الثورة والغضب في النصوص العراقية
لو تمعنا في مسيرة المسرح العراقي وبالذات في الخمسينيات من الاحقاب الزمنية الماضية، لوجدنا ان الفنان العراقي انبعثت من داخله ردرد افعال عكست حالة الغضب الذي كان يعتريه من المحيط الذي كان يعيشه ان كان اجتماعيا او سياسيا او ثقافيا او دينيا، كانت الحالات التي تثير غضبه هو عدم وجود المساوات والعدالة الاجتماعية، فمنهم من ادعى ان هذا الغضب هو حالة من حالات الرفض السياسي، والقسم الاخر ادعى ان هذه الثورة جائت نتيجة وجود نماذج من الرفض لسياسات خارجية في انحاء العالم اثرت على القسم منهم وتاثروا بها، انما لم تتناول النصوص العراقية كينونة الانسان الا في قلة منها طرحها الكاتب عادل كاظم في مسرحية الطوفان (كلكامش والبحث عن الخلود) اعتبر كلكامش ان الحياة تافهة مادامت نهايتها الموت، ولهذا غضب وتمرد واخذ يبحث عن الخلود الا ان بحثه لم يجدي منه اية نتيجة ترضي تسائلاته عن الموت والخلود، وكذالك في مسرحية البقرة الحلوب ل طه سالم واخراج خالد سعيد، كان الانسان يبحث عن السعادة والعدالة الاحتماعية، هذه العدالة الاجتماعية والتي فقدها في حياته، ولا سيما الطبقات الفقيرة المعدمة، كان رافضا لذالك الوضع الاجتماعي والسياسي، لانه لم يحقق له العدالة الاجتماعية في اجواء واقع لم يخدم طموحاته ورغبته في حياة فيها من السعادة والكمال، وكذلك في مسرحية فوانيس ومسرحية ادمون صبري ايام العطالة ومسرحية الحصار ل عادل كاظم، جميع هذه النصوص فيها من حالات الغضب والتمرد على الواقع وانما كانت هناك اهدافا وغايات سامية ادت الى حالات الغضب والتمرد للوصول الى الاهداف السامية لخدمة الانسان في التغيير وتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال التغيير والحداثة.
- فهل معنى هذا ان هذه النصوص حينما كان طرحها فيه شيئا من الغضب والتحريض على الثورة، اتعتبر من المدرسة العبثية والامعقول؟
كلا انما انتمائية مثل هذه النصوص كانت متاثرة بالوضع السياسي المجحف بحق المجتمع والخاضع تحت هيمنة القوة التي كانت تحكمه وتدير شؤون حياته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لهذا كان الغضب والتحريض على التمرد والثورة على الواقع الردىء والذي لا يرتقي الى ابسط الحياة التي يجب ان تقدم للانسان من اجل ان يحيا حياة تليق بمقامه، فمثل هذا المسرح كان يبحث عن حياة اقتصادية راهية وسياسية تحقق الاهداف الانسانية للانسان وتحرره من القيود الاجتماعية والسياسية والتي لم تكن تخدم الانسان والمجتمع انذاك .
لكن-- الثورة والتمرد والغضب عند العبثيون والوجوديون كان على الواقع الذي كان يعيشه الانسان.
والتفكير في سر كينونته واسباب وجوده في الحياة انذاك، والتفكير بالنتيجة الحتمية التي كانت تنتظره في نهاية حياته الا وهو الموت.
فهذا الانسان اراد البحث عن الخلود، اراد ايجاد اجوبة عن اسباب خلقه وكينونته في هذه الحياة الا انه لم يحقق اية نتيجة سوى الموت ولهذا جاء غضبه بحيث تمرد وثار على الواقع الذي كان يعيشه واعتبر ان حياته ماهي الا كذبة وخدعة تخدر الانسان من اجل ان تخلق له الارتياح والاستقرار وتبعده عن حالات الانتحار ورفض هذه الحياة والتي لا يقتنع من وجوده فيها الا ان الظروف الاجتماعية وضعت بعض العادات والتقاليد لتنظيم حياة الدنيا المؤقته، لان العبثيون كانوا يدركون ان هذه القيم والعادات الاجتماعية والبالية من وجهة نظرهم ماهي الا خدعة وزيف لكونها لا تحل معظلة الانسان المعاصر ولا تعطي له نتائج ايجابية يقتنع من خلالها عن الجدوى من حياته وتكشف له الحياة مابعد الموت بعيدا عن علم الميتافيزيقيا والايمان بالغيبيات والغير الملموسه، بقدر ماهي حياة لا جدوى من الاستمرار معها والتعايش مع معطيات نتائج لا يؤمنون بها .ولهذا اختلفت عملية الرفض والتمرد مابين المفكرين واصحابي العقول الرافضة والداعية الى الغضب والتمرد، فنجد ان مبعث التمرد والغضب والثورة عند المفكر السياسي هو نتيجة ايمانه بقضية الجماهير وخصوصية تفكيره جاء مناهضا للاوضاع المتردية والتي لا تهىء للطبقة المسحوقة حقوقها وتؤمن الرفاهية الحياتية الاجتماعية في الحياة السعيدة التي يبغيها الفرد.
