اذاعة بغداد تقدم برنامج ”من وحي الايمان“
اعداد وتقديم حسين حافظ
اخراج جوزيف الفارس
في مسيرة حياة كل انسان لحظات سعادة لم يكن ينتظرها، ولكن الله سبحانه وتعالى يرسم بقدرته وبمشيئته مسيرة كل انسان الحياتية والمهنية في هذا العالم ومن دون ان يدري بقدره، قد يكون البعض يوعز لحظات هذه السعادة الى الصدفة، انما انا لا اامن بالصدفة بقدر ايماني بانها ارادة الله ومشيئته في منح استحقاق كل انسان وبما يستحق.
كنت ومنذ صغري مولعا بالاذاعة وببرامجها، يومها كنت استمع الى الاغاني العاطفية والتي كانت تخفف من توتر عاطفتي وعنفوانها وانا في مرحلة المراهقة بحيث كانت تؤثر بعواطفي حينما كنت لا اجد متنفسا لاسترخاء اعصابي الا بالاستماع الى اغاني فريد الاطرش ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وام كلثوم وغيرهم من مطربي تلك المرحلة من حياتي، هؤلاء المطربين والذين كنت اعشق اغانيهم واسبح في عالم خيال كلماتها واستأنس بالحانها الشجية والتي كانت تلامس شغاف قلوبنا ومشاعر عواطفنا واحاسيسنا.
كنت في وقتها اردد ومع نفسي بعض من اغاني هؤلاء الرواد من عمالقة الطرب وانا متخيلا حبيبتي امامي وكأنني امثل معها دور الحبيب مطارحا اياها الحب والغرام من خلال هذه الاغاني، كنت انصت الى جميع التمثيليات الاجتماعية والعاطفية والتي كانت تبثهما اذاعتي بغداد وصوت الجماهير، ومازال اسم المخرج الاذاعي المرحوم عبدالله العزاوي عالقا في ذهني مخرجا مبدعا لايفارق مسامعي وكذلك المرحوم عمو زكي وغيرهم من اسماء الرواد الاذاعيين اللامعيين باسمائهم واعمالهم الاذاعية.
لم اكتفي بترديد الاغاني العاطفية العراقية والعربية، كنت اغني للفنان رضا علي وخاصة اغنية (جيرانكم يااهل الدار والجار حكه على الجار) وللفنان احمد الخليل اغنية (انا اشسويت يااحبابي هجرتوني انا اشسويت عفتوني وظلمتوني) وغيرها من الالحان والاغاني التي كانت تشدنا الى المذياع الصغير (الراديو) .
كنت اختفي خلف مائدة عريضة واقلد المذيعين باصواتهم وكيفية تقديمهم نشرات الاخبار اليومية بشغف ليلا ونهارا، هكذا كانت طفولتي ومرحلة مراهقتي، كنت اعشق الاذاعة وانصت الى برامجها واغانيها ليلا ونهارا، الى ان ساقني حبي للفن الى معهد الفنون الجميلة قسم التمثيل ومن بعدها بدأت اسبح في بحور الفن واقدم تجاربي المسرحية الريادية للمسرح العمالي والمسرح السرياني والمسرح الكنسي، وهكذا كانت ريادتي في المسرح وانا في وقتها مغمورا بنشوة الفرح حينما كنت اقبل خشبة المسرح ومن بعدها اعتليها لاقدم من عليها المشاهد الصفية وامام الاستاذ المرحوم بهنام ميخائيل والذي بنى شخصيتي الفنية وزادني علما ومعرفة بالعالم الذي كنت لا استطيع فتح بيبانه لولا تعليمات وارشادات هذا الاب الفاضل.
لم يكتفي حبي للغناء وللمسرح فقط، وانما كان طموحي ان ادخل اروقة الاذاعة والتلفزيون لانقل تجربتي الفنية عبر اجهزة التسجيل لابثها عبر اثير وامواج سماء بغداد والعراق اجمع، ولكن كيف الوصول الى تحقيق هذا الحلم وابواب الاذاعة موصدة بوجه جميع المبدعين الا من كانت لديه واسطة تساعده على دخول هذا العالم الشاسع .
