هذه المسرحية التي شكلت انعطافا ابداعيا في كيفية تجسيد الثيمة الفكرية والحبكة التي استطاع الكاتب علي عبد النبي الزيدي ان ينسج من خلالها محاورة مابين وردة (العالم الروحي المبني على الحب والمحبة) وحمد (عالم العنف، عالم السادية والمازوخية) اذن لنتعرف على السادية والمازوخية والتي جسدها (حمد) ومن امثاله في مسرحية لقاء رومانسي.
هذه المسرحية اخرجها الفنان الشاب المخرج اسامه السلطان، انما انا في تقييمي هذا لا اتناول اسلوب الاخراج ولا حرفية الممثلين الذين شاركوا في تجسيد شخصيات هذا العمل لانني لم اشاهده، بل مكتفيا بتسليط الضوء على النص المسرحي لاعجابي به وبفكرته التي داعبت انامل المؤلف العزيز علي عبد النبي فتمخظت عن نص جسد من خلاله المقارنات الفردية والحسية لما يسود عالمنا هذا اليوم من السادية والمازوخية في سلوك من اتخذوا لهم شعارات دينية يبررون من خلالها، افعالهم السادية والمازوخية وسلوكياتهم اللامنطقية واللامعقولية والمنتشرة في عالمنا العربي والعالمي.
ولهذا لنسلط الاضواء على الاسباب والمؤثرات والتاأثيرات التي كان لها الاثر في انحراف العديد من افراد المجتمع اي كان ولا سيما الذين خرجوا عن المألوف من العادات والتقاليد الاجتماعية المنطقية والانسانية متخذين لطقوسهم والداعية الى العذاب والتعذيب تنفيسا وتطهيرا لبواطن دواخلهم المعقدة والشاذة والمبنية على حب التعذيب لعلاج امراضهم وعللهم واضطراباتهم النفسية، متلذذين بايقاع الالم فيما بينهم والتلذذ بالتعذيب لغيرهم.
مثل هؤلاء الافراد لذتهم لا يجدوها الا في مشاهدة العنف، ويتلذذون بتعذيب غيرهم جسديا وازهاق ارواحهم وسفك دمائهم، وهذه العلل النفسية التي تتصف بها هذه المجاميع المريضة نفسيا سميت حالاتهم هذه بالمازوخية والسادية والتي يصيبها الارتياح النفسي فيما اذا مارست مثل هذه الاعمال الاجرامية والشاذة في ايذاء غيرهم ليخففوا من شدة عقدهم النفسية وتهدئة مايصيبهم من التوتر والقلق النفسي من شذوذ الافعال والتي هي خارجة عن سيطرة حدود ارادتهم. في الفترة ماقبل وبعد الثورة الفرنسية، اي في عام 1789 م اصاب المجتمع الفرنسي تصدع في انسانية افراد مجتمعه نتيجة تراكم مخلفات الاوضاع الاجتماعية المتدنية والتي نتج عنها تغيير في الاوضاع الاجتماعية من العادات والتقاليد والخروج عما هو مألوف من عادات المجتمع الفرنسي، مما ادى الى اصابة بعض الافراد بقساوة افعالهم متصفة بالعنف والشذوذ السلوكي لتصرفاتهم واصابتهم من الامراض النفسية مما ادت بهم حتى الخروج عن طاعة الكنيسة ومعتقداتها ليبتدعوا لهم طقوسا خاصة بهم تعتمد على تعذيب الاجساد ومشاهدة الالام والتلذذ بها.
ان السادية وهذا هو الاسم الذي اشتهر به مثل هؤلاء النموذج من الشر، حيث جائت هذه التسمية مشتقة من اسم الروائي الفرنسي الماركيز دو ساد، واسمه دوناتيه الفونس فرانسوا دوساد، هذا الروائي منحدره الطبقي من الارستقراطيين، حيث كان مولعا بممارساته للعنف وحبه للفساد والمجون اللامحدود والذي ادى به الى السجن، ومن ثم رميه في مصحة عقلية.
