مما لاشك بان معظم الفنانين والادباء المسرحيين قد تناولوا في معظم بحوثهم واطروحاتهم مواضيعا مختلفة عن تاريخ بداية المسرح وعراقة استحداثه من القصائد الشعرية في عهد اصبحت للقصيدة اهمية في الطقوس الدينية يتنافس الشعراء من خلالها تنافسا شريفا في تجسيد الغيبيات من الحكايات والاساطير الغيبية ،فلقد كانت المرحلة ماقبل العصر الاغريقي واليوناني مرحلة تعتمد على تاجيج العواطف والمشاعر والاحاسيس لافراد القبيلة الواحدة، هدفها تمتين العلاقات والروابط العشائرية القبلية فيما بينهم، وجعل الولاء الكبير للاقوى من بين افراد القبيلة الواحدة، فكانت وسائلهم اما عن طريق اقامة الشعائر الطقسية والتي انبثقت عن عادات وتقاليد كل قبيلة وبموجب اجتهادات البعض منهم، كأن، تتلى بعض الترانيم والمنبثقة من الاحاسيس والعواطف الوجدانية لابناء القبيلة والعشيرة الواحدة – وهذه الترانيم (الاناشيد التنفيسية والتطهيرية) غايتها اثارة الحماس وتوطيد العلاقة القبلية مابين افرادها بايقاعات والحانا متناغمه تشعل لهيب العواطف والالتفاف حول البطل والذي هو في الوقت نفسه رئيس القبيلة ليتمسكوا بمبايعته رئيسا لهم ورمزا لقوتهم يهابه افراد القبيلة والقبائل الاخرى ، فكلمته في اتخاذ القرار حاسمة فيها من القوة والشجاعة ترهب افراد القبيلة التي تنتمي اليه وتستفز في الوقت نفسه بقية القبائل الاخرى لنشر صيت قوته وشجاعته عن طريق مشيعي الاخبار وناقليه باساليب اشبه ماتكون بالحكواتي بين افراد القبيلة في اجتماع احتفالي او مناسبة تدعوا لمثل هذه الحكاياتK ويبدأ هؤلاء المشيعين للاخبار بتسليط الاضواء على شجاعته وتهويل الحكايات عن قوته وسلطانه الغرض منها بث الذعر بين اعداء القبيلة وتشجيع ابناء القبيلة للتعاطف مع رئيس قبيلتهم واللالتفاف حوله، هكذا كان الحال الدنيوي القبلي، وهذا التغيير حدث بعد العصر الحجري المتاخر ثقافيا واجتماعيا باستثناء الفطرة الفردية والمنتشرة فيما بينهم ومن خلال اجتهادات فردية قد تفرض نفسها في بعض الاحيان على افراد القبيلة للاخذ بها ، او استنتاجات ذاتية من قبل بعض الشيوخ والذين كانوا يعتبرونهم من اصحابي الشان في البطش والحكمة في الوقت نفسه ، هكذا كانت الحياة القبلية، علاقة تطغي عليها القوة في التعامل وعدم الانسانية، والانانية الفردية حتى وان اقتضى الامر ياكلون اجساد ضعفاء البنية من البشر (اكلي لحوم البشر) بعد قتلهم سيما الذين يمرضون والذين لا طاقة لهم على تحمل مشقة الحياة انذاك.
وجائت مرحلة التطور النسبي، هذه المرحلة مابعد العصر الحجري والتي انتشرت فيها بعض اواصر العلاقات القبلية الاجتماعية المتطورة نسبيا عن المرحلة السابقة، حيث شاعت العلاقات العشائرية وتكوين رموزا لهم تقودهم باتجاه اتخاذ بعض التدابير الاجتماعية القبلية والتي شملت الزيجة وبموجبها منع الزواج لافراد القبيلة من خارج قبيلتهم، وكذالك هذا الزواج شمل الاناث، اضافة انهم كانوا يدفنون الزوجة وهي حية مع زوجها في حال موته، ولا زالت هذه الممارسات موجودة في وقتنا الحاضر عند القبائل الهمجية والتي يعيشون مرحلة متاخرة عن مراحل تطور الحياة البشرية جمعاء ولا سيما في بعض المناطق من العالم والتي لم تصلها الثقافة ولا التبشير الديني.
