وعلى هذا الاساس ظهرت في الاحقاب الماضية من الزمن مذاهب تطرفية يعتنقها من الشواذ والمصابين بالعقد والامراض النفسية، والتي لا يحلو لها بالالتحام مع المجتمع السوي من البشر والمتكاملين عقليا وثقافيا يؤمنون بعقيدة معتدلة بعيدة عن ارتكاب مثل ما يتماشى مع ميولهم النفسية في الاجرام والقتل والذبح اضافة الى الشذوذ الجنسي والغير الشرعي يستلذون بممارسته فيما بينهم بطقوس يبتدعونها ويبتكرونها ويتخذونها مذهبا فيها من الشرائع المتماشية مع افعالهم، ومثل هؤلاء منتشرون في اصقاع الدنيا يحلو لهم الالتحام مع المتطرفين والمعايشة معهم وتكييف ملابسهم واطالة شعر راسهم وذقونهم، متذرعين بايات هم لا علاقة لهم بها، ولا بتفاسيرها الجوهرية، مجرد شعارات علنية وهذا ماجاء في مسرحية لقاء رومانسي في صورة لواقع حمد الذي يذبح تسعة من الضحايا ويروم تنفيذ الذبح بالضحية العاشرة في حوار يقول فيه:
حمد: (يرد على طارق الباب) سانتهي حالا – انتظر قليلا-- (الى وردة) والان سنبدأ المرحلة الثانية قبل مراسيم الذبح، الان تبدأ مراسيم الذبح، الان تبدأ طقوس الرقص، رقص تتساقط فيه الذنوب على الارض وتطير بعد ذالك بحسب كتاب كبائر الذنوب عند البقرة الحلوب ((للعالم الجليل وحيد عصره ابراهيم بن واهب بن مرة بت عزيز بن كريم الموصلي، في الجزء الخامس، وفي صفحة الف وسبعة يقول: ان تنهي عن المنكر، ينزل الله بركاته عليك ويرحمك برحمته التي وسعت كل شيىء (يصرخ في وجهها) انا لا اعصي اوامر الله ابدا، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، انا هنا انفذ امر الله ليس الا، وعليك الان ان ترقصي رقصة المذنبة التي تطلب الرحمة من الله، رقصة التائبة من كل ذنوبها، رقصة الوداع عن هذه الحياة الفانية. هذه الرقصات الهسترية والتي يذكرها حمد، وعلى ايقاعات الطبول هي من صميم الطقوس التي يحبذها الساديين ويتمسكون بها، ويتلذذون على اصوات ايقاعات الطبول الصاخبة اثناء ممارسة شذوذهم من عمليات التعذيب والجلد بالسوط، واحداث الكدمات التشويهية في الجسد عن طريق الالات الجارحة او الكي بالنار على اجساهم، او الاستلقاء على البسامير او الزجاج المكسور حبا في ممارسة حالة التعذيب، وهذه الحالة بالطبع يتقاسمها الاثنين من تقع عليه حالة التعذيب او من يقوم بعملية التعذيب، حيث تبلغ السادية عند شخصية حمد بقوله:
حمد: تريدين ان تذبحي بفم وعينين مفتوحتين!؟ كيف لامراة ان ترى السكين المعد لذبحها؟!! وتشاهد قاتلها؟
