برنامج من وحي الايمان--
هذا البرنامج كان من اعداد وتقديم المذيع الرائد المرحوم حسين حافظ واخراج المخرج المرحوم علاء المولى – كانت من طبيعة المرحوم علاء المولى ان يسمع البرنامج بعد اخراجه بالكامل قبل ايداعه في ستوديو البث لتلافي بعض الاخطاء الاخراجية ان وجدت، فصدفة كنت حاضرا معه في القسم واشاركه الانصات والاستماع لهذا التسجيل وبعد نهاية البرنامج طلب رايي ووجهة نظري به.
فاطلعته على وجهة رايي لان مضمون الاعداد كان يتضمن فقرات دينية مختلفة منها سيرة الصحابة من المسلمين وفقرة عن تعريف بعض المعارك الاسلامية وفقرة تعريف المستمع عن الاماكن المقدسة، ولهذا كانت رؤيتي في اخراج هذا البرنامج لا تتفق مع رؤية المخرج علاء المولى، لكونه كان يعتمد على الفواصل الموسيقية التقليدية من الات الكمان والناي والعود المنفرد فقط، وهذا الشيىء من الحرفية كانت تبعث وحسب تصوري الملل لدي المتلقي ولا تشده الى البرنامج ولا تبعث التمتع للمتلقي للاستماع اليه لكون الرتابة في الاخراج كانت تحد مابين المتلقي واسلوب اخراجه، فعرضت عليه وجهة نظري بان يقوم بتبديل هذه الفواصل الموسيقية ببعض الاناشيد والابتهالات الدينية ولكنه لم يتقبلها بقوله:
هل لدينا برنامج منوع؟
فاجبته وعلى الفور:
نعم برنامج ديني منوع،
هذا البرنامج بامكانك ان تكسر طوق الملل بادخال هذه الابتهالات الدينية كي يكون برنامجا لمنوع ديني تخلق فيه متعة الاستمتاع للمتلقي، ولكنه لم يقتنع برايي، وبعد اسبوعين بالضبط كلف علاء المولى بايفاد الى مصر تاركا مسؤولية القسم على عاتقي فهنا احببت المجازفة بتنفيذ وجهة نظري في كيفية اخراج برنامج من وحي الايمان، فالتقيت مع الاستاذ المرحوم حسين حافظ معد ومقدم البرنامج وطلبت منه تغيير اسلوب قرائته للبرنامج، حيث كانت قرائته اشبه ماتكون بقراءة تقريرية، حيث اردت منه ان يتعاطف تعاطفا وجدانيا بالمشاعر والاحاسيس ويجسد مايقرأ ليخلق عنصري النشويق والشد للمتلقي، وان يتفاعل مع فقرات الاعداد تفاعلا حسيا حتى لو اظطر الى التمثيل لبعض الفقرات والتي فيها يشرح تفاصيل معارك الفتوحات الاسلامية، حيث استطعت ان اجسد هذه المعارك للمتلقي بادخال مؤثرات صوتية (باك راوند) مع قراءة الاستاذ المرحوم حسين حافظ من اصوات السيوف وصراخ بعض الجرحة من كلا الطرفين مع فاصل موسيقي مناسب لهذا المسمع الحزين بحيث خلقت من هذا المسمع عملا دراميا يشد المتلقي والاستماع اليه، وقد استجاب الاستاذ حسين حافظ الى ملاحظاتي حول كيفية قرائته للبرنامج والذي كان الاساس في نجاحه اعدادا واخراجا وبعدها مباشرة ربطت نهاية قرائته لهذه الفقرة بابتهال (الهي مااعظمك) لنجاة الصغيرة، والفقرة الثانية من نفس البرنامج كانت وصفا للرسول الكريم (ص) وعن حياته وبعد نهايته لقراءة هذه الفقرة انهيتها بابتهال (يارسول الله) لـ ياسمين الخيام.
وهكذا جازفت باسلوب هذا البرنامج وتنفيذ رؤيتي الفنية في اخراجه، وبعد الانتهاء منه اودعته في ستوديو البث وانا كلي خوف وقلق من نتائج عملي هذا والذي قد لا يرضي المعنيين من المسؤولين ورجال الدين حين سماعه، ولهذا اتخذت بعض الاحتياطات لتعليل عملي هذا لتخفيف وطأة العقوبة فيما اذا وجهت لي، فسأقول في حينها انني مسيحيا ولا اعرف شيئا عن تقاليد ومحرمات اخواننا المسلمين لانقذ نفسي من ورطة عملي هذا، فاذيع البرنامج في وقته المحدد على الجو وانا حابسا انفاسي مع ازدياد ضربات القلب خوفا من مصير عملي هذا، وخوفا من تحريض بعض المغرضين والذين كانوا يتربصون لي بالمرصاد.
