تعود معظم الفنانين ان يتجاذبوا اطراف الحديث عن المسيرة الفنية في العراق ،والبحث عن سبل تطويرها، اضافة الى اعتزازهم بمسيرة الرواد والافتخار بما تركوه من الارث الفني في المحافل الفنية، ولم يعلم هؤلاء المتخبطين في عالم المتاهة انهم (يضربون الجف والعشا خباز ) نعم لا فائدة تجنى من هذه الاحاديث، ومثل ماكال سعيد افندي في فيلم سعيد افندي (السمجة من الراس خايسة) ولهذا فان ترسيخ المسيرة الفنية في العراق ترتبط بعدة عوامل منها الوضع السياسي، والوضع الاقتصادي، والوضع الثقافي، ومن ثم الوضع الديني المتطرف، وكما نعلم بان حركة الفن تتاثر بهذه الظروف المرحلية ويتوقف تطورها على تجاوزها لتتوفر لها الظروف المناسبة كي يستطيع من خلالها الفنان ان يساهم المساهمة الفعلية والجادة في تحريك العجلة الفنية، والا لنتسائل فيما بيننا اسئلة حول كيفية اقتحام الفنان العراقي عباب هذه الامواج المتلاطمة والصاخبة وهو في حالة يرثى له من جراء وضعه الاقتصادي، ثم ان هناك تسائلات اخرى، كيف يستطيع اقتحام الحواجز والعقبات التي تعترض طريقه وهو خاوي اليدين؟
ولهذا فان العوامل والتي من شانها تطوير المسيرة الفنية تتوقف على دعم الدولة للناشطين الفنيين، ودعم المؤسسات الاعلامية والفنية، ودور النشر للصحافة الحرة والمجلات الثقافية والفنية، هذا الدعم يمكنه ان يساعد على ترسيخ مسيرة الثقافة والفنون ان كان على نطاق الادب والشعر، او على نطاق الدراما في المسرح او في التلفزيون والسينما، فان غابت الرغبة الحقيقية عند بعض الفنانين والمسؤولين لجدولة مناقشة العوامل والتي تساهم في بناء مسيرة الثقافة والفنون، فاقرأ على ذالك البلد السلام، لان الحالة الظرفية والتي يعيشها اي مجتمع ان لم يتمتع بثقافة عالية لا يستطيع المساهمة في بناء الهيكلية التي من المؤمل ان تساهم في احياء التراث والثقافة، وان تكون هذه الهيكلية هي نفسها مشروع البداية لمسيرة ناجحة من خلال تكوين اللجان الثقافية والفنية ذات اختصاص تاخذ على عاتقها الدراسة والتقييم وتهيئة مستلزمات ما يساعد على التنفيذ من الدعم والتعاون مابين هذه اللجان وبين الفنانين من ذوي الخبرة والثقافة التي تساهم في النهوض بالواقع الثقافي والفني ومن خلال دراسات علمية واختصاص يتم ترجمتها على واقع التنفيذ.
فالفنان والامكانيات البسيطة التي لديه لا يمكنه تحقيق مايصبو اليه من تنفيذ الخطط المرحلية لتكون مناهج عمل تساهم على استحداث الاجواء الايجابية من الدعم المعنوي والمادي كي يستطيعون ومن خلال هذا الدعم ان ياخذوا مكانتهم في القيادة لمسيرة يراد لها ثورة فعلية للنهوض بالواقع الثقافي والفني وضمن الاجواء الاقتصادية الرديئة لعامة الشعب، لان الواقع الاقتصادي له تاثيرات على انشطة الثقافة والفنون، لقد استوقفتني مقولة ذات مفاهيم جوهرية وانا مازلت معتزا بها، مقولة استنتجها المفكر السياسي لينين حينما قال مقولته الشهيرة:
اعطني خبزا ومسرحا اعطيك شعبا واعيا،
في هذا التشخيص الجوهري والاستنتاج ومن خلال تجربة للواقع المرير الذي يعيشه اي مجتمع يعيش واقع اقتصادي متردي لا يمكنه الاعتماد على نفسه في احداث ثورة في النهضة الفكرية والثقافية مالم يكون في درجة عالية ضمن مرحلة اقتصادية تساعده على المساهمة في ترسيخ الحركة الفكرية والثقافية، فالخبز والمسرح كلاهما يعطيك شعبا مثقفا واعيا، في هذا التشخيص والذي جاء عن ادراك ووعي لانه شعار يشخص العوامل الاولية والتي من شانها ان تساعد على تثقيف اي مجتمع، فالحالة الاقتصادية تضع الخبز في المفاضلة لاشباع الشعب، يعني اعطاء الاولية لرفع الحالة الاقتصادية للفرد الواحد وانتعاشها في المجتمع، لأنها من الاسباب ما تؤهل الجماهير في اختياراته الثقافية وكيفية برمجة مساهماته ومن خلال اشباع بطنه وسد رمق عيشه.
