المؤسف في العراق، ان الفنان يعيش لفنه ولجماهيره، ويبذل الجهد والعطاء، ويضحي باغلى ماعنده بالمال والجهد البدني ومن دون اهتمامه للدعم المادي، انما هذه التضحية الذي يقدمها الفنان ولا سيما ذالك الذي لديه من عزة النفس ويعتز بكرامته ويحافظ على شخصيته والذي لايسمح لنفسه ان يكون ماجورا لم يجد من يفي بحقه وبحق الجهد والعطاء الذي منحه لجماهيره، في الوقت الذي لم يكن ينتظر ثمنا لكل ماقدمه بقدر ماكان يتوق للعناية المعنوية والتي كانت من امنياته في الحياة، لم يحظى برعاية من لدن النقابة الشكلية، ولا من قبل الجماهير التي ضحى من اجلها، ولا صوت كان ينادي بحقوق الذين ضحوا من فنانينا الكبار من الذين رحلوا الى العالم الاخر وهم كانوا احوج الى كسرة الخبز، وكما حدث مع العديد منهم من امثال المرحومة امل طه والفنان المرحوم عبد الجبار الشرقاوي والفنان المرحوم المخرج بدري حسون فريد والفنان المرحوم غازي التكريتي والمخرج السينمائي برهان الدين جاسم، واسماء عديدة منهم من رحل ومنهم مازالوا يئنون تحت وطئة الفقر والعوز ولاسيما في هذه المرحلة التي قلت فيها الانتاجات التلفزيونية والمسرحية والتلفزيونية وهي مصدر رزقهم.
كانت هناك بعض الالتفاتات من قبل بعض المسؤولين من المتنفذين في السلطة وعلى المراحل الزمنية والحقبة التاريخية التي مر بها الفنان العراقي انما كانت التفاتات من اجل الدعاية والاعلام لمكانتهم الوظيفية وبعدها (مش بوزك-- لو روح اقبض من دبش) ويبقى الفنان يتطلع الى من يحاول ذكر ماثره وعطائه بتقييم له كدار سكن او قطعة ارض او مايعيله على مقاومة الفقر والبؤس الذي هو فيه، انما لا يوجد اي معين سوى الله (والك ربك ياموسى)، في احدى المناسبات دعي جميع الفنانين الى التواجد في ملعب الشعب والحديث هذا للفنان قاسم صبحي، وهذه الدعوة كانت في عام 1980 فوقع خبر هذه الدعوة على الفنانين بالبشرى السارة ومنهم كان يتشائم منها والقسم الاخر من حيث خفة الدم والفكاهة شيعوا خبر الابادة الجماعية للفنانين، والاخرين جعلوا يستهزئون من هذه الدعوى والتي لا يجدى منها اي فائدة للفنانين، واذا بهم يتفاجؤون عن تكريمهم بكتاب شكر وتقدير على قصاصة ورقية اعترافا منهم لجهوده الجبارة التي كان يقدمها للجماهير وللدولة وللمسيرة الفنية، علما ان الفنان العراقي كان يستوهويه الفن يصل به هذا الحب الى التضحية من اجل ديمومة هذه المسيرة، كان يقدم ومن دون ان ياخذ بقدر ماكانت حرفيته عبارة عن ولع وحب للفن، وكان الثمن لهذا الابداع هو جماهيره التي كانت تصفق له اعجابا بفنه في نهاية كل عرض مسرحي، هذا هو الثمن المعنوي الذي كان ينتظره ويروي رمق عطشه ويسد جوع بطنه.