كان لكل قبيلة عادات وطقوس دنيوية وغيبية تختلف مابين قبيلة واخرى من حيث الازياء الخاصة بالاناث والذكور، وهذا الخلاف امتد الى الصناعات اليدوية والخاصة بالحرفيين من افراد القبيلة كالصناعات الحجرية، حيث يقومون يتحوير مايستقطعونه من الاحجار والصخور من الطبيعة ليصنعوا منها ادوات احتياجية تخدمهم في حياتهم كالاطباق والسكاكين الحجرية والاسلحة التي يدافعون بها عن حياتهم ضد الاعداء والحيوانات المفترسة، اضافة الى انهم كانوا يصنعون من جلود الحيوانات مايقي اجسادهم من برودة الطبيعة وكذالك من الصوف والامعاء والقرون في صناعة يستفاد منها في حياتهم الاعتيادية، وهذه الصناعات الحرفية ساعدت وشجعت المقايضة مابين القبائل الاخرى مما خلقت مثل هذه الحالات تنافسا حرفيا تتميز كل قبيلة عن الاخرى. اما الطقوس الغيبية، فانتشرت نتيجة انتشار الجهل فيما بين القبائل ولاسيما طقوس الشعوذة والسحر والاحتيالات الفردية في تطبيب المرضى والدعاء الكاذب لجلب الخير والسعادة وتحقيق امال واحلام العامة من ابناء القرية وعن طريق هؤلاء الدجالة من المشعوذين والسحرة مما ساعد على تشريع بعض القوانين بتحليل وتحريم ماهو مشاع بين القبيلة الواحدة والتي كانت تصدر من كبار السن، والذين يروجون مثل هذه الاحكام القبلية المحرمة والمحللة عن طريق بعض الذين لديهم ملكة المحاورة والخطابة وبلاغة وفصاحة الكلام لتوصيلها الى عموم ابناء القبيلة الواحدة.
بعد تخطي المراحل الحياتية في اشاعة الرموز الفنية وعن طريق بعض الدلالات التشكيلية لتنبيه افراد القبيلة عن بعض المخاطر وعن طريق رسمها برسومات تقيهم من هذه الاخطار كوجود الانهر ووجود الحيوانات المفترسة وغيرها، اضافة ان هذا التطور النسبي شمل صناعة الالات الايقاعية والنفخية من جلود الحيوانات وقرونها لاستعمالها لغة اعلامية في الابلاغ عن بعض المخاطر والتي قد تحدق بابناء القرية، او الالات الايقاعية والنفخية والتي تعمل على تشجيع ابناء القبيلة الواحدة في الحروب مع بقية القبائل والعشائر الاخرى فيما اذا نشبت بينهم حروب قتالية.
في انتشار السحر والشعوذة بين القبائل وترهيب ابنائها من هذا الانتشار ساد الخوف من جراء افعال هؤلاء السحرة مما ساعد على فرض سطوتهم وسلطانهم لمصلحة رئيس القبيلة، فكانوا هم المشرعون لبعض القوانين والشرائع وفرضها على ابناء القبيلة الواحدة فمن هنا جاء دور هؤلاء السحرة والدجالين ليطبقوا احكامهم على رئيس القبيلة وابنائها، وان يجعلوا من انفسهم وسيطين مابين العالم الغيبي والدنيوي واستلام مقاليد الحكم بين ايديهم وقد انعكس مثل هذا فيما بعد على ادباء الاغريق واليونان ودعم كهنة المعابد ودورهم في تسيير امور ومقاليد الملوك والاباطرة وعن طريق هؤلاء الشعراء وكما جاء في مسرحية (انتكونا) ومسرحية (اوديب ملكا) وكذالك العديد من ادبيات المسرح الاغريقي واليوناني وتجسيدهم لدور تاثير الكهنة وقدرتهم على جلب اللعنة على شعوبهم، وهكذا اصبحت مقاليد الحكم بيد كهنة المعبد وكما حصل في كنيسة العصور الوسطى في اوربا بحيث استمرت الكنيسة الكاثوليكية الرومانية في تولي السلطة، وتولى الاباء حينذاك ادارة جميع امور الحياة في الدولة وكانهم ملوك.