فالنظام الذي يفكر من اجل البناء والرقي لشعبه يجب عليه ان يفكر في كيفية انعاش الظرف الاقتصادي، حكومة تولي اهمية لرفع الحيف والظلم، وهذابالطبع لا يتم ان لم يعيش ساسة هذا النظام نفس الحرمان الذي عاشه الشعب اضافة الى تجربة قاسية اكتسبوا من خلالها معرفة بمعالجة مثل هذه الامور ، طبعا هذا النظام السياسي وبمعية وزاراته ومنها الثقافة والاعلام والتي يجب الاشراف على منهجية جدولها وبرامجها النهضوية من قبل من يحمل الاختصاص في الاداب والثقافة والفنون والاعلام، هذا الاختصاص والذي هو شرط اساسي لنجاح مهمة هذه الوزارة في تشكيل هيكل اداري وفني تشرف عليه لجان من ذوي الاختصاص ومن حملة الشهادات العليا، وكل لجنة تخطط وعلى المدى البعيد خطة تقر للتنفيذ وتدعم بميزانية تساعد على تنشيط وتنفيذ برامجها، فكيف يتوافق هذا ونحن نعيش ضمن محاصصات طائفية وحزبية (هاي الك وهاي الي) يعني تعيين الاميين ومن الذين لديهم الامكانيات في (مسح الاجتاف) في المراكز الحيوية والمهمة والتي لا يستحقونها؟!!!
ان من مستلزمات المهام الاساسية لتنشيط الحركة الفنية ولا سيما في الفنون الشعبية والمسرحية هو وجود قاعات تستوعب انشطة الفرق الفنية، قاعات فيها من التقنيات الفنية المتطورة وفق تصاميم متطورة من اجهزة الاضاءة والصوت وملحقات الخشبة المسرحية من تحريك المناظر المسرحية والتي تشمل الديكور في المسرح الدوار والسينوغرافيا والتي تعوض عن ملحقات اجواء الديكور ان كان واقع الحال ديكور واقعي.
والاهم من كل هذا هو توفير ماتحتاجه العروض المسرحية وعلى ضوء تطور التقنيات الحديثة لتساعد على تجسيد العرض المسرحي بشكل يساعد المتلقي على متابعة العرض المسرحي وملاحقة احداثه لتصله فكرة العرض وفي الوقت نفسه يسجل هذا العرض تجربة نوعية متطورة للعروض المسرحية. الحث على تشكيل الفرق المسرحية ودعمها الدعم المعنوي والمادي، اضافة الى تنشيط عروضها المسرحية وزجها في مهرجانات تقام من اجل الاستفادة من عروض الاخرين والتعرف على مدى تطور الحركة الفنية لديهم ومن ثم الاحتكاك مع الفرق المسرحية للتعرف على تجاربهم والتاثر بمسيرتهم.
تشكيل لجان فحص النصوص المسرحية وبيان مدى صلاحية النصوص مراعين فيها جودة المضمون والطرح بما يحمله النص من الافكار الانسانية تساعد على نشر الثقافة وتجربة الاخرين بين افراد المجتمع وبعيدا عن الافكار المتطرفة.
تعيين الاساتذة من ذوي الاختصاصات الفنية للاشراف على المؤسسات الفنية والاعلامية، اضافة الى تعاون المؤسسات الاعلامية مع المؤسسات الاكاديمية والفنية وتوحيد جهودهم لدعم المسيرة الفنية.
دعم لكتاب النصوص المسرحية دعم مادي وفق استحقاقات كل منهم، يراع فيها درجات التقييم وكل بموجب استحقاقه الثقافي وخبرته وتجربته في مسيرة كتب لها النجاح.
دعم الفنانين المحترفين وتعيينهم في الدوائر الاعلامية والفنية من مؤسسات الثقافة والفنون، من اجل تامين تواصلهم للعروض المسرحية، وبحث سبل التعاون مابين فناني المحافظات ودعم عروضهم المسرحية، اضافة الى دعم فرق الفنون الشعبية.
بحث سبل التعاون مابين الفرق المسرحية الاقليمية والعربية من خلال اقامة العروض المسرحية في مهرجانات لعروض مسرحية متناوبة ومستمرة .
