الذي يطلع على مسيرة الفن العراقي ولا سيما الدراما العراقية المرئية والسمعية عبر السنوات الماضية ، واطلع على مسيرة اهم وجوه الدراما التي لعبت دورا بارزا في تجربة مسيرة العراق المسرحية وترسيخ مضامينها، عندها سيتعرف على الاسباب التي ادت الى نهوظ الحركة المسرحية والتلفزيونية والسينمائية انذاك في العراق.
كانت تجربة تلك الحقبة الزمنية تتسم بالتضحية والمعاناة، حملت هموم ومعانات الشعب العراقي ومن خلال نصوص كتابها جسد ادوارها فنانات وفناني تلك الحقبة من العصر الذهبي لمسيرة الفن في العراق، هؤلاء الفنانين والفنانات ضحوا من اجل نشر رسالة القيم الانسانية هدفهم التغيير والتطوير والنهوض بواقع المسيرة الفنية في العراق، ولا سيما رعيل الرواد والذين عبروا ومن خلال تضحياتهم عن مفاهيم القيم الانسانية بنصوصهم واعمالهم والتي عرضتهم الى المطاردات الامنية، والى التضحية بما يملكون من اجل ترسيخ هذه التجربة الرائدة من مسيرة الفن في العراق، ناهيك عن رحيل معظمهم الى العالم الاخر بعد ان توهجت اعمالهم الدرامية بتجربة رائدة عبرت عن عمق مضامينها في اعمالهم والتي جسدها الفنانون الاكاديميون من الرعيل الاول وعن طريق فنانين من الممثلين وقفوا صفا واحدا مع اساتذتهم لينشروا الاهداف والافكار التي من شانها النهوض بالواقع الاجتماعي والسياسي.
هؤلاء الذين تعرضوا للفصل من وظائفهم والى زج القسم في السجون والمعتقلات وتعريضهم الى التعذيب فيها من قبل تلك الانظمة التي حاربت اعمالهم واغلقت فرقهم المسرحية، ونشرت بين صفوفهم من الرعاع الصعاليك والذين ينقلون اخبار فنانينا وانشطتهم بواسطة كتابة التقارير ورفعها الى المتنفذين في السلطة لقاء اجور بخسة مدنسة بالخيانة والعمالة ضد جماهيرنا وفنانينا،.
هؤلاء الفنانون الذين لم يابهوا منهم بقدر مادفعهم ايمانهم باجتياح الحواجز الموصدة في طريق انشطتهم الفنية ومنع تحقيق اهدافهم الانسانية ومن خلال ايمانهم بجوهر القضية التي طرحونها في مضامين نصوصهم وادوارهم التي ابهرت الجماهير بافكارها وقيمها الانسانية.
ولهذا وبجهود وايمان هؤلاء الفنانين الرواد احتفظت الدراما العراقية بتالقها وجودت عروضها والتي من خلالها عبر جميع الفنانين بقوة صلابتهم وهم يحرضون الجماهير ويحثونهم على التغيير والتطوير للنهوض بالواقع الاجتماعي للشعب العراقي ضمن حقبة زمنية هضمت الانظمة المتسلطة انذاك حقوق الشعب وحقوق الشريحة الاجتماعية من العمال والفلاحين والموظفين من ذوي الدخل المحدود.
هذا التالق الرائع والابداع الذي جسده حضور فنانينا وفناناتنا كان السبب في ديمومة تجربة المسرح العراقي ومؤثرا في مسيرة وواقع المسرح العربي، وابهر من خلال عروضه جميع المثقفين من الصحافة والنقاد والمعنيين بالشؤون المسرحية ضمن المهرجانات المسرحية والتي كانت تقام ويشكلها الدوري. كانت نجوما متالقة ورائعة ومنهم العملاقة السيدة المتالقة الفنانة سعدية الزيدي، هذه الفنانة والتي احتضنتها مدينة العمارة باهوارها واسماكها ونخيلها سنة 1939، حيث ولدت وهي لا تعلم في انها سيكون لها شان في مسيرة الفن العراقي وبالذات الدراما العراقية في حرفية التمثيل.
لم تكن تعلم انها ستكون نجمة تخاطب وجدان الجماهير وضمائرهم ومن خلال ادوارها المتنوعه الريفية منها والبدوية والحضرية، صوتها العذب يشد ويبهر اذن المتلقي وهي مندمجة مع حوار دورها والذي تؤدي معالمه الطبيعية والنفسية والاجتماعية لتجسد من خلاله ردود افعالها الداخلية والانعكاسية بايمان عميق وابداع قل نظيره من بين زميلاتها من الفنانات.
كانت تؤدي جميع الادوار المركبة منها والبسيطة، كانت تجسد ربة المنزل بحرفية اكاديمية، والام الريفية العاطفية بحلاوة صوتها وجودة لكنتها الشعبية الريفية التي اكتسبته من اهوار العمارة، ادوار اشتهرت بخصوصية ابداعها وتالقها وايمانها بما كانت تحسه في ادوارها بقضية ذلك الانسان المسلوب الحقوق. وهي الفنانة التي عاشت ظلم تلك الحقبة الزمنية وعانت ظلمها لانتمائها الى اسرة عريقة معظم افرادها يؤمنون بالوطنية التي عرضتهم الى السجون في في بغداد والحلة وحتى في نكرة السلمان، هذه الحالة التي اثرت على نفسيتها وعلى مسارها الاجتماعي والسياسي مما اضطرتها هذه الظروف القاسية الى الانتقال الى بغداد حيث عملت في شركة الغزل والنسيج متاثرة بشقيقتها الفنانة المرحومة زكية خليفة والتي اثرت على مسار حياتها الفنية والسياسية لتنهل من ينابيع الابداع بموهبة فنية لتساهم مع زميلاتها الفنانات والذين اعجبوا بادائها وحلاوة صوتها ببناء صرح فني وتجربة ناضجة في حرفية التمثيل، اضافة ان موهبتها الشعرية والتي داعبت احاسيس الجماهير ولامست عواطفهم الانسانية والوجدانية حيث ابدعت بالعديد من المهرجانات الشعرية القطرية واصبح لها حضورا في المهرجانات الشعرية.
