كريم خنجر ومسرح الشارع
الشارع هو الحقيقة الناصعة والمراة التي تعكس الاجواء الداخلية وتكشف عن المرحلة التي يمر بها البلد، وهذا مايتضح من خلال مايشاهده الانسان من اوضاع التاخر او التطور ولا سيما في الشؤون الداخلية وتحركات ابنائه في الرفض او القبول او الاحتجاج.
اذن الشارع هو النبض الحقيقي للظروف الذي يعيشها اي مجتمع، انه المعترك الانساني مع الحياة اليومية من اجل اهداف خاصة او عامة، من خلالها يحصد الانسان نتائجها، اما ان تكون ايجابية او سلبية، وكل مايجنيه الانسان من متعلقات الحياة اليومية نتائجها ومردوداتها السلبية والايجابية التي يعيشها تنعكس من ردود افعاله وعلى ضوء هذه المراحل الظرفية ليكيف الانسان نفسه لخمة الفرد والمجتمع، وتحقيق الاهداف السامية في التعايش والصراع مع مستجدات الحياة اليومية من اجل تحقيق الحياة السعيدة، هذه هي صورة الشارع بالعموم ومنها يستمد الفنان ماثر قصصه وافكار نصوصه ويطرحها من خلال رؤية واضحة المعالم ومتجسدة من عمق معايشته للحياة اليومية، يبقى هناك سؤال يراودنا الا وهو:
- لماذا سمي بمسرح الشارع؟ هل لاننا نقدم عروضنا في الشارع اي في الساحات العامة؟ في المتنزهات؟ هل لاننا نتوجه بعروضنا المسرحية ونحل ضيوفا على جمهورنا المتفرج لاطلاعه على افكارنا وجوهر مضمون نصوصه؟ هل ان مسرح الشارع يفي بالغرض في تحقيق النجاح والتلاحم مابين العرض المسرحي والجمهور المتفرج افضل من القاعات التقليدية؟.
ففي مسرح الشارع تقع مسؤولية نجاح العرض المسرحي على خبرة وثقافة وتجربة المخرج وسلامة رؤيته وابداعاته في كيفية تحريك الممثلين ضمن المساحة الفضائية لموقع العرض، اضافة الى امكانية الممثلين الصوتية لايصال اصواتهم لاخر متفرج من الجمهور المشاهد وبالقاء سليم يساعد على السيطرة التامة وعلى خلق عنصري الشد والتشويق الى احداث العرض المسرحي، اضافة الى دور المخرج في عرض التشكيلات الجماعية والصورية في تحريك المجاميع ودور كل ممثل في كيفية استخدام جسده والتعبير عنه بشكل يراعي في ذالك جمالية التعبير والرمز وحسن استخدامه لبعض الاكسسوارات البسيطة والازياء الرمزية البسيطة لتساعد على اضفاء الجو العام للعرض المسرحي، ونحن في طفولتنا لم ننسى اننا خضن مثل هذه التجربة من مسرح الشارع حينما كنا نمثل ماكنا نشاهده من عروض الافلام السينمائية لنعيد تمثيل ماشاهدناه في ازقة وشوارع محلات سكنانا.
ان تجربة مسرح الشارع خاضتها بعض الفرق المسرحية الجوالة في العالم حينما كانت تتنقل بممثليها لتتوجه الى القرى والارياف لعرض مسرحياتهم البسيطة والتي لاقت رواجا واستحسانا جماهيريا، حيث كانت تعرض عروضها المسرحية على الساحات وبرعاية ممثل بلدية تلك القرية او عمدتها، ومثل هذه العروض فيها من خطورة على الممثلين من
قبل الجمهور ولاسيما ان كانت افكار نصوصهم المسرحية لا تتماشى مع افكار سكان تلك القرية، فللحفاظ على سلامة اعضاء الفرقة من الممثلين، يتم العرض الاولي للمسرحية امام عمدة القرية والذي هذ بدوره يقرر مدى صلاحية العرض المسرحي او رفضه، فهل سيخوض طلبتنا من الفنانين خوض تجربة العروض المسرحية في القرى والارياف والاهوار العراقية؟.
