تعلمنا على ان الفن هو محاكات للطبيعة، وانما كيف؟ قد لا نعلم تفاصيل هذا التعريف والذي يدخل في شروحات عديدة، فلربما نجد صعوبة في كيفية تفسير هذه المحاكات للطبيعة.
ماقبل الميلاد، اي بمليون سنة او اكثر، اي في العصر الحجري يوم كان الانسان معتمدا في التعبير عن احتياجاته الذاتية بالصوت والحركة، فالصوت بنبراته المختلفة يجسد حالات الانسان النفسية من ردود افعاله وكل فعل له حالة من حالات التعبير النفسي كالرعب والخوف). فالصوت المرعب ايضا له مصادره المختلفة منها الطبيعية والذي يصدر عن الطبيعة كاصوات الزلازل والبرق والرعود وانفجار البراكين وغيرها) او عن طريق الحيوانات المفترسة (كصوت الزئير وعواء الذئاب واصوات الدببة واصوات الطيور الجارحة والخ)، اما الاصوات الهادئة والتي يعبر الانسان من سماعها عن حالات الطمأنينة والراحة النفسية (كاصوات البلابل، وهديل الحمام، وهفيف الاشجار والتي تشترك مع الرعب في حالات السكون، وهدير الشلالات المخيفة ايضا، فهناك من يستأنس لاصواتها ولجمال مناظرها او ينتابه الرعب والخوف حين سماعه لها، وكذالك اصوات العواصف وهبوب الامطار وهبوب الرياح القوية، وهذه الاصوات ايضا جميعها تشترك بردود افعال منعكسة ومزدوجة مابين الرعب والارتياح)، هذه الاصوات التي لم يتقبلها الانسان الحجري في يومها (المرعبة) لكونه لا يعرف تفاسيرها ولا يعلم كيف يسد نفسه من وقاء خطورتها، مما دفعت بالانسان الحجري حين سماعه لها بالاحتماء في الكهوف والمغارات خوفا من مخاطرها ولاسيما البراكين والزلازل والتي يذهب ضحيتها هذا الانسان فيما اذا تطايرت معادنها المنصهرة واغلقت منافذ كهوفهم ومغاراتهم، وقد ينجو من استطاع الجري وبكل ماأوتي من القوة لينقذ نفسه من الهلاك والموت، وهنا ايضا اتسمت حياة الانسان الحجري بالحركة، فهي سمة من سمات حياته، اضافة الى الاصوات والتي كان يعايشها منها، المرعبة والمستأنسة باصواتها.
اذن، من هنا علمنا ما لاهمية الصوت عند الانسان الحجري وردود افعاله للحفاظ على امنه وحياته، وكل من هذه الاصوات لها لغتها الصوتية الخاصة بها يستدل الانسان منها عن خطورتها او استئناسها انذاك.
اما الحركة فتاتي بالنسبة للانسان الحجري مصدر انقاذ له من كوارث الزلازل والهروب من مخاطرها بالجري والهروب الى اماكن امنة، وكذالك الهروب والجري من مجابهة الحيوانات المفترسة، وهذه الحركة الجسدية ايضا لها مقوماتها الجسدية من قوة عضلات الساقين واليدين مما كان يستغلهما الانسان في الدفاع عن نفسه امام غرمائه من الذين يهجمون عليه للاستحواذ على ممتلاكاته كالطعام والاناث من النساء، اما الكهوف التي كانوا يسكنونها بشكل جماعات كروبات فكانوا يتعاونون فيما بينهم في الدفاع عن هذا الكهف ليأمنون شر مخاطر الحيوانات المفترسة، ومخاطر الهجوم من بقية جماعات غرباء عنهم طمعا لما يملكون، لذا كانوا يعملون على سد منافذ كهوفهم بحجارة كبيرة لا يستطيع العدو اختراقها في حالة نومهم.
وانا في بحثي هذا اجد نفسي امام عالم غريب الاطوار، عالم جاهل ومتخلف، انما هو متطور تطورا نسبيا مقارنة مع الماضي من تاريخ عصرهم انذاك من مرحلة العصر الحجري، ويعود اسباب هذا التطور النسبي في اعتمادهم على الزراعة، واكتشافهم كيفية تحضير الوقود وصناعة الملابس من الجلود المتيسرة لديهم والتي يحصلون عليها من صيد الحيوانات.
