حينما يتباكى بعض الفنانين وفي مقابلات تلفزيونية او ريبورتاجات صحفية على انحدار الواقع الفني والذي وصل به الحال الى مستوى منحدر، باستثناء تجربة ناجحة من قبل بعض المجددين من فنانينا الشباب والمتطلعين الى واقع جديد فيه من الابداع والتطوير، هؤلاء الشباب في محاولاتهم انقاذ هذا الوضع المنحدر بمسيرة ذات فاعلية في تحريك عجلة الفن بتجربة متاثرة بمسيرة فنانينا الرواد، والاخذ من بعض تجاربهم الابداعية في المسيرة الرائدة للمسرح العراقي يوم كان تحدي الرواد المسرحيين للطوق الذي كان يقيد تحركاتهم وانشطتهم ضمن مرحلة فيها من الصراع الفكري والثقافي والسياسي والديني، هذا التحدي جاء في زمن ضياع قيم الابداع والجمال، ااكد ان هذا التحدي ماجاء الا عن ايمان وحب لحرفية الفن وتثمين رسالته وتقييمه تقييما فيه من التقديس والتعظيم بحيث وصلت بهم الامور في احيان عديدة لا يعتلون خشبة المسرح الا ويقبلونها، ومن ثم يعتلونها.
هؤلاء الرواد من الاساتذة كانوا يؤمنون بالفن على انه وسيلة لتجسيد الابداع والجمال لمضمون فيه من القيم الانسانية والافكار النبيلة والفلسفة الحياتية من تجارب وقيم انسانية يجسدون من خلال سياق احداثها المسرحية صور حياتية متحركة لتجسد من حبكة الحوار افكارا تقدمية لخدمة المجتمع منادية من خلالها بالمحبة والتسامح.
افكارا وقفت الى جانب الانسان وناصرته محاولة منها لانقاذه من الواقع المرير، هؤلاء الفنانون الرواد كانوا يتسمون بالنزاهة والمثل العليا والقيم النبيلة، اساتذة حملوا بين طيات افكارهم فلسفة استمدوها من حياتهم ومسيرتهم والتي حاولوا ومن خلالها ان يستخلصون من الحياة فلسفتها وتجاربها لتجسيدها من على المسرح ومن خلال نصوص فيها من العبر والافكار القيمة والانسانية والمستمدة افكارها من تاثيرات المسرح العالمي، ونصوص كتاباتهم والتي كانت تؤمن بتحرير الانسان من العبودية وكسر قيوده ودعمه الدعم المعنوي ليعيش حياة هانئة وسعيدة، ودون الاهتمام بنتائجها الوخيمة من الانظمة انذاك ان كانت على صعيد المطاردات الامنية او السجون والمعتقلات، او القتل والاغتيالات، فكل ما كانوا يقدمونه من التضحيات هدفهم هو خدمة الانسان. كان الفنان في معظم الاحيان يتعبد في محراب القداسة ومتاملا بما يحدث في هذا العالم من الماسي والاضطهادات والمضايقات الاجتماعية ليفكر في كيفية معالجتها ومحاربتها كونها افات تفتك بالمجتمع وباستقراره.
كان في محاولاته المستمره ايجاد تشخيص العلة ومن خلال مايؤمن بالافكار التي من شانها ان تشفي المجتمع من افات التخلف والانحطاط، كان يثور على الانظمة التي تستعبد الانسان وتحتكر جهوده لمصلحتهم الخاصة ومن دون الاكتراث للمصلحة العامة، كان الفنانون يومذاك كالانبياء باعمالهم واهدافهم غايتهم نشر رسالتهم الانسانية وتوصيل تعليمات وقيم من شانها ان تسعد المجتمع وتطوره، كل ذالك كان يقدم وعن طريق خشبة المسرح.
مازلت اتذكر الاستاذ الفاضل المرحوم بهنام ميخائيل رحمه الله واسكنه جنان الفردوس بتاكيده علينا ان يدنقوم بتنظيف قلوبنا لان المحبة تخرج من القلب، وان ننظف اذنينا كي لا نسمع مايخدش انسانيتنا، وان نطهر ذاتنا وانسانيتنا كي نستطيع ان نؤمن بتحقيق العدالة الاجتماعية والانسانية ومن خلال نصوصنا المسرحية.