ولهذا فمن المفروض للفنان ان يتهيأ له كل مقومات وسبل العيش من اجل ان يتفرغ لفنه ويتمكن من مواصلة مسيرته الفنية والعطاء الذي من خلاله سيخدم الجماهير وما سيجسده من مضمون الافكار والقيم الانسانية من خلال الاداء والتعبير من على خشبة المسرح، ومن العوامل والتي تسهل مهمة الفنان وتحثه على الابداع والتالق وتساعده على تهيئة الاجواء المناخية من حيث الحياة الاقتصادية والهدوء والاستقرار وراحة البال، هناك من المثقفين والذين يتفهمون دوره في التغيير والتطوير ولهذا فان المفروض ان تكون مهمتهم الاساسية ان يقفوا معه بوقفة ذات اهمية لدعمه الدعم المعنوي والدفاع عن حقوقه من خلال النشر والاعلام والترويج عن مواقفه الانسانية في وسائل الاعلام المختلفة وشرح ابعاد دوره ومواقفه الايجابية التي يجسدها بادواره في الدراما وكيف انه يكرس حياته من اجل نشر رسالته المقدسة لدعم الانسان والوقوف الى جانب قضيته في تحقيق الرفاهية والعيش السعيد في احضان حياة اقتصادية والتي يقدمها من خلال فنه والذي قضى سنوات عمره بالعطاء من اجل خدمة الجماهير.
ان الفنان الكوميدي قاسم صبحي هو فنان ترك بصمة على المسرح العراقي، هذا الفنان العراقي الاصيل مازال يعيش في ذاكرة الشارع العراقي ومن خلال اعماله الدرامية في الاذاعة والتلفزيون والسينما، هذا الفنان الكوميدي الراقي الاداء والذي يعيش مع حواره ودوره بكل استلقائية ومن ملكة الموهبة والثقافة الاكاديمية التي يملكها سيما وانه عاش ضمن مرحلة ومسيرة فنية كانت فيها الكوميديا في العراق تتمتع بنصوص راقية وجيدة وحوار فيه من النكهة الشعبية والكوميدية والمستقاة من ماساة الشارع العراقي (وشر البلية مايضحك) على عكس مايعرض الان في الساحة العراقية من على مسارحها من الكوميديا المفتعلة هز الارداف والكتف والغناء الرخيص، عروض مسرحية لا تمت بصلة الى الواقع الحقيقي للمسرح الكوميدي، علما ان الكوميديا هي من اصعب انواع الدراما على الممثل الحرفي في الطرح والاداء، وتحتاج حرفية ممثل اكاديمي يعرف كيف يتعامل مع حوار الشخصية الكوميدية وكيف يكيف شخصيته مع الدور من خلال خلق شخصية ذات مواصفات الابعاد الطبيعية ليسخرها على ضوء متطلبات الشخصية الكوميدية الحرفية، اضافة الى هذا وجود العوامل الاساسية في النص من حوار يتناسب طرحه ومتطلبات الشخصية الكوميدية، اضافة الى الاحداث والمفارقات التي يجسدها المؤلف في نصه الكوميدي، اضافة الى وجود ممثل حرفي يملك ناصية الاداء الكوميدي ومعرفته بالاداء الكوميدي وبعيدا عن استجداء الضحك والافعال المفتعلة والتي لا تعطي للكوميديا لغتها الحقيقية.
ان الفنان الكوميدي قاسم صبحي يتمتع بكاركتر جميل ويمتلك حضورا على المسرح وعفوية في الاداء والتمثيل، ولهذا حضي هذا الفنان بمحبة جماهيره واعجابهم به بحيث بقي حيا في ذاكرة الجماهير وان كان غيابه عن المسرح ضمن هذه الظروف القاسية الا انه بقي حيا في ذاكرة جمهوره من محبي الفن الاصيل، انه الفنان الذي ابدع بباقة من الاعمال الدرامية مسجلا من خلالها تجربته وابداعاته حيث يعد علامة من علامات الفن العراقي الاصيل، انه فنان حرفي يعرف كيف يتعامل مع المايكرفون الاذاعي ومع الكامرات التلفزيونية والسينمائية وهو على خشبة المسرح يبني علاقة مباشرة مع المتلقي ويثير من خلال تمثيله عنصري الاثارة والتشويق وينتزع البسمة والضحك من الجمهور بادائه الجميل وبشخصيته الشعبية الكوميدية حينما يسخرها ويحركها من على خشبة المسرح، انه يملك حضورا اعلاميا ويملك من الاخلاق العالية باحترام نفسه واحترام عمله وفنه اضافة الى احترام الاخرين من زملائه واساتذته من المخرجين الرواد لكونه يبهر من يقابله ويحضى بلقائه لكونه خجول ومجامل انما ليس على حساب كرامته وعزة نفسه، لقد قدم للجماهير العديد من الاعمال المسرحية ومن دون التفكير بالمردود المادي، وان المسيرة الفنية في العراق وتاريخها في العصر الذهبي تفتخر بعطائه وبما قدمه هذا الفنان الكبير، انه قامة مهمة من قامات الدراما العراقية، انه شفاف بعلاقاته ومتواضع بخلقه، ولم انسى كيف كان يركب دراجته الهوائية ليصل ومن خلالها الى المسرح العمالي او الى فرقة 14 تموزللتمثيل احترامه للوقت وحرصه ان يكون قبل موعد التمارين المسرحية، وهذا هو حاله لكونه لم يكن يملك سيارة خاصة به فيظطر للاستعتانة بدراجته الهوائية لتسهيل وصوله الى مقر عمله الفني.
