وتحليل ابعادها، مؤمنا بأن العوامل الاساسية لنجاح الممثل هو الالتزام الادبي بتعليمات المخرج والاخلاق التي وجب على كل ممثل الالتزام بها، منها الحرص على الالتزام بالتمارين اليومية، والحب الصادق لعمله، والايمان الحقيقي بما يؤديه من على خشبة المسرح، والاحترام المتبادل فيما بين الفريق الواحد وعدم الاخلال بتعليمات المخرج لانه هو سيد العمل والمسؤول الوحيد عن نجاح اي عرض مسرحي.
ان مؤلفات هذا المبدع ترجمت الى العديد من اللغات العالمية وانتهجتها برنامجا لها العديد من الجامعات والاكاديميات الفنية في العالم، حيث تأثر بهذا المنهاج العديد من كبار نجوم العالم من الفنانين المسرحيين والسينمائين، فقد استطاع هذا العبقري في صياغة ملاحظاته وتجاربه التي خاضها وعاشها في التمثيل والاخراج في نظرية جسدت مدرسته واسلوبه في عالم فن التمثيل، بحيث اصبحت ملهمة للعديد من ممثلي ومخرجي القرن العشرين، حيث اثمرت جهوده وحصيلة تجاربه مدرسة اتخذها الفنانين واعلام المسرح العالمي والعربي بدأ من سنة 1898 حينما اسس (مسرح الفن) في موسكو منهاجا لهم يقتدون بتعليماته، حيث حاول تطبيق ما يؤمن به من استنتاجات ذاتية من الاساليب التي اشتهر بها والتي سميت فيما مضى الواقعية في المسرح (باستثناء المسرحيات الواقعية التي سبقت تجربته في هذا المضمار) وقد طبق ستانسلافسكي نظريته على العديد من الاعمال التي عمل على اخراجها منها لشكسبير وتولستوي، والذي رفض الاسلوب الخطابي للشخصيات مستبدلا اياها بتاكيداته على دراسة الشخصية وايجاد ابعادها النفسية والاجتماعية والثقافية غايته من ذالك تطوير مهارة وحرفية التمثيل عند الممثل، وقد زادته هذه المنهجية حضورا بين المحافل الثقافية وشهرة عالمية، من خلال اقرارهم لها منهاجا تعليميا في عملية خلق الشخصية والدراسة السايكولوجية لها، مستلهمين من مؤلفاته ادق التفاصيل كونها خلقت نموذجا متميزا في الابداع وفي تركيبة الشخصية المسرحية والتي زادتها تالقا وابداعا في تجسيد الواقعية الحقيقية في الاداء التمثيلي عند الممثل، وهذه الدراسة والاستعانة بها في التمثيل ابعدت الممثلين عن الخطابية والتي كانت سائدة انذاك، والولوج الى اعماق الشخصية ودراستها وفق نظرية ستانسلافسكي في المؤلفين المتميزين (حياتي في الفن) و(اعداد الممثل).
مسيرة ستانسلافسكي التطبيقية
في حياته الفنية
لقد خاض ستانسلافسكي عدة تجارب في الاعمال التهريجية وجسد العديد من الشخصيات الكوميدية اضافة الى تجسيد الشخصيات التراجيدية والجدية من على مسارح موسكو ،فمن خلال هذه المسيرة تجمعت لديه خبرة وتجارب ذاتية اضافة الى متابعة ادق التفاصيل في التمثيل عند الممثلين المحترفين، وملاحظة ومعايشة اعمال بعض المخرجين والتي تعامل معهم في اعمالهم المسرحية، فحصيلة جميع ما شاهده وتعايش معه مقارنا اياها مع ماعنده، لم يروق له ذالك ولم يؤمن باعمال غيره، ولهذا شرع بتاسيس مختبره وبدأ بتطبيق ما يؤمن به وما توصل اليه من وجهة اراءه السديدة وعمل على تطبيقها على طلبته في مختبره التجريبي، وبعدها شرع صيته كممثل ومخرج في الوقت نفسه للمدرسة الواقعية على الانتشار ولا سيما في روسيا ، حيث بعد هذا الانتشار في داخل مسارح روسيا توسع هذا الانتشار واخذ مداه الى المسارح العالمية والعمل بموجبها ، وقد اكد ستانسلافسكي على الخصوصية والتي منها :
اولا ، من الضروري جدا ان يعمل الممثل على دراسة شخصيته ، وان يبنيها البناء السليم من حيث التفاعل مع الاحاسيس والمشاعر الصادقة للممثل مع الشخصية المسرحية ، ودراسة واقعها الاجتماعي والثقافي والنفسي ، وان يرسم معالمها مستلهما من الواقع الذي يعيشه الممثل صورا واقعية مقاربة لهذه الشخصيات والتي سيجسدها من على خشبة المسرح ، بواقعية سلوكيتها ، ومسرحتها بابداعات مهارته وابتكاراته الفنية والتي تتلائم مع هوية الشخصية مستعينا اضافة الى الواقع الذي يعيشه بخلفيته الثقافية في الخلق والتسخير لهذه الشخصية بواقعيتها من على خشبة المسرح .