كان الراحل بهنام ميخائيل يؤكد على الايمان بما نقدمه من على خشبة المسرح ويؤكد على هذا الايمان بقوله: ان لم نكن نؤمن بما نقدمه للمتلقي من على خشبة المسرح فكيف نطلب من المتلقي ان يؤمن بما نقدمه له من على خشبة المسرح؟ فلولا هذا الايمان لما قدسنا افكارنا وتعاليمنا وقيمنا الانسانية.
لقد حارب روادنا من الفنانين الانظمة الجائرة وقاوموها ومن على خشبة المسرح وهم مبتسمين لتوديع الحياة ومن خلال رضاتهم على ماقدموه لخدمة الانسان، كان الانسان هو محور نضالهم وهدفهم كان اسعاد المجتمع وافراده ويولونها الاهمية في الاهتمام. ان الثقافة الاجتماعية والسياسية والتي كان يملكها الفنان والتي اكتسبها من تجارب ومسيرة الشعوب التي سبقتنا بالانتفاضات والثورات ضد انظمتهم السلطوية واحتجاجاتهم ضد الحروب والتي اهلكت شعوبهم برمتها وجعلتهم يئنون تحت وطأة الدمار والتخلف اكسبت فنانينا وادبائنا ثقافة جعلت لهم دورا قياديا في تحريك مسيرة التحرر والانعتاق من خلال اجتماعاتهم والبحث حول سبل تقديم اعمالا مسرحية وانشطة ثقافية تساهم في تحريك الاجواء الثقافية للمجتمع، ونشر هذه الافكار في الوسائل المقروءة والبصرية والتي من شانها ان تساهم في تحرير الانسان ليحيا سعادته في الحياة عموما، وهذا بالطبع لم يكن يحدث لولا الحب والتازر والمحبة والتكاتف الذي كانت من هموم الفنان ولا سيما السياسيين منهم، لم تكن للانانية مكانة في قلوبهم ولا في مسودات اعمالهم.
كانوا نموذج في الاخلاق والمثل العليا، كانوا ملجأ للكادحين والمغلوب على امرهم من ابناء شعوبهم، لا يهابون السجون والمعتقلات، ولا سلطة الظالمين من الانظمة والتي كانت تلاحق انشطتهم المنشورة عبر الوسائل الاعلامية.
لقد هاجر العديد منهم وتركوا اوطانهم اما احتجاجا على مواقف حكوماتهم او رفضا لواقع انظمتهم السياسية والتي كانت تلاحق انشطتهم الثقافية وعروضهم المسرحية، ولاسيما الكتاب من حملة الافكار اليسارية والذين يؤمنون بقضية الانسان وينحازون لتحريره من الانحطاط والتخلف الاجتماعي والسياسي وانقاذه من العادات والتقاليد البالية والتي تهلكه وتكتم انفاسه.
هناك نموذجا فاضلا للعلاقات التي كان يسودها الود والاحترام بين الفنانين الافاضل، هذا النموذج متمثلا بالفنان العربي المصري وما لمسناه من هذا الاحترام وعن طريق الوسائل الاعلامية المختلفة (البصرية والسمعية) محبة واحترام تسود حياتهم المهنية الفنية، واحتراماتهم الواحد للاخر، قلما نسمع ونشاهد فنان مصري حينما يسئل ومن مقدم البرنامج عن زميلا له في الفن واجابته لا تتضمن الاحترام والتقدير لزميله الفنان والذي يسبق اجابته بالعبارات التالية بقوله (استاذنا الفاضل والممثل القدير هو نموذجا نحتدي به-- الخ). هذا هو تقليد الفنانين المصريين في اية مقابلة تلفزيونية او اذاعية، لقد جعلوا من شعار الاحترام والمحبة دستورا لحياتهم وهذه كانت احد الاسباب والتي ادت الى التطور والتقدم والازدهار للسينما والمسرح والاذاعة المصرية، الفنان المصري اصبح بيده سلاح التشخيص والمعالجة، لقد اكتسب من حياته اليومية تجربة مكتسبة نقلها الى المسرح ومن خلال نصوص مسرحية كانت ساخرة كوميدية او ماساوية جدية عالج من خلالها ماساة شعبه، الفنان المصري فنان متازر مع زملائه ولا سيما الرواد من عباقرة المسرح والسينما المصرية من امثال:
- يوسف وهبي
- الريحاني
- انور وجدي
- فريد شوقي
- محمود المليجي
- فاتن حمامة
- ماجدة
- سميحة ايوب
- سناء جميل،
وعديدون لا يسمح المجال لذكرهم جميعا.
