غزارة في الانتاج وسوء في التوزيع
غالبا ماتتاثر سيرة ادبائنا وكتابنا بالاجواء البيئية والطبيعية والثقافية لتؤثر بدورها على ثقافتهم، اضافة الى تاثيرات المحيط السياسي المحلي والعالمي، ولهذا نشأ شو متمردا على المألوف، ساخرا من المواقف الماساوية ومستهزءا بها، كان لا يسكت عن الظلم منتقدا الطبقات المترفة لقشرية حياتهم وتفاهة افكارهم، كان لا يهمه شيئا الا التغيير والتطوير والارتقاء بالانسان الى المستوى الافضل، كان همه تغيير اوضاعه الاقتصادية والانتقال الى المستويات التي تنقذه من تعاسة وضيم الفقر ليعيش في رفاهية وسعادة بعد ان ذاق مرارة العيش.
كان جريئا ولاذعا وذكيا في اجاباته للاخرين ،ففي احدى المرات سئل من قبل احد الصحفيين عن الاوضاع الاقتصادية في العالم، فركز ناظريه في وجه الصحفي ثم اجابه وهو مبتسما ابتسامة مليئة بالسخرية قائلا:
انظر الى لحيتي فهي كثيفة الشعر ومن ثم انظر الى راسي فانا اصلع، كالاقتصاد العالمي غزارة في الانتاج وسوء في التوزيع.
جائزة نوبل المالية وجائزة الاوسكار
التقاه احد الصحفيين في عام 1925 في احتفال بعد تكريمه بجائزة نوبل التي لم يعترف بها وبادره في السؤال قائلا:
لماذا قبلت التكريم بالادب ورفضت جائزة نوبل المالية؟
فكان جوابه والابتسامة مرسومة على وجهه:
ان جائزة نوبل تشبه طوق النجاة الذي يتم رميه لشخص ما بعد ان وصل الى بر الامان والسلام، ثم اعقبه باجابة اخرى قائلا: ان وطني ايرلندا سيقبل الجائزة ولكنني لا اقبل قيمتها المادية، حيث تبرع بقيمة الجائزة الى اعمال خيرية ادبية، كذالك منح في عام 1938 جائزة الاوسكار.
هذا الرفض لجائزة نوبل المالية جاء بعد ان تحولت ظروفه الى ازدهار اقتصادي اصبح غنيا من خلالها، كان يؤمن بالاشتراكية الفابية التي استنتجها لنفسه معتمدا اياها نظرية ستراتيجية اعتمدها في حياته ليؤمن بها، كان ملحدا وهذا ماتذكره بعض المصادر متسامحا مع الاديان، حيث يؤمن ان لكل امرىء عقيدته وايمانه شرط ان تتضمن قيم انسانية تحترم حقوق الانسان وتغير من اوضاع المجتمع الى الحياة الافضل، وتعود اسباب هذه العقيدة لكونه ينتمي لاسرة بروتستانية من اب موظف في احدى المحاكم، سكيرا لا يهتم بالدين الا قليلا وسطحيا، ومن ام ابنة لاحد الاقطاعيين من كبار ملاكي الاراضي.
من اقواله وارائه
المراة ظل الرجل، عليها ان تتبعه لا ان تقوده.
قد تاتيك النصيحة النافعة على لسان مجنون.
التقدم مستحيل من دون تغيير، واولئك الذين لا يستطيعون تغيير عقولهم لا يستطيعون تغيير اي شيىء.
السلطة لا تفسد الرجال، انما الاغبياء ان وضعوا في السلطة فانهم يفسدونها.
الناجحون اناس يبحثون عن فرص مواتية لتحقيق اهدافهم، وان لم يجدوها صنعوها.
لا يجب اكل البيضة كلها لاعرف انها فاسدة.
جورج برنارد شو والفنون الموسيقية والتشكيلية
حياته في لندن ساعدته على اكتساب ثقافة عصامية، حيث تاثر باجوائها وساعدته على اكتساب ثقافة عصامية، كان شو يميل الى الموسيقى والاصغاء الى معظم السمفونيات اضافة الى هذا كان يحب الاطلاع على الفنون التشكيلية والتجوال في معارضها، وقد تجسد هذا في معظم انتاجات نصوصه الروائية الا انه لم ينجح فيها، انما حبه للفنون الموسيقية والاصغاء لمعظم القطع السمفونية والاهتمام بها والاستمتاع لسماعها اكسبته خبرة وثقافة، مما جعلته ان يطلع على معظم مؤلفات الموسيقيين وان يقارن مابين الاجود منهم، حيث اصبحت لديه ملكة النقد والتقييم لمعظم المؤلفات الموسيقية.
