طموحات الانسان عديدة فمنها الشرعية والغير الشرعية وهاتين الحالتين تنبع من حالات الانسان في القناعة والايمان، انما محبة الانسان للعالم الدنيوي المادي اصبحت مغروسة فينا، واصبح همنا هو البحث عن كيفية ربح العالم برمته، فجل تفكيرنا بالمال والسلطة والجاه وبكل مايمتعنا ويجلب لنا السعادة وعن طريق غير مشروع، فاصبح تفكيرنا منصب على مثل هذا الحب والعبادة المادية والدنيوية، فتبعثرت حياتنا واصبحنا في حالة من الضياع لا نعرف الى اين نتجه لعدم وجود الايمان والقناعة بما نملك، واما مالدينا فهي مستحقاتنا الحياتية وبما وهبه الله لعباده، هذا من الناحية الايمانية، اما من الناحية المادية فاصبحت طموحاتنا لا حدود لها لامتلاكنا عدة رغبات في ذاتنا، نروم الحصول عليها كحب شهوة الجسد وشهوة البصر وحب الانا.
اصبح الانسان لا يتوقف عند حد من حدود تحقيق رغباته لان العالم ومافيه لا يرضي قناعاته وطموحاته الذاتية والتي ليست لها حدود، اضافة الى هذا كون الذين يفكرون بهذا العالم وما فيه من مغريات مادية تدفع الانسان بالاستحواذ عليها والتمتع بما تمنحه هذه الماديات من الاستمتاع الجسدي والروحي، ولهذا سعى بعض العلماء الى البحث والتقصي من اجل الارتقاء بفكرهم واكتشافاتهم، ويذهب البعض من هؤلاء الى تحقيق بعض الرغبات والتي لا طاقة لهم بتحقيقها بالمقايضة الغير الشرعية، وقد شغل هذا التفكير بعض من الذين يؤمنون بالوجودية وبالماديات الملموسة ويؤمنون ايضا بان للانسان طاقة محدودة لا يستطيع تحقيق طموحاته من دون الاعتماد على قوة اخرى اقوى من طاقتهم.
ولهذا يلجئون على تحقيقها اما عن طريق الدعاء والتمني من الله، واما عن طريق الشيطان، فلتحقيق مثل هاتين الرغبتين عوامل عدة تلعب دورها في حياة الانسان، منها عدم الالتجاء الى الله بعد ان ينتابهم الياس وفقدان الامل في تحقيق رغباتهم الدنيوية لذا يلتجؤون الى الشيطان والذي بدوره يضع امكانياته وقدراته الخارقة لتحقيق رغبات الانسان لقاء التعاقد معه على بيع روحه والتغرير به وايقاعه في مهالك نيران الجحيم، وهذه هي وسائل ابليس منذ بدء الخليقة وحتى يومنا هذا، هو الذي يشجع السحر، ويمنح القدرة على اكتشاف الغيب لبعض اعوانه من السحرة والدجلة ممن غرر بهم واوقعهم في حبائله لصيد من لا يملك قوة الذات في مقاومة الاغراءات الدنيوية وينساق خلف هذه المكائد والتي نهايتها مهالك الانسان في نار جهنم والى ابد الابدين.
فلقد حاول العديد من الادباء ضمن الاحقاب الزمنية الماضية تناول العديد من المواضيع والاساليب العديدة في كيفية تعامل الانسان مع ابليس والرضوخ لاغراءاته وقد وقع نتيجة هذا التعامل العديد من الضحايا من الذين باعوا ارواحهم وانفسهم للشيطان ضمن تلك الاحقاب الزمنية من العقد المنصرم ومنهم الدكتور فاوستس، والرسام كريستوف هايزمان، وعديدون ممن وقعوا ضحايا اغراءات الشيطان وتعاقد معهم على بيع ارواحهم له.
فقبل ان ندخل في عالم الدكتور فاوست، من الضروري جدا ان تعرف على الحالات الظرفية الاجتماعية لانسان تلك الحقبة من ذالك الزمن، اضافة الى تناول الظروف الاقتصادية والثقافية والسياسية والدينية، والاطلاع على علاقة الانسان بهذه المراحل الظرفية من حياة الانسان.
لقد تناول كرستوفر مارلو شخصية الدكتور يوهان جورج وادخلنا في عالمه المادي والدنيوي، واطلعنا على مسار حياته الثقافية والعلمية، وكيف انه كرس حياته لخدمة الانسان والمجتمع علميا، بعد ان اخذت منه السنين من حياته وحرمته من الاستمتاع بما لذ وطاب من الشهوات النفسية والجسدية والاستمتاع بمباهج العالم الدنيوية من جراء انشغاله في التجارب العلمية والتي شملت دراسة بعض الظواهر الكونية والفلكية، هذا الحرمان جعله يحس بانه في حاجة الى الاستمتاع بمباهج الحياة والتي انحرم منها طوال سنين شبابه، فولدت في ذاته ثورة عارمة وتمردا روحيا على العلم وعلى البحوث الكيميائية مطالبا احقية استحقاقه من الاستمتاع الروحي والذاتي وعن طريق استخدام الوسائل الشرعية والغير الشرعية الى ان وقع في شراك حبائل الشيطان وباع روحه ونفسه لقاء تحقيق جميع ملذات الحياة الدنيوية.