ثانيا ، ان يعيش الممثل ويجسد حالة الشخصية بأحاسيسها ودواخلها المتأثرة بردود افعال خارجية والتي تنتج عنها حركات تلقائية بعيدة عن التصنع والتشنج والحركات التخشيبية ، بقدر مايحاول خلق شخصية نموذجية بسيطة الاداء وصادقة في تجسيد الاحاسيس والمشاعر الحسية للشخصية الواقعية اضافة الى الاندماج مع الشخصية والتقمص لها ، اي التقمص مع حالتها على انها شخصية واقعية تعيش احداثها بصدق المشاعر .
ثالثا ، الاهتمام بالسنوغرافيا المسرحية وتقريبها الى الواقعية بشكل فيه من الابداع والفن ، ولا سيما في المسرحيات الواقعية الرمزية ياتي تصميم الديكور اشبه مايكون قريبا الى الواقع و فيه شيئا من رمزية التفسير ليساعد على اعطاء واستحضار الجو العام لاجواء تفسير الرمز مساندا لحركات وايماءات الممثل وتجسيدا للفكرة المطروحة من خلال النص المسرحي المعروض ، وبالاتفاق مع المصمم ، اضافة الى تصميم الاضاءة التي ايضا تساعد على اسناد وتفسير الاحداث برموز الوانها وتساعد ايضا على اضفاء جمالية تصميم العرض المسرحي .
ستانسلافسكي والمتلقي
عمل ستانسلافسكي على مخاطبة المتلقي عاطفيا ،حيث عمد على تحريك عاطفة المتلقي والتعامل معها ايمانا منه بان هذا التعامل سيعطي الفرصة للمتلقي بالاندماج عاطفيا ووجدانيا مع الاحداث المعروضة من على خشبة المسرح ، ويساعده ايضا بالاندماج مع الممثل ومع ما يقدمه من على خشبة المسرح ومن دون تطرف الممثل بالاندماج الكلي مع الشخصية المسرحية ، كأن يخلق هذا الاندماج مع الاحداث واقعا حقيقيا وممسرحا فيه شيئا من جمالية التعبير عن الواقع والمتلاحم مع تصميم الاضاءة والديكور الواقعي والبهرجة التي كان يخلقها العرض المسرحي من خلال السينوغرافيا المسرحية ، ومن خلال تصميم الازياء للملابس المتطابقة مع المكان والزمان لتعطي هوية الشخصيات وتاريخ واقعية احداث العرض المسرحي ، اضافة الى الوانها والمتناسقة مع الوان الديكور والاضاءة المسرحية ، اضافة الى البعد الطبيعي للشخصية والتي يجب ان يتطابق ويتفق مع الشخصية وهويتها الاجتماعية والثقافية وتجسيد الحالة النفسية وعلى ضوء موقعها وعلاقتها في الاحداث الرئيسية للعرض المسرحي .
