سليم البصري ومسلسل
تحت موس الحلاق
في سنة 1961 اتجه هذا الاسطورة في الفن الشعبي والتمثيل التلقائي الى التاليف ومن خلال تاثيرات وايحاءات البيئة الشعبية البغدادية على اهوائه ومشاعره ووجدانه ولا سيما من واقع الاحياء الشعبية البغدادية، فكان هذا التعايش ان تمخظ عن مسلسل شعبي بغدادي واقعي صاغ وقائع احداثه من المحلة البغدادية الشعبية ومن واقع المجتمع البسيط والذي اتسم بالبساطة ومن نفوس سادتها الطيبة والعلاقات الاجتماعية الانسانية بمسلسل (تحت موس الحلاق) هذا المسلسل والذي كانت تنتظره الجموع الغافرة من المشاهدين في بيوتها وفي المقاهي الشعبية والكازينوات لتشاهد نجمها المحبوب الفنان سليم البصري وبمعية الفنان حمودي الحارثي في شخصية عبوسي. كانت شخصية الحاج راضي تتسم بالبساطة والطيبة والانسانية، كان يظمر محبة لابناء محلته حيث كان يجتمع بابناء شريحته من الشخصيات الشعبية في دكانه البسيط، كان اسطى متمرس في مهنة الحلاقة في دكان يقع وسط محلة شعبية ومن خلاله كان يطلع على اهم مشاكل المنطقة من الاحياء الشعبية ومن خلال فضوله وعن طريق صانعه عبوسي، او من خلال ماينقله ويقصه ابناء المنطقة من معاميله من سكان المنطقة، وهكذا استطاع هذا العملاق ان يصيغ المفارقات الكوميدية ومنتقدا بعض العادات والتقاليد باسلوب كوميدي والمطبات التي كان يقع فيها وعن طريق صانعه عبوسي والذي كانت تربطه به علاقة حميمية كعلاقة الاب بابنه ومجسدا من خلال هذه العلاقة النسيج الانساني في التعامل مابين صاحب العمل وصانعه الذي كان يعتمد عليه في حل بعض الامور والتي كان يصعب عليه حلها، هذه الشخصية الشعبية والتي كانت تظهر في عدة حالات من حالات الانسان الواقعية والملم بشتى المواضيع يعكس واقعه الشعبي والمحدود الثقافة والتي كان يعتمد على خبرته وتجربته في الحياة وعلى احتكاكه بابناء جلدته من ابناء المحلة.
اهديك نحباني للو
لقد كانت من ابرز حلقات مسلسل تحت موس الحلاق حلقة محو الامية، وحلقة السكران والحلقة التي اشتهر من خلالها وذاع صيتها مع الفنانه المبدعة والمتالقة سهام السبتي في حلقة (اه ديك نحباني للو) وهو يقرا رسالة ابن سهام السبتي والتي ارسلها من الهند وبقرائته تحدث الملابسات والمواقف الكوميدية مع تدخل صانعه عبوسي في تصحيح اخطائه اللغوية في القراءة.
البصري والتلفزيون
لم يكتفي البصري بموهبته في التمثيل والتاليف التلفزيوني وانما امتدت مساحة ابداعياته مع كبار الفنانين الكبار من الفنانين العراقيين من امثال الفنان بدري حسون فريد وجعفر السعدي وسامي عبد الجميد والفنان الكبير خليل شوقي – فاضافت مساهماته في النسر وعيون المدينة والذئب وعيون المدينة وفي هواجس الصمت وغيرها من الاعمال التلفزيونية لمسات ابداعية زادت من نجاح هذه المشاركات.