لقد سيطر كهنة المعابد الاغريقية واليونانية ايضا على امور تسيير الملوك والاباطرة من خلال جعل انفسهم وسطاء بين العالم الغيبي والدنيوي واصبحت مقاليد الحكم بين ايديهم ومن خلال اقامة الشعائر الطقسية الوهمية والمبنية على الدجل والسحر والشعوذة انذاك، فمن خلالها استطاعوا السيطرة على مقاليد الحكم وكذلك على شعوبهم بعدما تطورت الشعائر والطقوس الغيبية واصبحت قيود تقيد حرية ابناء شعوب تلك المرحلة التي شاعت فيها الشعوذة والمصالح الفردية للكهنة، فانتشرت بعض الانفس الضعيفة من الموالين لكهنة تلك المرحلة بين افراد تلك الشعوب واشاعة الذعر والخوف بين الشعب وتحذيرهم من سطوة وغضب اولئك الكهنة والذين يدعون بان لهم قوة جبارة لاخضاع القوى الغيبية لارادتهم في تلبية مطاليبهم وتنفيذ لعناتهم على شعوبهم وملوكهم، وبهذا انتشرت الطقوس الجاهلية الوثنية بين صفوف ابناء شعوب تلك المرحلة من الحقبة التاريخية ولا سيما في العصور الاغريقية واليونانية، هذه المرحلة التي اشتهرت بتطور الطقوس الدينية الوثنية الغيبية والتي تدع الى وجود قوة غيبية تخضع لارادتهم ورغبتهم ودعائهم، وهي في الوقت نفسه تحقق رغباتهم في الخير والشر (اللعنة) على من يعصون اوامرهم ولا ينفذون تعليماتهم – بتشييع اشاعات ومن خلال اتباعهم بان هناك لعنة وقتية وابدية، ومن خلالها يستطيعون الكهنة منع هطول الامطار واحداث الزلازل والرعود والحروب والقتل وسفك الدماء ونشر الفقر والمجاعة والقحط والامراض والاوبئة، وبهذا الترهيب والممارسات اللاانسانية واللااخلاقية والتي لا تمت للمصداقية بحقيقة ادعاأتهم استطاعوا السيطرة على شعوبهم وعلى امبراطوريتهم وتسخير ملوك وسلاطينهم لتنفيذ اوامرهم بحق بعض الافراد واستغلالها للعقاب والثواب بين صفوف شعوبهم.
- ·تطور مراحل الطقوس الدينية:
لقد تطورت الاحتفالية الطقسية الدينية ومع مرور الزمن بموجب اجتهادات كهنة المعابد في العصر الاغريقي، بحيث اعتمدت على تطور الملابس والازياء التي يرتديها كهنة المعابد اثناء قيامهم بواجبات تادية طقوسهم الدينية، كان كاهن المعبد يختلف عن بقية افراد المجتمع بازيائه المختلفة الاشكال والمتنوعة الاقتناء، وحتى في بعض الاحيان يلجؤون الى تغيير ملامح اشكالهم وملامح وجوههم كحلاقة الراس والحواجب واطالة اللحى وتوسيع عيونهم ومن خلال الماكياج والخاص بهم، ورسم بعض الاوشام (التاتول) على اجسادهم من مختلف الحيوانات المفترسه كالديناصور والافاعي السامة وغيرها من الرسومات والتي تساعد على دب الرعب في قلوب رعاياهم، واطلاق بعض من البخور ذات الروائح الزكية لتعطير الاجواء التي يتواجدون فيها، ويبالغون في حركات اجسادهم من الايادي وتضخيم اصواتهم وتجحيظ العيون في وجوه الافراد ومع اصدار الاصوات المخيفة والتي بها يوهمون عامة الشعب انهم يكلمون الالهة ومن ثم يحاولون ترجيف اطرافهم مع هذه الاصوات الجهورية المرتجفة الذبذبات.
جميع هذه المؤثرات المصطنعه ان كانت جسدية او صوتية والغير الطبيعية غايتها ارهاب الرعايا ودب الرعب في قلوبهم للسيطرة عليهم، حتى انهم كانوا يمارسون انواعا من الشعوذة والصراخ على جميع الحضور من الرعاية وترديد بعض الجمل من الكلام المبهم والغير المفهوم مدعين انها لغة الالهة.
لقد برز بعد هذه المرحلة من تاريخ الحياة الطقسية للاديان الوثنية كهنة ممن لديهم الامكانية اللغوية وفن الخطابة على ضوء تطور تلك المرحلة من الحقبة الزمنية، استطاعوا ان يسيطرون على الحشود من المتعبدين لطقوسهم الوثنية وشدهم الى ماكانوا يؤدونه من الحركات المبالغة فيها وعن طريق تحريك اجسادهم والتي تكسوها ازياء تختلف عن ازياء الافراد العاميين من افراد شعوبهم وعن طريق اصواتهم الجهورية والتي كانت تصل الى اقصى فرد من افراد المتعبدين لهذه الطقوس الوثنية.