والان ونحن نعيش عصرنا نجد ان هناك من التجارب، لا تقتصر على العروض المسرحية فقط، وانما هناك عروض للفنون التشكيلية حيث يعرض الفنانين التشكيليين لوحاتهم في الساحات العامة والحدائق المتواجد فيها حشد من الجماهير وكذالك الفنون الموسيقية ايضا اقاموا العديد من العروض والحفلات الموسيقية بعد تحديد اماكن عروضهم التقليدية والمتواجد فيها حشود من المتفرجين، ونحن نعيش مرحلة ظرفية غير مستقرة امنيا لا تساعد على اقامة مثل هذه التظاهرة المسرحية، انما طلبتنا من الفنانين الواعدين اقتحموا جدار الخوف وقدموا ماكان يحلمون فيه وبمشاركة فرق المحافظات والتي اسرعت للمشاركة ودعم هذه التظاهرة المسرحية التي لاقت نجاحا تكلل بالتفوق والالق لهذه التجربة الرائدة املين ديمومتها واستمرارها لما لها من اثار ايجابية في ديمومة حركة المسرح الشبابي لخوض مثل هذه التجربة، تجربة مسرح الشارع، تماشيا مع التجارب العالمية والتي سبقتنا في خوض مثل هذه التجربة في روسيا وامريكا والمانيا وفرنسا، حيث اعتبره المعنيون انه خير وسيلة اعلامية لترويج الافكار اليسارية وطرح بعض الافكار المناهظة للعادات والتقاليد البالية اضافة الى مقاومة الانظمة الدكتاتورية والذي روج من خلاله الفنانون الى فكرة الثورة والتغيير ونشر العدالة الاجتماعية في المساوات لكافة شرائح المجتمع ولا سيما الطبقة العمالية الكادحة.
ان هذه التجربة ان لم يكتب لها الاستمرار والديمومة، فسيندثر مثل هذا المسرح والذي يراد له الاستمرارية من قبل فنانوننا من الشباب المتحرر والمنادي الى التحرر ومحاربة الانظمة التي تقيد حرية الجماهير والفنانون منهم في التعبير عن افكارهم وارائهم وتطلعاتهم نحوى مستقبل افضل فيه من رفاهية العيش، فعلى جميع المثقفين والادباء والفنانون الاحرار في العراق، الوقوف الى دعم هذه التجربة والاستفادة من خبرتها والتي بدأت معالمها الايجابية تتوضح ومن خلال رؤية شباب المسرح العراقي الذي هدفه خدمة الجماهير المغلوبة على امرها ونشر الافكار المناهظة للظلم والاستبداد.
لقد خاض المسرح العمالي في العراق تجربة لمثل هذه التجربة في المسرح حينما خرج عن المالوف في عروضه التقليدية في القاعات، وذهب ليعرض ما عنده في مواقع تواجد العمال في المصانع والشركات وتقديم عروض تحريضية وفيها نقدا لسلوكية بعض رؤساء العمل واصحابي الشركات، متخذا من الالات والمكائن الحقيقية الموجودة في المصانع اكسسرارا وديكورا ليصنع فرجة اقرب الى واقع العمال، لقد خاض المسرح العمالي في العراق تجربة اشبه بتجربة مسرح الشارع غايته كان النقد والتحريض والثورة على كل ظلم واجحاف بحق العمال وتوعيتهم التوعية الفكرية، اسوة ببقية التجارب العالمية والتي اثبتت جدارتها ومن خلال مضامينها الفكرية اليسارية ولا سيما في ظل تجمع من الادباء والفنانين والذين روجوا لمثل هذا المسرح لمناهظة الحروب وماسيها.
ان تجربة مسرح الشارع في العراق تجربة رائدة وجريئة يراد لها الديمومة والاستمرار والرعاية والدعم من قبل المنظمات الفنية والثقافية لمساعدته على التهوض بهذه التجربة العظيمة لنجني ثمارها ضمن مسيرتنا الابداعية وتضيف علامة مضيئة اضافية في مسيرة تاريخ المسرح العراقي.