الفنانة المتالقة والتي نبعت من ينابيع المسرح العمالي في العراق، التي اكتسبت ثقافتها المسرحية يوم كانت لا تعرف شيئا عن التمثيل، اكتسبت ثقافتها، واعطت من ينابيع عطائها فنا متميزا بحرفيته ابهرت الجمهور المسرحي بفنها، لقد جائت ساهره عويد الى المسرح العمالي في بغداد مع شقيقتها الفنانة المعتزلة سعاد عويد لتفرغها للحياة الزوجية وزوجها الفنان المرحوم جعفر عبد الرحمن، فحينما وقعت انظاري عليها وهي تحل زائرة وضيفة عزيزة على بيت االثقافي العمالي (بيت المسرح العمالي في بغداد)، لم استخف يومذاك بقدرتها الفنية ولم اشكك لحظتها بقدرتها من الوقوف على خشبة المسرح ولا من الوقوف امام عدسات الكاميرات التلفزيونية، وانما تنبئت ومع قرارة نفسي ان هذه الفتاة المملوءة القد والبشوشة الوجه، سيكون لها يوما ان تصبح نجمة لها شأن فني في مسيرة المسرح العراقي، فكانت ساهره عويد تتابع تمارين الفرق النقابية المسرحية ومن خلال زياراتها المتكررة الى البيت الثقافي العمالي ومع شقيقتها الفنانة المعتزلة فنيا سعاد عويد، فكان تواجدها المستمر في المسرح العمالي، ومراقبة التمارين المسرحية ومشاهدة الفنانين العمال من امثال النجم المسرحي المرحوم مطشر السوداني، والمرحوم قاسم باني ومدلول الفتلاوي وشقيقتها سعاد عويد وسمر محمد، والعديد من الاسماء الفنية العمالية والتي رسخت اركان واسس وقواعد المسرح العمالي في العراق بريادة وتجربته ذات المضامين الغير التقليدية والمبنية على معالجة المشاكل العمالية ومن خلال واقعهم الاجتماعي والمهني اكتسبت ساهره عويد الثقافة النظرية والعملية من قبل اساتذتنا الرواد، الفنان ابراهيم جلال وبهنام ميخائيل وجعفر السعدي وعبدالله جواد.
تواصلت ساهرة عويد ومع شقيقتها سعاد عويد على التواجد مع الفنانين العمال، وانا في وقتها كنت اراقبها وعن كثب يوم كنت محاضرا في البيت الثقافي العمالي والاستاذ وجيه عبد الغني مشرفا عاما عليه، اراقب وجهها وحركاتها وبشاشة وجهها وانا افكر مع نفسي ومتسائلا، هل انني في يوم من الايام ساستعين بها ممثلة في اعمالي المسرحية؟
ففي احدى الايام وردنا تبليغا من الاتحاد العام لنقابات العمال اننا سنشارك في مهرجان المسرح العمالي السوري في دمشق، وقد تم في يومها تكليف الفنان المخرج د . عوني كرومي على اختيار نصا مسرحيا يمثل بمضمونه نضال الطبقة العمالية في العراق ضد الاقطاع والراسمالية للمشاركة به في هذا المهرجان، وقتها انتابني الحزن والالم على ضياع هذه الفرصة مني ولاسيما وان المهرجان سيقام لجميع الفرق المسرحية لمحافظات سوريا، اضافةالى ان نوعية المشاركين في عروض مسرحياتهم كانوا من خيرة المخرجين المسرحيين السوريين واثقفهم، منهم: الكاتب والمخرج المسرحي فرحان بلبل، ود. محمد سعيد جوخدار، واخرين من رواد حركة المسرح العمالي السوري.