اذن من هو الشيطان؟
هناك عدة تعاريف للشيطان في الديانات التوحيدية، وحكايات عن كيفية مقاومته من قبل الانبياء والرسل وصمودهم امام مغرياته الدنيوية، انما اختلفت
الاجناس البشرية والمجتمعات القديمة على تعريف الشيطان، لقد عاقبه الله بعدما قاوم تعاليمه ورفضه لعبادته وطموحه في المساوات معه مما طرده الله من جنته ورماه مع اتون النار في الجحيم مع اتباعه، ولهذا بقي سلطانه على الارض ومع اتباعه من الارواح الساقطة والتي تبعته ونالها من عقوبة الله كمثل عقوبة الشيطان، وهكذا تناولت سيرته وحكايته في الثقافة اليونانية والبابلية والهندوسية والعبرية وحتى في الارامية وفي جميع الاديان السماوية.
لقد تناول مارلو هذه الموضوعية في كتاباته لتاثره بسياسات الرفض والقبول لعدة تجمعات فكرية وسياسية ورفضه واقع بعض المعتقدات الدينية وانتقاله مابين طائفة وعقيدة وعلى ضوء ماتقتضيه مصالحه الذاتية، فهوى الابن الاكبر لاشقائه والذي ولد في انكلترى من عائلة كان يعمل والده اسكافيا، لقد درس مارلو ونال تعليمه في مراحله الاولية في مدرسة الملك(kings school ) ومن ثم تابع دراسته الجامعية في كلية كوريس كريستي، وعن طريق علاقاته المقربة من قبل البلاط الملكي للملكة اليزابيت الاولى تمكن من التدرج الدراسي ونيله درجة الماجستير، ثم انتقل الى لندن بعد انهاء دراسته متفرغا لكتابة الشعر والمسرح، عاش حياتا يسودها الصخب والتمرد والتصادم مع القضاة في حوادث عديدة لكونه كان شرس الطباع، وتسود حياته القلق وعدم الاستقرار، ونتيجة لتقربه من البلاط الملكي سادت علاقته بمصالح منفعية بينه وبين الملكة الانكليكانية، انما تعاطفه مع الكاثوليك والتامر معهم ضد الملكة شتت من ولائه واصبح متقلب العمالة والذي كان السبب في موته بعدة طعنات بالسكين اردته قتيلا. لقد تناول مارلو اسلوبا في كتابة معظم نصوصه حاول من خلالهم تجسيد صراع الانسان مع رغباته وشهواته والتي سيطرت على حياته ورغبته في تحقيق ما يصبو اليه دون معرفة للمستحيل في حياته، لقد حققت معظم اعماله شهرة واعجابا من قبل الجماهير، واثرت في معاصريه من الكتاب، ان مايحز في النفس عدم معرفة التواريخ التي كتبت فيها نصوصه، ولم تنشر الا بعد وفاته، واشهرها، يهودي مالطا، ومسرحية تيمورلنك، واخرها مسرحية فاوست والتي اقتبسها عن اسطورة العالم الالماني فاوست الذي باع نفسه للشيطان مقابل رغبات غير محدودة.
لقد كانت نصوصه المسرحية ذات تاثير على وليم شكسبير والهام معظم الكتاب من معاصريه، حتى ان بعض المصادر تذكر فيها ان كريستوفر مارلو استعار اسم وليم شكسبير للتستر خلفه الا ان مصادر اخرى دحضت هذا الادعاء مقارنة مع وظائف كلا من والديهما، لقد تناولت اعمال مارلو الصراع مابين الرغبة والسلطة، اي رغبته في الاستحواذ على كل مايجلب له الاستمتاع والرغبات الذاتية والسيطرة على كل ما موجود في عالمه ومن خلال ماطرحته مسرحية الدكتور فاوست، والذي باع نفسه للشيطان من اجل تحقيق رغباته الذاتية.
كان مارلو يؤمن ان الانسان لا يولد الا من اجل الصراع مع القيود والتي تحد من حريته، لهذا تضمنت مسرحياته رغبة في كسر قيود العادات والتقاليد والتي يراها هي السبب في تقييد حياة الانسان وتحديد استمتاعه برغبات حاول تحقيقها عن طريق تمرده على العادات والتقاليد الدينية والدنيوية، كان يتميز باسلوب خطابي في كتاباته، وحماسا يطغي على معظم شخصياته في طرح افكارها ونشر معتقداتها، وايمانها المطلق بحرية الانسان والتمتع بمباهج الحياة ومعرفة اسرار الكون وفتح اسرار غموضه، لقد جسدت مسرحية فاوست هذه الرغبات بعد ان اتفق مع مفستوفليس ان يمنحه اربع وعشرين سنة مليئة من السعادة والقوة لقاء بيع نفسه للشيطان بعقد يتم توقيعه فيما بينهم بالدم، واخيرا وفي نهاية المشهد وعندما يحين تسديد الدين للشيطان يستنجد فاوست الا انه يختفي وسط ليل هائج وتنتهي حياته الى دهاليز الجحيم والنيران بعد ان ربح العالم وخسر نفسه.