مسرح الشارع، التجربة الرائدة في مسيرة المسرح العراقي، ضمن الامكانيات المادية البسيطة المتوفرة لدى شبابنا من الفنانين واساتذتهم والتي قد لا تساعدهم على ديمومة واستمرار هذه التجربة مالم تدعم من قبل الجهات الحكومية والمؤسسات الاعلامية ذات الصلة لدعم مثل هذه التجربة الفريدة من نوعها، قياسا الى الامكانيات المتاحة لدى ابنائنا من الشباب الواعد والتي قد تكون فوق تحمل طاقتهم وقدرتهم والخارجة عن صلاحيات حدود تحركاتهم، كتوفر اماكن التجمع للجماهير والمحصنة امنيا حرصا عليهم من الاعتداءات الارهابية، وحرية عرض الافكار التقدمية في نصوص فيها من حرية التعبير والطرح الغير المشروط وغير خاضعة للرقابة. الاحلام كانت ومازالت تراود العديد من هواة الفن والفنانين انفسهم منذ بدء حياتهم في مسيرتهم الفنية في محاولتهم للتغيير والتطوير، فحيثما يبدؤون بالخطوة الاولى والتي تنبعث من قوة ايمانهم وواثقين في الوقت نفسه على انها بداية خطوة ناجحة ورائدة في تجربة مليئة ثقة وتصميم على انجاحها في عالمنا المسرحي في العراق، فمحاولتهم هذه تعد بداية للمساهمة في بناء صرح شامخ يستطيعون من خلاله ان يعولون عليه النجاح عندما ينالون من خلاله دعما معنويا من النقاد والمعنيين في حقل المسرح من الاساتذة والمختصين قي تاريخ الادب المسرحي، حيث ستتملكهم الفرحة حينما يمتلكون البراهين بالادلة من نجاح تجارب حقولهم في المسرح. فهذه التجارب والمختبرات المسرحية والتي خاض مثلها معلمنا واستاذنا ستانسلافسكي في مختبراته التجريبية وبالتعاون مع طلابه من محبي التمثيل والمسرح نتج عنها نظرية فيها من المقومات الاساسية في منهج التمثيل على المسرح ولاسيما في تحريك المشاعر والاحاسيس الداخلية وتحريرها الى الخارج بردود افعال انعكاسية تعبر عن صدق المشاعر والاحاسيس للممثل. فطلبتنا الاعزاء من طلبة معهد الفنون الجميلة وباشراف اساتذتهم الاجلاء والمثقفين وعلى راسهم د.كريم خنجر استطاعوا ان يخوضوا تجربة رائدة في تظاهرة فنية في مهرجان مسرح الشارع، لان مسرحنا في العراق بحاجة لخوض مثل هذه التجارب في وقتنا الراهن ونحن نخوض معركة التثقيف وتحريك العقل وتوعيته على مايحيطه من المخاطر التي تهدد مصير شعبنا في هذه المرحلة العصيبة بالذات من مراحل سوء الحالة الاقتصادية والامنية وتهديم البنية التحتية، فان كانت الظروف لاتسمح لاقامة العروض المسرحية في القاعات لعدم ارتياد عامة الشعب للظروف الانفة الذكر لمشاهدة هذه العروض فنحن بحاجة للمتلقي والذي هو الاساس في العمل المسرحي التي توجه له مثل هذه العروض المسرحية من عروض مسرح الشارع. فبعد اكتمال رؤية الفنان المبدع د. كريم خنجر في كيفية تقديم هذه العروض المسرحية وجعلها تضاهرة فنية رائدة من خلال اشراك الفرق المسرحية للمحافظات ومن خلال شروط ومقومات اساسية تتظمن عروض هذه النصوص المسرحية في الساحات العامة والفسحات الواسعة والتي يتواجد فيها عامة الشعب من مختلف الشرائح الاجتماعية، حيث ابتدات هذه التظاهرة في عروضها المسرحية والتي تكللت بالنجاح وتحقيق اهدافها ومنها:
- اولا: الاطلاع على مستوى فرق المحافظات وخلق المنافسة الشريفة فيما بينها.
- ثانيا: تبادل الاراء والخبرات الفنية مابين عروض الاساتذة من محاقظات القطر والاطلاع كل منهم على تجارب الاخرين والاستفادة من تبادل الخبرات والامكانيات الفنية فيما بينهم.