شاءت الظروف والخاصة بالمرحوم د . عوني كرومي ان يوفد من قبل الجامعة ومع طلبة اكاديمية الفنون الجميلة الى عمان ،ولهذا كلفت باختيار نصا مسرحيا للمشاركة به في هذا المهرجان المسرحي في دمشق، وفي مدة وجيزة لا تتعدى على الشهرالواحد تم اختياري لنص مسرحية رصيف الغضب للكاتب صباح عطوان واجريت التمارين اللازمة لذلك، بعد ان تم اختاريت من سيشارك معي في هذا العمل من الممثلين والممثلات، حيث كانت الفنانة المتالقة والمبدعة والمليئة بالعطاء الفني ساهرة عويد احدى الممثلات والتي رشحتها لاعتلاء خشبة المسرح في دمشق، لقد كانت هذه الفنانة سريعة البديهية، تمتاز بجمال رقة حركتها، وعلى الرغم من ضخامة جسدها وقصر قامتها الا انها استطاعت ان تكيف جسدها وفق مايمليه عليه دورها، ومن جانبي لقد حاولت وبكل ما املك من الجهد ان ااجعل منها ممثلة وبفترة وجيزة ومن خلال التمارين المكثفة واليومية، الى ان اطمانيت انها استوعبت الشخصية واضافت شيئا من لمساتها وابداعاتها، عندها امنت بقدرتها الفنية وتنبأت لهذه الفنانه انه سيكون لها شانا في مسيرة المسرح العراقي لامتلاكها مواصفات ومقومات الابداع والعطاء الفني والتي بذلت كل جهدها لتجسيده في حرفيتها التمثيلية، هذه الفنانة التي فاجئتنا باكاديميتها الفطرية والتي نالت اعجاب الجمهور المسرحي في دمشق واحتجاج بعض المخرجين السوريين على انها ليست عاملة وانما هي احدى خريجات معهد الفنون الجميلة لروعة وبراعة تمثيلها، انما فوجئوا عند ابراز هويتها العمالية انها عاملة، وعلى مااعتقد انها كانت من عاملات احدى الشركات والتابعة لنقابة الميكانيك.
معلمنا ستانسلافسكي، علمنا انه بالايمان نصنع المعجزات، ولهذا كانت الفنانه ساهرة عويد مؤمنة بدورها وبشخصية الام التي جسدتها من على رصيف ميناء البصرة في اضراب عماله والذي راح ضحيته شهداء تضرموا بدمائهم ومنهم ابنها الذي هلهلت لشهادته وجعلت تهوس باهزوجة هزت مشاعر الجمهور واضرمت روح الحماس فيهم، وبالرغم خوفنا من امكانية توصيل فكرة المسرحية ومضمونها لكونها باللهجة الشعبية البصراوية الا ان حمهور سوريا استوعبها واستطاعت هذه الفنانه وبقوة ادائها ان توصل الثيمة الرئيسية الى المتلقي بحالة من الابداع والتالق. لقد ابدعت الفنانة ساهرة عويد في تجسيد شخصيتها في مسرحية رصيف الغضب وزاد تالقها اكثر ابداعا من ردود فعل الجماهير السورية والمحتشدة على جانبي القاعة وقوفا، حيث حصدنا في هذا العمل جائزتين الاولى عن الاخراج والاولى عن التاليف، حيث كتبت صحيفتا الثورة السورية وصحيفة تشرين تقييمهما عن العمل وتناولت ابداعات ممثلينا وممثلاتنا من العمال والعاملات واشادتا بقوة العمل في الاخراج والتاليف، اضافة الى جمالية في تصميم الديكور والاضاءة والموسيقى التصويرية، والذي زاد من استغرابنا تهافت الجماهير الى مقدمة المسرح لمصافحة ممثلينا ولاسيما الفنانة سعاد عويد وشقيقتها الفنانه المبدعة ساهره عويد، لقد اعصفنا الجمهور المسرحي في دمشق عاصفة من التصفيق تعبيرا عن اعجابه بهذا العمل وتالق الفنانتين سعاد عويد وساهرة عويد في ادائهن وعطائهن الفني، كان دعم هذا الجمهور للعرض المسرحي دعما لا يوصف ولاسيما الفرق العمالية المسرحية في سوريا واخص بالذكر المخرج فرحان بلبل والمخرج عصمت هلال والفنانين المحترفين فائق الزعيم وصبحي الرفاعي، والذين كرمونا بباقات من الازها تعبيرا عن اعجابهم باداء الفنانه ساهرة عويد وبعطائها الفني وهم لم يصدقوني في وقتها بانها لا تملك شهادة فنية بقدر ماهي ينبوع من ينابع المسرح العمالي، والتي فيما بعد توجهت للتسجيل في معهد الفنون الجميلة ونيلها شهادة الاختصاص لتضيف الى ثقافتها ثقافة اكاديمية زادت من خلفيتها الثقافية لحرفيتها المسرحية.
الفنانة ساهرة عويد تمتاز ببشاشة وجهها وطيبة قلبها وعلاقتها الانسانية التي امتازت من خلالها متاثرة بالافكار الثقافية بعد تخرجها من معهد الفنون الجميلة واطلعت من خلال دراستها الاكاديمية على انواع المذاهب المسرحية والفكرية ومن خلال تلمذتها على ايادي الاساتذة من ذوي الاختصاص المسرحي والذين لم يبذلوا جهدا في تعليمهم لكونها كانت ممثلة جاهزة استطاعت ان تستولي على اعجاب اساتذتها في المعهد واعجاب زملائها الطلبة من دورتها. لقد تخرجت هذه الفنانة المبدعة ونالت شهادتها والتي اهلتها ان تقف مع صفوف كبار الممثلين والممثلات العراقيات وان تساهم في تحريك عجلة ومسيرة المسرح العراقي.