ان عملية التقمص والاندماج مع الشخصية المسرحية من قبل الممثل ياتي بشكل متلاحم وصادق مع الايمان بهذا الاندماج والتقمص بحيث يصبح الممثل والشخصية المسرحية واحد ، وتنتقل هذه الوحدانية الى المتلقي والذي بدوره يبدأ بعملية التقمص والاندماج مع الممثل ومع الاحداث ، انما حذاري من الاندماج الكلي مع الشخصية المسرحية من قبل الممثل لئلا ينتج عن هذا الاندماج مخاطر وكوارث ماساوية مثلما حصل في عدة عروض مسرحية كان ضحيتها بعض الممثلين، وعليه ينصح ان تعطي قياسا للاندماج بنسبة 90 بالمائة والعشرة الاخرى للمراقبة ، اي مراقبة الشخصية وبوعي الممثل لئلا ان تخرج الشخصية عن حركتها المرسومة لها ، وبهذا تكون لدينا معادلة نسبية مابين الشخصية الرقيبة والمراقبة ، وان يسمح للوعي الشخصي ان يراقب وان يسخرها ويحركها بشيىء فيه من الفن والابداع في خلق الشخصية بواقعيتها وتركيبتها السايكولوجية لتؤثر تاثيرا عاطفيا على المتلقي من خلال حاجز الوهم الذي يخلقه هذا الاندماج للممثل لياخذ مداره الفني في عالم مليىء بالايمان والصدق بما يقدمه ويمثله من على خشبة المسرح .
الطفل ومقشة التنظيف ( المكناسة ذات الذراع الطويل )
يستحضرنا مثالا جميلا وجميعنا يتذكره في فترة طفولتنا حينما كنا اطفالا يستهوينا وضع ذراع المقشة بين ساقينا متخيلينها فرسا ونحن نمتطيه وننطلق به ، او اننا نقود سيارة ونحاكي صوت محركها بفمنا ، ويدينا متمثلة بمسك مقود قيادتها ( الاستيرن ) وننطلق باقدامنا بعد ان ندور سويج المحرك وننطلق بعربتنا الوهمية ، مستمتعين بهذه الصورة الوهمية والمشتقة من حياتنا الواقعية والتي نتخيلها بصورتها الحقيقية وكانها هي جوادا او عربة حقيقية ، وهذا الاحساس بالصورة المستحضرة تاتي عن طريق ايماننا بهذه الصورة ومقرونة مع الفعل الذي يحرك هذه الصورة الوهمية والغير الحقيقية .
جميع هذا كان الممثل الستانسلافسكي يجسده من المشاعر والاحاسيس المختزنة عنده والمستمدة من تجاربه الحياتية اما عن طريق التجربة المكتسبة ، او التجربة المختزنة ، او التجربة الانية ، اي وليدة المشاعر والاحاسيس الانية التي يتحسسها الممثل وهو في اثناء تمارينه الدورية من على خشبة المسرح ، وهذا لا يأتي الا من خلال المعايشة الحياتية مع ما حوله من الكائنات البشرية والحيوانية والنباتية وحتى الجمادية ، واكتساب منها صور لمشاعرها واحاسيسها متخيلا لو انه كان هو ذات الصفات التي يتميز بها ماذا كان يفعل او ان يتصرف ، اي ماذا كانت ردود الفعاله ، لهذا كان يدعو الى عكس الفعل والمشاعر من مسائلة نفسه والاجابة عليها من خلال ما يحسه من المشاعر والاحاسيس ليعكسه كرد فعل من الداخل والى الخارج من خلال تناول الادوار المسرحية ودراستها ومعايشتها لواقعها لتصبح لديه تجربة مكتسبة ومختزنة من الواقع الذي عايشه وتعامل معه ليخلق حالة من الواقع صورة وهمية على خشبة المسرح ليتفاعل المتلقي معها تفاعلا عاطفيا وكأنها احداث حقيقية ، بعكس برشت الذي كان يتعامل مع المتلقي تعاملا عقليا ومنطقيا ومن دون وجود للعاطفة كحالة مرتبطة من قبل المتلقي مع احداث ما يعرض .