-- لابأس سأفعل ذالك – يجب ان تلبي طلبات المحكوم بالذبح (يقوم برفع قطعة القماش التي وضعت على عينيها وفمها) ويتبين من مشاهدة وجهها انه كان يعرفها، فهنا تحدث المفاجئة الغير المتوقعة في لقاء الروحين (حمد ووردة) في مرحلة تختلف افكار كل منهما عن الاخر، وردة وهذا اسمها رمزا جميلا اتخذه المؤلف من اجل ان يرمز الى الانفتاح والازدهار لافكارها الانسانية والمليئة بالحب والعطف والحنان، هذه الوردة التي كانت تفيض بحبها لحبيبها حمد قبل رحيلها عن وجه هذا العالم المادي، والتي تفاجأ بعد عودتها مرة ثانية الى العالم الدنيوي المادي بزمن اختلفت فيه المقاييس والمفاهيم لقيم الايمان عما كان في السابق، هذا الايمان الذي يدع الى شرعية يحلل فيها مايرتكبه حمد من الاعمال الاجرامية والشاذة عن قيم شرعية الانبياء والرسل، ويحرم مايحل لحمد واتباعه تحريمه على الاخرين، نفوس بشرية تاثرت بالكوارث المأساوية والطبيعية منتحلة لها صفاة من الشذوذ الغير المنطقية، وردود افعالها اللا انسانية، نتيجة لاصابتهم بالامراض النفسية والتي قد لا يكترثون لنتائجها بقدر ما يعتبرونها حالة طبيعية يتوهمون من خلالها على ان العالم الاخر واقع تحت مرض يختلف عن امراضهم، وهذا ما يؤكده حمد بقوله:
حمد: العالم مريض على فراش الموت ينتظر مني ان اصنع له مليار تابوت بحجم امراضه، العالم وباء كافر لا بد من نار تحرقه، ويمكنك ان تراجعي كتاب (العياد في تحريم الاعياد) للعالم الفقير الى الله.
وهنا ينبض الحب النقي ونظرة وردة السابقة ل حمد لما كان عليه، بثيابه البيضاء، قبل ان تحوله هذه الظروف المرحلية الى ما هو عليه الان، لتقاطعه بقولها:
وردة: من يعيدك كما كنت؟
انت حكايتي الوحيدة التي احيكها لنفسي كل ليلة، وانام على دفئها لسنوات، انت الوالي، الفارس بقلبه الذي يتسع لحب الكون، العاشق بثيابه الابيض.
وياتي انفجارها بصرخة في وجه حمد مذكرة اياه بالفوارق التي حلت بين حبه القديم النقي والمبني على نكران الذات، وحبه الحالي والمبني على حبه لمشاهدة الدماء والعنف، حب كان يعشق قلب وردة ونقاء روحها الصافية، والذي تحول في غياب وردة بعد رحيلها الى عالم الارواح، الى حب مادي سادي متاثرا بالاستمتاع الجسدي مفضلا الذبح وقطع الرقاب سلوكا في حياته الدنيوية، متخذا لنفسه وكيلا ل لله على الارض في محاسبة البشر ومترجما لارادة الله لمعقابة الانسان في اجابة يبرر من خلالها افعاله قائلا لها: حمد: هو ارادني ان اكون هكذا، فكنت.
مما دفع وردة الى ان تساله قائلة:
وردة: من هو؟ فيجيبها قائلا:
حمد: الله.
وردة: انت نار من صنع يديك.
حمد: انا نار من صنع الله.
وهذه حجة اخرى يطلقها حمد لتبرير افعاله، فتبادره ورده بسؤال اخر بعد رؤيتها لسكين في يده.
وردة: وهل بقي جزء من قلب حمد صالح للحب؟
حمد: مازلت صالحا لك ياوردتي، لوحدك.
وردة: والسكين؟
حمد: اتقرب به الى الله.
وردة: بسفك دم؟
حمد: بعتق رقبة من ذنوبها في حياة لا معنى لها.
وردة: افكارك لا معنى لها.
وهنا يأتي دور الشرعية التي يؤمن بها حمد كحجة لتبرير افعاله قائلا:
حمد: هناك الف حد شرعي عليك ان لا تتجاوزيه معي يا حبيبتي.
وردة: هذا يعني علي ان اعيش بكماء في حضرتك ايها الامير.
حمد: لم اتوج اميرا بعد.