كنت حاضرا في ستوديو البث وبعد انتهاء اخر فقرة منه واذا بالهاتف يرن مكالمة من المدير العام ماجد السامرائي يطلب اسم المخرج والذي عمل على اخراج هذا البرنامج (في وقتها لم اذكر اسمي في الاخراج في التايتل اي في (مقدمة البرنامج) حرصا من حساسية الموقف كونني مسيحيا والبرنامج ذا خصوصية اسلامية>
وبعد انتهاء المكالمة مع الاخ حسين موظف ستوديو البث نظر اليا وقال لي، انه المدير العام، لقد طلب اسم المخرج واعطيته اسمك وهو الان ينتظرك في مكتبه، فتوجهت الى مكتب السكرتارية لاعلمه طلب الاستاذ ماجد السامرائي، فبدت علامات الاستغراب على وجه السكرتير متسائلا ماذا فعلت؟
فاجبته من بعد المقابلة ساعلمك عن سبب استدعائي من قبله، فدخلت الى مكتب السيد المدير بعد ان اذن لي بالمقابلة ووقفت امامه وباعصاب مشدودة وحالة من القلق تنتاب حالتي النفسية واذا به يبتسم ويقول لي:
(اهنيك جوزيف، انت مخرج رائع، من هسه راح تكون انت مخرج هذا البرنامج) فلم اصدق ماكان يقول، وانما الفرحة اعترتني من هذا الاطراء والذي لم اكن انتظره من السيد المدير بقدر ماكنت منتظرا منه عقوبة تنبيه او انذار او نقلي من اذاعة صوت الجماهير واسناد لي وظيفة ادارية كعقوبة لي، فحينها شكرت المدير على اطرائه هذا واعجابه بالبرنامج وبعدها مد لي يده ليصافحني مع ورقة مهمش فيها مكافأة مالية استلمتها من الحسابات، وبعد فترة فوجئت بكتاب شكر وتقدير على الجهود المبذولة في اخراج برنامج من وحي الايمان.ومن بعد عودة رئيس القسم علاء المولى من ايفاده، استمع بهذا الخبر والذي انتشر في اروقة الاذاعة والتلفزيون فطلب مني الاستماع الى البرنامج فجلبت الشريط وبعد الاستماع اليه ابدى اعجابه ومن بعدها اعترف لي بان رؤيتي في اخراج البرنامج كانت صائبة، فبعدها اسند لي برنامج اسئلة رمضان الدينية والذي بث من على اربعة اذاعات وهي:
إذاعة عمان
وإذاعة القاهرة
وإذاعة عدن
لحلول شهر رمضان المبارك (يوم اعلان العمل الاعلامي المشترك مابين هذه الاذاعات العربية) وبرنامج انت تسال ونحن نجيب وبرنامج ولدى الهدى، وبعدها عدة برامج متفرقة لمناسبات دينية. بالحقيقة وللتاريخ اذكر اننا في وقتها كنا جنودا للاعلام ننفذ مايحتمه علينا واجبنا الوظيفي، ومن دون التفكير بعرق وديانة كل واحد منا، كنا نتعامل مع برامجنا بصيغة مهنية وبعيدة عن كل الشوائب والتي من شانها تشتيت شمل اسرتنا الاعلامية وتشييع التفرقة الطائفية والدينية والتي لا جدوى منها، ولهذا كان همنا الوحيد هو لم شمل وحدتنا كمواطنين عراقيين ننتمي الى الوطن الحبيب والذي اسمه العراق .