اما المازوخية فجاء تسميتها من الروائي النمساوي ليونولد مازوخ، حيث جائت رواياته معبرة عن الممارسات المازوخية، اي الغير الطبيعية والشاذة عن المجتمع، ولهذا اطلق على خصوصياته بالمازوخية نسبة الى اسمه، وقد حاول في حينها التخلص من هذه الكنية فلم يفلح اضافة الى محاولات ابنه الا ان جميعها باءت بالفشل بعد ان اشتهر بهذه الكنية.
فالساديين والمازوخيين هم وجهان لعملة واحدة يتميزون بتلذذهم بتعذيب الاجساد واحداث بعض الكدمات الجسدية من الجروح على اجساد غيرهم، مستلذين في تصرفاتهم وسلوكياتهم الشاذة والمنبوذة من قبل المجتمع في تلك الفترة المرحلية من الزمن اتسموا هؤلاء الساديين والمازوخيين بامراض نفسية وسلوكيات غامضة في اسلوب حياتهم حيث يفضلون اصحابها الهروب والابتعاد عن المجتمع الى عالم يختلف اختلافا كليا عن العقلية والمنطقية ليعالجوا حالاتهم النفسية بالاختلاء مع انفسهم والاستمتاع في سماع الموسيقى الحزينة والتالم والمعانات من خلال سماعها، وقد تبدأ مثل هذه الحالات وتظهر على الانسان منذ نشئته الطفولية ضمن مرحلة التاثر بما يحيط الطفل من سلوكيات شاذة ومن اقرب الناس اليه، فتنمو هذه السلوكية وتنغرس في نشأته بعد ان تصبح عقدة متلازمة له وتتطور وبموجب المراحل الظرفية اللاحقه مما تنتج عنها حالات غير طبيعية شاذة يستلذون في حالة محاكاتها والقيام بمثلها، كالاغتصاب، والمشاهد التي يتجسد من خلالها العنف والخوف والذعر والتحرش الجنسي، وسفك الدماء وكوي الاجساد وجرحها ليتلذذوا بمشاهدة هذه الدماء التي تخرج من اجساد المتعذب والمعذب، اي الطرفين يتحسسون اللذة من جراء القيام بمثل هذه الاعمال الشاذة، فجميع هذه الحالات النفسية والشاذة ماهي الا عوامل تؤدي بهم الى امتلاك روحية السادية والماخوزية، حيث تبقى مرافقة معهه الى مدى الحياة ليتحول الشخص على الادمان منها حيث يجد من خلالها لذته. فمثل هؤلاء البشر ونتيجة لشذوذهم عن بقية افراد المجتمع يعيشون حالة من حالات التذمر والمعانات نتيجة عدم قبولهم من قبل المجتمع، ولهذا يبحثون عن شرعية لهذه السلوكيات تجعلهم بمستوى ارقى من نظرة المجتمع لهم، شرعية يستغلون بعض مافيها من دعوتها للمجتمع لارتكاب افعال واعمال مشابهة لاعمالهم، من سفك الدم وقطع الرقاب والايدي والجلد والتعذيب ليتهافتوا على الانتماء لها بالرغم من غربتها عن جنسيتهم وقوميتهم ولغتهم، انما الايمان الكاذب و ايهام الراي العام العالمي والعربي على ان ايمانهم بهذه العقيدة دفعهم للانتماء لها واعتناقها، اما الهدف الاساسي والجوهري من هذا الانتماء هو تحليله لارتكاب مثل هذه الاعمال الاجرامية، وتشجيعهم على ارتكاب التعذيب والجلد وقطع الايادي والرقاب وتهشيم الرؤوس وارتكاب انواع التعذيب الذي يستلذون من ممارساتهم له بحق الاخرين.
فمثل هؤلاء الساديين والمازوخيين يستغلون (بضم الياء وتسكين السين) من قبل جهات لهم مصلحة بدعم مثل هؤلاء الشاذين لتنفيذ مخططاتهم في الحروب والتخريب لدب الرعب والذعر لدى المواطنين الامنين.