البصري والسينما
حاله حال اي فنان كوميدي تتجه اليه انظار المنتجين والمخرجين السينمائيين لاستقطابه لاعمالهم السينمائية، حيث ساهم في تطوير الحركة السينمائية من خلال اشتراكه في عدة اعمال سينمائية وابدع فيها واشتهر من خلالها بنجوميته اللامعة ومنها: فائق يتزوج، وعمارة رقم 13، والعربة والحصان، واوراق الخريف، حيث جائت مساهمته الاخيرة في تاليف احداث ومشاهد فيلم (حب في بغداد) الذي اخرجه المخرج عبد الهادي الراوي. اضافة ان الفنان سليم البصري قد تعاون مع العديد من المخرجين السينمائيين منهم: حكمت لبيب في عام 1984، المخرج ابراهيم عبد الجليل، والمخرج صاحب حداد.
البصري والفنانين العراقيين
كان الفنان سليم البصري رحمه الله يتصف بالاخلاق الكريمة والتواضع وبالرغم من انه فنان يشار له بالبنان، لم يعرف الحقد يوما، لا يحب الروتين، يحب الامور على بساطتها والمساحة الواسعة من المعجبين لم تغير من شخصيته ولا من حبه لاصدقائه، كان وفيا تقيا يعشق التلقائية والبساطة، كان الفنان البصري نجما لامعا بفنه ويعد من نجوم الفن العراقي والذي لا يضاهيه اي فنان باسلوب تمثيله، حيث انفرد باسلوبه ومدرسته في التمثيل، وهذا ما اكده المرحوم يوسف العاني والذي كان من اشد المعجبين بتمثيله فبعد ان انقطع عن التمثيل في الاونة الاخيرة من حياته، تابعه العاني وكان من اشد المتحمسين لرجوعه الى التمثيل، حيث انقطع البصري عن مزاولة التمثيل لاسباب خاصة به، وكذالك الفنان الرائد قاسم الملاك والذي صرح وعدة مرات انه فنان مبدع وممثلا كوميديا يتقن حرفيته باكاديمية عالية.
شخصية الحاج راضي
الذي يتابع مسيرة نجوم الكوميديا العربية والعالمية لسوف يتعرف ومن خلال المقارنة مابين تجاربهم ومقاربتها لتجربة البصري في الاداء كاسلوب ومدرسة، وهناك عوامل متقاربة في تجسيد البعد الطبيعي وعلاقتها بالمظهر الخارجي للشخصية كتعريفها بهويتها وطرازها ومكانتها الاجتماعية والثقافية، فمثلا نجد ان الفنان العربي الكوميديان نجيب الريحاني كان يتخذ من زيه الملابس الرثة والطربوش الذي لم يكن يفارقه في معظم ادواره، وكذالك الممثل العالمي ملك السينما العالمية الصامته شارلي شابلن، من متابعتنا لشخصيته وهويتها والتي لازمت شكلا معينا جعلت منها هوية له مثلا العوجية وقبعته وحذائه الظخم ومشيته التي عرف بها. وهكذا كان البصري بالصاية والسترة والعرقجين البغدادي والكيوة التي كان يحتذيها في قدميه جعلت منها هوية وطرازا لشخصيته الشعبية البغدادية، الا انه في اعمال اخرى ابتعد عن هوية الحاج راضي بعد ان اتخذ ازياء غير ازياء الحاج راضي، ولهذا كان الفنان سليم البصري يرسم معالم شخصيته بحرفية متكاملة يراعي من خلالها البعد الطبيعي والنفسي والاجتماعي، الا انه ظهر وبازيائه الاعتيادية في مسلسلي النسر وعيون المدينة والذئب وعيون المدينة ومن خلال شخصية غفوري بعيدا عن شخصية الحاج راضي.