قاسم صبحي، الفنان الكوميدي الذي قدم العديد من الاعمال المسرحية الكوميدية للمسيرة الفنية وطيلة مسيرة تجاوزت الخمسين عاما، لقد تتلمذ على يدي الفنان الكبير عميد المسرح العراقي حقي الشبلي، وزامل العديد من الفنانين الكبار منهم اسعد عبد الرزاق وجعفر السعدي ووجيه عبد الغني وقاسم الملاك وقائد النعماني والعديد من اسماء الفنانين الرواد الكبار. لقد انقطع قاسم صبحي عن التمثيل وانما لم يعتزل، ويوعز هذا الغياب عن جمهوره العزيز بان العلاقات الخاصة لها دورا في توزيع الادوار المسرحية فيما بينهم، اي انها دائرة مغلقة من بعض الكروبات، والمأساة انه حينما يسأل اي مخرج عن ممثل يحتاجه فيجيبه الكروب (استاذ مسافر خارج العراق) طبعا وهذا ادعاء كاذب لانهم لا يرغبون في مشاركته معهم. وانا لعلى يقين بان هذا الفنان الكوميدي والذي لمعت نجوميته في المسيرة الفنية العراقية لا يرضيه المشاركة باعمال دون ان ترتقي الى سمعته الفنية، رافضا اعمال التهريج ان تحل محل تلك العروض من المسرحيات الخالدة والتي كان له شرف المشاركة بها كمسرحية الدبخانه وايدك بالدهن ومسرحية جفجير البلد، وغيرها من المسرحيات الكوميدية والهادفة، انه مؤمن جدا بان على الفنان ان يملك بصيرة واعية في اختيارات اعماله، لقد كان قاسم صبحي ممثلا ومخرجا مسرحيا، اضاف الى هذا خاض تجربة كتابة الدراما حيث، كتب مسرحية بعنوان (اخويه مفتح) هذه المسرحية كتبها وفاءا لشريك مسيرته في الفن الفنان الراحل فاضل جاسم والذي فقد بصره ولمدة اربع سنوات ومن دون عناية له، سيعمل على اخراج هذه المسرحية المخرج فتحي زين العابدين حيث ان ريع ربع واردات هذه المسرحية وكما يؤكد الفنان قاسم صبحي سيخصص لعائلة الفقيد الراحل.
لقد شارك هذا الفنان بالعديد من المسرحيات اضافة الى الدبخانه وايدك بالدهن في مسرحيتين اضافيتين هما جزة وخروف ومسرحية اللي يعوفه الحرامي ياخذه فتاح الفال، اضافة الى كل هذا شارك في العديد من المسلسلات التلفزيونية ولا سيما مسلسل (حامض حلو) والذي اشتهر بها من خلال شخصية ابو جوقي.
