اذا تطلعنا الى مسيرة فنانينا العراقيين ولاسيما المسرحيين منهم، لتوقفنا عند نقطة متشابهة بينهم الا وهي حبهم لشعبهم ولوطنهم، مقدسين التربة التي ترعرعوا فيها وعاشوا على مااجادت به من خيرات الله ليقتنعوا بهبة الله وعطاياه، لم يكترثوا للمظاهر والفخفخة انما هدفهم كان ان يعيشون حياة متواضعة يعيشون فيها من دون قيد او رقابة على انشطتهم الفنية والادبية.
هذا الفنان العراقي بقي مخلصا لهذه التربة ومقدسا لاسم العراق وشعبه ، لقد عانى الفنان العراقي ولا سيما الذين لم يبتذلوا بفنهم بقدر ماكان الاعتزاز بما تجود به ابداعاتهم من على خشبة المسرح ومحترمين مسيرتهم وعلى مر الاحقاب الزمنية المتلاحقة وبالرغم من اللملاحقات الامنية للبعض منهم، وتعرض القسم منهم للجوع مع اطفالهم، وتضحية الاخرين بما لديهم من اجل دعم مسيرة الفن والحفاظ على طهارتها واهدافها لخدمة الانسان، انما لم يبالون لما قد ينتظرهم من مصير لا تحمد عقباه نتيجة لعروضهم المسرحية والتي تهدف الى تسليط الاضواء على الاوضاع المتردية والسلبية التي تسود حيات الشعب الاقتصادية والسياسية والتي يعيشون ماساتها اخذين بنظر الاعتبار ما تطرحه المسرحيات التعبوية والتحريضية من اجل التغيير والتطوير وتحقيق العدالة الاجتماعية، ونتيجة لهذا الوضع الرديىء في عراقنا الحبيب، ونتيجة للظغوط القاسية على الفنان العراقي من الذين حافظوا على كرامتهم وحبهم لشعبهم وعلى مر الاحقاب الزمنية والمتلاحقة، تعرض الفنان العراقي للممارسات اللاانسانية والملاحقات الامنية مما اظطرته للهجرة ياستثناء الذين رحلوا عن عالمنا من الذين داهمتهم الامراض والعوز والجوع والحرمان مما عرضهم الى المعاناة وقساوة العيش ولعدم وجود العناية الصحية لهم مما عجلت هذه الاسباب يرحيلهم عن هذا العالم.
لقد هاجر الفنان العراقي الاصيل عن وطنه قسرا ليعيش الغربة في المهجر بحثا عن الامان والاستقرار ومع عائلته وفي قلبه غصة الشوق والاشتياق الى مسقط راسه والى ذكرياته والى مسيرته التي اخلص لها وعاش فيها مرفوع الراس مفتخرا بفنه وابداعاته التي اكتنفت حياته ومسيرته الفنية، وكذا الحال كان مع الفنان الاصيل والرائد في مسيرة الفن العراقي الدكتور الفنان حمودي الحارثي.
فمن منا لم يستانس بمقدمة مسلسله التلفزيوني والرائع (تحت موس الحلاق) وهو يسمع اغنية التايتل، اي مقدمة المسلسل والتي تقول:
محصن بالله ومحروس-- يااستادي
بيدك حلو يلوك الموس-- يااستادي
حلاق وموسك ماضي
ومحروس واسمك راضي
عبوسي عنك راضي
يلهث باسمك ويصيح-- يااستادي
ولك شكو؟
هكذا وبهذه الاغنية الشعبية ولحنها الجميل والراقص يبدأ مسلسل تحت موس الحلاق ليطل وعبر مشاهده الكوميدية المتلاحقة عبوسي (الدكتور حمودي الحارثي) ومكائده ومقالبه العفوية مع الاسطى حجي راضي (الفنان الكبير سليم البصري).