كان برشت يجعل المتلقي ان يحس بان امامه هي احداث غير حقيقية مبنية من الواقع او من خلال بنات افكارالكاتب وخياله في نسج احداثه ، ويحسسك بان الشخص الذي يؤدي هذا الدور هو ممثل وليس شخصية حقيقية ، كان يعرض عليك عالما مسرحيا يمثل فيه اشخاص هم ممثلين ، ويبعدك عن البهرجة من اجل ان لا يدعك ان تعيش وهم الواقع وكانه حدثا حقيقيا ، وهذا ما تميزت به مدرسته ونظريته التي استنتجها من خلال من خلال تجاربه الحياتية والواقعية ضمن مسيرته الفنية والتي خاض تجربتها في المسارح الالمانية والروسية وفي مسرح الجاكانو ومسارح السيرك العالمية .
اذن من هو برشت ؟؟؟؟؟
كثيرا ماتعرفنا على شخصيات اختار لهم ذويهم اختصاص لدراستهم ، وقد يكون هذا الاختصاص بعيدا عن ميولهم او رغبتهم في الاختيار ، حيث يبعثون ابنائم الى الخارج للاختصاص باحد الاختصاصات العلمية ، وعند عودة الابناء يتفاجأ الاهل والاقرباء باختيار ابنائهم اختصاص يختلف عن ميولهم ، واقرب مثال على ذالك هو فقيدنا الراحل المخرج الرائد الاستاذ بهنام ميخائيل والذي ذهب وحسب رغبة والده لدراسة اللاهوت ليعود اليهم من امريكا باختصاص المسرح ونظريات التمثيل العملي والنظري ، وهذا ما اثار غضب والده الجنرال العسكري ميخائيل القائد العسكري في الجيش العراقي ومن مواليد كركوك في العراق ، وبعد عودة الاستاذ بهنام ميخائيل الى الوطن اختير من قبل التربية ليكون استاذا في معهد الفنون الجميلة ومن ثم استاذا في اكاديمية الفنون الجميلة .
ومثل هذا كان برتولد برشت وهو من مواليد 1898 في مدينة اوجوسبورغ ، حيث انه درس الطب في ميونخ وهناك تحول اهتمامه الى المسرح من جراء تاثيرات زملاء له حيث عمل في مسرح كارل فالنتين عام 1922 و حصل على جائزة لاول عمل له ، وهذا التكريم هو الذي دفعه للتفكير والبحث ، اضافة الى هذا استزاد خبرة وثقافة من خلال اطلاعه واحتكاكه بمن سبقوه في العمل المسرحي مما اهله ان يكون مخرجا مسرحيا للعديد من المسرحيات التي نالت اعجاب الجماهير واستحسان النقاد والمعنيين بالفن المسرحي ، حيث ساعده اقترانه الثاني بالممثلة هيلينا فايجل سنة 1929 على اكتساب دعم اكثر المحيطين به ، وكذالك مواقفها والداعمة لمسيرته كان لها الاثر في تطوير رؤيته ونظرته للمسرح متواصلا ومتزامنا مع الافكار اليسارية الاشتراكية ومعايشة احداث شابتها المقاومة ضد النظام النازي اي نظام هتلر واعوانه وازلامه ، مما دعاه هذا الضغط السياسي اللجوء الى الدانمارك ، وتلاحقت النكبات والماسي لحياته بعد ان تواجد نظام هتلر في الدانمارك مع قواته هذا الحدث الجديد دعاه للجوء الى سانتا مونيكا في كاليفورنيا ، هكذا كان حاله كمثل حال العديد من المهاجرين والهاربين من نظام هتلر المعادي لمعظم المثقفين الذين يميلون الى الافكار اليسارية والاشتراكية ، فعمل هتلر على ملاحقتهم وهو يجتاح الاراضي متوغلا في اوربا والسيطرة على مطبوعات الكتاب والادباء المثقفين ومنهم برتولد برشت وحرق مؤلفاتهم واتلافها ،مما كانت السبب في ازدياد معانات هؤلاء المثقفين وازدياد المعارضة لسياسة هتلر القمعية واظطهاده للافراد والذين لا ينتمون بجذورهم الى المانيا ولا سيما اليهود الذين اظطهدوا بقساوة من خلال الابادة الجماعية قتلا او حرقا في المحارق المنتشرة في انحاء المانيا .
