حينما اعود واتصفح صفحات الماضي من مسرتنا الفنية، اقف عند مرحلة من مراحل حياتي ومسيرتي الفنية يوم كنت هاو ولست محترفا لااملك تجربة وخبرة فنية، يوم كنت اتمنى لنفسي النجومية، وقتها كنت من اشد المتابعين لجميع الافلام السينمائية ولاسيما العالمية، والتمثيليات التلفزيونية والمسرحيات والتي كانت تعرض في وقتها وانا كلي انبهار واعجاب بما كنت اشاهده من حرفية الممثلين واجادة لعب ادوارهم، فكنت في وقتها اكن احتراما وتقديرا لهذه المواهب والتي هزت مشاعري ودغدغت ماكنت اظمرحه من الحب لمثل هذا الفن ولاسيما فن التمثيل، فكنت احتار في كيفية صعود وتسلق سلالم الشهرة وانا مازلت لا افقه شيئا من ابجدية الفن، وانما كان الاحساس والمشاعر التي كنت احسها باتجاه هذا الفن جعلني اتابع افلام هوليود وما كانت تعرضه دور صالات السينما انذاك من افلام رعاة البقر، وما كان يقدمه نجوم السينما العالمية انذاك من حرفية متقنة وناجحة في تحريك مشاعرنا وعواطفنا وحبنا للفن، ونحن نتابع افلام كيرك دوكلس وانطونيو كوين وكاري كوبر وتوني كيرتس وفكتور ماتيور وغيرهم من ابطال افلام تلك الحقبة الزمنية من مراحل تطور السينما العالمية، فكنت ابحث عن الفنانين في بغداد واتابع اخبارهم وانشطتهم وعن طريق صديق لي موظف معي في مديرية الهاتف المركزي في بغداد، واكتشفت بالصدفة انه فنان ومخرج سينمائي، فلم اكاد اصدق ماسمعته اذناي وهو يتكلم هاتفيا مع الفنان المرحوم خليل الرفاعي ويعلمه عن موعد تصوير فلم درب الحب والذي كان من اخراجه، هذا الفنان هو المخرج السنمائي برهان الدين جاسم (ابو سمير) اصطحبني هذ الفنان بعد ان توطدت علاقتي به الى زيارة ستوديو العزي السينمائي، وهذه الزيارة كانت الاولة في حياتي، هذا الاستوديو السينمائي كان يقع بالقرب من عقد النصارى في بغداد، وانا بقرارة نفسي ومن خلال هذه الزيارة، لم اكد اصدق بانني ساكون في محراب ستوديوهات السينما العراقية، وكيف لا، لقد انتابتني الفرحة بشكل لا يوصف وانا ادخل الى ستوديو من ستوديوهات انتاج الافلام العراقية، وكان املي الوحيد انني ساصادف العديد من نجوم السينما العراقية فيها، من امثال:
الفنان خليل الرفاعي،
سليم البصري،
سلمى عبد الاحد،
وغيرهم من نجوم الفن العراقي، وانا كلي شغف لهذه الزيارة والتي ستكسبني معلومات قيمة عن كيفية صناعة الافلام ولاسيما انني كنت مشتاق لمثل هذه الزيارة، ويومها شائت الصدف ان اتعرف على الفنان عدنان الامام بطل فلم يد القدر، والمخرج السينمائي سيمون وهران، اضافة انني التقيت في اليوم نفسه باعضاء فرقة المعاصر للتمثيل والتي كان يديرها انذاك الفنان الرائد المرحوم مكي العفون والد د. علاء مكي العفون وزوج الفنانه فاطمة الربيعي، اضافة الى هذا التقيت بالفنان الممثل والمذيع العراقي المغترب المرحوم عبد الخالق الفلاح، وانا اطير فرحة ونشوة في اجواء هذا العالم الرهيب عالم الفن.
- فلم يد القدر
هذا الفلم كان من انتاج المنتج العزي صاحب ستوديو العزي ومن اخراج المخرج سيمون وهران، وقد حدث خلاف حول ابطال الفلم فقرر المخرج سيمون وهران استبدال بطلة الفلم سلمى عبد الاحد بالفنانه فاطمة الربيعي، الا ان الاتفاق لم يتحقق وهكذا بقيت سلمى عبد الاحد هي المرشحة لبطولة هذا الفلم.