لقد استطاع الفنان الدكتور حمودي الحارثي بفنه وشخصيته ان يدخل الى قلوب الملايين من المعجبين بشخصيته، لقد ابدع هذا الفنان في رسم معالم شخصيته الشعبية وبشكل بعيد عن التقليد بقدر ماتميزت حرفيته بعفوية وبتلقائية الاداء والتمثيل واقرب الى الاحتراف لفنان استطاع ان ينفرد بهذه الشخصية الشعبية والتي تميزت بعلامات السذاجة والطفولية بتصرفاتها والتي قد لا تصل الى العقلانية مما يتورط في ايقاع نفسه وتوريطها في مطبات كوميدية مع الاسطى حجي راضي ولا سيما في حلقة تبديل الخروع بزجاجة الخمر، وحلقة نحباني للو في قراءة رسالة الفنانة القديرة سهام السبتي والتي وردتها من ولدها الذي يدرس في الهند، لقد سيطر الفنان حمودي الحارثي بشخصية عبوسي على الشارع العراقي وعلى كازينوهاتها وعلى بيوت العراقيين والمتهافتين على مشاهدة عبوسي والحاج راضي في مسلسل تحت موس الحلاق.
لقد ابدع الثنائي الفنان الراحل سليم البصري والطويل العمر د. حمودي الحارثي وشكلا ملحمة وسمفونية من الابداع والتالق مما زادت للمسلسل اعجاب الجماهير وفي جميع حلقاته العديدة، لقد اطل الفنان الاستاذ حمودي الحارثي على جماهيره من نافذة الكوميديا والتي لا يجاريها اي فنان بحرفيته الفنية من معالم شخصيته التي طغت عليها التلقائية والسذاجة البريئة والعفوية في الاداء وبعيدا عن التشنج والتكلف، هذه الشخصية التي كان يحركها وبشكل سيطر على اعجاب الجماهير من خلال ثقافته الاكاديمية والتي املت عليه بتسخيرها وفق معالمها الفنية والمرسومة بدقة محافظا على بيئتها وعلاقتها الشعبية مع ابناء المحلة الشعبية ومع رواد محل الحلاقة من الوجهاء من ابناء المحلات الشعبية، واللذين رسموا خطوط علاقتهم بالصانع عبوسي بشكل ابهر المتلقي وزادت من اعجاب المشاهدين، بحيث اذا كنت تصادفه بالشارع وهو يسير في اية منطقة من مناطق بغداد وخصوصا في منطقة الصالحية وهو متوجها الى المؤسسة العامة للاذاعة والتلفزيون، يجابهك بتواضعه وبابتسامته الي يرسمها على وجهه مرحبا من خلالها بك وبكل من يصادفه في طريقه، او بالاحرى قلما تشاهده وهو يسير وحده ومن دون مرافقة المعجبين له، ولا سيما الاطفال والشباب والشابات ومن عامة الشعب من المثقفين وهم يلتفون حوله مبدين اعجابهم بهم، انه بالحقيقة اثبت انه فنان الشعب وبكافة شرائحه، لقد استطاع ان ينفرد بشخصية عبوسي والتي لم يستطيع اي فنان ان يبتكر شخصية او يجاريها بشخصية تصل الى مستوى شخصية عبوسي باستثناء الفنان الراحل المرحوم رضى الشاطىء والذي يحاكيهم بالعفوية والتلقائية في شخصية ابو محمد العرضحالجي.
لقد اكتسب الفنان د. حمودي الحارثي ثقافته والتي اهلته ان يصل الى عالم الكوميديا بحرفية تمتاز بالعلمية وبعيد عن التهريج، هذا الفنان بمجرد ان تشاهده في زيه والذي ينم عن العفوية في اقتنائها مثله مثل الفنان شارلي شابلن، وكذالك يحتذي في قدمية جزمته والتي لم يفارقها حتى وهو نائم على السرير تجلب لك المتعة الكوميدية وتجبرك على الابتسامة والضحك من كل قلبك، لقد عرف طريقه الى الكوميديا، وكذالك كان يحرص على اقتناء الملابس والتي كانت تساهم في اضفاء عالم الكوميد الى شخصيته، وكما كان الممثل العالمي شارلي شابلن يختار حذائه العريض ويمسك في يده العوجية والتي تساهم في خلق علاقة كوميدية لشخصيته.