في وقتها كنت مخرجا ومشرفا على المسرح العمالي وبادارة المرحوم الفنان مطشر السوداني، اي بعد استقالة الفنان المرحوم الاستاذ وجيه عبد الغني من المسرح العمالي (البيت الثقافي العمالي) حيث كلفت بهذه المسؤولية مشرفا فنيا على جميع اعمال البيت الثقافي العمالي وعلى مسارح العمالية لمحافظات القطر، ومسؤوليتي هذه تتطلب مني التفرغ لها الا ان عنواني الوظيفي لم يكن يخضع لقانون العمل بالتفرغ لكونني كنت موظفا ولهذا اقترح عليا امين الثقافة والاعلام للاتحاد العام لنقابات العمال في بغداد في وقتها موفق عسكر ان يتم تنسيبي الى اية بدالة خارجية مرتبطة فنيا مع دائرة الهاتف المركزي لكون الدوام فيها دوري ولفترة ساعتين في اليوم وبهذا سأتمكن من التفرغ لعملي في البيت الثقافي العمالي، ولهذا طلبت تنسيبي كمأمور بدالة لبدالة وزارة الثقافة والاعلام
لعلني اجد من يساعدني في الوزارة على الدخول الى هذا الحصن المنيع والذي اسمه الاذاعة والتلفزيون.
نسبت مسؤولا لبدالة دائرة الشؤون الثقافية يوم كان موقعها في شارع الجمهورية ومديرها الكاتب والاديب الاستاذ موفق خضر يوم تولى الوزارة نصيف جاسم وزيرا للاعلام خلفا من بعد الاستاذ طارق عزيز، ففي احدى جولات الوزير التفقدية لدائرة الشؤون الثقافية لاقسام الدائرة واذا بباب البدالة يفتح من قبل الاستاذ موفق خضر ليقدم للوزير شرحا عن قسم البدالة، فانا في لحظتها كنت اطالع مسرحية الاب لاوكيست سترنبرغ فلما رايت الوزير امامي مباشرة وقفت له احتراما وقلبت النص المسرحي على مكتبي بحيث لفت عنوان الكتاب للاستاذ لطيف نصيف والذي بادرني بالسؤال:
- ·لديك اهتمامات مسرحية؟
وهنا لم اتمالك نفسي الا واجبته استاذ هو اخنصاصي المسرح فانا خريج معهد الفنون الجميلة قسم التمثيل، ولم اكاد ان انتهي من لفظ نهاية جملتي الاخيرة واذا به يقول معقبا على كلامي:
في الوقت الذي نحن احوج الى اختصاصك في الاذاعة والتلفزيون وانت جالس هنا خلف البدالة؟
فاجبته: بالحقيقة استاذ هذه هي امنيتي وانما ليس لدي من ياخذ بيديا ليوصلني الى المؤسسة فاجابني (في الحال تاتيني الى مكتب موفق خضر وانا جالس هناك لاوافق على طلبك بنقلك الى الاذاعة والتلفزيون).
- ·فاجبته والسعادة والفرح تغمرني حاضر استاذ
فكتبت الطلب وعلى عجل من امري ومن ثم اوصلته الى الاستاذ لطيف نصيف جاسم ومن ثم انطلقت الى الاذاعة والتلفزيون وتهميش السيد الوزير بنقلي فورا الى الاذاعة للاستفادة من خبرتي وشهادتي، وهكذا اقتحمت هذا الحصن المنيع المؤسسة العامة للاذاعة والتلفزيون.
تجربتي مع اذاعتي بغداد وصوت الجماهير--
كانت تجربتي الاولى مع الاذاعة السريانية وقت كان مديرها الاستاذ ثامر المشايخي، والذي جاء من بعده حامد الملا مديرا للاذاعات الموجهة والمحلية، هذا المدير كان يحترمني لخبرتي وتجربتي الفنية ولثقافتي التي اجسدها من خلال الاجتماعات الدورية للاقسام الاذاعية والتابعة للاذاعات الموجهة والمحلية، ولهذا كان يكلفني بتنفيذ العديد من البرامج الموجهة وانفذها بتقنية عالية تنال اعجابه.
ففي احد الايام ارسل في طلبي ليخبرني بانه سينتقل الى اذاعتي بغداد وصوت الجماهير مديرا لهاتين الاذاعتين، فطلب رأيي فيما اذا رغبت بنقلي الى هاتين الاذاعتين، وانا ما بين الحقيقة والخيال لم اصدق ما اسمع فاجبته وعلى الفور نعم استاذ ارغب في هذا، ولم تدوم فترة استلامه للمسؤولية الجديدة واذا بامر يصدر وبتوقيع المدير العام في وقتها كان الاستاذ ماجد السامرائي بنقل خدماتي من الموجهة (الاذاعة السريانية) الى اذاعة صوت الجماهير وبعنوان وظيفي مخرج اقدم.
