لناخذ تعريف الموضوعية:
(فهو مذهب يرى ان المعرفة تعود الى حقيقة غير الذات، وبعكسها الذاتية).
اما الذاتية: (نزعة ترمي الى تحكيم الذات في الحكم، او تكوين الاراء والانطباعات ، عكسها الموضوعية، ذاتية.
(من قاموس تفسير المعاني)
لقد شاعت في وقتنا المعاصر هذه التسمية والمقارنة بين الاداء الذاتي والاداء الموضوعي، ومع انني لا ارى تاثيرا على مدى مايقدمه اي فنان في ادائه لاي عمل فني كان تشكيليا او نحتا او تمثيليا، انما تبقى هناك معرفة يجب على الممثل او اي فنان ان يفرق بينهما اي مابين الاداء الذاتي والموضوعي، وقد حاول البعض من الباحثين والفنانين ان يجمعوا مابين الاثنين، استنادا الى ان الفنان حينما يقوم باداء اي عمل فني يعكس من خلاله ذاته لكونه يؤمن بان الفن هو عنصر من عناصر التعبير الجمالي، بعكس ذاتية الانسان المؤدي ومن خلال موضوعية تقوم على جمالية التجسيد فيها من اداء الانبهار والاعجاب، فالاداء الذاتي هو ذالك الاداء والذي يعكس ذات الشيىء، اي جوهره وشخصيته وكما هو موجود عند معظم ممثلينا من الذين يؤدون يجسدون بعض الشخصيات وهم في هذا يعكسون ذاتها وجوهرها الحقيقي والواقعي والبعيد كل البعد عن الموضوعية الجمالية والتي يجب ان يجسد المؤدي فيها حسن الاداء والمعرفة الحسية والجمالية وبموضوعية تستند على المعالم نتيجة تجربة ذاتية تنبع بموضوعية متجردة من تاثيرات اراء الاخرين في الحكم والاختيار.
وهذا ينبع من مراحل تطور الاداء وعبر الاحقاب الزمنية من المسيرة الفنية لكل فنان ومدى استيعابه لمراحل تطوير الاداء والاساليب والتي يعتمدها كي تجعل من اداءه اداءا موضوعيا.
فلو عدنا الى مسيرة معظم الفنانين ومقارنة ادائهم الذاتي ومع مراحل تاثيرات الحالات الظرفية ولا سيما الذاتية لتاكدنا من انها تعتمد على المبالغة وعلى الايقاع السريع واصداء الاصوات الضخمة والعالية والمبالغ في في القائها، اضافة الى النبرات اللا حسية وخالية من المشاعر الحسية في الاداء والتمثيل، كانت تعتمد على الاداء الذاتي والبعيد كل البعد عن الموضوعية الحقيقية لواقع كل شخصية ومراحل تاثيرات الحالات الظرفية على اداء الممثلين، من الذين يعتمدون على ذاتهم ومن دون اعتمادهم على موضوعية الجمال والتعبير الحسي والمشاعر التي تبهر المتلقي وتشده الى متابعة الشخصية والاعجاب باداء من يقوم بتحريكها وتسخيرها.
وعبر تاثيرات المراحل الظرفية على الاجواء السائدة ضمن تلك الاحقاب الزمنية الماضية من تاثيرات الحروب والدمار، بدأ الممثل بالاعتماد على تقديم الاداء والبعيد عن كل ماله صلة بالتكنيك والمعرفة الموضوعية في الاداء لكل شخصية من شخصيات العمل المسرحي، فكان يمثل بايقاعات سريعة بعيدة عن تفسير المعنى الجوهري وبعيدا عن بناء الجمل الحوارية بناءا متناميا بقدر ماكان يعتمد على الاداء الذاتي والخبرة الذاتية والمكتسبة من تاثيرات الاجواء المحيطة به، الا انه ومع ظهور الحداثة والتطوير في اداء الممثل الذاتي، اخذ يراعي الاداء الحسي والمعتمد على المشاعر الخاصة بشخصية الممثل انما من دون تناول الموضوعية في التجسيد وبعيد عن الانحيازية في الاداء الذاتي وانتقاله الى الاداء الموضوعي بعد ان خضع الممثل لتجارب عديدة من قبل بعض المحدثين والبارعين والباحثين عن جمالية العقل والمنطق في الاداء والتعبير.