- ثالثا: الاطلاع من قبل جمهور بغداد على حرفية ومستوى التمثيل لفناني محافظات القطر.
والمهم والاهم هو توجه الفنان الى الشارع لعرض افكاره التعبوية والتحريضية باسلوب ممتع من خلال مشاهدة عروض اداثها المسرحية من قبل الجماهير خارج ابنية القاعات التقليدية ولتعزيز دور الجماهير في حالتين مزدوجتين، حالة الفرجة وحالة التعبئة وتحريك العقل والمنطق لمناقشة مايطرح امامه متاثرا بمحاكات عروض المسرح التعليمي والتعبوي في مسرح برشت، ومسرح التحريضي والتعبوي والتسجيلي ايضا في مسرح بيتر فايس، وباسلوب العرض الشامل في الاخراج ابتداءا من حركة الجسد وتحريك المجاميع باسلوب يشوبه جمال التعبير وبعيدا عن السنوغرافيا المسرحية التقليدية من وسائل الديكور والاضاءة الا ما اقتضى استخدامه لتجسيد الرمز المراد تجسيده ومن خلال الشخصيات الرئيسية في العرض المسرحي، وهذا ايضا يعيد الى اذهاننا اسلوب مسرح الفقير حينما كان يتوجه الى عموم الشعب ولا سيما في مرحلة ما بعد الحروب في العالم حينما كانت تخلف ورائها الماسي والدمار الشامل من تهديم البنية التحتية لشعوب العالم. انني في الوقت الذي ابارك جهود المشرفين والقائمين على هذه التجربة التظاهرية لمسرح الشارع واعتبرها خطوة جبارة فيها من الجراة لخوض تجربة عملاقة لم تحصل في العراق ضمن مسيرتنا المسرحية سوى تجربتين رائدتين الاولى خاضها المرحوم د. عوني كرومي حينما اخرج مسرحية حيث وضعت علامة الصليب من تاليف يوجين اونيل في السنتر، حيث عمد على استغلال الفضاء الخارجي للساحة الخارجية ونصب بعض مستلزمات الديكور في وسط الساحة والفرجة كانت من قبل الجمهور الذي احاط رقعة التمثيل في الوسط، كان هدفه من هذا العرض الخروج عن التقليدية وتقديم تجربة تختلف عن سابقاتها فيها من التغيير والتجديد، والتجربة الثانية في عرض مسرحي قدمه د. سعدي يونس على حدائق الامة ومقهى في الباب الشرقي والكائن في شارع السعدون، الا ان هذا العرض المسرحي ايضا اختلفت اسبابه واهدافه منها: كلفة الاجرة الباهظة التي كانت تدفع لاصحاب القاعات المسرحية اضافة الى التكاليف الباهظة لتهيئة الديكور ومستلزماته، والشىء الاخر والاهم هو مضمون العمل المسرحي والذي ابتعد عن مهام عروض مسرح الشارع. من اهداف التوعية والتعبوية والثورة على ما هو كلاسيكي في المفهوم المعاصر، الا ان تجربة د.سعدي يونس اضمحلت ولم يكتب لها النجاح والترويج لعدم استساغتها ايضا من الجمهور لافتقارها الى ماتعود على مشاهدته في العروض المسرحية التقليدية في القاعات التقليدية، اضافة الى هذا انها لم تلقى رواجا اعلاميا في وقتها. فلو جئنا على مقارنة تجربة د. كريم خنجر بروادنا من الاساتذة الذين كانوا يقتحمون جدار التجارب ومن دون خوفهم من النتائج والتي قد تحصدها عروضهم التجريبية لوجدنا ان هناك تشابه فيما بينهم من حيث العزيمة والاصرار، على اقتحام الحواجز التي كان يضعها ضعاف النفوس من الذين حسبوا على الفن غايتهم من هذا افشال كل تجربة رائدة من شانها التطوير والتغيير، هؤلاء الظالين هم السبب في تاخر حركتنا المسرحية بتطويق كل ماهو جديد وكتم انفاس شبابنا الواعد والمتالق من ذوي القدرات الفنية والذين تصدوا لمثل هؤلاء الرعاع من النفوس الضعيفة بابداعاتهم وتالقهم في مسيرتهم الفنية كما فعل الرواد من اساتذتنا المخرجين المبدعين، معتمدين على امكانياتهم وطاقاتهم من اجل ان يحركوا عجلة الفن بخطوات حثيثة فيها من قوة التعبير