وكذلك شفقته وشاربه الهتلرية والتي كانت تضفي عليه من الكوميد ما تجبر المشاهد على الضحك، مثله مثل فناننا حمودي الحارثي والذي اثبت ان عالم الكوميديا لا يقتصر على الحوار فقط بقدر ما يعتمد على الازياء والاكسسوارات التي ترافق الممثل الكوميديان لتساهم في اثارة الضحك من الاعماق وهذا لا ياتي من الفراغ لولا حنكة ثقافته الاكاديمية وملاحظاته الدقيقة لما يدور حوله من مشاهداته لبعض الشخصيات الواقعية والتي تجلب انتباهه ليختزنها في مخيلته ويسترجع صورها حين يحتاجها في تجسيد بعض الادوار الكوميدية ليحاكي الواقع مضيفا لها ابداعاته وابتكاراته وكما كان يفعل الفنان الكوميديان نجيب الريحاني في شخصياته المتعددة واختياراته للازياء والاكسسوارات التي كان يستخدمها لتساعده على تكامل شخصيته، جميع هذه العوامل التي ساعدت الفنان حمودي الحارثي لم تاتي بالصدفة وانما جائت من حصيلة ثقافته ودراسته الاكاديمية والتي اكتسبها من جامعات فرنسا والقاهرة.
ولد الفنان حمودي الحارثي سنة 1936 في الكرخ وهو من ابنائها ومن منطقة باب السيف والتي تمتد من منطقة الشواكة والى جسر الشهداء (جسر العتيك) ومع امتداد ضفاف نهر دجلة من جانب الكرخ، حيث ولد من عائلة تمتهن النجارة وعن طريق والده والذي اشتهر بصناعة ابواب الاضرحة في العتبات الدينية في كربلاء وسامراء والكاظمية والروضة القادرية، وتذكر المصادر الثقافية ان والده ساهم في بناء ضريح النبي حسقيال في الحلة.
يعد الدكتور حمودي الحارثي رائدا من رواد الحركة الفنية في التمثيل والاخراج التلفزيوني والسينمائي، ومؤسسا لمدرسة واقعية في حرفيته التمثيلية مع استاذه الفنان الراحل سليم البصري، لقد دخل معهد الفنون الجميلة وهو من دورة الفنان سليم جواد وفائق حسن في القسم التشكيلي فرع النحت، والذي لا يعرف عنه هذه المعلومة الا من صاحبه وزامله في الدراسة من طلبة معهد الفنون الجميلة كونه كان فنانا تشكيليا في النحت والرسم وعضوا في جمعية التشكيليين العراقيين، الا انه تفرغ للتمثيل والاخراج السنمائي منذ عام 1958 بعد ان ازداد خبرة وتجربة وطموحه واعجابه بهذا الفن الجميل دفعه للسفر الى فرنسا ليدرس في معاهدها فن التمثيل والاخراج السينمائي ولمدة سنتين.
مسيرته كانت حافلة بالادوار الكوميدية والتي حققت له نجاحا باهرا، لقد اشتهر بحيث اصبح معشوق الجماهير لاعجابهم بدوره وهو دور الصانع عبوسي في مسلسل تحت موس الحلاق، كما انه شارك في العديد من الاعمال المسرحية والمسلسلات التلفزيونية والاذاعية ومنها مع الخالدين حينما كان عضوا في فرقة 14 تموز للتمثيل، كذالك اشتهر في مسلسل كاريكاتير ومسلسل من يهمه الامر، انه فنان شامل استعان به العديد من الكوادر الفنية في الدراما ،بحيث بلغ رصيد ماقدمه وشارك من خلاله ما يقارب ال ( 500 ) عمل متوزعا مابين الاذاعة والتلفزيون والمسرح والسينما.
لقد عمل مخرجا في تلفزيون العراق ونجح في حرفيته، كان ذكيا في تكثيف بعض الاعمال الدرامية وتحجيمه للبعض منها، وتعديل مايراه مناسبا للتعديل باسلوب يرضي المؤلف والمشتركين من الممثلين، كونه كان يملك من السياسة والاتكيت في معاملته مع الذين يعملون بادارته ومن خلال محبتهم له ورغبتهم الشديدة في التعاون معه في جميع الاعمال التي يقوم باخراجها، كان مخرجا مبدعا اضافة الى تواضعه بالتعامل مع الكوادر الفنية والادارية التي كانت تعمل بمعيته، يجاملك بكلمة رقيقة وبابتسامته المعهودة والتي يرسمها على وجهه في توجيه اية ملاحظة يراها مناسبة لتطوير العمل الفني، كان يجود ويكثر بكلمات الثناء على الكوادر الفنية من العاملين معه بغية دعمهم وتشجيعهم.