اما انطباعات برتولد برشت عن المجتمع الامريكي فكانت سوداوية الانطباع مما تمخضت عن انتقادات من خلال مقالاته النقدية ، هذا الانسان الذي يرفض الطبقية والتسلط على رقاب المعدمين الكادحين من الطبقة العاملة واستثمار جهودهم بشكل غير منصف ولا سيما في مناجم الذهب وغيرها ، عرضه هذا النقد الى الحبس ومن ثم قيدت حريته في النشر والكتابة ووضعت رقابة صارمة على جميع انتاجاته الادبية واتلاف القسم الاكبر منها من قبل السلطات الامريكة مما دعاه هذا الوضع الغير المستقر الى العودة الى المانيا يوم انقسامها الى المانيا الغربية والشرقية ، الا انه منع من دخوله الى المانيا الغربية ، لذا عاش حياته ضمن هذه الفترة في المانيا الشرقية وعمل على ادارة المسرح الالماني ، ثم حاول في تلك الاثناء تشكيل له فرقة مسرحية ومن خلالها شرع بالكتابة ونشر انتاجاته الادبية اضافة الى العمل على اخراجها مسرحيا ، حيث اشتهر وشاع صيته و من خلال الاعمال المسرحية في المانيا و تاثيراته على تطور الحركة المسرحية ورقيها ، ولا سيما بعد الحرب العالمية الثانية .
برشت والمسرح
لقد احدثت مسيرته التجريبية وانتقالاته ما بين ولاية وولاية ومعايشته لمختلف الطبقات والتعرف على معظم الانظمة الحاكمة هذه المسيرة التجريبية ، احدثت هذه المسيرة التجريبية تطورا في حياته ومسيرته الفنية بعد ان تعرف على انتاجات الكتاب العالميين والمحليين ، هذه التاثرات والتي ملئت حياته ولدت لديه انطباعات مختلفة تمخضت عن ردود افعال انعكاسية فكرية ونظرية جعلها اسلوبا لحياته الادبية والفنية ، وثورة عارمة ذاتية قبل هجرته من المانيا ضد كل ماهو سائدا في المجتمع الالماني من الظلم و النظرة التي تدعو الى العنصرية والتفرقة ، معاناته التي عاشها تمخض عنها رفضا للواقع الذي كان سائدا انذاك مما دعاه هذا الوضع المتردي ان يصبح شخصية متمردة على ذالك الواقع ، ونقده له نقدا لاذعا من خلال ماكان ينشره في الصحف والمجلات الالمانية مما جلب انتباه نظام هتلر وازلامه ومضايقتهم له ولانتاجاته الفكرية والادبية ، جميع هذا الذي عاشه اختزنه في ذاته مما جعله يؤمن بان التغيير والحداثة في المسرح لا بد منه ، ولهذا وبعد عودته الى المانيا واستقراره فيها جعلته هذه المسيرة السابقة لحياته الفنية والادبية ان يفكر باساليب جديدة ليخلق ثورة فكرية عارمة تعبوية تحريضية لدى الشعب الالماني محركا عقله وفكره ويثير النقاشات المنطقية والعقلية منبها اياهم الى الاخطار المحدقة بهم من مخلفات الانظمة النازية السابقة اضافة الى توعيتهم من النظام الراسمالي والمنتهك لحقوق الانسان واجحاف حقه وارادته في الحياة ، جاء هذا متضمنا في جميع انتاجاته الادبية وفي اسلوب حديث فيه شيئا من التغيير والحداثة ، طرحها بمدرسة ونظرية جديدة اختلفت عن سابقاتها من التجارب التقليدية للمدارس الانفة الذكر ، فالوضع السياسي ، والوضع الاجتماعي و الوضع الاقتصادي جميع هذه الاوضاع جعلته يستعين بالوثائق والصحف التي فيها مقالاته النقدية والفكرية للاستعانة بها وتجسيدها باسلوب عاطفي و تعليمي وملحمي يحاول من خلاله توصيل فكرة الاضطهاد الذي يعيشه الشعب الالماني