لقد انتقد الفنان قاسم صبحي ظاهرة المسرح المبتذل والذي هو بعيد كل البعد عن المسرحيات الواقعية مقارنة منه مع الاعمال الخالدة من المسرح الكوميدي ابان العصر الذهبي من العروض المسرحية والتي مازالت متعلقة في اذهان الجمهور والنقاد والادباء المثقفين، انها اعمال من اعمال الفنانين الرواد من امثال وجيه عبد الغني وقاسم الملاك وحاتم سلمان وفاضل جاسم ووجدي العاني ويوسف العاني وقاسم محمد- الخ، حيث تعود على ظاهرة صحية من العروض المسرحية الكوميدية والتي ساهمت في تطوير الكوميديا اسلوبا ومضمونا، لقد تعود هذا الفنان على المشاركة في اعمال شعبية كوميدية من واقع صلب المجتمع ومقارنة مع مايعرض الان من على الساحة الفنية من اعمال رخيصة ومبتذلة وبعيدة عن الواقع كمثل عرض الشرطي المتهرىء والاستهزاء به، واستعراض الرقص الرخيص وعدم الاعتماد على دراما حقيقية واقعية يعتمد عرضها على تجسيد مشاكل ومعاناة الاوضاع المتهرئة باسلوب كوميدي كما في مسرحية الدبخانة، ومفردات لجمل كوميدية كانت تستعمل لازمة في بعض مشاهد العرض المسرحي لتساعد على ديمومة الابتسامة والضحكة للجمهو كمثل (خوما داير بال)، اضافة انه معجب باعمال يوسف العاني ونصوصه المسرحية والتي تعتمد على النقد والتشخيص للاوضاع البالية والسائدة في المجتمع وعرض صور المهازل والتي كانت سائدة انذاك من اوضاع سياسية رديئة من الاحقاب الزمنية الماضية. تجاوزت خضرمة هذا الفنان اكثر من سبعون عاما اي مايقارب (74) عاما حيث عاش مع تجربته وخبرته الذاتية وتخضرم في الدراما العراقية بدرجة وصل الى مستويات راقية من الحرفة الاحترافية لا تسمح له التعامل مع نصوص هذه المرحلة، لقد عرض عليه المشاركة في اعمال عديدة تم رفضها من قبله كونها لا ترتقي الى مستوى ماقدمه ضمن مسيرته الفنية، فهو ينتقد بعض العروض المسرحية وعلى سبيل المثال مسرحية (بطيخ في المريخ) والتي تتضمن الفاظ مخلة للذوق العام ولا تليق ان تعرض من على خشبة المسرح، سيما واننا نعيش في مجتمع محافظ له تقاليده واعرافه الاجتماعية ترفظ مثل هذه الالفاظ النابئة ويوعز اسباب هذا الى الافلاس في التاليف الكوميدي، مستشهدا بمسرحيات الستينيات والسبعينيات بانها كانت تحترم شعور الجماهير وتحافظ على مفردات الكلمات والتي لها مضمون انساني يجسدها الممثل الكوميدي من خلال الحركة او من خلال حوار شعبي كوميدي مهذب بعكس مايعرض في وقتنا الحاضر، ويوعز اسباب هذا الاخفاق والتدني هو عدم وجود مؤلفين دراما كوميديان كما كان في السابق من امثال علي حسن البياتي ويوسف العاني وقاسم محمد وعادل كاظم وطه سالم، ولهذا برزت اقلام على الساحة الفنية لا تليق بعروضها امام جمهور متعطش الى مسرح جاد وفي ذات الوقت كوميدي وكما كانت في مسرحيات علي حسن البياتي ويوسف العاني.
واما عن شريحة الجمهور والذي يقبل على مشاهدة مثل هذه العروض المسرحية فيقول الفنان قاسم صبحي: تاكدوا من هوياتهم الثقافية فستتاكدون انهم دون المستوى الثقافي، جمهور لا يحترم حرمة المسرح وذلك من خلال تناول وشرب قناني المشروبات الغازية وحتى الكحولية والفواكه والكرزات والضحك غير المبرر، اضافة الى هذا تعتمد هذه العروض على الرقصات الرخيصة وهز الارداف وكما ذكرنا سابقا والجمهور يستمتع بمثل هذا النوع من العروض المسرحية، بعكس جمهور فرقة 14 تموز للتمثيل وفرقة المسرح الحديث وفرقة المسرح الشعبي ومسرح اليوم ومسرح الستين كرسي، جمهور مثقف ومن عوائل محافظة تحترم حرمة المسرح وتصفق في المشهد الذي يستحق الاعجاب وتضحك في الوقت المناسب، وانا من المخرجين كنت اقول للممثلين الذين يشاركونني في اعمالي المسرحية واقول لهم: (اذا الجمهور ضحك في فلان من الحوار فاعلموا ان العرض المسرحي ناجح).