لقاء رومانسي
هذه المسرحية والتي تتكون من حدث رئيسي واحد اسمه (لقاء) هذا اللقاء يتم مابين شخصيتين متضادتين بالافكار والاهداف، والتي تتنامى من خلالها احداث عرضية افتعالية (وهذا ما اطلقه انا على الاحداث الساكنة والتي يجسدها حوار الشخصيتين) مابين حمد ووردة تساعد على نمو الصراع الرئيسي والذي يؤدي الى نهاية حتمية لا غيرها انهاها المؤلف علي عبد النبي بقتل وردة لنفسها وانفصالها عن العالم الدنيوي المادي الوحشي هو عالم حمد والذي لايتفق مع عالم وردة الروحي والتي تظطر الى العودة مرة ثانية الى عالم الارواح.
هناك تحليل اخر يسمح هذا النص بافتراض فكرة هاتين الشخصيتين (حمد ووردة) والتي ترمزان لعنصري الخير والشر والتي يملكهما حمد او اي انسان اخر في الوقت نفسه، ومن خلال تانيب الضمير وعن طريق عنصر الخير الموجود لدى حمد والمتمثل ماديا بشخصية وردة، مع النصف الثاني من عنصر الشر والذي يملكه ايضا حمد او اي شخص اخر مثل شخصية حمد، ففي لحظة التامل ومراجعة الذات من قبل حمد، يتم هذا الصراع مع نفسه ومع عنصري الخير والشر، والذي ينتج من خلال هذا الصراع حبكة افتراضية غير واقعية بتجانس الشخصيتين مابين الواقع والخيال لتؤدي بها احداثها الافتعالية الى تنامي الصراع الذاتي لدى شخصية حمد تنتهي بالنهاية الحتمية التي يؤمن بها حمد وهي القضاء على وردة بيديه ليستلذ بفعلته متخذا لعمله هذا حجة لتبرير فعلته هو التكفير عن ذنب ضحيته، ومن ثم ليكافأ على عمله هذا بلقب امير، وهذا ما تجسده شخصية حمد والمتمثلة بالسادية والمازوخية التي يملكها هو وامثاله من هم على شاكلته.
لقاء رومانسي تاشيرة ايجابية في مسيرة المسرح العراقي صاغ ثيمتها الكاتب علي عبد النبي الزيدي بحبكة ابداعية تنم عن قدرة نقل الواقع برؤية شاملة تتمثل من خلال الواقعية والرمزية من خلال شخصية حمد ووردة والتي كانت تربطهما رابطة الحب العذري، والتي ادت محاولة وردة الى اعادة حمد الى مملكتها الا انها فشلت بهذه المحاولة.
هذه المسرحية هي الصورة الماساوية التي مازال يعيشها بعض من يؤمن بالمقايضة الروحية والمتمثلة (اعطيني ما اريد، انفذ لك ما ترغب) هذه المقايضة مبعثها الكبت والحرمان الذي يتخذ صاحبها من الدين وهما لخلاصه من جرم ماتقترفه اياديه الدامية للتنفيس عن ذاته ورغباته الجنسية والنفسية في ان واحد للتعويض عن النقص الذي يحسه ويشعر به اي نموذج مثل نموذج حمد والتي بدأت تظهر على حيز الوجود، انها نفوس مريضة تحاول التنفيس والتطهير عما في داخلها بوسائل وحشية لكي تحس بسعادة وهمية عن طريق ارتكابها اعمال اجرامية شاذة، مثل ذالك السيل من الماء الجاري النقي والذي يجرف مع جريانه حقارة ووحشية جرم بحق الانسانية ليقتحم الصخور بعنفه ويشق الارض من خلال مجراه مع تراكمات امراض نفسية شاذة ليصب في مستنقع راكد تنبعث منه فيما بعد رائحة افعال اجرامية وحشية بحق الانسانية.
هكذا هو الحال مع مثل هذه النماذج السادية المازوخية التي تجد سعادتها بالتعذيب والذبح وقطع الرؤوس وسفك الدماء، سعادة وهمية تحت شعارات تتخذها ملاذا لتبرير وتحليل اعمالها الاجرامية، تتمسك بها متخذة منها مذهبا وعقيدة تتذرع من خلالها حجة في تحقيق سعادتها بايات تسمح لها بارتكاب مثل هذه الاعمال والتي تتفق مع امراضها النفسية وشذوذ سلوكياتها، لتجد في هذا ملاذا ينقذها من عذاب افعالها الاجرامية.