هؤلاء الفنانين من الرواد اعطونا صورة ناصعة عن العلاقات التي سادت حياتهم الفنية وتفانيهم من اجل ديمومة هذه المسيرة وبالرغم من ماساة العديد منهم ومن سوء حالتهم الاقتصادية انما لم تكن تثنيهم عن اهدافهم في التطوير والتغيير، لقد اتبعوا كافة السبل والوسائل المشروعة والتي حققت نجوميتهم، بحيث اخضعوا انظمتهم وسلطتهم لاحترام فنهم واحترام مواقفهم.
فهذا الرئيس الراحل جمال عبد الناصر يتصل هاتفيا بالفنان عبد الحليم حافظ ليستفسر عن صحته، او يتفقده ومن خلال مكالمة هاتفية يطمئنه على حضوره هو وقادته السياسيين الحفل الخاص والذي سيحييه ليجلسون في مقدمة الجالسين دعما له ولفنه، فاين نحن من هؤلاء العظام والتي خلت الساحة الفنية من مواقعهم؟
هذه الكتابة اسوقها لاثير اسئلة وتسائلات عن اسباب انحدار علاقاتنا الشخصية والفنية مع زملائنا من الفنانين، وعن انحدار مسيرتنا الفنية في وقتنا الحاضر مقارنة مع المسيرة الرائدة للمسرح العراقي باستثناء انشطة الشباب من الفنانين المجددين من امثال:
- د. كريم خنجر،
- عكاب حمدي،
- قيس جوامير ،
- اسامه السلطان ،
ومع احترامي للاساتذة الرواد والذين قابعين في اوكارهم يستذكرون ذكرياتهم وهم لا يحركون ساكنا في مثل هذه الاوقات العصيبة من مسيرتنا المسرحية باستثناء الاستاذ الرائد سامي عبد الحميد متمنيا له الصحة والعافية وطيلة العمر والذي يؤازر الشباب بمسيرتهم ودعمه مما عنده لهم والاستاذ الرائد بدري حسون فريد والذي اصابه المرض واقعده عن تادية رسالته في المسرح له الشفاء العاجل ان شاء الله.
هؤلاء الشباب المتوقدين شعلة وحركة فنية يجاهدون بكل اخلاص على انقاذ المركب من الغرق في بحر متاهات الصراعات السياسية والكتل الحزبية والطائفية، ونحن الفنانين مازلنا نكيل بالكيل اكيالا لبعضنا، اما عن طريق التواصل الاجتماعي بتصريحات تدمي القلب على الواقع المرير لعلاقاتنا الشخصية وقد تكون اسبابها مخفية، ومجهولة ومفتعلة، وهذه بالطبع من الاسباب التي تحجم نشاطنا ومسيرتنا الفنية، ان مثل هذه العلاقات السلبية ليست من مصلحتنا كفنانين ان تساهم في تطوير المساعي الحميدة في توطيد علاقاتنا الانسانية، جميعنا ساهمنا وقدمنا وكان الانسان العراقي في مقدمة اهتماماتنا، وجميعنا قدمنا نقدا ساخرا مما اصاب وطننا العراق من ماسي الدمار والتخلف والواقع المر لشعبنا، ونحن نعلم علم اليقين اننا نئن تحت وطأة احتلال جديد، وان هذه الوجوه التي امامنا ماهي الا الواجهة الغير الحقيقية لنظامنا السياسي، فالساعة الان اعزائي تحتم علينا التكاتف والتازر والحد من العلاقات السلبية مابيننا، والكف عن النقد الغير الموضوعي والجارح لبعضنا لتخفيف وطأة العبىء الثقيل الذي تركه اسلافنا من اساتذتنا الرواد، هو امانة في اعناقنا لتطوير المسيرة وتحقيق الاهداف في التغيير وتحقيق الحياة السعيدة لشعبنا، فكيف يتم تحقيق هذا ونحن نكيل الكيل لبعضنا، فهذا السؤال هنا هو الذي يطرح نفسه ونحن في مسعانا لتحقيق اهدافنا من اجل تطويرمسيرتنا الفنية في العراق.
انا لست نبيا ولا داعيا ولا مرشدا دينيا، بقدر ما انا انسان احس بجسامة المسؤولية التي تقع على عاتق الفنانين العراقيين من امانة الواجب، وتطوير مانراه مناسبا،.