ان الفنان قاسم صبحي ينتقد بعض الممثلين والذي يشاركون الاعمال الرخيصة والتي يتقاضون اجورا عن هذه المشاركات ب(750) الف دينار او المليون دينار، والماساة حينما يعترض اي فنان ملتزم من هؤلاء الرواد على بعض الاعمال الهابطة يقولون عنه (هذا سستم عتيك).
تعرفت عليه حينما دعاني الفنان الاستاذ وجيه عبد الغني للانتماء الى فرقة 14 تموز للتمثيل، فلما ذهبت الى مقر الفرقة في الصالحية واذا بي اتفاجأ بهذه الشخصية الجميلة والبشوشة الوجه وهو يستقبلني بابتسامة جميلة والتي توحي لي بانه فنان يحمل من طيبة القلب والاخلاق الحسنة والتواضع النبيل سيما وانه فنان له من الصيت والشهرة كاي فنان ونجمع لامع ضمن مرحلته الفنية والتي من خلالها اصبح نجما ساطعا بحرفيته في المسرح الكوميدي.
استقبلني برحابة صدر مادا لي يده لاصافحه ولم اعلم كيف مددتها له وانا مازلت بغمرة التفكير بطيبة وتواضع هذا النجم الكوميدي، كنت اعتقد وبقرارة نفسي انه يحمل من الكبرياء لما وصل عليه من النجومية والتي تعطيه الحق بهذا الترفع والكبرياء وكما موجود عند بعض السذج من المحسوبين على الفن، انما هذا الفنان افاقني من غمرة تفكيري من مقارنتي له مع تلك النماذج الرخيصة من المستوى الفني حيث انني ادركت ان حساباتي من هذه المقارنة هي من الاخطاء الجسيمة والتي لا تغتفر، لانني امام فنان يحترم انسانيته وفنه في الوقت نفسه، ويحترم القيمة الانسانية ايضا عند اي انسان يتعرف عليه.
ان الفنان قاسم صبحي يختلف كلي الاختلاف مابين شخصيته وهو على المسرح ومابين شخصيته الحقيقية وهو يعيش الحياة الواقعية بشخصية انسانية متحلات بالاخلاق والطيبة والتواضع الجميل، فحينما استقبلني بابتسامته وهو يبادرني بالاستفسار عن كيفية مساعدته لي، في حينها احسست بالحرج امامه وانا اجيبه واخبره عن موعدي مع الاستاذ وجيه عبد الغني، عندها رحب بي ومن ثم اخذني الى الدرج المؤدي الى السطح والذي كانوا يحبذون الجلوس فيه، واذا بالاستاذ وجيه عبد الغني جالس في وسط اعضاء الفرقة ومشغول بحديث عن بعض ملاحظاته السديدة، فلما شاهدني قطع حديثه ومرحبا بي ومع ابتسامة شفافة كان متعودا عليها في استقباله لضيوفه. هكذا كان اللقاء الاول مع الفنان قاسم صبحي، هذا الفنان الللامع في المسرح الكوميدي، حيث اصبح اسمه كوكبا يشع منه علامات الابداع والتالق في حرفيته في التمثيل واسمه يرسخ في ذاكرتي والذي اصبح فيما بعد صديقي الودود في المسرح العمالي. لقد انطلق نجمه من خلال عروض مسرحيات فرقة 14 تموز للتمثيل منها: الدبخانه، ومسرحية جفجير البلد، ومسرحية ايدك بالدهن، ومسرحية جزة وخروف والتي كلفت في وقتها باختيار الموسيقى التصويرية لها، ومن هنا بدأت مسيرتنا مع صحبة هذا الفنان الاصيل بفنه بعد ان تعرفت عليه وعن قرب في فرقة 14 تموز للتمثيل، وبعد مشوار طويل زاملني في المسرح العمالي كمخرج لمسرحية الدغش والتي كانت من تاليف المرحوم حمزة الزبيدي.