حياته السياسية
كان جورج شو كثير الاطلاع على معظم المؤلفات السياسية ويعمل على مقارنة هذه الايديولوجيات الفكرية والتي تبحث في النظريات للحياة السياسية ويقارنها مع واقع الحال السياسي ليتعرف من خلال هذه المقارنة على المفاضلة مابين مايؤمن به ومايؤمن به الاخرون ليصل الى القناعة الحقيقية لما هو عليه واقع حاله، ومن ثم يبدأ بعد المقارنة بالنقد لهذه الافكار التي يؤمن بها بعض الساسة انذاك والتي يتاكد من انها لا تستطيع ان تخدم الانسان والمجتمع، وهذا ما انعكس على معظم كتاباته بعد انتمائه الى الحركة الاشتراكية والتي غذاها بفكره ونظرياته التي استنتجها من خلال هذه المقارنات بالادلة والبراهين، لقد تميزت جمعية الحركة الاشتراكية باعضائها المثقفين والمسالمين في الوقت نفسه والتي هو احد اعضائها ومن المؤسسين لها بالدفاع عن حقوق الانسان وايجاد البدائل للارتقاء بواقع حياته الاجتماعية.
تحوله للكتابة للمسرح
وبعد مسيرة معانات في حياته وانخراطه في العمل الصحفي واطلاعه على معظم انتاجات النصوص العالمية وتاثره بها ولا سيما بالكاتب المسرحي النرويجي ابسن الذي كان له الاثر في تغيير اتجاهات ميوله الى كتابة النصوص المسرحية واتجاهه الى المسرح فكانت حصيلة انتاجاته للنصوص المسرحية مابين طويلة وقصيرة مايزيد عن الخمسين نصا نذكر منها:
- سيدتي الجميلة
- الاسلحة والانسان
- الانسان والسوبرمان
- كانديدا
- بيت القلب الكسير
- البيت بيتك
- بيوت الارامل
جميعها تنبع من خلال معاناته ونقده وسخريته من الطبقات التي تعيش في احلام البرجزة الوهمية، وساخرا من عقول النساء ومتمردا على الاوضاع السياسية ومدافعا عن حرية الانسان وعن مطالبته بالحقوق المشروعة وباسلوب نقدي يتضمن الكوميد الهادف الى تعرية المجتمع والذي لا يفكر الا بذاته وبمصالحه الشخصية، هذا الاسلوب تاثر به معظم الفنانين السينمائيين المحليين والعرب من امثال الفنان الرائد المرحوم يوسف العاني وشخصياته ومؤلفاته المسرحية الكوميدية الساخرة والتي تحمل بين مشاهدها مواقف نقدية وساخرة من الاوضاع الراهنة والمتردية في العراق والوطن العربي، ومسرحيات الكاتب العراقي المرحوم ادمون صبري في مسرحياته الست حسيبه ومسرحية ايام العطالة، واعمال الفنان السوري والعربي المبدع دريد لحام والتي لاقت رواجا ونجاحا لمواقفها النقدية للاوضاع السائدة في سوريا والوطن العربي، وكذالك من الفنانين المبدعين والمتالقين في مثل هذا الاسلوب الساخر من امثال بطل السخرية نجيب الريحاني وانور وجدي والعملاق العربي الفنان يوسف وهبي.
انما يبقى اسم جورج برناردشو اسما لامعا في عالم السخرية والنقد البناء وحضورا يستفز من خلال نتاجات نصوصه المسرحية العادات والتقاليد البالية للمجتمع البرجوازي وكوميديا في معظم مواقف شخوص مسرحياته.
ارجو انني قد وفقت في شرح ابعاد كتابات جورج برنارد شو وافكاره وحياته الاجتماعية وتاثيراتها على مجرى حياته الادبية في لندن، وشكرا لكل من قرأ هذا لمقال واعجب به.