الذي يبحث في حياة معظم كتابنا وادبائنا العالميين، بل معظمهم، ليتوصل الى حقيقة ثابتة لا غيرها وهي، ان مضامين ما يدونونه من الافكار والمضامين الانسانية القيمة في مذكراتهم، ماهي الا بداية لترسيخ ردود افعالهم لمعاناتهم الشخصية والذاتية والتي تاتي نتيجة للمؤثرات الخارجية كرد فعل تتجسد في مضامين كتاباتهم، هذه المؤثرات الخارجية والتي هي عبارة عن الحياة البيئية والاجتماعية والثقافية والسياسية والدينية ايضا والتي يعيشون تحت ظل اجوائها، والتي قد لا تتوافق مع ميولهم الفكرية ونظرتهم للحياة التي يحلمون بها، فتتراكم لديهم معانات مايعيشونه من الواقع المتردي والذي لا يستوي مع طموحاتهم ورغباتهم الذاتية ونظرتهم الشمولية لواقع الحياة النموذجية، ولهذا يبدا الانسان المفكر والاديب بطرح افكاره ونظرته للحياة البديلة والتي يعتقدها هي الافضل للمجتمع والتي تهدف الى التغيير والتطوير. هذه المعانات تبقى مشكلة اساسية في كيفية تجسيدها وفي كيفية طرحها ان كانت عن طريق قصيدة او كتابة نص روائي او مسرحي مع اختلاف وسائل التعبير مابين كاتب واخر، ولهذا نشاهد ان هناك اساليب مختلفة في التعبير، وكل اسلوب ياخذ سمة وطريقة تعبر عن منهجيته ومدرسته يتخذ منها شكلا لطرح هذه المعانات، غرضه من مضامينها التطوير والتغيير او الدعم والاستحسان لتعكس ردود افعاله في هذا التعبير متخذا منها مدرسة له، فمنهم من اتصف بالواقعية ومنهم بالكلاسيكية او الرمزية او العبثية او بالتعبيرية والتعليمية-- الخ.
وهنا تاتي الحكاية وضمن تسلسل احداثها بصياغة يحاول الكاتب من خلال مقومات وعناصر كل مدرسة بتاطير مضامينها باطار يجسد من خلاله كوميديته او ماساته. وهذه المدارس او الاساليب التي ينتهجها كل كاتب لم تاتي بالشكل الاعتباطي، ولو ان معظم كتابنا في كتاباتهم قد لا يتخذون منهجا معينا في الكتابة، وانما حاصل مايكتبه هو ناتج من تحصيل رؤيته في اسلوب الكتابة لتنتج لديه مدرسة يصنفها النقاد ويضعونها في قالب من قوالب المدارس العالمية، وبحكم الاوضاع البيئية والسياسية المتدنية تتمخض عن معالجات كبديلة يراها الكاتب هي الافضل، لمعالجة ونقد الاوضاع الساسية المجحفة والتي معظمها تؤدي الى كوارث الحرب والدمار والتي تهدم البنية التحتية لتنتج الطبقات المتفاوتة مابين فقراء معدمين وبرجوازيين ارستقراطيين مترفين، وهنا تنعدم كفتي ميزان الحقوق الانسانية لتميل كفة ميزان العدالة الاجتماعية للاقوى، والضعيف يبقى تحت طائلة رحمة الطبقات العليا، ومن هنا تبدأ معاناة ادبائنا وكتابنا وتتمخظ رؤيتهم عن مقاطع ادبية او فنية تصاغ بشكل تجد الحلول لرفاهية معظم الشعوب المعدمة والفقيرة وباسلوب السخرية والنقد والغضب والتمرد على الاوضاع البالية والمجحفة بحق المجتمع، وطرح البدائل والتي تمنح الحقوق للفرد فيها من العدالة الاجتماعية يراها هي الاساس في بناء مجتمع راقي وسعيد. وكاتبنا الساخر جورج برناردشو هو نموذج من هذه النماذج الذي اتخذ له شكلا واسلوبا في الكتابة تميزه عن اقرانه او لربما وضع نفسه ومن خلال انتاجاته الادبية في مصاف كتاب عالميين تميزوا باساليبهم ومدارسهم، انما تبقى المفاضلة مابين اسلوب كاتب واخر وبموجب مايطرحه كل منهم من خلال ابداعاتهم الكتابية والتي تشمل كيفية صياغة المضمون الادبي وجمالية التعبير في الصياغة الفكرية وتجسيد معاناة كل منهم وبموجب مسيرة كل كاتب ان كانت الحياتية والاجتماعية والسياسية ان كان شاعرا او روائيا او مسرحيا، فهنا تاتي المفاضلة مما يملكه كل كاتب بين سطور كتاباته من جمل تعبر عن بلاغة مايملكه من فصاحة الكلام وحبكة الحوار في كيفية تجسيد معاناته لتصل الى المتلقي باسلوب يخلق من خلال هذا التوصيل عملية الشد والتشويق ويعمل على ايجاد الصراع المتنامي مابين احداث مشاهد وفصول النص المسرحي، وهنا تلعب ميول الكاتب الحقيقية في صياغة رسم معالم شخوصه باساليب كانت جدية او ماساوية او كوميدية او ساخرة تتضمن المعانات والماساة والنقد اللاذع للاوضاع السياسية او الاقتصادية او الاجتماعية والتي يحبذها الكاتب في التعبير عن افكاره.