لقد خرج ستانسلافسكي بنظريته والتي اشاع ومن خلال مدرسته والتي من خلالها اراد ان يقدم الانسان الحقيقي في المشاعر والاحاسيس وفي عملية الاندماج الذاتي بادائه مع الشخصية المسخرة والمحركة من قبل ذاته والمرسومة ضمن ابعادها ومعالمها الحقيقية الذاتية، وخضع الممثل بادائه الذاتي الى تجارب عديدة ومتنوعة في مختبر ستانسلافسكي والتي تبناها والتي فيما بعد اخذ بها معظم المسرحيين في العالم متخذينها منهجا لهم في الاداء، من خلالها كان يعتمد على عدة عوامل من شانها تساهم في الابداع والتالق الفني لدى جميع من لهم علاقة بالاداء، وتجسيد جمالية التعبير الحسي عند الممثل والمخرج، واصبح الممثل في الاداء يعتمد على موضوعية من شانها تطور امكانيات ادائه ومن خلال اتباعه القواعد الاساسية والاخذ بها، منها:
- تحليل الشخصية
- ايجاد ابعادها
- هوية كل بعد من هذه الابعاد
لقد اتبع اساليبا وطرقا تبحث في كيفية تحرير المشاعر والاحاسيس، واضافة موضوعية جمالية في الاداء عند الممثل، واصبح لزاما عليه اتباع مقومات الابداع في ادائه ومن خلال استخراج ردود افعاله الحسية والمشاعر للشخصية التي يؤديها على المسرح، وبهذا انتقل الاداء الذاتي وانتقلت مراحل اداء الممثل مما كان عليه في المبالغة والافتعال في التمثيل، كذالك في الصوت حيث كان يعتمد في هذا على ادائه الذاتي وبعدها اصبح لزاما عليه ان يلتزم بما تمليه الحداثة والتطوير على ادائه والاساليب والتي من شانها ان تساعد الممثل على ابداعات شخصية ووفق تجربة وخبرة ستانسلافسكي، انما هذه الموضوعية في الاداء لم تبقى على ماهي عليها ومن دون تغيير وتطوير والابتعاد عن الانحيازية للنظريات السابقة، حيث ان الموضوعية في الاداء طغت وعبر مراحل الظروف المرحلية والتي مر بها الفنان والمنظرين للاداء التمثيلي، انما اخذوا بتفاصيل جديدة في الاداء ومبتعدين عن الاداء الذاتي الكلاسيكي، وحتى الاداء الموضوعي في الاداء والتي اعقب تلك المرحلة اصبح فيما بعد اداءا ذاتيا واسباب هذا التحول يعود الاخذ ببعض النظريات وتطبيقها وتنفيذها، وعلى ضوء التنظير المرحلي ضمن تطور المراحل السياسية والاقتصادية، وتغيير بعض المناهج الموضوعية القديمة بنظريات حديثة متجددة وكما فعلها برتولد برشت، حيث استحدث ومن خلال خبرته وتجربته الحياتية والفنية اضافة الى منهج ستانسلافسكي في الاداء التمثيلي من الاعتماد على التكنولوجيا الفنية والمتطورة ضمن تلك الفترة الزمنية والمراحل الظرفية، حيث اعلن برتولد برشت انه مستعد لتقديم الممثل باعتماده على الاداء الموضوعي وبعيدا عما قدمه ستانسلافسكي في الاداء والذي تجاوز مرحلة المسرح الكلاسيكي، خاضعا في ذلك لمفهوم يتبع من خلاله اساليب في اعداد الممثل والمعتمد على الاداء الموضوعي في التمثيل.
اطرح لكم نموذجا لمثل الاداء الذاتي، كمثل احد المحاظرين والذي يتناول في محاظرته عالم الكون والوجود معتمدا على افكاره الذاتية وقناعاته الشخصية وبعيد عن الاستعانة بالتكنولوجيا والتطور الصناعي، بعكس محاضر اخر اختصاصي وله من الثقافة العلمية معتمدا على الشرح الموضوعي في تجسيد مضمون محاضرته تطور عوامل تقدم التكنولوجيا، ومعتمدا في ذلك على النظريات والبراهين لاثبات صحة مايطرحه من افكار منهجية علمية اضافة على جمال التعبير الثقافي والايمان بما يطرحه، ولهذا كان ستانسلافسكي مكتسبا بعض التاثيرات الفكرية والتي طغت على افكاره ومتاثرا بها، حيث دأب على دراسة الشخصية وافكارها ومضمونها الحسي الانساني معتمدا في الاداء على الموضوعية في التجسيد وعن طريق بناء الشخصية وتحليلها ضمن ابعاد الشخصية من شانها تساهم في الاداء الجيد والمعتمد على ردود افعال حسية، اضافة الى هذا بحث في كيفية استحضار الواقع بشخوصه ومن خلال نظريته والتي تجسد اعماله في عرض مسرحي متكاملا من حيث الاداء الموضوعي عند الممثل، وكذالك اعتمد على تطور التكنولوجيا في اضفاء جمالية التوصيل وعن طريق التعبير الجمالي، وبهذا استطاع ستانسلافسكي ان يستحوذ على اعجاب الجماهير وابهارهم بعروضه واداء ممثليه من خلال نقلة نوعية في الاداء الذاتي واعتماد الموضوعية لدى الممثل ومع شموله بجميع مقومات عناصر الاخراج المسرحي.
اما برشت اخذا بالاعتماد على المنطق والعقل وبعيد كل البعد عن الاداء العاطفي، مستعينا بنظرية ستانسلافسكي من اجل خلق عنصر التشويق والشد في الاداء عند الممثلين، حيث فصل شخصية الممثل عن الشخصية المسرحية، وخلق تعاملا منطقيا في الاداء، معتمدا على ذاته وتصوراتها في تحرير المشاعر والاحاسيس.
لقد حاول برشت تقديم الواقع بعيدا عن وسائل خلق الايهام من التزويق وعوامل الانبهار، والاعتماد على الاداء الذاتي في حرفية الشخصية وتسخيرها، ولم يكتمل هذا الا مع وجود ممثلين بارعين ومتمكنين في الاداء التمثيلي مستوعبين كيفية الاعتماد على الاداء الذاتي والموضوعي معا.