وهنا ياتي دور المؤلف في محاولة لاعادة حمد الى ماكان عليه في عالم مليىء بالحب النقي والمبني على الايمان بقدسيته واغراضه النبيلة وعن طريق طلب وردة برجوعه الى العالم السابق بقولها:
وردة: عد ياحمد.
حمد: لا استطيع ياوردة.
وردة: نعود الى تلك الليالي الباردة التي نتدفأ بانفاس حبنا، نعود الى همساتنا، الى احلامنا التي لا تعد.
حمد: استغفر الله، هل كنت في الجنة؟
وردة: الجنة في ارواحنا.
حمد: ماهذا الكابوس؟
وردة: عد الى حمد الذي اعرفه.
حمد: لا اعرف احدا بهذا الاسم، نسيته.
وردة: وما اسمك الان؟
حمد: لا اعرفه.
ومن خلال هذه المقارنة مابين عالمين، العالم المادي الدنيوي والمتمثل في حمد، والعالم النقي الروحي والمتمثل في شخصية وردة، حمد الذي انسلخ عن ماضيه وواقع حاله النقي وتاه في عالم النسيان عن معرفة الله الحقيقي، الله المحبة والتسامح، عالم من الوهم نسي من خلاله وجوده واسمه، حيث لا اسم له وبموجب اعتراف حمد، ومن ثم يتحول المؤلف الى مقارنة الحب ومن خلال مايؤمن به كلا من الطرفين حمد ووردة.
حمد: هذا يعني بانك خارجة عن حبنا!
وردة: لا يمكن لحبنا ان يعيش بين الاصوات البريئة التي كانت تصرخ هنا، او التي كانت تتوسل بتركها ان تعيش، الحب ان اذوب بك وتذوب بي، ان تتغزل بي لثلاثين ساعة في اليوم الواحد، ان تموت فيا واموت فيك.
حمد: (يخرج سكينة طويلة وممسكا بها بيديه ليعرف الحب من خلال هذه السكين على انها الحب في يديه بقوله:
حمد: الحب في يدي.
وردة: الدم في يديك.
حمد: الطاعة هي الحب.
وردة: واتحول بلمح البصر الى جارية في قصرك؟
حمد: من اجل ان ندخل الجنة معا.
وهنا ياتي تاكيد وردة على عدم دخول الماديات الى عالم الارواح، الماديات واصحابها ملطخة بدم الضحايا من الابرياء من جراء سكاكينهم قائلة:
وردة: لا ارغب بجنة يدخلها الناس بسكاكينهم.
وتنتهي كتابة النص، بمشهد في قمة المأساة التراجيديا لما وصل عليه انسان هذا الزمن مقارنة مع ما كان عليه، وفي ختام هذا النص يأتي المؤلف علي عبد النبي الزيدي بختمه لمسار تصاعد البناء الرئيسي لثيمة النص، بذروة تنفجر بها الى حل لنهاية يعبر من خلالها المؤلف برفض من كلا العالمين الواحد للاخر، عالم يسوده النقاء والمحبة والتسامح والمتمثل في عالم وردة، وعالم اخر يسوده التخلف وحب سفك الدماء والرعب والذعر والخوف والمتمثل في شخصية حمد، حيث يختتم المؤلف نصه المسرحي بعودة وردة الى عالمها النقي عالم الارواح، رافضة عالم حمد العالم المادي والدنيوي بطعنة من يدها لنفسها بعد ان اردتها قتيلة ورافضة لهذا الحبيب الذي نسي اسمه وجوهر حبه، مفضلا ذبح حبيبته بيديه اعتقادا منه التكفير عن ذنوبها، وغسل خطاياها وتطهيرها من خلال ذبحها بنفسه لتصبح الضحية العاشرة من اجل تتويجه اميرا كبقية الامراء، ومن ثم ينهي المؤلف رائعته (لقاء رومانسي) باغنية شعبية بغدادية (جي مالي والي) معبرا من خلالها تعبيرا افتراضيا عن جغرافية موقع الحدث وانتمائه.
***