فرسان الاخراج الاذاعي-- الذي كان يستمع الى برامج اذاعتي بغداد وصوت الجماهير والى ماكانت تقدمه من البرامج المنوعه، والى التمثيليات الاجتماعية والعاطفية، والى البرامج الثقافية والسياسية والدينية والى بقية البرامج المتطورة مظمونا واخراجا كان يلتمس التطور في كيفية اعدادها واخراجها، وهذا التطور كان نتيجة وجود فرسان احبوا عملهم وحاولوا التحديث والتطوير وادخال الاساليب الفنية وامتهان التكنيك الفني وثقافة في كيفية استخدام الاجهزة الصوتية، وهذا لم ياتي الا من سعي اهتمام المؤسسة العامة للاذاعة والتلفزيون بكادرها الفني وذالك بزجهم بالدورات الثقافية وعن طريق معهد التدريب الاذاعي والتلفزيوني وباشراف الرواد من اساتذة الاخراج الاذاعي والتلفزيوني، ولهذا كان لهذا الاهتمام بالكادر الفني نتائج ايجابية استطاعت تطوير البرامج الاذاعية والتلفزيونية وذالك عن طريق ادخال الاساليب الفنية الحديثة والتقنية المتطورة، وكذالك امتلكت هذه الكوادر الفنية رؤية اخراجية معاصرة متطورة وليست تقليدية في تنفيذ البرامج الاذاعية، ولقد لمعت نجوميتهم الاخراجية وشاع صيتهم بين الاوساط الفنية ونشرت اسمائهم في الصحافة منهم المخرج حسن الانصاري وناظم فالح وعلاء محسن وفائز جواد ومظفر سلمان وحسن جاسم ومحمد زهير حسام، ومن المخرجات منى البصري واتحاد الظاهر وامل كاظم وغيرهم من الاسماء اللامعة والتي لا تسعفني ذاكرتي بذكر اسمائهم مع الاعتذار لهم .
لقد حاول هؤلاء الشباب والشابات من المخرجين والمخرجات الاعتماد على رؤية فنية راقية وناضجة وتقنية ناجحة في مجال الاخراج الاذاعي، كانوا لا يفارقون المكتبة الصوتية والبحث في سجلات توثيق الاشرطة الموسيقية العربية والاجنبية، ولا سيما الموسيقى الايقاعية الرائعة لاستخدامها فواصلا في برامجهم، والبحث عن ماهو مستجد وحديث من الاغاني العراقية والعربية والخليجية والاجنبية، ومنتجتها لاستخدامها في البرامج المنوعة.
كان هذا الرعيل من الشباب المبدعين يحترمونني ويحبونني، وكنت احظى باهتمامهم ومازالو الى لان يذكرونني مما دفعهم الى ان يلتقوا بي وبرنامج ستوديو عشرة.
والذي يعده المتالق المخرج علاء محسن وتقديم المذيعة المتالقة الرائدة امل المدرس، فقد فوجئت وانا في المهجر بمكالمة هاتفية كانت من المخرج والمعد علاء محسن ومن اذاعة بغداد يطلب مني التهيء لاجراء لقاء معي في هذا البرنامج ومع المذيعة القديرة امل المدرس مما عاقت دموعي وبكائي وانا على الجو وعبر الاثير مابين بغداد وسدني لاكلمهم عن تجربتي وعن انشطتي الحالية ودموعي ممزوجة مابين الحنين الى وظيفتي الاذاعية والى وطني الحبيب بغداد، هذا اللقاء اجج الحنين والاشتياق الى اسرتي الاعلامية من زملائي المخرجين وزميلاتي المخرجات بحيث دفعهم هذا الحب لتكريمي بقلادة الابداع والريادة من قبل الاتحاد العام للاذاعيين والتلفزيون ومن قبل الاستاذ مظفر سلمان رئيس الاتحاد. وكذلك كرمت من قبل رابطة المبدعين من الفنانين العراقيين بوسام اعلى مرتبة من الاوسمة التي تمنح للفنانين الرواد العراقيين وبشهادة موقعة من قبل رئيس الرابطة الاستاذ الملحن كريم ديوان، فان دل هذا انما يدل على انني مازلت في قلوب احبتي وزملائي من الفانين والاعلاميين العراقيين وبالرغم من طوال هجرتي عن الوطن منذ مايقارب العشرة سنين، انما الحب الاسروي الاعلامي مازالت روابطه مشدودة مع ذكرياتنا الماساوية والسعيدة.
واخيرا ربما انني قد اكون مقصرا بحق ذكر بعض الاسماء من الزميلات والزملاء المخرجين انما حبي مازال ينبض ويلهث بذكرى تلك الايام الخالدة معهم من مسيرتي الفنية.