ان الفنانة ساهرة عويد ترعرعت بين احظان القيم الانسانية والحياة الاجتماعية التي منحتها العطف والحنان وعاشت حياتها مع شقيقتها الفنانة المعتزلة سعاد عويد وزوجها الراحل الفنان المرحوم جعفر عبد الرحمن. لقد كبرت الفنانة ساهرة عويد وكبر اسمها الفني، وبقيت على تواضعها الذي اضاف قيم لصفات الفنان النموذجي، بعكس الذين يرون طولهم اطول من غيرهم ولذالك سقطوا وسقطت اسمائهم معهم، انما هي بقيت كما عهدناها، ليست انانية، وليس لها من التعالي بقدر ماهي تتمتع بمحبة للاخرين بقدر لا يوصف، متفائلة دائما ومستبشرة بالخير لجميع زميلاتها، نقية بنقاوة مسيرة المسرح العراقي، ولهذا تنفست من انسامه وانتشت بنشوة رائحة الرواد، انها فنانة شاملة تؤمن بموهبة الفنان الفطرية وانما تحبذ صقل هذه الموهبة بالدراسة والاكتساب الثقافي، وهي تتسائل في بعض الاحيان وبحيرة المتسائلين عن بعض الذين يحسبون انفسهم فنانين والفضيحة الكبرى حينما يتعرون ومن خلال لقائات تلفزيونية او صحفية ليعبروا عن فراغهم الثقافي وعن تداعياتهم اللا وجود لها وكما حدث مع بعض المدعين بانهم يملكون مالايملكون من الثقافة والاكتساب الفني وانفضحت مسيرتهم والمبنية على التداعيات الوهمية، ومما يؤسف لهم مثل هذه البضاعة الرائجة اليوم والمدعومة من قبل بعض المنتجين مثلهم كمثل اولئك المدعين الفارغين، ولهذا (عن لسان الفنانه ساهرة عويد) ابتعدت عن قبول بعض الاعمال الهابطة والتي لا يرتقي مستواها الى الطموح المنشود.
وقد صرحت الفنانه الملتزمة بخطها العام والذي اعتبرته منهاج عمل لمسيرتها بانها لا تفرط بنجوميتها وتسير مع الذين لا يعيرون اهمية لمستواهم الفني الهابط بعد ان ضحت براحتها وبصحتها من اجل الحفاظ على هذه النجومية، صريحة بارائها وجريئة بنقدها وتقييمها، لا تجامل وعلى حساب خلق علاقة هشة مبنية على الزيف والدجل، ولهذا عاهدت نفسها على ان لا تخطو اية خطوة مالم تحسب لها الف حساب من خلال النقد الصريح وتقييم الجودة ان صادفها ولن تتاخر عن دعمها المعنوي وتشجيعه، في نقدها تجد البدائل والتي من شانها ان ترتقي بالمستوى الفني وبموجب ماتراه مناسبا ومن خلال رؤيتها الفنية الناضجة، لا تتوانى عن قول الحق وهذا ماصرحت به ومن خلال برنامج (بين كاظم وباسم) التلفزيوني، حيث قالت وبالعبارة الصريحة: انني اامن ايمانا كليا بان لكل فنان بصمة تميزه عن باقي زملائه من الفنانين، وهذه البصمة والتي لا تاتي الا من خلال المشاهير من النجوم من امثال المرحوم الفنان الرائد خليل شوقي وزينب وناهدة الرماح، اما رايها عن بعض النجوم فانها تحترم الذي يحافظ على نجوميته وتعتبر الفنان بهجت الجبوري بصمة من بصمات الابداع والتالق والعطاء الثر، لا يعجبها الابتذال، ولا يعجبها الذين يسيئون الى الفن بذرائع كثيرة، ان استمعت الى لكنتها الشعبية تستانس لها، وان جذبتك احاديثها فهذا لا غرابة فيه، انها فنانة من الفنانات اللاتي وصلن الى النجومية وباستحقاق، لقد ابهرت جماهيرها باعمالها المسرحية والتلفزيونية منها مسلسل الشيطان في قلب امراة، وبنت المعيدي، وسنوات النار، ودار دور، وهذا هو الحب، وبيت الطين، والشوارع الخفية، لقد اجادت ادوار الامومة ولاسيما الام الشعبية في مذكرات شهيد باداء يشوبه حرفية التمثيل معبرة بمشاعرها الانسانية والمتجسدة باحاسيس صادقة وبجمالية التعبير والمرسومة على وجهها، ونبرات صوتها والتي احكمت تكييفه وفق متطلبات شخصيتها وفق البعد الطبيعي للشخصية معبرة بهذا عن ثقافتها وحرفيتها، انها مؤمنة بان على الفنان