يقول الفنان الرائد قاسم الملاك في احد تصاريحه الصحفية ان للبصري صحبة جميلة والحديث معه شيق حيث كان ياخذني في اثناء الاستراحة باحاديث شيقة ومرحة وفيها شيئا من المواعظ والحكم والنقد لبعض المظاهر المدانة والتي تعشعش في المجتمع البغدادي من عادات وتقاليد بالية. والمعروف عن الفنان البصري انه قليل الكلام بقدر ماكان يحبذ تجسيد افكاره في مؤلفاته التمثيلية ويؤمن بالعمل الجاد اكثر من الثرثرة والتي لا تجدي نفعا، كان لا يحب الذين يخرجون عن سياق النص بارتجال حوارات لم يتفق عليها مسبقا، معللا ذلك انها تسبب ارباكا للممثل وخيانة لامانة المؤلف في نقل وقائع افكاره ومن خلال مامكتوب في النص، ولهذا كان دائما يوصي زملائه من الممثلين على الالتزام بالنص وعدم التصرف من دون استشارة المؤلف والمخرج. تذكر بعض المصادر الصحفية بان الفنان سليم البصري كان موظفا في المصرف الزراعي قبل ان ينقل خدماته الى الاذاعة والتلفزيون، حيث بعد هذه الفترة الزمنية من حياته ومسيرته الفنية تفرغ للكتابة الى التلفزيون.
ويذكر الفنان المرحوم صادق علي شاهين والذي شاركه في تمثيلية كاسب كار، ان من طرائف المرحوم البصري حينما سافرا معا الى مصر لشراء بعض البرامج من القطاع الاقتصادي عام 1963 انهم صادفا الفنان محسن سرحان في اروقة الشركة، وبعد التحية تم تقديمه من قبل احد الاشخاص: فقال سليم البصري مقاطعا: اكو واحد مايعرفه العماد حمدي؟ ففوجىء سرحان بكلام سليم عندها قاطعه قئلا: انا مش عماد حمدي انا محسن سرحان، عماد حمدي عنده شنب وانا من غير شنب، فرد عليه سليم قائلا: يللا كلكم متشابهين، وهكذا انقذ موقفه المحرج بضحكته المشهورة.
عبوسي يودع الحاج راضي بمرارة الدموع
جميعنا يعرف المسلسل الذي سيطر على اعجاب الجماهير والذي نسجت صوره واحداث مشاهده الكوميدية بحبكة حرفية مبدعة، واعطائها الهوية الشعبية الا وهو مسلسل تحت موس الحلاق، والذي جسدت شخصية البصري الكوميدية والشعبية ومن خلال الازياء الشعبية البغدادية، العرقجين والصاية والكيوة البغدادية والسترة واليشماغ، بحيث اعطته بعدا شعبيا بغداديا، مثل هذه الشخصيات كانت تبعث الطمأنينة للمتلقي مما تجسده ومن خلال هويتها بحيث تنقله من عصر الفلتان الامني والحروب وعدم الاستقرار الى عهد الخير والخيرات والعلاقات الاجتماعية والمبنية على المحبة والتسامح واحترام الجيرة والعشرة ومن خلال هذه الشخصية ذات الهوية الشعبية والتي عرف من خلالها هذا الفنان الاصيل بالحاج راضي.
الوداع الاخير الله وياك استاذي
كان البصري على اطلاع بالثقافة العالمية ولا سيما النصوص المسرحية ومتاثرا بها، وقد حاول ومن خلال هذا التاثر نقل بعض الافكار بمشاهد معرقة ومعدة لواقع مجتمعنا العراقي باسلوب كوميدي، انما معظم اعماله كانت من بناة افكاره ورؤيته الخاصة والمستمدة من الواقع الشعبي البغدادي،،
واخيرا وهو على فراش توديع انفاسه الاخيرة لم يطلب سوى عبوسي (حمودي الحارثي) صديقه الحميم والذي لهث انفاسه الاخيرة في مستشفى النعمان وفارق الحياة فيها قبل مجيىء الفنان حمودي الحارث اليه، وهكذا ودع العراق وشعب العراق نجما من نجوم مسيرتنا الفنية في التلفزيون والسينما العراقية ترافقه توديعة عبوسي (الله وياك استاذي).