لقد تميز هذا الفنان بالتلقائية والعفوية اضافة انه تميز بالشخصيات الشعبية الكوميدية واصبحت سمة له وهوية جعلته بمصاف الفنانين الكوميديين من امثال سليم البصري وخليل الرفاعي ورضا الشاطىء اضافة الى الفنان الرائد حميد المحل.
ان الفنان قاسم صبحي احد الخريجين الاوائل والتي تزامنت مؤهلاته الفنية مع وجود رواد المسرح العراقي من امثال عميد المسرح العراقي الاستاذ حقي الشبلي وابراهيم جلال ووجيه عبد الغني وجعفر السعدي وجاسم العبودي لياتي هو من ينابيع ثقافتهم ويستقي من تجربة كل نجم من هذه النجوم الريادية في مسيرة المسرح العراقي، ولهذا انفرد في حرفيته الفنية واتخذ من الادوار الكوميدية نبراسا له ومعلما لجميع المعجبين عن نجوميته وتالقه في عالم المسرح الكوميدي، لم يكن ادنى من موهبة نجوم المسرح الكوميدي للمسرح العربي ولا هو دون مستواهم الثقافي وانما استمد نجوميته من عالم يمتاز بالمواهب والتي تتوازن مع نجوم العرب الكوميديين من امثال نجيب الريحاني وانور وجدي، انه عنوانا للتمثيل الاصيل والنابع من خلال دراسته في معهد الفنون الجميلة واكتسابه للثقافة الاكاديمية والتي اهلته ان يكون ممثلا رائعا وملتزما بثقافته المكتسبة وبتجربته التي مرت عبر مراحل من الزمن ليكون فنانا كوميديا مبدعا، فنانا بعيدا عن التهريج في شخصيات منحها التلقائية في التمثيل، ولهذا كان هذا الفنان يتمسك بملاحظات المخرجين ممن عمل معهم سواء كان هذا في الاذاعة والتلفزيون والسينما والمسرح، ويضيف اليها مايراه مناسبا لتكملة شخصية دوره في التمثيل بعد موافقة المخرج على هذه الاضافة، كانت ملاحظات الاستاذ المخرج اسعد عبد الرزاق الاساس في بناء شخصيته الكوميدية والمحافظة على اتزانها الفني من حيث الحركة التلقائية والصوت الطبيعي لمواصفات الشخصية والعوامل الاجتماعية والنفسية والاجتماعية التي كان يستنتجها من خلال تحليل اي دور يسند له، اضافة الى تلاحمه الفني مع نجوم فرقة 14تموز للتمثيل وانسجامه في الاخذ والعطاء ومنهم وجيه عبد الغني وقاسم الملاك وحاتم سلمان وفاضل جاسم وقائد النعمان، هذا الانسجام جعله في محط خلق العلاقة الحرفية في المشهد الواحد ومع شخوص هذا المشهد وكما حدث في مسرحية الدبخانه مع الاستاذ الراحل وجيه عبد الغني في لازمته الفنية (خوما داير بال)، كان قاسم صبحي يحب اجراء التمارين ومن خلال التمارين يضيف لمسات فنية من بناة افكاره ويعرضها على الاستاذ المخرج وبعد اخذ موافقته يثبتها ضمن هوية ومواصفات شخصيته ان كان ذلك في الحوار او الحركة. قاسم صبحي فنان اكاديمي وعصامي في الوقت نفسه، لا يقبل الابتذال في الفن، يقدس فنه ويحافظ على نجومية تالقه من خلال البحث والتقصي عن مقومات وعناصر خلق الشخصية وتسخيرها على خشبة المسرح، شخصيات يبحث عن مواصفاتها من واقع الحياة الاجتماعية الواقعية والشعبية، ولهذا ترك بصمة في مسيرة الفن العراقي واصبح نجما راسخا في ذاكرة جماهيره من رواد العروض المسرحية لفرقة 14 تموز للتمثيل.