من اجل هذا المسعى الايجابي دعوا الكراسي والمراتب العليا للاداريين من ذوي الاختصاص، ومن يتحلون بالنزاهة والاعتدال واحتلوا مواقعكم الحقيقية في قاعات المسارح والحث على الاجتماعات الجدية والتي تبحث عن الحلول المناسبة لحل بعض الاشكاليات والتي لا تجدي نفعا ولكل فنان عراقي دوره في المسيرة وجميعنا قدمنا وساهمنا في المراحل الظرفية السابقة ماهو على قدر طاقتنا، وهدفنا مازال ينصب على تحقيق الاعتبارات الجدية في ان نقف على نتائج ايجابية غايتنا منها انقاذ ماتبقى من هذا الصرح العظيم الا وهو تاريخ ومسيرة المسرح العراقي، وتادية الواجب بحرص كحرص اولئك الرواد والذين كانوا يؤمنون بان المسرح هو اداة توعية وتثقيف، فالنعمل على الحد من الاحقاد والكراهية وعدم التراشق فيما بيننا بالكلام الجارح والذي لا يخدم مسيرتنا، لاننا ابناء وطن واحد، وشعب عريق نعيش محنة ماساوية كانت نتائجها تفريقنا وهجرتنا عن الوطن وتشتيت افرادنا وعوائلنا في ارجاء الغربة لاهي منا ولا نحن منها.
انكم ايها الاخوة والزملاء تبحثون عن القرش الفتاك المفترس خارج سفينتكم، في الوقت ان هذا القرش المفترس يعيش بينكم في داخل سفينتكم، وعليه صدق المثل الشعبي الذي يقول:
الركعة زغيرة والشك جبير.
المسرح العراقي مابين الماضي والحاضر
لنتطرق ومن خلال العنوان اعلاه الى كينونة الفنان العراقي الرائد في المسيرة عبر الازمان الماضية ضمن اجواء مرحلة ظرفية كانت متزعزعة ومقارنة مع الحالة التي يعيشها الفنان المعاصر الان، لو شخصنا اسباب الفشل والذي يعاني منه الفنان المعاصر في المرحلة التي يعيشها الان لوجدنا ان اسباب هذا الفشل تنحصر بان فنان اليوم يتوكأ على عصا الوساطة للولوج الى داخل مسيرة الفنانين الحقيقيين والذين لا يشغلهم الا هموم المسرح وكيفية تاطيره باطار يكون له عنوانا متقدما من حضارة المضمون والفكر.
ان الفنانون الرواد ممن تاثروا بالاعمال العالمية بعد اطلاعهم على تجربة الاخرين في المسارح الاوربية لم يكن يشغلهم شاغل سوى تقديم مايرونه مناسبا لانتشال شعبنا ومجتمعنا من ظلال التخلف والانحدار الاجتماعي والسياسي وتشذيب المسيرة من تدخل بعض المهيمنين على كراسي الحكم من الجهلة الاميين، وما تدخلهم هذا ومن دون استحقاق الا لوضع الحواجز من التعليمات الادارية امام المبدعين من الفنانين الرواد والشباب لتكون معوق امام ابداعاتهم، انما عزيمة الرواد في حينها لم تنثني وارادتهم ورغبتهم في التغيير والتطوير لم ولن تكل وتمل وانما مضوا لتنفيذ اهدافهم في التقدم والتخطيط لترجمة افكارهم التقدمية الى واقع ملموس وعن طريق المسرح، لهذا اجتاحوا جميع الطرق لتنفيذ هذا الواقع والذي جاء باحكام وفق برمجة علمية خطط لها الرواد وبالتحالف مع كتاب النصوص المحلية الشعبية ممن يحملون افكارا تقدمية ولديهم رغبة في التغيير والتطوير متاثرين بالنصوص العالمية والقسم الاخر من انتاجاتهم جائت معبرة عن واقع حالهم من الفكر الحضاري اليساري لتكون ثورة من اجل ارساء قاعدة محكمة ينطلق منها روادنا من امثال:
- ابراهيم جلال
- جعفر السعدي
- جاسم العبودي
- بدري حسون فريد
- حميد محمد جواد
- سامي عبد الحميد
- جعفر علي،
حيث ظهرت من خلالهم ثورة فنية واسعة ولاسيما في السبعينيات من القرن الماضي وابداعات كتاب النصوص المسرحية من امثال:
- طه سالم في مسرحية فوانيس والبقرة الحلوب،
- عادل كاظم في مسرحية الحصار والطوفان وعقدة حمار،
- ادمون صبري في مسرحية الست حسيبه وايام العطالة،
وكذلك ابداعات فناننا الراحل يوسف العاني والاستاذ قاسم محمد وعلي حسن البياتي، ومحيي الدين زنكنه، هؤلاء الحصاد من كتاب نصوص الدراما العراقية جائت اعمالهم متلاحمة مع عبقرية المخرجين الرواد اضافة الى ابداعات الفنيين المبدعين من مهندسي الاضاءة ومصممي هندسة الديكور والازياء والماكياج.