وكذالك هنالك كان من الرافضين من يحرض على الثورة والتمرد ضد الاقطاع والرأسمالية المستغلين لجهود العمال والفلاحين، فاذا هنا جاء التمرد والثورة بخصوصية فيها من الافكار السياسية والمتاثرة بقوانين الفكر اليساري والاشتراكي، بعكس افكار العدمين والعبثيين والذين يرفضون واقع المجتمع الكلاسيكي والذي يفرض عليهم تقاليد وعادات وافكار هم لا يؤمنون بها، لان الايمان بها يعتبرونه دجلا ونفاقا لا يصل بهم الى قناعة من اسباب وجودهم في هذا العالم .
في العراق وفي الاربعينيات
انبثقت في العراق وفي الاربعينيات اعمالا مسرحية افكارها رافضة للاوضاع السياسية والاجتماعية، اتسم هذا الرفض عن طريق ابطالها والذين يحملون رمزا شعبيا وفكرا سياسيا حرا ينادي بالعدالة الاجتماعية والتمرد على هذه الاوضاع الاجتماعية الرديئة والانظمة الحاكمة المتعجرفة والتي لا تنظر لمصالح الشعب بعين الاغتبار وتضعها في المفاضلة وتعطيها اهمية وطنية.
وهؤلاء الكتاب الرافضون والمتمردون والذين انتموا الى المسرح التعبوي يختلفون باهدافهم عن المتمردين والثائرين من اتباع مدرسة العبث والامعقول او مانسميه بمسرح الغضب، لخصوصية ردود افعال المهتمين بمثل هذه المدرسة فالرفض والثورة التي كانت في نصوص عادل كاظم وعبد الوهاب الدايني وطه سالم وادمون صبري ويوسف العني يختلف عن الرفض الذي جاء عن طريق جان بول سارتر والبير كامو ويونسكو واخرين من كتاب المسرح اللامعقول والعبث، لكون لكل منهم خصوصية المحيط الذي عاشه والذي كان الافراز عن تمخضات المرحلة والاوضاع السائدة في مجتمع يختلف كل منهما عن الاخر. فالنوع الاول والذي في العراق جاء رفضهم وثورتهم على الاوضاع الاقتصادية المتردية، بينما النوع الثاني جاء بعد ويلات الحروب والماسي التي خلفها الدمار والانحطاط الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وحتى الديني .
الحرب العراقية الايرانية والمسرح التعبوي
اذا تناولنا نوعية المسرح التعبوي ضمن هذه المرحلة من مراحل المسرح العراقي لوجدناه يتميز بحالة من حالات الرفض والخطاب التعبوي من اجل مناصرة القضية المؤسساتية الحكومية، اي يتميز هذا المسرح بالرفض على واقع الحرب الدموية والمخلفة الدمار الشامل للبنية التحتية والتدهور الاقتصادي والثقافي وتفتيت الاواصر والعلاقات الاسروية من كلا الطرفين، انما المسرح ضمن هذه المرحلة كان مسرح مؤسساتي تعبوي وموجه من خلال ماتفرضه الدولة على كتابها من الذين تعاملوا مع الثقافة والاعلام على انها جزء لا يتجزء من واجباتهم المؤسساتية، وعليه فمثل هذا المسرح فيه من الانحيازية الفكرية ويحمل ستراتيجية لادارة الحالة التعبوية والثورية من قبل النظام الحاكم انذاك وعن طريق وزارة الثقافة والاعلام.
فمثل هذا النموذج من المسرح التعبوي الثوري والرافظ لواقع الحرب لا ينتمي بخصوصية رفضه لمسرح العبث واللامعقول، وانما مثل هذا التموذج جاء نتيجة مافرضته هذه الحرب والتي نتج عنها هذا التذمر ورفض نوعي لواقع مخلفات هذه الحرب.
ومشاهدة الموت الجماعي والفناء لشريحة من البشر والذين رضخوا لواقع هذه الحرب وظروفها ما ادى الى استياء جماهيري اثرت على الكتاب والادباء في تجسيد هذا الرفض لهذا الواقع الماساوي والذي تمخظ بتسائلات عن اسباب وجودنا وماهي الاهداف من هذا الوجود والذي ينتهي في النهاية الى محرقة الموت الجماعي، مما خلف تسائلات دارت في خلد الفنانين العراقيين ولاسيما الفنانين التشكيليين والذين عبروا وعن طريق لوحاتهم التشكيلية بلغة رافضة فيها شيئا من الثورة والغضب على هذا الواقع الماساوي وباسلوب تعبيري وسريالي عبر عن ردود افعال هذه الشريحة من الفنانين لواقع مايدور رحاه من الدمار والقتل الجماعي اضافة الى الاعدامات الجماعية، فحينما ناتي للمقارنة بين رفض هؤلاء الكتاب ضمن هذه المرحلة من الحرب العراقية الايرانية. ومرحلة الحرب العالمية الثانية، نجد ان هناك اختلاف في الاسلوب والتعبير عن حالة الرفض، يعني فيه اختلاف عن مسرح البير كامو وجماعته من كتاب مسرح العبث واللامعقول لاختلاف خصوصية كل من الاوضاع السائدة مابين الطرفين.
ولا يعني ان وجود الحالات المشتركة من الرفض مابين الطرفين يجعل من الثورة والرفض لكلا من الطرفين لها عوامل متشابهة ادت الى الثورة والغضب، وانما اسباب رفض وثورة كل منهما يختلف عن الاخر.