وتعريفه على الافكار التقدمية الوطنية والتي من خلالها يعمل على انقاذ هذا الشعب من هذه الانظمة والتي لا تخدم مصالح الشعب ، وبناءا على هذا الوضع الغير المستقر جعله يتاثر بالمسرح السياسي والفقيرويخفف من الاعتماد على االسينوغرافية الكثيفة للمسرح الواقعي والاعتماد على الممثل الماهر والمبدع والمتسلح بالصوت والالقاء الصحيح والحركات الجسدية والتي تنم عن جمالية الحركة في التكوينات الجماعية والايمائات الرمزية والتي كان يعتمدها بتصويرها للرمز المقصود وعن طريق حركات واشارات الممثلين الرمزية ،واما ان الاضاءة المسرحية فكان يكتفي ببعض المساقط الضوئية اللازمة والضرورية لتعمل على استحضار الحالة للجو العام وتوصيل افكار مايعرض الى المتلقي ، واحب ان اذكر هنا ، ان برشت لم يرفض مدرسة ستانسلافسكي في بادىء الامر ، انما استعان بما قدمه استاذ المدرسة الواقعية في التمثيل وبعض البهرجة البسيطة والتمسك بحرمة الجدار الرابع ( الجدار الوهمي ) في مسرحه ، اضافة الى دعوة ممثليه على الاندماج والتقمص في اعماله ضمن هذه الحقبة من فترة مسيرته الفنية والادبية ، الا انه عمل على بعض الاصلاحات الحرفية ورفض بعض ماكان يعمل عليه الممثل في المدرسة الواقعية ، حيث جاء هذا التغيير بعد هروبه من الماتيا وابتعاده عن مخاطر الاحكام والانظمة النازية ، هذا الحال ، اظطره ان يعمل في المهجر في السيرك كعامل لمساعدة رواد السيرك من المتفرجين على اختيار اماكن جلوسهم ،حيث جلب انتباهه في اثناء عمله الى ما كان يحدث في العروض البهلوانية من اداء الحركات الكروباتيكية والرياضية الخطرة والتي كان يؤديها بعض البهلوانيين ولواعيب السيرك حيث تركت لديه بعض الانطباعات والتي مهدت لهذا التغيير في مدرسته منها :
اولا ، كان مسرح السيرك خالي من الاضاءة التقليدية كما هو الحال مع الاضاءة المسرحية ثانيا ، كان مسرح السيرك خالي من الديكور الضخم ومستلزمات الاكسسوارات التي وظيفتها مساعدة المتلقي على ان يتفاعل مع الشخصية والاندماج معها .
ثالثا، عدم وجود حوار في الاستعراض لالعاب السيرك ليخلق عملية التقمص والاندماج مع المتلقي ، وانما الرقابة والمتابعة من قبل المتلقي كان يشوبها شيئا من الترقب والاندماج لما كان يعرض امامهم .
رابعا ، لا وجود للملابس الضخمة والمختلفة الالوان والتي يتقيد بها المسرح التقليدي من اجل مساعدة المتلقي على معايشة الشخصيات التمثيلية وكانها شخصيات حقيقية ، بقدر ماكان المستعرض في ملعب السيرك يكتفي بالملابس الخفيفة والبسيطة والتي كانت تسهل له مهمة ادائه لبعض الالعاب الرياضية الخطرة معتمدا على جمناستيكية جسده ومرونته .
خامسا ، لاحظ برشت في عروض السيرك ، انعدام كل مقومات وعناصر العرض المسرح التقليدي من الاضاءة والملابس والمكياج والاضاءة المتكاملة الالوان والسينوغرافيا المسرحية ، جميع هذا لم يؤثر على اهم عامل من عوامل نجاح العرض هو عنصر التشويق والشد ، كان المتفرج في ملعب السيرك يتجاوب ويندمج مع ما كان يعرض امامه ويحبس انفاسه خوفا وذعرا من تادية بعض الالعاب والتي تنم عن خطورة تاديتها والمرافقة مع بعض الايقاعات والمقطوعات الموسيقية المؤثرة .