هذه الاجواء الظرفية اذا توفرت للفنان العراقي عندها ستتحقق مسيرة فيها من افاق جديدة امام المخرجين والمؤلفين لخوض تجارب مستمرة وجديدة ومكتسبه تظيف اليهم خلفية يستطيعون من خلالها المحافظة على ديمومة الاستمرارية والعمل الجاد لاحياء المسيرة الفنية من العروض المسرحية والعمل على تطويرها وفق الرؤية التي يرتئيها الفنان هدفها التغيير والتطوير.
جميع هذه العوامل والتي يجب توفيرها لا يمكن للفنان وحده ان يوفرها ان لم تكن هناك بوادر للدعم والتمويل المادي من اجل تحقيق هذه المكتسبات والاهداف التي من شانها ان تعزز المسيرة الفنية في العراق.
لقد كانت الانظمة السابقة تبحث عن قواعد وعن اسس ومن خلال اختصاصات ذوي الكفاءات العليا من الذين درسوا واكتسبوا ثقافة وخبرة وتجربة ضمن مسيرة المسرح المتطورة في الخارج، وبعد عودتهم الى الوطن طبقوا ماتعلموه واكتسبوه من خلال دراستهم في الجامعات الامريكية والروسية والالمانية وحتى الايطالية وتمخضت ابداعاتهم عم تجربة رائدة في التطبيق والبرمجة وريادة في ترسيخ مسيرة رائدة عبرت عن عمق تجربتها، فمنهم من تم تعينهم في الاكاديمية ومنهم في معهد الفنون الجميلة ومنهم في المؤسسات الاعلامية والفنية والقسم الاخر اضافة الى تهيئة الاجواء ساعدت على تشكيل الفرق المسرحية واستيعاب اعمالهم وعروضهم المسرحية في قاعات ذات مواصفات متكاملة التقنية المتطورة، ولم تكن يومذاك للطائفية والحزبية لها مساعي في التوظيف والتعيين.
كان هم المعنيين وعلى راسهم رؤساء اللجان الفنية ومؤسسات الاعلام ايجاد مساحة وقاعدة واسعة لدعم المسيرة واحياء تجربة رائدة تعمل على التغيير والتطوير وفق قاعدة انطلق منها الرواد لتعميم تجربتهم وتطبيق هذه التجربة الاكاديمية في العروض المسرحية ومن خلال تنافس شريف والذي يعمل على تقديم افضل العروض المسرحية والتي ابهرت المعنيين مما حدا بهم الى دعمهم الدعم المادي وتسهيل سبل تقديم العروض المسرحية والتي تركت بصمات من الابداع والجمالية على مستوى العروض الاقليمية والوطن العربي، وعلى ضوء جميع هذه الاجواء الايجابية والتي تهيئت امام الفنان العراقي في وقت سابق وعلى مدى مسيرة متكاملة من الدعم المادي لم ترضي رغباته وطموحاته بقدر ماكان يحاول الحصول على المزيد من الدعم ليتسنى له تقديم الافضل.
كان غايته تحقيق العروض الفنية ذات المواصفات والجودة العالية من خلال وجود تقنيات فنية لقاعات عديدة منها مسرح الرشيد ومسرح الوطني، اضافة الى المسرح القومي ومسرح الخيمة الجوال ومسرح النهرين ومسرح بغداد ومسرح دار السلام، وعديدة هي القاعات والتابعة للمنظمات الطلابية والمسارح العمالية في القطر (قاعة نقابة الميكانيك، وقاعة المركز الثقافي للمنتجات النفطية وقاعة الاقتصاديين للعروض المسرحية، وقاعة الحرية في الكاظمية اضافة الى قاعة حقي الشبلي في معهد الفنون الجميلة في الكسرة) وبعد تغيير نظام الحكم الذي حدث في العراق ماذا جنى الفنان العراقي وعلى ضوء مسيرته الجديدة؟ اضمحلت تلك المسيرة وغابت عن الوجود، وتفككت الجهود المثمرة، وغاب الفنانون عن الساحة الفنية حيث تفرق العديد منهم مابين الهجرة والاعتزال، واوصدت معظم بيبان القاعات ابوابها واصبح النظام تحت رحمة اقلام ام راس الممحاية (العمايم المزيفة) ومسحت باصابعها ماضي الفنانين العراقيين وتاهت المسيرة مابين الحلال والحرام وكل منهم (ايحود النار الكرصته)، وحل البكاء والنحيب على الحالة الماساوية التي وصل الحال لواقع الظروف الفنية والاقتصادية والثقافية والسياسية والامنية المفتعلة في العراق، ودخلت ظروفه في دهاليز مظلمة وحروب طائفية مفتعلة، والتكالب على المناصب (هاي الك وهاي الي)والامل الذي كنا ننتظره من اجل التغيير والتطوير اصبح حلما في خبر كان، وصدق المثل الذي يقول:
(مارضينا بجزة هنوب جزة وخروف).