ف-- جورج برناردشو اعتمد في كتاباته السخرية من الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ولا سيما الطبقة الارستقراطية وعوائلهم ونسائهم، وكثيرا ماكان يسخر من نساء هذه الطبقة التي كانت تهتم بالمظاهر والقشور البالية، ففي احدى اللقاءات ان امراة ارستقراطية سالته: كم تقدر عمري؟ فتامل شو في وجهها وهو مبتسما ابتسامة سخرية من هذه المراة قائلا: اذا اخذت في اعتباري اسنانك الناصعة البياض والتي تتلاءلاء في فمك فاقدره ب 18 سنة واذا اخذت بنظر الاعتبار لون شعرك الكستنائي فاقدر عمرك ب 19 سنة اما اذا نظرت الى سلوكك فاقدر عمرك 20 عاما، فهنا قاطعته مبتسمة بعد ان استانست باجوبته قائلة: انني اشكر اجاباتك الجميلة، وانما اريد المصداقية في اجوبتك، كم ابلغ من العمر؟ فما كان منه الا ان رد عليها وعلى الفور قائلا: اجمعي 18 +19 + 20 فستحصلين على عمرك. كان يسخر من الطبقة التي تبحث عن الشهرة وعن اقامة الاحتفالات الخيرية والتي غرضها نيل الشهرة الاجتماعية وانتقاد سلوكيتهم وتعرية اهدافهم من اقامتهم لمثل هذه الاحتفالات، ففي احدى الحفلات الخيرية حضر فيها لدعوة وجهت له من اللجنة المشرفة على هذا الحفل الخيري، حيث دعته امراة للرقص معها فلبى دعوتها، وبينما هو يراقصها سالها عن عمرها فاجابته: خمس وعشرون سنة، فضحك على الفور وقال لها: من المعتاد ان النساء لا يفصحن عن اعمارهن ابدا، وان حدثتني احداهن بهذا فهي تذكر نصف العمر فقط، فقالت غاضبة منه: اتقصد انني في الخمسين من عمري؟ فاجابها مبتسما: بالضبط، فصاحت به: اذا لماذا تراقصني؟ فرد عليها وبكل هدوء: انسيت اننا في حفلة خيرية ياسيدتي؟!!!
العوامل الشخصية والتي تدخل في تحديد هوية ادبائنا لمؤلفاتهم الادبية
هناك وكما ذكرنا انفا عدة عوامل تدخل في في تحديد ورسم هوية ادبائنا وتحدد خصوصيتهم في الطرح، فالكاتب المسرحي الايرلندي الولادة جورج برناردشو ( 1856–1950 ) تاثر باجواء فقيرة تعود لطبقة متوسطة الحال مما دعاه هذا الواقع الاليم ان يترك دراسته ليعتمد على نفسه في وظيفة لينقذ صباه من معانات الفقر والحرمان وهو ابن الخامسة عشر من عمره-- تالم في حياته، وترك والده السكير بصمات مؤثرة في سيرة حياته الذاتية والشخصية، هذه المعاناة جسدت نظرته لواقع الحياة الماسوية عند معظم الاسر المعدمة والفقيرة والذي هو منهم، فتجسدت هذه النظرة المشئومة والمقززة من واقع حال رسمت ردود افعاله الشخصية وتمخضت عن وجهات نظر في كينونة الانسان وردود افعاله والتي تتاثر من تاثيرات الحياة البيئية والاجتماعية والاسرية ليتخذ له واقعا مستقبليا ليجتاز من خلاله واقع حال اسرته الماساوية ولا سيما واقع حال والده السكير والذي جعله ان يتجنب احتساء انواع الخمور والكحول، وانتقاد مدمنيها باسلوب ساخر ونقدي وبرؤية ثاقبة تعبر عن مشاعره واحاسيسه المتقززة من واقع هذا الحال والذي كان يعيشه والده، هذا الواقع المرير دفعه الى ترك منزل والده ليلتحق بوالدته وشقيقتيه في لندن سنة 1866
كان شو يتمتع بصحة جيدة كونه كان نباتيا، اما من حيث ثقافته وتعليمه المنهجي لم يكمل دراسته، ولم يهتم لامر تعليمه المنهجي التربوي حيث كان ينظر اليها كقيود تحدد ثقافته وفضوله الثقافي الذي دفعه الى التطلع على مستويات عالية من الثقافة المحددة ضمن المناهج التربوية، ففضل انطلاقته الى العالم الحر، عالم رحب مليىء بتجارب الحياة، تعلم منها كيف يعالج مواقفه الصعبة والمحرجة، تعلم منها كيف ينقذ نفسه من المعانات، من الالم، من الجوع، من السنة بعض الفضوليين وانتقاداتهم لحياته، اكتسب من الاخرين تجربة اضافها الى تجاربه الحياتية، احتك بمختلف الشرائح الاجتماعية والسياسية والثقافية، واطلع على اسرار حياتهم وانتقدها باساليبه الساخرة، ولا سيما بعض تقاليد المجتمع البالية، انتقد الاوضاع السائدة انذاك وباسلوب شجاع وعلنا، ولم يأبه لانتقادات اية شخصية ان كانت ذا موقع اجتماعي او حضور حكومي، ولهذا كانت معظم الشخصيات ترغب في كسب مودته وصداقته حرصا وتلافيا من سخريته وهجائه لهم، ومنهم لونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا حيث انه كان ضخم البنية طولا وعرضا بعكس شو والذي كان نحيف البنية، حيث كان تشرشل يتودد اليه ويحب صداقته وقد تعود تشرشل ان يستفز شو في احد تعليقاته قائلا: من يراك ياصديقي شو، يعتقد بان بلدنا يعاني من ازمة اقتصادية وقحط وجوع، فاجابه برناردشو وبسرعة البديهية قائلا:
ومن يراك انت يااخي يعرف سبب الازمة.