اذن كيف نعلل بان الفن هو محاكات للطبيعة؟
1.اولا-- يعتمد الفن على تحريك المشاعر الحسية والاحاسيس الداخلية للمتلقي حينما يستقبل الافعال الخارجية، فينتج عن هذا المحرك ردرد افعال انعكاسية للمتحرك، فالمحرك هو الفعل الخارجي والذي يصدر من المحرك باتجاه المتحرك ليؤثر في احاسيسه ومشاعره، فالفعل الخارجي وكما شرحناه سابقا هو مصدر الخوف والرعب ليصدر عن هذا الفعل الخارجي المرعب عملية الاحتراز والحيطة والحذر لدى الانسان، وهذا هو موجود عند المتلقي الاعتيادي في حالة الفرجة على مايعرض له من خلال المسرح.
2.ثانيا-- يعتمد الفن على الاحداث التي تحرك المتحرك من مشاهدة المخاطر كالزلازل والبراكين وهجوم الحيوانات المفترسة والكاسرة والتي تتواجد في الطبيعة، فاذا الطبيعة مليئة بالاحداث والتي تحرك المشاعر والاحاسيس الداخلية ايضا للمتحرك لينتج عنها ردود افعال انعكاسية تساعده على الترقب والشد باتجاه الحدث ومن ثم ايضا تساعده على متابعة الاحداث والتي قد تنتهي باحدى الحالتين، اما ماساوية او مفرحة، وهذا ايضا موجود في عالم المسرح.
3.ثالثا-- يعتمد الفن على البهرجة من الالوان وعلى الاشكال المجسمة للديكور والذي يصمم من قبل مصمم الديكور، وهذا الاخير يقتني الوانه من الطبيعة ومن مجسمات التضاريس الطبيعية والموجودة نتيجة تفاعل التضاريس الارضية مع عوامل الطبيعة المحركة لاشكالها الطبيعية لتغير من معالم المتحرك الطبيعي الى اشكال اخرى في جمالية تتسم بالطبيعية ايضا ومتاثرة بفعل المحرك الطبيعي ايضا (كالامطار والعواصف الرملية والثلجية) لياخذ نتيجة هذا الفعل المحرك اشكالا طبيعية غير ثابتة ايضا.
4.رابعا-- الالوان الطبيعية والموجودة في الطبيعة من الوان الاشجار والنباتات والازهار، اضافة الى الوان مياه الانهار والبحار، وزرقة السماء، والوان الطيور المختلفة بريشها، وكل معلم من معالم الطبيعة والتي تحمل في خصوصيتها الوانا تميزها عن اقرانها من كينونات الطبيعة، جميع هذا له محاكاته على المسرح، ولكل شكل او لون له رد فعل خارجي يحرك المتحرك لينتج عنه رد فعل انعكاسي باحاسيسه وبمشاعره، وهذا مانسميه بالمحرك الخارجي للانسان، وبمثله منقول على المسرح كمحاكات للاصل من الطبيعة ليفعل مفعول المحرك للمتحرك (المتلقي) اي الجمهور المشاهد للعرض المسرحي.
5.خامسا-- الاصوات والمؤثرات الطبيعية والموجودة في الطبيعة، انها اصوات تعبيرية ورمزية في الوقت نفسه فعند محاكاتها على المسرح ستؤثر في المتحرك (الجمهور) نتيجة تلاحمها مع الديكور والالوان لتجسد من خلال محاكاتها على المسرح تحريكها لمشاعر واحاسيس المتحرك (المتلقي) وهذه بالطبع نستقيها من الطبيعة كمثل اصوات الامطار، وهفيف الاشجار، وجريان الانهر، وهطول الامطار --- الخ، هذه الاصوات تلعب دورا في تحريك المتحرك ليتفاعل مع الافعال الخارجية مستحضرا من خلال هذا التفاعل ردود افعال انعكاسية تساعد على تجسيد المشاهد المعروضة من على المسرح في العروض المسرحية، وبعدها حاكى الفنانون من بعد تطور الحقبة الزمنية وعملية التواصل والاعلام فيما بينهم، حاكى لغة المخاطبة من خلال بعض الاصوات والتي كانت ترسل من نفخهم بالابواق لتصدر اصوات خاصة وهي في الوقت نفسه اعلام عن حدوث كارثة او اخذ الحيطة والحذر من حدوث كارثة، او التحذير من هجوم حيوان مفترس او هجوم العدو على تجمعاتهم -- الخ. فانتقل بمحاكات استعمال هذه الالة واستخدامها على المسرح لكون استخدامها اصبح من مقومات وجمالية العروض المسرحية (الموسيقية)، وبعدها تعددت وسائل المخاطبة وتنوعت، كالطبول (الايقاعيات) والوتريات بعد استخلاصها من شعر ذيول الخيل، وجلود مصارين الحيوانات.