- عبدالجليل علي النجار وتمثيلية الميلاد التلفزيونية
هذا الفنان الرائد، صاحب الابتسامة الهادئة، ذو نفس طيبة يسودها التواضع والثقة التي كان يملكها بقدراته وموهبته الفطرية انذاك جعلته محط اعجاب المعنيين بالفن، ولا سيما قدرته وملكته في الكتابة (التمثيليات الاذاعية والتلفزيونية) وفي تلك الايام ونحن كنا على ابواب اعياد الميلاد المجيد، وفي غمرة هذا، جائت مبادرة المخرج سيمون وهران بتكليف الفنان عبد الجليل علي بكتابة نص تلفزيوني يجسد من خلاله ميلاد السيد المسيح، وهو يؤشر باصبعه عليا وعلى احدى قريباتي التي كنت قد اصطحبتها معي الى الاستوديو لاسناد دور البطولة لي ولها، وانا لم اصدق وقتها لهذه الصدفة الاولى من حياتي الفنية، وانا متشتت الفكر مابين انني ساكون نجما من نجوم الفن في العراق، ومابين هذه الصدفة التي لعبت دورها باسناد دور البطولة لي ولقريبتي التي كانت تربطني واياها رابطة الحب والقرابة، وبالفعل اتينا في اليوم الثاني والنص التمثيلي كان جاهزا، عندها سحبني الفنان عبد الجليل علي ومع قريبتي وبدأ بتشجيعنا ودعمنا الدعم المعنوي، عندها تعجبت من صفات هذا الفنان والذي لم تكن لدي صلة معرفة به، انما نزاهته التي كان يملكها جعلته متحمسا لنا وهو يسدي الينا ببعض النصائح والتوجيهات وشرح ابعاد شخصيات التمثيلية التلفزيونية، الا ان هذا الحلم لم يتحقق لمعارضة لجنة فحص النصوص في مديرية الاذاعة والتنلفزيون على كيفية معالجة احداث قصة الميلاد من قبل كاتب النص، وهكذا بتوقف هذا العمل اكون قد تعرفت على شخصية فذة ذو موهبة في كتابة الدراما الاذاعية والتلفيونية، هذا الانسان الاصيل والمليىء خبرة وتجربة اخذ يعيد الينا الثقة بانفسنا ويشجعنا على اننا سنلتقي واياه في فرصة قادمة انشاء الله ، وجعل يمطرنا بوابل الاطراء والدعم من اجل احياء الامل فينا لفرصة اخرى تفتح لنا ابواب الفن بشكل واسع.
- عبد الجليل علي النجار وامانة المؤرخين في الفن العراقي
مما يؤسف له، ان العديد من الفنانين الرواد والذين لهم لمساتهم في مسيرة الفن العراقي ولا سيما في حرفية التمثيل والتاليف الدرامي ان كان على نطاق الاذاعة والتلفزيون او على خشبة المسرح، لم ياخذوا نصيبهم من تعريف هويتهم الفنية من قبل الصحافة والوسائل الاعلامية المعهودة انذاك، فذاقوا مرارة واسات التعتيم الاعلامي على انشطتهم الفنية والثقافية والفنان عبد الجليل علي كان احد هؤلاء الذين لم تنصفهم الصحافة ولا الاعلام، وبقي يعيش ضمن التعتيم الاعلامي مع محبته لفنه وايمانه بان الفن هو زاده الذي يغذي به المسيرة الفنية دون الاكتراث لتسليط هذه الاضواء على انشطته الفنية، الا اننا وكما نعلم بان المسيرة الفنية لكل فنان لابد وان ياتي ذالك اليوم وتظهر من خلاله حقيقة تاثيراته ولمساته وابداعاته، لانه ومع مزيدا من الاسف كان الاعلام في حينها مبني على تبادل المصالح الشخصية، وفيه انحيازية للذين لم تكن لديهم ملكة الابداع، وما جائت شهرتهم الا من خلال موائد الانس والخمر في النوادي مع البعض من المنتفعين الصحفيين والذين كانوا يرفعون ويكبسون باكفهم لصنع نجومية من غير استحقاق لبعض الذين اشتهروا على حساب العديد من الذين يملكون المواهب الفنية والقدرة على الخلق والابداع، ومن جملتهم الفنان عبد الجليل علي النجار، والذي شهدت الساحة الفنية جهوده وابداعاته على الصعيد الاذاعي والتلفزيوني ولم تكن للصحافة دورا في تسليط الاضواء على مسيرته الفنية .
- اذا -- من هو الكاتب والاديب عبد الجليل علي النجار؟
كانت اذاعة بغداد ومن خلال برامجها المتنوعة تبث بعض التمثيليات الاذاعية ومن خلال قسم التمثيليات والتي كان يترأسها الفنان المخرج المرحوم عبدالله العزاوي، حيث نشط هذا القسم في تلك الحقبة الزمنية من تاريخنا الاعلامي ومع هذا النشاط برزت نجومية الفنان والاديب عبد الجليل علي النجار في كتابة التمثيليات الاذاعية.