في بادىء الامر لم اكلف باي واجب بقدر ماطلب مني التعايش مع الاقسام ومع المخرجات والمخرجين والمذيعات والمذيعين واطلع على البرامج وطبيعتها وكذالك على جميع الاقسام للاذاعة، في اذاعة صوت الجماهير كانت لي معرفة سابقة بالمخرج عبد الوهاب ارملة فرحب بي في قسمه ان كانت رغبتي الالتحاق بقسمه، وهكذا كان لي حيث انه كان رئيس القسم الثقافي انما الاستاذ حامد الملا لم يكن يميل الى رغبتي هذه وبعدها علمت بصحة راي الاستاذ حامد الملا بعد نشوب خلاف مهني مابيني وبين عبد الوهاب ارمله مما اضطررت الى نقلي الى قسم التنمية مع الاستاذ المرحوم علاء المولى.
برامجي التنموية
انتقالي الى قسم التنمية هو في الوقت نفسه انتقالي الى اذاعة صوت الجماهير، حيث ان الاستاذ حامد الملا كان مديرا لاذاعتي بغداد وصوت الجماهير-- فاسند لي برنامج الارض والانسان الذي تعده وزارة الزراعة، وكذالك برنامج المجلة الصحية والتي كانت تعده الدكتورة وعيدة زينل وبالاشراف من قبل وزارة الصحة وكذلك برنامج مجلة الشباب والذي كان يعده المكتب التنفيذي لاتحاد العام لشباب العراق وبرنامج من وحي الايمان وبرنامج سؤال رمضان الديني وبرنامج ولدى الهدى، وعدة برامج متفرقة كانت تعد بالمناسبات الوطنية والاعياد الدينية.
في هاتين الاذاعتين لاقيت منافسة غير شريفة من قبل بعض المخرجين الضعيفي النفوس، وقد يعود اسباب هذا الى سمعتي الفنية في المسرح، حيث في وقتها كنت قد اسست المسرح العمالي لنقابة البريد والبرق والمطابع والاعلام، وعرض اول عمل مسرحي عمالي لي بعنوان (ايام العطالة) من اخراجي وتاليف الكاتب العراقي الراحل ادمون صبري وقد لعب ادوار البطولة فيها كل من الفنانة مريم الفارس والفنانة سناء سليم وصبحي العزاوي وعماد بدن واخرين من عمال نقابة البريد والبرق والمطابع والاعلام، وكذلك كانت لي ريادة في تاسيس المسرح السرياني فقد عرضت:
اول مسرحية باللغة السريانية من على مسرح بغداد وبعنوان الارض والحب والانسان من تاليف جلال عيس يلدكو واخراجي وانتاج نادي بابل الكلداني.
والمسرحية الثانية هي الشيخ والقضية والتي كانت من تاليفي واخراجي وسرينة الاديب السرياني الراحل عبد الاحد بنيامين والتي انتجها نادي التعارف الاهلي.
ولهذا اصبحت مثل البعبع على بعض الاعلاميين والذي دخل على عالمهم الاعلامي بحيث اصبحت محاربتهم لي لا محالة كمثل سرقة بعض المقدمات لبرامجي (التايتل) وبعض الفواصل الموسيقية والتي كنت احتفظ بتساجيلها على اشرطة الامبكس، او تعطيل اجهزة الصوت في الاستوديو.
جميع هذه المحاولات الفاشلة لم تجديهم نفعا في محاربتي واعاقة عملي الاذاعي لكونني كنت محتاطا لمثل هذه الامور، ولهذا كنت مستعدا في اية لحظة من لحظات احراجي ان اتلافى معوقات العمل التي كانت تعتريني – كنت مستعدا في وقتها على ازاحة العقبات والتي كانوا يضعونها امام تنفيذي لبرامجي، انما والحق يقال ان اغلب المخرجات والمخرجين لهاتين الاذاعتين كانوا يتمتعون بحب اسروي ويتحلون بعلاقات اسروية جيدة باستثناء القلة القليلة من الذين لا اعتبرهم من الفنانين الانقياء يحملون في انفسهم الانانية وحب العداء.