والجمال والابداع وبالرغم من ضعف الامكانيات والدعم المادي والمعنوي من الجهات ذات الصلة مستهدفين اجهاظ اية حركة مسرحية تتجه باتجاه التغيير والتطوير، هؤلاء الضعاف النفوس، كانوا يرصدون الاعمال الجيدة ذات التكاليف الانتاجية الزهيدة ويحاولون احاطتها بوابل الصبغات السياسية من اجل منع عروضها خوفا من فضحهم وتعرية سرقات كلف الانتاج الباهظة والوهمية التي كانوا يقدمون فيها وصولات وهمية وكما حصل في مسرحية هاملت والتي قدمها طلبة معهد الفنون الجميلة في بغداد في الستينيات من الحقبة الزمنية الماضية، هذا العمل الكبير والضخم والذي تجلت فيه قوة الاخراج وجمال مبهر في تصميم الديكور وتنفيذه المباشر من قبل الاستاذ المبدع مخرج العمل الاستاذ حميد محمد جواد وبالتعاون من قبل طلبة المعهد، وجمال تصميم الاضاءة المسرحية والتي وضعها الطالب المرحوم المبدع عبدالله حسن، حيث نجح العرض المسرحي الذي استحوذ على اعجاب الصحافة والنقاد من المعنيين بشؤون المسرح وسجل اسطورة النجاح والتالق باروع صورة والذي لم يروق ادارة المعهد لهذا النجاح فجائت مكافئتهم للاستاذ حميد محمد جواد بالفصل من المعهد واتهامه بالتنظيم الشيوعي في داخل صفوفنا والغاية من هذا فصله من المعهد ابعاده عنهم ليضعون حدا لفضائحهم التي كشفها الاستاذ المخرج حميد محمد جواد. هذا النموذج من المخربين والمقحمين على الحركة المسرحية في العراق لم يقتصر على معهد الفنون الجميلة في الستينيات، وانما عدوى الاصابة بهذه الظاهرة السلبية تعدت عن حدود المعهد لتعدي المؤسسات الاعلامية والفنية عملا بمقولة (المقربون اولى بالمعروف) حتى على حساب مايحمله هؤلاء المقربون من افكار ضحلة ورخيصة لا يثمن بقيمتها حبة الخردل، اقحموا هؤلاء ضعاف النفوس ممن لا شأن لهم بالفن في هذه المسيرة الفنية منتاريخ المسيرة الفنية في العراق لاعتبارات سياسية، اضافة الى سحر مفعول الموائد الليلية والمتخمة بالمشروبات الكحولية ومن الطعام مالذ وطاب، حيث كانت تنسج قرارات واوامر ادارية بالفصل والتعيين في قاعات الفنادق ذات الخمسة نجوم مراعين المفاضلة في ذالك قوة من يسخي بالموائد الليلية. مثل هذه التحركات الليلية كانت السبب في تاخر حركتنا المسرحية والحد من انشطة الفنانين الحقيقيين، واليوم ليس لي الا ان افرح وابتهج لوجود من مسك زمام مبادرة قيادة حركتنا المسرحية من الاساتذة الشباب من امثال د. كريم خنجر، والفنان المبدع المخرج الاستاذ اسامه السلطان ومن معهم من الاساتذة الاجلاء من الشباب المخلصين والذين يحملون من الرؤية السديدة مليئة بالابداع والجمال غايتهم ورغبتهم في التطوير لاعادة ركب تاريخ المسرح العراقي الى المسار الصحيح، وانني لواثق من ان هؤلاء الاساتذة من الشباب سيبذلون قصارى جهدهم من اجل دعم الطاقات الشابة من طلبة معهد الفنون الجميلة والاكاديمية ولا سيما المبدعون منهم، وهذا ماصرح به هؤلاء الاساتذة في العديد من الوسائل الاعلامية، انهم عازمون على اغناء الساحة العراقية بانشطة فنية ترتقي بسمعة العراق العظيم الى المستوى الراقي، وهذا ما تجسد بالقول والفعل من اقامتهم لمهرجان يوسف العاني للمونودراما، ومهرجان مسرح الشارع والذي انطلق بتجربة رائدة ناجحة في قطرنا العزيز، وهذا مااكده فناننا المتالق د. كريم خنجر في حديث له قائلا: انا لا اتكلم الان عن العروض لاننا في بدايتها، الا ان الاحساس باستمرارية العروض المسرحية في البلد يشعرنا بالغبطة والسرور.