لعبة كرة القدم ودورها في حياة برشت المسرحية
عند حضوره لمشاهدة وقائع بعض مباريات كرة القدم جلب انتباهه ملاحظات ادهشته لم تقل عن ملاحظاته في ملاعب السيرك وهو وجود لواعيب كرة القدم من الفريقين الخصمين ليجسدا من خلالهما الصراع في الكر والفر و وفي اصابة الاهداف والتي تشد الجمهور المتلقي وتخلق عنده في نهاية المبارات حالة من السعادة او الحزن ،
اي توصل الى نقطة اساسية من تجربته في السيرك ومشاهدة استعراض لعبة كرة القدم الى ان في السيرك كانت هناك ادوات بسيطة يعتمدها اللاعب في تادية العابه ، وجمهور يتابع عرضه ومساحة اشبه ماتكون بخشبة المسرح هي الفسحة الوسطية لتادية عروض السيرك اضافة الى اضاءة بسيطة مكتفية بتسليط بروجكتر فلو لايت ، اي بروجكتر متابعة للعرض الذي يؤديه لاعب السيرك ، وكذا الحال مع كرة القدم .
مسرح الجاكانو
هذا المسرح والذي اشتهر في اليابان والصين والهند ، ولكل موطنه خصوصيته وتجربته وتاريخه ، الا انهم اجتمعوا ببعض المقومات الاساسية لهذا المسرح ، منها الجوقة والالوان المبهرجة والايماءات الرمزية والتعبيرية والتي كان يؤديها مغني الجوقة و لان طبيعة هذا العرض كان يعتمد على الغناء للدايلوجات الاسطورية ، والرقص الفني لشعوب اوطانهم وعكس هويتهم من خلال الملابس وازيائها الخاصة والالوان الزاهية ، وكان الجمهور يتابع هذه العروض بتلهف وشد لجميع مشاهد العرض الجاكانوتي ، استفاد برشت من اسلوب توصيل الايماءات الرمزية والدلالات التعبيرية ، اضافة الى استحسانه اصوات الجوقة ليختزن هاتين الملاحظتين ( الايماءات الرمزية ، والجوقة بادائها ) .
مدرسة برشت وموقفه من التقمص والاندماج
توصل برشت من تجاربه الحياتية والتي عاشها في حياته العملية مع المسارح المختلفة الانفة الذكر ( السيرك وملاحظاته لكرة القدم ، ومسرح الجاكانو ) وملاحظة عروضها ومقارنتها بالعروض المسرحية التقليدية ولا سيما في المسرح الواقعي ، اكتشف ان بعض المقومات والعناصر الاساسية في المسرح الواقعي كالديكور الضخم ، والاضاءة المعقدة والملابس والازياء بتعقيداتها وتصاميمها المكلفة للانتاج والتي قد تاخذ وقتا زمنيا في التنفيذ ليست بذا اهمية لو استغنى عنها في العروض المسرحية ، وكذالك شجع الممثلين على ان يؤدون الشخصيات بعيدا عن الاندماج والتقمص وعدم التعامل العاطفي مع المتلقي في العروض المسرحية ، بقدر ما يحاولون محاكات الشخصية بحركاتها التقليدية وبعيدا عن المخاطبة العاطفية مع الجمهور، وان يمثل بشيىء من التقليد والمحاكات للشخصيات وانما بعيدين عن الاندماج والتقمص ، وقد ضرب امثلة كثيرة منها كمثال طفل يقلد والده حينما يرتدي ملابسه الضخمة على حجمه ويحتذي حذائه الكبير والضخم ، ويعتمر على راسه قبعته وعلى عينيه نظارتيه الكبيرتين ، ويرسم شاربا ولحى بقلم المكياج بشيىء من البساطة و يبدأ بتقليد والده وحركاته واسلوب كلامه مما يثير هذا المنظر شيئا من الضحك والسخرية لدى والدي الطفل ، وكذالك دور الفتاة وهي تقلد والدتها بكل حذافير التقليد ، وبالفعل تنجح في انتزاع اعجاب والديها ، اراد برشت من هذين الصورتين ان يوصل مفهوما لطلبته وهو ، عدم الاندماج بكل تفاصيل الشخصية بقدر ما يحاكون عاداتها وتقليدها شكليا وبعيدن عن التقمص والاندماج ، ان يكونون ممثلين امام المتلقي وليس شخصيات واقعية حقيقية من على المسرح ، وبهذين المثلين استطاع برشت ان يقلل من اهمية عملية التقمص والاندماج للشخصية في مسرحه ، وهكذا سيساهمون في كسر الحاجز الوهمي الذي يخلقه الممثل من خلال عملية الاندماج والتقمص ومخاطبة المتلقي مخاطبة عقلانية ، اي ان وجهة نظر برشت هو تحريك العقل عند المتلقي اجدى بكثير من مخاطبة عاطفته ، ايمانا منه بان العاطفة تقتل العقل عند المتلقي وتمنعه من التفكير و مناقشة مايطرح امامه من الاحداث مناقشة عقلية وقد يتوصل الى نتائج بنفسه هو يؤمن بها لانها استنتاجات ذاتية .