6.سادسا-- الاضاءة الطبيعية والتي استخدمت مابعد حقبة من الزمن في المسرح الاغريقي واليوناني، والتي مصدرها الشمس في النهار، والنجوم والقمر في الليل هذا المصدر الطبيعي ساعد على معرفة اهمية الاضاءة الطبيعية للمسرح ومن ثم تطورت الى استغلال القناديل الزيتية ومن ثم الغازية ولخطورتها استغني عنها وذلك بعد الميلاد اي في عصر النهضة في المسرح الفرنسي.
اذن من خلال هذا الاستعراض نحن استخدمنا استخداما مجازيا من المتحركات الطبيعية من (اشكال الديكور، والوانه، ومؤثرات الاصوات الطبيعية والموسيقية ايضا والتي استخدمناها على مسرحنا لتساعد على تجسيد عرضنا المسرحي، وهذه الاصوات هي رموزا تساعد المحرك على اتمام الصورة المتجسدة على المسرح لتعمل فعلها المحرك للمتحرك اي (المتلقي).
قد يتبادر الى ذهننا اسئلة عديدة ومنها، كيف كانوا يتعايشون فيما بينهم؟
وباية لغة كانوا يتجاذبون اطراف الحديث للتعبير عن مشاعرهم واحاسيسهم في الرفض والقبول، ولا سيما في وقتها كان التنفافس على كيفية اصطياد الحيوانات للاستفادة من لحومها وجلودها وبالطبع حصة الاسد تكون للاقوى من بينهم؟
اضافة الى هذا، كانت المراة مشاعة في حينها بين الرجال، الا قلما ندر ممن كان يسيطر على بعض النساء الجميلات، ويتخذ منهن خاصية له، اذن كيف كان يتم لهم هذا وباي لغة كانت سائدة يوم ذاك فيما بينهم للتعبير عن الرفض والقبول؟
هنا تلعب الاشارة المتفق عليها والمتداولة فيما بينهم، سواء كان ذالك بالصوت اللفضي البسيط والمحاكي لاحدى الاصوات الطبيعية (كان يكشر عن انيابه ويصدر عنه صوت زئير الاسد للحد من تصرفاتهم والغير المقبولة، او بحركة اليد او العين او القدم او اي شيىء مما يتيسر بين ايديهم انذاك من وسائل التعبير عن رفضهم او قبواهم، ولهذا فان بعض الرموز والمحاكات للطبيعة في وقتها اقتناها البعض بعض هؤلاء الاقوام الحجرية، ان كان بالرسم المعبر او بالصوت والصادر من الات النفخ والتي كانوا يصنعونها بايديهم لمثل هذه الاحتياجات للتعبيرعن الحالات الظرفية الغير الحميدة والتي كانت تداهمهم من بعيد او من قريب لتلافي اخطارها.
فاذا بحثنا عن اصل الدراما بالمفهوم البدائي، لوجدنا ان تفاصيل مقوماتها متوفرة في طبيعة الانسان الحجري من الحزن والفرح والميلودراما (اي يجمع مابين الاثنين)، وهذه الحالات سائدة فيما بينهم معتمدة على بعض التجاذب والنفور والسائدة والمشتركة فيما بينهم انذاك، فنحن في وقتنا الحاضر نعتمد التراجيديا والحالات الماساوية ليس كمثل اعتماد الانسان القديم على مثل مانعتمده نحن في حياتنا الواقعية ولاسيما الاجتماعية والطقسية بالذات من العادات والتقاليد التي نعيشها، لان الفرق مابين المرحلتين (العصر الحجري ومرحلتنا المعاصرة) فرق شاسع من حيث اسلوب التعبير والمشاركة والرفض. فمثلا قتل الانسان يومذاك كانت حالة اعتيادية دوافعها تنبع من الانا الذاتية للاستحواذ على مقتنيات غيرهم ومن دون الشعور بالحزن والمأساة والندم على فعلتهم في ارتكاب مانسميه في وقتنا المعاصر بالجريمة، يرتكبون مثل هذه الافعال المجحفة بحق الانسان الضعيف ومن دون اكتراث لنتائجها، كونها يومئذ تعتبر نوعا من انواع الفخر والاعتداد بالقوة.