جميع هذه التقنيات تحالفت بابداع متقن لتعبر عن تطورات حرفية جمالية في مسيرة المسرح العراقي والتي جائت تجربتهم من خلال حب جمعهم لخدمة جماهيرنا وبالرغم من حالة الفساد الاداري والسياسي، لقد وحدت الظروف المرحلية القاسية جهود فنانينا الرواد لاجتياز العقبات وتذليلها وتمرير كل ماهو ممنوع من قبل الرقابة وتقديمه من على خشبة المسرح، فظهرت النصوص المسرحية الشعبية والعالمية المختارة باتقان ومما يتناسب مضمونها لخدمة جماهيرنا وشعبنا، بحبث ساهمت في تحريك العجلة الفنية متاثرين بالوضع الاجتماعي الرديىء مما جعلهم ان يحركوا الحراك السياسي بثورة ثقافية وفنية كان من نتاجات كتابنا الميامين وبمؤازرة المخرجين المتفتحين فكريا وسياسيا وعن طريق الفرق المسرحية التي تشكلت من اجل توحيد الكروبات الفنية وجمعتهم تحت خيمة وحدة الفكر الواحد شعارهم كان الحب والمحبة من اجل ان يكون المسرح في الطليعة سلاحا فكريا وفنيا للتوعية والتثقيف، كان هم الفنانين في السبعينيات هو الاتحاد الفكري والسياسي، وهذا لم يتجسد الا من ثمار انتاجاتهم المسرحية، فظهرت الى الوجود المسرحيات الشعبية والعالمية بشواهد تحمل من القيم الانسانية المتحضرة وباسلوب ناقد وساخر تطرحها شخصيات نصوصها المسرحية ومع هذا الظهور والكم من الانتاجات الجريئة في الطرح لم يهابون السلطة ان كانت عن طريق الرقابة او ممن زجوا في صفوف الفنانين اعينا تراقب تحركات فرقنا المسرحية لتنقلها مباشرة للانظمة الحاكمة انذاك، الا ان وحدة الفنانين الرواد واتحادهم ولاسيما الفنانين من اصحابي الافكار التقدمية والمناصرين للانسانية اخترقت طوق هذا الحصار الفكري باحتواء هذه الاعين الرقابية المندسة لمصلحة النظام يومذاك الى جانبهم والاستحواذ على تعاطفهم وباسلوب ذكي بحيث اصبحت هذه الاعين من الرقابة والمدسوسة بين الفرق المسرحية تعمل لصالح الجماهير ومتحدة باعمالها مع اعضاء الفرق المسرحية، وبهذا التدبير قطع الرواد الطريق على الانظمة السياسية الحاكمة في نقل ماكان يدور في الفرق المسرحية من رصد تحركات الفنانين والمساعدة غلى تقديم انتاجاتهم المسرحية بحرية كاملة، فكان هذا العامل الاتحادي والتضامني للوحدة الفكرية والتازر مع البعض ان كانت مجاميع الفرق المسرحية او تضامن الفنانين مع بعضهم، نتج عنه تطورا ابداعيا ومسيرة ذات تجديد في الاسلوب الفني الشامل ان كان عن طريق كتاب النصوص او الممثلين او المخرجين.