موقف المتلقي والمعنيين بالمسرح من هذا التغيير
استاء المتلقي وبعض المعنيين بامور المسرح من هذا التغيير باسلوب العرض المسرحي والمغاير لاسلوب ستانسلافسكي ، مفضلين اسلوب ستانسلافسكي في العروض المسرحية والواقعية ، اضافة الى عناصر ومقومات المسرح الواقعي التي تميز به مسرح ستانسلافسكي ، الا ان برشت بقي على ايمانه باسلوبه ونظريته في الطرح ، فحاول علاج عروضه المسرحية اللاحقة بالرجوع الى ماعليه في مسرح ستانسلافسكي في عملية التقمص والاندماج ، انما هو حاول الخروج عن هذا التقمص والاندماج بحالة تغريبية ، هذه العملية التغريبية استخدمها برشت كالصفعة التي يصفع بها المتلقي ليوقظه من الاندماج والتقمص مع الاحداث ، هي وسيلة وجدها برشت مناسبة لتخدم افكاره المطروحة على المتلقي وهو يستقبلها في كامل وعيه العقلي ، وبهذا استطاع برشت بعملية التغريب ان يتعامل مع المتلقي تعاملا عقليا وهو في كامل وعيه، وكذالك عمد على الاختصار من الديكور الواقعي وتخفيف من ضخامته ، والاعتماد على بعض مايدل على موقع ومكانة الحدث بشيىء من البساطة ، وكذالك التخفيف من الاضاءة المسرحية والاعتماد على الالوان التي قد تخدم عرضه المسرحي ، وكذالك اختزال الكثير من السينوغرافيا المسرحية من المستلزمات الكثيرة والمعقدة ، والاعتماد فقط على بعض الاكسسوارات والملابس البسيطة والغير الفضفاضة والتي قد تساعد الممثل على التمثيل واضفائها للشخصية هوية تساعد على كشف معالمها الثقافية والاجتماعية .
ادخل برشت الكورس ( الجوقة ) والغناء الشعري الاوبرالي في معظم عروضه المسرحية حاول برشت ان يعرض ممثلين امام جمهوره وليس شخصيات واقعية ، كسر برشت حاجز الوهم مابين الاحداث والمتلقي ، اشرك برشت المتلقي وجعله هو جزء من اللعبة المسرحية يناقش احداثها عقليا ومنطقيا وذالك بجلوس بعض الممثلين مع الجمهور في القاعة ، اوجد برشت حالة التغريب لتخدمه في ايصال افكاره الى المتلقي وهو في كامل وعيه ، لقد اوجد برشت حالة من حالات التفاعل العقلي للمتلقي مع احداث مايعرض عليه ، لتخلق لديه حالة من النقاش مع نفسه حتى وهو على فراش نومه ، بعكس ستانسلافسكي في اسلوبه الذي يفضل عملية الاندماج والتقمص وخلق حاجز الوهم وعدم اختراقه لفتحة المسرح ( الجدار الرابع ) ، عمل ستانسلافسكي على مخاطبة المتلقي مخاطبة عاطفية ، تموت هذه المخاطبة الفكرية بعد خروج المتلقي من القاعة وعدم استفادة المتلقي من هذه المخاطبة ، لانه وكما هو معلوم ان العاطفة تقتل العقل ولا تسمح للعقل ان ياخذ وظيفته ليناقش ما يطرح عليه وهذا ما يميز مسرح ستانسلافسكي عن مسرح برتولد برشت .