من هنا يتبين لنا ان عوامل التعاطف والتجاذب الاجتماعي معدومة لديهم لكون الانا تتغلب على الذات في تعاملاتهم فيما بينهم، فالانسان الذي يموت يحرق، او يترك فريسة سائغة وحتي الجريح منهم يرمى في داخل حفر عرضة للطيور الجارحة، وطعاما للحيوانات المفترسة ومن دون اكتراث لنهايته المأساوية.
اما الكوميديا اي التعبير عن حالة من حالات الفرح الذاتي فكانت موجودة فيما بينهم، وهذا ياتي نتيجة الانتصارعلى خطر محدق بهم، مما يدفعهم الى الفرح والسعادة ولاسيما في انتصارهم على ملاحقتهم لحيوان ما يرغبون في صيده، او مقاومتهم لحيوان مفترس يروم افتراسهم حيث ينتهي دفاعهم بالانقضاض على هذا الحيوان المفترس والانتصار عليه، وينتهي هذا الانتصار بالسعادة والفرح الجماعي والذي يرتسم على وجوههم.
من هذا يتبين لنا ان عنصرين من عناصر التعبير الذاتي هما موجودين عند الانسان القديم، اولهما حالة التعبير عن الخوف والرعب، والثاني، حالة التعبير عن الفرح والسعادة، وبالطبع هذين الشعورين ينبع من ردود الافعال الانعكاسية من داخل الذات للانسان والاحاسيس التي تتملكه وفق الحدث الذي قد يعتريه في وقتها، وانما لنسأل انفسنا ماهي اسباب هذا التعبير الحسي للانسان؟
اهو نتيجة ردود افعاله ضد الاخطار الطارئة والتي هي خارجة عن ارادته وكيانه، اي انه الحدث الذي يطرأ عليه من حالات الاخطار والتي ترعبه وتؤدي به الى الاضطرابات النفسية والقلق والخوف والرعب؟
ومثل هذه الحالات تجعله في حالة الترقب والتوتر والمتابعة لصد الاخطار عنه وهي ايضا تخلق حالة من حالات التشويق والشد العصبي نتيجة لهذه الحالات المرعبة، وهي حالة موجود في عروضنا المسرحية.
اذن عوامل الدراما ومقوماتها موجودة في الطبيعة (المحرك اي الفعل الخارجي) وعند الانسان ذاته (المتحرك رد الفعل الانعكاسي من المشاعر والاحاسيس)، تبقى عملية الانبهار والاعجاب بالمناظر المتواجدة في الطبيعة والتي قد تعجب انسان العصر الحجري ومن خلال هذا الاعجاب يبدأ بمحاكاتها لينقلها، كرسم معالمها ان كانت تظاريس اراضي الجبلية او اراضي سهلة ومنبسطة، والغابات باشجارها الكثيفة، وحيواناتها الاليفة والمفترسة وطيورها الجارحة والاليفة، انما تبقى حالة من حالات التعبير اللغوي والذي يحتاجها الانسان للتعبير عما يخالجه فهذا المفصل المهم من حياة الانسان الحجري كان يعبر عنه بمحاكات الصوت وتقليده، وبحركة الجسد ليعبر عما يحتاجه.
ومن هذا المنطلق اخذ الانسان في العصر الحجري والعصور المتلاحقة يحاكي الاصوات ويقلدها ولاسيما الطبيعية كالزلازل والراكين واصوات الرعود والامطار واصوات الحيوانات المفترسة وتقليده لها صوتيا وجسديا في التعبير عنها، عندها يفهمها الانسان المتلقي ويتحاشى مخاطرها.
تابعونا في الاسبوع القادم...
اذن هنا توصل الانسان الى محاكاة بعض من الظواهر الطبيعية وتقليدها ومحاكاتها ضمن اشكالها الحقيقية والواقعية مستعينا بالطبيعة الخلابة لينقل عنها الالوان والاشكال والاصوات والاحداث ليقابلها بالمشاعر الحسية والمتابعة والترقب ورصد حالات الخوف والرعب لينتج عنه ردود افعال انعكاسية لمقاومتها والابتعاد عن مخاطرها.
(ورد في شرح مافاتنا من الموضوع (المحرك والحركة والمتحرك) وهنا ساتي على تبسيط هذه التعاريف ليتم فهمها).