اضافة انها اصبحت نجمة من نجوم البرامج الزراعية الريفية.
ولكنتها الصافية الريفية جعلت لها حصة الاسد في جميع المسلسلات التلفزيونية والتي تالقت في ادوارها مما اعجبت جمع المخرجين بموهبتها المتعددة الشعرية والتمثيلية حيث عملت بالعديد من الدراما العراقية منها فتاة العشرين، وعشر ليرات، والدواسر، وجذور واغصان والخ--.
لقد نالت الفنانة سعدية الزيدي اعجاب معظم الفنانين من الرواد المثقفين مما جعلهم يستعينون بها لاسناد لها ادوارا رئيسية وبارزة منهم:
- ·محمد شكري جميل
- ·كارلو هارتيون
- ·وفيصل الياسري.
ولم تقتصر مشاركاتها على الاذاعة والتلفزيون، وانما كان لها مساهمات في السينما العراقية وعن طريق الفنان جعفر علي، وقاسم حول ومحمد شكري جميل. ان تالق اسم هذه الفنانة سعدية الزيدي وابداع حرفيتها في التمثيل دعت الكوادر الانتاجية والاخراجية في السينما الاستعانة بها كممثلة بارزة ضمن مسيرتها الفنية، ولهذا كان لها مساهماتها الواسعة في مسيرة السينما العراقية ومن خلال مخرجين رواد ساهموا بتجربتهم الريادية مع نجوميتها ومن خلال اعجابهم بهذه المعجزة والموهبة المتالقة مما دعاها الى تلبية دعوتهم بالاشتراك معهم في معظم الافلام العراقية منها القادسية والمسالة الكبرى.
سعدية الزيدي فنانة شاملة
لم تقتصر مشاركات الفنانه سعدية الزيدي على التلفزيون والسينما، وانما تجسدت ابداعاتها في العديد من المسرحيات العراقية وتعاونت مع معظم المؤلفين العظام في تجسيد ادوار نصوصهم منهم:
- ·عادل كاظم،
- ·قاسم محمد،
- ·يوسف العاني.
لقد ابدعت هذه الفنانة المتوهجة الموهبة والعطاء في العديد من المسرحيات ومع كبار نجوم المسرح العراقي وتالقت معهم بادوارها والتي نالت عنها جوائز تقديرية تثمينا لحرفيتها وابداعاتها ومنهم :
- ·خليل شوقي،
- ·سامي عبد الحميد
واخرون من مشاهير المسرح العراقي.
لقد ابدعت هذه الفنانة في مسرحية الارض والانسان، والتي هزت مشاعر الجماهير من مشاهديها بادائها وقوة صوتها وتجسيد عواطف الام والتي فقدت ابنها وهي تشدو بكلمات رثاء لمشهد جنازته المحمول على اكتاف الشباب.
هذه الفنانة امتلكت رصيدا من الاعمال والمشاركات الفنية لا تحصى، انها حملت همومها بين كفيها والمستمدة من هموم شعبها ومعبرة عن هذه الهموم والمعانات ومن خلال ادوارها كشفت عن مظالم وفساد الانظمة الغابرة والطبقات الارستقراطية والبرجوازية، ووقفت الى جانب العائلة الفقيرة والطبقة العاملة لتحقيق مكاسبهم وطموحاتهم الشرعية، لقد استطاعت ومن خلال ادوارها التعبوية السياسية والشعبية ان تحقق اعجابا لا نظير له من قبل المعجبين مما استحقت التكريم والجوائز التقديرية لعروضها المسرحية الاقليمية والعربية. بعد هذه الانجازات الفنية والمشاركات العديدة والتي لا تحصى تاسف لكونها تركت فراغا في مسيرة المسرح العراقي والدراما العراقية لكونها وعلى يقين انها لم تجد العمل الذي يستحق مشاركتها فيه.
انها لم تجد النص والذي يحمل هموم شعبها لتستطيع التعاطف مع احدى ادواره لتشارك في تجسيد ايمانها بقضية شعبها وجماهيرها من خلال هذا الدور اضافة انها تاسف ايضا لخلو الساحة العراقية من النصوص الجيدة ولا سيما في التلفزيون والمسرح قلما ندر.
ويذكر انها رفضت العديد من الاعمال الدرامية والتي عرضت عليها لكونها لا ترتقي الى مستوى الطموح. امنيتها في الحياة وهذا ماصرحت به وعن طريق الوسائل الاعلامية، ان تجد نصا يعجبها وهي في غمرة الازمة الصحية والتي تعاني منها لتشارك فيه ليكون ختام محطات مسيرتها على خشبة المسرح. وقد استغربت اشد الاستغراب ونحن واياها حين سماعنا نبأ وفاتها من بعض الاوساط الاعلامية، حيث ان هذا الخبر لا صحة له، والذي جعلنا في دوامة التفكير.
ونحن بدورنا نستفسر عن هدف نشر خبر وفاتها الكاذب اكان غايته محاربة لشخصيتها الفنية ام انه تشفي بحق هذه الفنانة العملاقة والتي لا تستحق من جماهيرها الا الحب والتقدير لاعمالها وابداعاتها الفنية الخالدة.