- ·تطور اساليب الاداء الطقسي عن طريق التمثيل الفردي:
كان رئيس كهنة المعبد وفي الطقوس الاحتفالية هو الذي يقوم بهذه الخدمة، والتي تتضمن حكايات عن الالهة الغيبية وعن بطولاتهم الخارقة، وكيف تمارس لعنتها على الانسان اذا غضبت عليه-- هذه الخدمة كانت محصورة لدى رئيس كهنة المعبد في الايام الاحتفالية الموسمية، اما الخدمة في بقية الايام فكانت تلقى على صغار كهنة المعبد، هذه الممارسات الطقسية كانت محصورة لدي رئيس كهنة المعبد وكهنته انذاك، انما مع مرور الايام وتطور الاساليب الاحتفالية انتقلت الخدمة الطقسية الى مثقفي تلك المرحلة من مراحل التطور الطقسي واصبح بعض المبدعين من شعراء تلك المرحلة والمتالقين في كيفية صياغة القصص والحكايات الالهية وتجسيد بطولاتهم وقوتهم وبطشهم وقدرتهم الخارقة في كيفية ادارة الطبيعة وملحقاتها من الفصول وظواهرها المخيفة من الفيضانات والامطار الغزيرة والرعود، وكذالك تاثيرات الطبيعة وظواهرها المرعبة والمخيفة كاالزلازل والبراكين وانفجارها، كل هذا اذا جاء من غير صالح الانسان فاعتبرت ذالك انها لعنة من الالهة انصبت على الانسان.
- ·دور الشعراء في تطوير الميثالوجيا الطقسية اليونانية:
اذا اردنا تعريف الميثالوجيا اليونانية فهي عبارة عن مجموعة من الاساطير والخرافات والتي امن بها اليونانيين القدماء والتي تتناول اساطير الهتهم الخرافية والتي كانت تعبد انذاك. لقد كانت خدمة الطقس اليوناني محصورة لدى كاهن المعبد وبعد ظهور بعض المثقفين من الشعراء والادباء في تلك الحقبة من الزمن انتقلت اليهم هذه الخدمة الطقسية لمعرفتهم في كيفية تجسيد الميثولوجيا اليونانية والتي كانت تتضمن القصص والحكايات عن بطولات الهتهم الاسطورية، حيث بدأت هذه المرحلة الطقسية الوهاجة والمبهرة والتي كانت تتكلم عن مراحل تطور الخليقة والهتها بتجسيد رائع فيه من فنون الحبكة والتاليف الخيالي للاساطير الغيبية لمعظم الالهة الاسطورية، وكانوا وعن طريق هذه الحكايات يدعون الى الالتزام والتمسك بتعاليم الكهنة لما فيها الصالح لعموم الشعب، والدعوة الى تقديم الاضحية والقرابين من العجول المذبوحة، وتقديم الحوائج الاقتصادية والتي يستفيد منها كهنة المعبد ، وهكذا ظهرت هذه الشريحة من الشعراء والذين اغنوا المرحلة الطقسية بالثقافة الشعرية المتطورة في العصر الاغريقي واليوناني وهم يجسدون الحكايات الاسطورية فيها شيئا من الشد والتشويق لاحداث قصصهم، لقد شجعت هذه الشريحة المثقفة الى التهافت على الانصات الى الطقوس الدينية وتشجيع الافراد بتنفيذ ما يوصي به كهنة المعبد، لقد كانت مشاركة الشعراء في تقديم الميثولوجيا الطقسية اثرا فعالا ومباشرا على الشعب اليوناني، ولهذا اظطر الشعراء بالبحث عن الوسائل والتي تخدمهم في الاداء والتمثيل من تقوية الصوت والتعبير النفسي والحسي المبالغ بالاداء التمثيلي كذالك ظهر استعمال الماسكات التعبيرية لتجسد التعبير الحسي لحالة الشعراء وكذلك بدأ الاهتمام بالازياء والاكسسوارات البسيطة اضافة الى تجسيد مواقع الاحداث ومن خلال المناظر الخلفية، هذه جميعها شجعت الانسان على التواجد والمشاركة في الطقس الديني الوثني وفي مواسمها المحددة حيث تقام الاحتفالية الموسمية في ايام خاصة ومواسم خاصة بالالهة والمراد خدمته كاعياد الاله زيوس اله الخمر وعصر العنب واعياد مارس اله الحرب واعياد اله الحب والجمال فينوس والهة الحصاد-- الخ.
تابعونا في الاسبوع القادم...