لنلاحظ عملية انفجار البراكين والتي تنتج عن تفاعل انصهار المعادن في داخل الاراض الجبلية واحتباس الغازات المحصورة والتي تجد لها منفذا تنفجر من خلاله بحركة عاصفة وقوية ومع تتطاير النيران المستعرة والمعادن المنصهرة والتي تعالت بامتداد علو السماء مع حدوث اصوات مرعبة والوانها الحمراء الداكنة والبنية والوردية والصفراء، لاحظ هنا (الصوت والحركة كرد فعل خارجي واللون والشكل) ورد فعل هذا المحرك على المتحرك (الانسان) في العصر الحجري، والذي يومها لم يكن يعلم شيئا عن الوقاية من اخطار انفجار البراكين لتحدث الماساة، اما بموته او بتشوهات جسده، واخيرا تكون نهايته الموت، هذه العملية والتي كانت تنقل احداثها عن طريق من شاهد مثل هذه الحالة من ذالك العصر الى الذي لم يكن شاهدا على مثل هذا الحدث (الراوي) فكيف سيتمكن هذا الراوي من نقل احداث الانفجار ومحاكاته الى المتلقي بصوته وانفجاره وتضخيم الحدث وتقريب احداثه للمتلقي واثارة الرعب فيه؟
فكان يسود نقل هذا الحدث من قبل الراوي عوامل عدة من الشد والتشويق والتهويل والرعب باصدار الصوت ومحاكاته، بل باشد مما هو عليه، لاثارة الرعب لدى المتلقي وخلق عملية الشد والتشويق للحدث المنقول ليزيد من تمتعه ليتعاطف مع الراوية في متابعة ماينقله من الصورة الحسية لذالك البركان ليجعله يعيش الحدث --- فنلاحظ من هذا انه لدينا ثلاثة اصناف لنقل الحدث وهي: الفعل والمحرك والمتحرك.
فالفعل هو ناتج عن خارج ارادة الانسان، اي فعل خارجي من واقع الطبيعة (البركان) والمحرك للفعل هو الراوي والذي ينقل الفعل، اي يروي كيفية انفجار البركان، والمتحرك هو المتلقي والذي تحركت مشاعره وردود افعاله نتيجة المحرك له فاصبح كائنا متحركا بفعل المحرك والذي تحرك بنقل الفعل الاصلي (الحدث) اي الانفجار، والمحرك لهذا الفعل هو الراوي (المحرك) والذي يروي كيفية انفجار البركان، والمتحرك هو المتلقي والذي تحرك بمشاعره وردود افعاله نتيجة المحرك له فاصبح كائنا متحركا بفعل المحرك والذي تاثر بردود افعال الفعل الخارجي (الحدث والذي هو الانفجار).
اذن من هنا ومما ذكرنا، علمنا بأن هذا العصر هو العصر الحجري ماقبل الميلاد والذي يتمثل بحياة الانسان على الارض منذ مايقارب المليونين او المليون سنه تقريبا ماقبل الميلاد، ولم يعرف عنه شيئا الا بفعل استنتاج بعض علماء الاثار من اكتشافات بعض الاثار الموجودة في حوض البحر الابيض او في فرنسا او في بلاد مابين النهرين.
فالعصر الحجري اعتمد فيه الانسان على الحجارة وصنع منها منحوتات جميلة تفنن بها من خلال صناعة السكاكين والسيوف والرماح لاستعمالها في الصيد وللدفاع عن نفسه، وكذالك اصبح يتفنن في جمالية هذه الصناعة باشكال نافست الاخرين، بحيث اخذ يتفنن بصناعتها مراعيا جمالية الصنع باشكال نافست الاخرين في صناعتها، واخذ يحاكي الطبيعة باضفاء بعض الالوان عليها، اضافة الى محاكات اشكالها يختارها من واقع الطبيعة، اضافة الى الرسم وفن النحت، حيث اقتنى انسان العصر الحجري من صخور الطبيعة انواعا مختلفة من الاسلحة ليدافع عن نفسه من خلال الاحجار المدببة الرؤوس، وكذالك صنع من انصهار بعض المعادن رماحا وسيوفا، وغيرها من مختلف الاسلحة الحادة لاستخدامها في حياته الواقعية الاجتماعية في تقطيع اللحوم واغصان الاشجار وكذالك في الطهي .
