بداية مسيرته الفنية
لقد احتضنت بغداد في سنة 1935 طفلا ترعرع في محلة المشاهدة في الكرخ، ونمت معه هوايته الغنائية والذي ابحت له هوية مستقلة في عالم الغناء الريفي بعد ان انهى دراسته المتوسطة وانتقا الى محافظة كركوك للعمل في شركة النفط الحكومية، ومنها تعلم الانكليزية واتقن لغتها وارتفع في سلمه الوظيفي واصبح مترجما لخبراء النفط من الاجانب في شركة نفط كركوك ،ومع نمو شخصيته وموهبته الغنائية والتي لاقت تشجيع من الموظفين والاصدقاء المقربين لهذا رضخ لامر كان يشغله طيلة تلك الفترة بالرحيل الى بغداد ليجرب حظه في الغناء، وهكذا كان له ما اراد حيث توجه هذا الهاوي والعاشق للغناء وهو لا يعلم ما بما يخفيه له الزمان من نجومية كان يحلم بها وهو في بداية سلالم تالقه في الغناء، فقادته قدماه الى مبنى الاذاعة والتلفزيون ان استشار بعض الاصدقاء والذين تعرف عليهم في مقهى الفنانين في الصالحية.
هذا المقهى كان يحكي عن تاريخ جميع مطربي الريف والذي كان مركز تجمعهم وتواجدهم فيه، ولهذا كان محط توجه انظار الذين يستعينون بهم لاحياء حفلاتهم الغنائية في مناسباتهم كالزواج والطهور ومناسبات الاعياد الدينية والوطنية حيث كان يستقبلهم صاحب المقهى ويتعامل معهم بعد ان يتفقون معه على الموسيقيين والمطربين لقاء عربون رمزي لاقامة حفلاتهم.
وهكذا استقطب هذا المقهى الفنان الهاوي عبد الجبار الدراجي والذي وجد نفسه امام لجنة فحص الاصوات الغنائية في الاذاعة والتلفزيون وكانت وقت ذاك برئاسة الفنان الملحن وديع خونده (سمير البغدادي) وقد اجتاز هذا الهاوي الاختبار بنجاح واعجاب جميع اعضاء لجنة الاختبار بصوته وادائه الغنائي وعلى راسه رئيس اللجنة الاستاذ سمير البغدادي حيث شجعه على استغلال موهبته الغنائية ولا سيما في مجال الاغنية الريفية وافتتح رصيد حرفيته باغنية (تانيني صحت عمي ياجمال).
ويضيف شقيقه لاعب الكرة السيد وليد الدراجي قائلا: كان المرحوم عبد الجبار مولعا بالثقافة والمطالعة، ولاسيما قراءة الروايات القصصية، وكذالم هو من عشاق الشاعر نزار القباني، ولهذا اكتسب ثقافته اللغوية من اطلاعه على روايات اجاثا كرستي وارنست همنفواي ودستوفيسكي.
اغنية خفيت اسرارها عن جميع المستمعين
كان المطرب عبد الجبار الدراجي صاحب مدرسة حديثة في الغناء الريفي، طور من خلال اجتهاده الذاتي الاغنية الريفية وادخل عليها بعض الالحان والمقامات فخرجت بثوبها الفني الجديد وباسلوب شيق وممتع وجميل ابهرت واعجبت جميع الفنانين والفنانات، حيث كانت اولى اغانيه هي:
تانيني صحت عمي ياجمال
ياجمال اصطبر ماودعتهم
ظل بس الجسم والروح عدهم
شلي بدنياي ياعمي بعدهم
حيث يذكر شقيقه السيد وليد الدراجي ان هذه الاغنية هي بالحقيقة ليست عاطفية كما يتصور معظم سامعيها وانما هي اغنية رثاء ترمز كلماتها رثاء الى احد اصدقائه من المعدومين.مما اثر هذا الحادث على عواطفه وحزنه عليه فجائت هذه الاغنية كلاما ولحنا مرثية لصديقه انما كاغنية عاطفية كتب لها النجاح بكلماتها ولحنها وادائها
المتميز جيث بقيت اسرارها مخفية عن الملاء لحد
كتابة هذه الاسطر.
هي دك اصبع وهز بطن، دكوم نام ابني كوم
ان معجزة هذا المطرب في التلحين هي انه لم يكن يحسن العزف على اية الة موسيقية، ومن الطرائف التي يذكرها السيد وليد الدراجي عن شقيقه الراحل انه تاخر في احدى ليالي الشتاء عن نومه، فاستيقظ
والده لتادية صلاة الفجر واذا به يصادف ولده عبد الجبار يدندن مع نفسه بلحن لاغنية كلف بتلحينها من قبل الاذاعة والتلفزيون لتسجيلها مباشرة في اليوم الثاني فاستغرب والده من ان ولده عبد الجبار مازال مستيقظا فجائه مستفسرا عن اسباب هذا فاخبره بان الاذاعة طلبت منه تلحين اغنية وبشكل سريع، فاجابه الوالد قائلا: (وقابل هاي صعبه عندك لو ينرادلها روحه للقاضي؟
هي دك اصبع وهز بطن وابوك الله يرحمه، دكوم نام ابني كوم، فما كان من الراحل عبد الجبار حين سماعه تعليق والده الا وان استلقى على ظهره من الضحك).