في الخامس عشر من شهر مايس سنة 1960 بثت اذاعة جمهورية العراق من بغداد اول تمثيلية من تاليفه واخراج المرحوم الفنان عبدالله العزاوي ، قدمها قسم التمثيليات والبرامج الخاصة وكانت بعنوان (الموعد) وبعد هذا العمل بدأ مشواره الفني لانتاج العديد من المسلسلات الاذاعية والتي لاقت صداها عند المتلقين من مستمعي البرامج الاذاعية لاذاعة بغداد، ولهذا اهتم هذا القسم بدعمه وتكليفه بكتابة المسلسلات الاذاعية فتمخضت انامله عن تجسيد وصياغة افكاره بابداعات درامية، لم تخلوا من مقومات وعناصر التاليف الاذاعي وهو مازال في اول مشواره الحرفي للتاليف الاذاعي، فتمخضت افكاره عن تاليف مسلسل بثلاثين حلقة بعنوان (الرعاف) وتلاه مسلسل بثلاثينية اخرى بعنوان (جموع ومسار) حيث قام باخراجها للاذاعة الفنان المرحوم علي الانصاري، وتلاه مسلسل اخر بثلاثين حلقة بعنوان (احسن صديق) اخرجها الفنان المخرج الراحل الفنان زهير عباس، وهكذا بدأت عطائات هذا الفنان الاديب، والرائد من رواد حركتنا الفنية والادبية في العراق ان ياخذ مسارا اجتهاديا يجسد من واقعنا حكايات وصور واقعية لاحداث شدت المتلقين من مستمعي الاذاعة والتلفزيون حيث جاء مسلسل (محطات من العمر) والذي اخرجه الفنان المبدع محمد زهير حسام، بحيث كان هذا العمل يملك بصمة فنية، رفعته الى مصاف نجومية الكاتب العراقي واكسبته تجربة واختصاص اشاد بها من المعنيين في الدراما العراقية.
- عبد الجليل علي، مؤلفا ومعدا للبرامج التلفزيونية
امتدت مساحة نشاطه الثقافي والفني من ستوديوهات الاذاعة الى ستوديوهات التلفزيون ، وبحكم وظيفته في القسم الثقافي والارشاد الزراعي في وزارة الزراعة كلف وظيفيا من قبل دائرته باعداد وتقديم البرنامج الزراعي الاسبوعي من تلفزيون بغداد بعنوان ( المرشد الزراعي ) قام باخراجه المخرج ناصر حسن لقسم البرامج التنموية في تلفزيون بغداد. هذا الفنان والرائد في حرفة ومسيرة الدراما العراقية تعامل مع جميع مخرجي الاذاعة والتلفزيون. وقدم العديد من البرامج والمسلسلات والتي حصلت على مكافئات وجوائز تقديرية، اكتسب من خلال مسيرته تجربة جعلته في مصاف نجوم الفنانين والادباء العراقيين.
- ثقافته الاكاديمية
كان يؤمن هذا الانسان الراقي باخلاقه وطيبته، بان على الفنان ان يكتسب ثقافة ماتؤهله للابداع وخلق حالة من جمال التعبير، كي يتمكن من توصيل افكاره وابداعاته باسلوب راقي يجسد من خلاله افكاره وقيمه الانسانية، اضافة الى هذا، كان يؤمن بان ثقافة الفنان هي تاهيل لشق مسيرته الفنية وتقديم حالة من حالات الابداع واحداث فرجة ممتعة من خلال الوسائل السمعية والمرئية، ولهذا انتهز اول فرصة اتاحت له للتسجيل في معهد الفنون الجميلة والاحتكاك المباشر بالاساتذة الذين اضافوا له ثقافة وتجربة جعلته ان يرتقي بانتاجاته الى قمة الابداع وان يتعامل مع مهنته تعاملا اكاديميا، ووفاءا منه لاساتذته الذين لم يبخلوا باضافة لمسات ابداعاتهم لمواهبه، وتزويده بما اكتسبوه من الثقافة في حقول التمثيل والاخراج، ومنهم الاستاذ المرحوم بهنام ميخائيل، والفنان المخرج ابراهيم جلال، تمكن هذا الموهوب من رفد الحركة الفنية والادبية بانتاجات درامية ساعدت على تخطي النمطية والكلاسيكية في التاليف، وظهور موجة جديدة لتجربة رائدة تختلف عن التجارب السابقة في التاليف.
- تجربته في المسرح
في هذه المرحلة من مراحل حياته الفنية والتي فيها زادته نضجا واصبح لديه خزينا من التنظير في اسلوب الكتابة، طارقا ابواب الريادة في الحداثة والتغيير نتيجة تاثيرات اساتذته في المرحلة الدراسية مما جعلته هذه التجربة ان يطرق ابواب الاخراج المسرحي في مسرحية من تاليفه بعنوان (الكوخ ) حيث حصل على المرتبة الاولى في الاخراج وذالك في سنة 1973 في المهرجان الاول للمسرح الريفي. واخيرا وفي ختام هذه الفسحة الاعلامية عن مسيرة الفنان الرائد عبد الجليل علي النجار لا يسعنا الا ان نبتهل للباري عز وجل ان يطيل في عمره وان يمده بالصحة والعافية- ومزيدا من التالق والابداع في مسيرته الفنية.