الاكاديمي ان يستخدم صوته وجسمه كسلاح في التعبير والتجسيد، والملاحظ انها في الوقت الحاضر قللت بمشاركاتها الفنية وبالرغم من العروض الهائلة والتي عرضت عليها الا ان ايمانها بان على الفنان ان يبني سيرته الفنية من خلال اعمال تليق بنجوميته وتعبر في الوقت نفسه عن طموحه الفني وعن مستواه الثقافي، ورايها بالدراما العراقية وعلى ضوء الظروف الامنية والغير المستقرة تقول: ليست وكما كانت في عصور ذهبية تالق من خلالها الفنان العراقي (الكاتب والممثل والمخرج) ولاسباب توعزها هذه الفنانة المبدعة والتي عبرت عن صدق ارائها ومرارة مشاعرها من ان الساحة الفنية قد خلت من الفنانين المبدعين ولاسباب تشخصها اما لرحيلهم عن هذا العالم الى مثواهم الاخير، واما هجرة معظمهم لاسباب اقتصادية وامنية، واضافت ايضا والالم يعتصرها وهذا مانشرته في بعض الوسائل الاعلامية المقروءة، واحاديثها ومن خلال العديد من اللقاءات التلفزيونية على ان المواضيع التي طرحت عليها لبعض المسلسلات التلفزيونية والنصوص المسرحية دون الطموح من حيث المضامين مقارنة مع زميلاتها من الدراما الخليجية والسورية، وهي متالمة لهذا الواقع الاليم لما وصلت عليه الدراما العراقية ولا سيما من بعد 2003 ، فهي وبالرغم من الظروف المادية التي تمر بها الا انها تابى المشاركة في اعمال لا ترتقي الى نجوميتها وحرفيتها والتي تفتخر بها، وهي تاسف لهذا السبات الذي اصاب الفن وتوعز اسبابه الى عدة عوامل منها:
ان بعض الطارئين على الفن ومن الذين يمتلكون اخلاقيات لا تسمو الى النزاهة لاستغلالهم لبعض النفوس الظعيفة والمبتذلة لتقديم اعمال هزيلة لا تستوي مع الطموحات الفنية مقارنة مع ماقدمته المسيرة الفنية في العراق ابان الاحقاب الزمنية الماضية، اضافة الى هذا فقد صرحت عن اسباب ركود الدراما العراقية وهبوط مستواها الفني لاشتراك الذين لا يملكون من الحرفية الفنية والاستعانة بهم في المشاركات الهابطة لقاء اجور قليلة مما شجع المنتجين على الاستعانة بهم، الا انها مستبشرة بالخير ومتفائلة من ان مستقبل الدراما العراقية ستعود الى امجادها وكما كانت في المسلسلات العديدة منها النسر وعيون المدينة بجزئية، ومسلسلات تحت موس الحلاق، اضافة الى عودة كتاب الدراما العراقية من كتاب النصوص الجيدة بعد ان تستقطبهم الاجهزة الاعلامية وتدعمهم الدعم المعنوي والمادي.
واخيرا هي تؤمن بان على الممثل ان يهتم بشخصيته المسرحية، وان يدرسها دراسة وافية ومن ثم يبدا بتحليلها وايجاد الابعاد الثلاثة منها البعد الطبيعي والبعد النفسي والبعد الاجتماعي، ليتسنى له الاداء الجيد والتجسيد الحقيقي والتعبير عن هويته الفنية من خلال ماسيقدمه من حرفية التمثيل، وهي تؤكد على دراسة الشخصية وايجاد علاقتها مع مثيلاتها من الشخصيات في المشهد الواحد، والتفاعل وبموجب معطيات الشخصية ومعالمها المرسومة بدقة من قبل المؤلف، وهي تسعى جاهدة في ايجاد الابعاد الثلاثة وتراها من الظروريات للفنان الممثل والمعتمدة على دراسة الشخصية دراسة وافية وفق ابداعات ومعطيات فنية لايمانها بانها هو الطريق الوحيد للحرفية الاكاديمية والتي من خلالها ستمكن الفنان من ان يتالق وان يبدع وان يعطي استحقاقات اسمه ونجوميته التي يبنيها من خلال سعيه الى الشهرة الفنية. تبقى الفنانة الاكاديمية والممثلة القديرة ساهرة عويد نجمة من نجوم سماء الفن العراقي، وشخصية تحمل في ذاتها المحبة والمشاعر الانسانية لتبني علاقات ذات خصوصية يمتاز بها الانسان الفنان، كونه ينبوع العطاء والذي لا ينضب.