لقد تاثر المطرب عبد الجبار الدراجي بالمطرب عبد الصاحب شراد وبالمطرب الملحن عباس جميل ولا سيما باغانيه التي لحنها للمطربة وحيدة خليل ومنها (انا وخلي تسامرنا وحجينا نسمه والبدر شاهد علينا) واغنية (جا وين اهلنا) واغنية (عين بعين على الشاطىء تلاكينا) -- الخ.
كان يحب مصاحبة المطرب عبد الصاحب شراد ويشاركه في معظم حفلاته الغنائية، تاثر بوفاة شقيقته فنظم لها قصيدة لحنها وغناها المطرب الراحل فؤاد سالم والتي يقول مطلعها:
(كالت سميرة بيتنا شمرة عصا).
تاثر المطرب عبد الجبار الدراجي بالرعيل الذي سبقه من مطربي الريف من امثال المطرب حضيري ابو عزيز وداخل حسن وعبد الصاحب شراد الا انه لم ينهج نهجهم في الطور والاسلوب، وانما اخذا له منهجا في المواويل والبستات والاغنيات الريفية المعاصرة حيث اخذ انتشارها بمساحة واسعة في دول الخليج والوطن العربي، اضافة ان مؤلفاته اتسمت بشاعرية مرهفة واسلوب جديد في النظم
ولهذا طلبت منه المطربة العربية فائزة احمد
كلمات اغنية من تاليفه فجائتها اغنية (خي لا تسد الباب بوجه الاحباب).. كما انه لحن اغنية للمطرب اسماعيل شبانه شقيق المطرب الراحل عبد الحليم حافظ اغنية (نازل ياقطار الشوق).
ويذكرنا السيد وليد الدراجي ببعض اغانيه والتي نالت شهرة واسعة في الوطن العربي منها (ماريد المايردوني، وعلمتني شلون احبك، وشكول للناس لو عنك يسئلوني، واغنية صبحة، ودكتور جرحي الاول عوفه وجرح الجديد عيونك تشوفه اكبر من الاول وبمدته طول) -- الخ كما انه لحن للمطربة مي اغنية بغدادية.
طرفة وموقف مضحك
من الطرائف والتي ذكرها شقيقه وليد الدراجي قائلا: انه اتفقت شركة مصرية لاحياء حفلة غنائية مشتركة مع المطرب عبد الحليم حافظ، وعندما ارد الدخول الى القاعة استوقفه احد الموظفين من موظفي التشريفات قائلا له: على فين، فاجابه عبد الدراجي قائلا له: انا الدراجي، فاجابه الموظف قائلا: عفوا ياسيدي اليوم فيه عندنا حفلة غنائية للاستاذ عبد الحليم حافظ ولمطرب عراقي، وليس لدينا حفلة سيرك. فبادرهم عبد الجبار الدراجي ضاحكا: ما انا هو المطرب العراقي عبد الجبار الدراجي ولست سائق دراجة.
فضحكوا عندها وعلى اثرها اعتذروا منه على هذا الالتباس وبعدها اصطحبوه الى غرفة الاستراحة المخصصة للفنانين.
لقد انتشرت نجومية هذا الفنان العراقي واشتهرت اغانيه والتي كان يحرص على تاليف كلماتها والحانها، والتي اخذت تردد على السنة المعجبين بها مما تزاحمت عليه طلبات المطربات والمطربين بتكليفه على تاليف وتلحين الاغاني لهم منهن عفيفة اسكندر ومائدة نزهت وانوار عبد الوهاب وبعض المطربات العربيات، حيث كرم في العراق على احدى اغنياته الوطنية والتي شاعت وترددت على السن المعجبين والمعجبات والتي يقول مطلعها:
انا امك كالتلي الكاع وانت وليدي..
عريس وربعه يزفونه وعيدك وعيدي.
وكذلك نظم كلمات اغنية للملك حسين ملك الاردن
والذي يقول مطلعها:
كالت متنور الهل ليلة.. خيال انت فوك كحيله
وقد كرمته الحكومة الاردنية على ذلك.
محطته الاخيرة
لقد كان لاستشهاد ولده المقدم علي واغتياله من بعض العصابات المجرمة تاثيرا على حياته الصحية واستقراره مما زاد من حزنه لهذا المصاب الاليم وكذالك فوجىء بخبر وفاة شقيقته فزادته حزنا والما وهو يعيش حياته في عمان بعيدا عن اصدقائه واقربائه. ففي عمان واصل ابداعاته الفنية والادبية. توفي الراحل عبد الجبار الدراجي بعد ان بلغ ال 79 عاما من العمر وهو يصارع المرض والذي افقده حياته في احدى مستشفيات العاصمة الاردنية عمان حيث حاول فريق من الاطباء الاشراف على علاجه بعد اجراء عملية جراحية لازالة ورم تحت اللسان. وبعدها خضع للعلاج الكيمياوي، الا ان حنجرته صمتت بعد ان اطربت اجيالا من المعجبين باغانيه واستمتعت بالحانه التي جمعت مابين الحداثة والتطوير. وهكذا ودعت جماهير عمان وبغداد والمعجبين من ابناء الوطن العربي هذا الفنان المبدع.
وبرحيله طويت اخر صفحة من صفحات مسيرته الفنية بعد ان اغناها بابدع الالحان والكلمات وصدحت حنجرته باجمل الاغاني الريفية الحديثة.