اذن من هذا التاريخ اصبحت ظاهرة الراوي مالوفة لدى انسان العصر الحجري لرواية الاحداث (الانفجارات البركانية والهجوم على الحيوانات المفترسة والمعارك والتي كانت تحدث فيما بينهم) وكذالك فن التشكيل والنحت، والتي تجسدت في العديد من الرسومات التي كانت تحاكي الطبيعة وبما فيها من الاشكال والالوان، اضافة الى ظهور فن النحت في داخل الكهوف الطبيعية والتي صنعتها الظروف الطبيعية من الامطار وجريان سيولها، وهبوب الرياح المحملة بالرمال، بحيث اصبح الانسان يحاكي اشكالها على ارض الواقع ويتفنن بنحت جدران الكهوف، وتجميلها بالرسومات والرموز التي يستمتع بمشاهدة مناظرها، اضافة الى الصناعات الجلدية اليدوية ومن اغصان واوراق الاشجار لاستخدامها في كساء اجسادهم اضافة الى صنع مايحتذونه في اقدامهم من الشحاطات، وكذالك التفنن في صناعة المشاحيف النهرية والتي كانت تسهل عليهم صيد الاسماك.
فنستنتج من شرحنا هذا ان الطبيعة كانت متجسدة بجمال روعتها، باشكالها والوانها وباحداثها، ولهذا بعد مضي فترة من التاريخ اي مابعد العصر الحجري، عندما تطورت الحياة تطورا نسبيا اخذ الانسان بالاعتماد على محاكاة الطبيعة في صناعة احتياجياته، اضافة انه بدأ يستانس بجمال مايشاهده ويحاكيه من جمال المنظر الطبيعي وينقله على جدران كهوفه-- ضمن هذه الظروف التي كان يعيشها اصبح لزاما عليه تقليد بعض الاصوات والتي كانت تعيش في حياته كمثل اصوات الحيوانات المفترسة والطيور الجارحة والمؤثرات الصوتية للبراكين والزلازل، فلم يبقى عليه الا استخدامها وذالك بتقليدها ومحاكات اصواتها خدمة له ، ولهذا صنع بعض الابواق والالات الموسيقية والتي اعتمدت على النفخ وعلى جلود الحيوانات في صناعة اوتارها، ولا سيما في بلاد مابين النهرين، فضمن هذه الحقبة الزمنية، اصبحت للموسيقة مكانة رفيعة عند المجتمع ماقبل الميلاد ولا سيما عند الاغريق واليونان، والحضارة البابلية والفرعونية، وبعدما عرفت الكتابة وتدوين بعض الرقم الطينية بلغات كان اعتمادهم عليها، اي ماقبل ظهور اللغة المسمارية والتفنن برسم اشكال حروفها ورموزها اعقبتها اللغة التشكيلية من رسم حروف جميلة واعتمادها في الكتابة وتدوين بعض القوانين، وكما كانت في مسلة حمورابي، وهنا ايضا ظهرت فنون الدراما بعدما احتاجتها شعوب عاشت على طقوس الديانات الوثنية من تجسيد حكايات اساطيرملوكها، عندها تبلور الفن باشكاله المعهودة (التمثيل والرسم والنحت) فقد ركزت شعوب اليونان والاغريق على القاء القصائد الشعرية وعن طريق شعرائها انذاك من (اسخيلوس وسوفوكليس وهوميروس) وكذالك اشتهرت في حينها الرسوم التشكيلية للاستعانة بها لتجسيد اماكن الحدث في القصيدة الشعرية، وبعدها اعتمد البابلون على الفنون التشكيلية وعلى الترانيم الطقسية في معابدهم لتمجيد الهة اشور وبابل، اضافة انهم اعتمدوا على تجسيد بعض الرموز لتجسد قوة ملوكهم، ومازالت اثار نينوى المسروقة وبابل شاهدة على ذالك، ولاسيما في بابل المدرجات للمسرح البابلي، وهكذا كان الامتداد للفنون الجميلة بانواعها المسرح والنحت والتشكيل والموسيقى من بداية العصر الحجري والى العصر البابلي والاشوري، معتمدين بذالك على الطبيعة ومستلهمين منها جمالية التعبير وعن طريق المحاكاة للطبيعة ونقل مفاتن جمالها الى الحياة الواقعية المعاصرة، اي مابعد العصور الحجرية والعصور اليونانية والاغريقية والبابلية والاشورية والفرعونية والفينيقية وما بعدهم، اي مابعد الميلاد، تطور الفن باشكاله بعد ان كانت الطبيعة استلهاما له ووحيا لنقل وبمحاكاة جمالييتها بابداع خلاق متطور غيرت العديد من وسائل التعبير ومع تطور التقنيات الفنية واساليب الفن ومدارسه المختلفة في عصرنا الراهن، غايتهم من ذالك، التغيير والتطوير نحوى الافضل.