صحيح كان هناك تنافسا بين الفنانين المسرحيين ومن خلال تعدد فرقهم المسرحية، انما كان تنافسا شريفا وبعيدا عن الانانية، والمفاضلة في اختيار الافضل ودعمه الدعم المعنوي من قبل جميع الفرق المسرحية الا ان شعارهم الوحيد كان ينبع من المحبة والتازر والاتفاق على تجسيد الافكار السياسية التقدمية وتوحيدها لخدمة تحريك عجلة التطور والتثقيف الاجتماعي والتوعية التي كان ينشدها جميع الفنانين من اجل خلق مجتمع واع يعي بما يدور على الساحة السياسية والاجتماعية، كان الفنانون لا يعرفون الضغينة ولا الكراهية في قلوبهم بقدر ما كان همهم يتوحد في تقديم مايؤهلهم كمسرحيين في ان يضاهون المسرح العربي والعالمي بتطوره، بعكس حالة الفنان في هذه الايام والذين تركوا الحراك الفني لمن لا تجربة لهم وتفرغوا لاشغال المناصب الادارية والتي لاحت لهم في سماء الظرف الذي يعيشه العراق من مرحلة متفككة، مرحلة ليس فيها سياسة تحمل عناوين ثورية وطنية بقدر ماهي سياسة تبعية ذيلية وعمالة هم الوسيلة لتنفيذها، غايتهم من هذه العمالة وضع العراقيل والتي تحد من تطور المسرح وتقدمه، والدليل على ذالك لنتابع قاعات العروض المسرحية في بغداد والمحافظات ومقارنتها مع السبعينيات والتسعينيات من المراحل التي مضت وكيف وصل عليه واقع الحال، لقد حجموا من فعالية وانشطة بعض الفنانين المبدعين والذين اكتسبوا من مرحلة الريادة ثقافة عالية في التاليف والاخراج وحددوا نشاطهم عن طريق اناطة المسؤوليات الادارية لهم وتجميد انشطتهم الفنية، وهذه الحالة الاجرائية تكالب عليها من الذين يدعون الفن، وانخلقت من خلال هذه الحالة الصراعات والانقسامات فيما بينهم مما اضطر القسم منهم الى الظهور في مواقع التواصل الاجتماعي والتصريح والتجريح بكلام نابىء والتهجم على بعضهم واستغلال البعض الزلات ان كانت موجودة وبعفوية، واصبح واقع التعرية فيما بينهم وعلى مرأى من الغفير من متابعي الفيسبوك، وهذه الحالة مما تحز في النفس وتؤثر على الحراك الفني ومن شانها خلق عراقيل لتعطيل حركة عجلة التطور واعادة الحركة الفنية الى عهد ماقبل الاربعينيات يوم كان العراق يقدم ماعنده بالامكانيات الفقيرة والتي لا يمكن ان تضاهي الوسائل المتطورة على الصعيد العربي والعالمي في الوقت الذي كان المسرح العراقي السباق في حصد الجوائز التقديرية لدوره في اثارة الابداع الفكري والجمالي ومن خلال مشاركاته في المهرجانات المسرحية العربية، وقد يكون لواقع هذا الحال ايادي خبيثة غايتها تهديم هذا الصرح من التطور للمسرح العراقي والذي وعت لخطورة هذا التطور الفني وتاثيراته على المتلقي، لذالك جاهدت لخلق حالة من حالات الاضطراب السياسي والتخلف الاجتماعي والثقافي في الوطن العربي ومنهم العراق.
ولهذا يجب علينا ان نعي لهذه الحالة من التدهور والانحطاط وان نوحد جهودنا كفنانين ونعي الى موطىء اقدامنا وتوجهاتنا، محاولين السير على خطى ماسار عليه روادنا من اساتذتنا الكرام من امثال محي الدين زنكنه وعادل كاظم وادمون صبري وطه سالم وسعدالله ونوس وفرحان بلبل، ومن الخرجين العباقرة من امثال ابراهيم جلال وسامي عبد الحميد وبدري حسون فريد، ونحن نعيش اليوم في العراق وعلى الصعيد القومي حالة من الحروب الدموية والتي ادت الى التاخر الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والتفكك في العلاقات الانسانية وحالة من الاضطراب الفكري نتيجة انقسامات مابيننا ودخول الافكار السامة لتضليل العدد الاكبر من فنانينا باتجاه هذه الافكار او بالاحرى زج العدد الكبير من الضعفاء والمحسوبين على القائمة الفنية لتسخيرهم بدس الضغينة فيما بينهم وتفكيك اواصر المحبة والاتحاد الفكري وتعطيل الجهد المراد تحريكه من اجل التوعية الفكرية وتنوير المجتمع عن حالات التفكك والانحدار الثقافي والفني والاجتماعي والسياسي.
اننا نعيش حالة من الارباك والتخلف والذي طرأ على مرحلتنا الظرفية وهي حالة لم تاتي بالشكل الاعتباطي بقدر ماهي حالة مدروسة من خارج الحدود وسلاح جديد لتفكيك وحدتنا وتضامننا، ولهذا لا تسمحوا بتمرير مثل هذه المؤامرات والدسائس والتي من شانها تعطيل مسيرة الفن وتحديث وسائله وتقنياته الفنية ونحن نعيش حالة من التفكك الاجتماعي والانحدار الاقتصادي والضعف الساسي والتخلف الديني، ولهذا صدق المثل الشعبي الذي يقول:
الركعة زغيرة والشك جبير.