لقد اخرج العديد من البرامج التلفزيونية منها:
عدسة الفن – والذي كان يعده الفنان الراحل خالد ناجي وتقدمه المذيعة المتالقة والقديرة خيرية حبيب.
العلم للجميع – الذي كان يعده ويقدمه الاستاذ الراحل المرحوم كامل الدباغ.
الرياضة في اسبوع – هذا البرنامج الذي اضاف عليه عامل الاثارة والتشويق في كيفية اعداد السيناريو في تسلسل فقراته من الاخبار الرياضية، والذي زاد من اعجاب الجماهير من المشاهدين ابداعات المعد والمقدم الاستاذ مؤيد البدري بتعليقه على المشاهد الرياضية باسلوب شيق وبصوت دافىء وبتعليق على الاحداث الرياضية باسلوب فيه من الاثارة وعنصر التشويق مما زاد تلاحم المخرج والمعد في عرض البرنامج المشوق.
لقد دفعته رغبته في اكتساب الثقافة الفنية وزيادة معلوماته واضافة خبرة وحرفة فنية تفوق الى ما عنده من المؤهلات العلمية في مجاله الفني، ولهذا قرر الذهاب الى القاهرة للدراسة فيها والاحتكاك بمعظم مخرجيها والاطلاع على المستجدات الحديثة في التكنيك الفني للاخراج التلفزيوني والسينمائي، فكان يحضر مواقع التصوير السينمائي والتلفزيوني، وبعد اكمال دراسته عاد من القاهرة في عام 1981 ومعه شهادة الدكتوراه وحصيلة من الخبرة والتجربة زادته تالقا وابداعا في حرفيته للاخراج التلفزيوني.
طلبت منه وزارة الثقافة والاعلام العراقية ان يعيد صياغة كتابة المسلسل تحت موس الحلاق كجزء ثاني الا انه اقترح ان يخرجه بتفسه وعدم المشاركة في التمثيل فيه ، ولهذا تحمس لكتابة الجزء الثاني ومع شريك حياته الفنية الاستاذ سليم البصري والذي بدأ في كتابة احداث الجزء الثاني من المسلسل بنجاح مثمر الا ان المشاهدين لم يتقبلوه لعدم مشاركة شخصية عبوسي في احداثه، ولا نعلم ان كانت هذه الفكرة بعدم مشاركة الفنان الاستاذ حمودي الحارثي مقصودة ام لكونه اراد في هذا ان يتفرغ للاخراج فقط.
وبعد تطور الاحداث الماساوية في العراق وعدم الاستقرار الفني والاقتصادي، قرر السفر الى الاردن حاله كحال العديد من الفنانين العراقيين والذين تركوا العراق، حيث بقي هناك مدة لم تتجاوز العام ومن ثم رحل الى هولندا كلاجىء انساني.
وفي هولندا لصعوبة اللغة وكذالك عدم وجود قاعدة جماهيرية من متابعي المسرح العراقي لذا عمل على اقامة معارض فنية تجاوزت ال (14) معرضا تشكيليا وكذالك اعمالا فنية في النحت اعجبت الكثير من الهولنديين ومنهم مسؤولين من المثقفين ومن هواة جمع الاعمال الفنية والتي ابهرتهم انتاجاته لكونها كانت تحمل لمسات عراقية وتاريخية عن تاريخ العراق الحضاري .
انه صادق مع نفسه ومع الاخرين، لا يحب المبالغة بوقائع مرت في حياته، وكذالك لا يحب ان يجعل لنفسه هالة من الفخفخة وبالرغم من انه يستحقها قياسا الى مسيرته الفنية واعماله التي نالت اعجاب الجماهير .
لقد ترك العراق مظطرا وقلبه مدمى على مواقع كانت تثير اشتياقه وحنينه كلما ضاقت به الامور ليزور الشواكة وباب السيف والكريمات والبيجات، لقد ترك العراق وهو حزين على ذكريات من حياته ومسيرته الفنية، لقد تعذب وذاق مرارة الحياة في الغربة الا ان شهرته ومسيرته الفنية والتي يعرفها القاصي والداني اهلته للعمل في وظيفة بعيدة عن مؤهلاته الفنية، حينما عرض عليه احد المعارف في عمان ان يعمل لديه بوظيفة مسك الدفاتر والسجلات الادارية والحسابية، وبالفعل وافق على هذه الوظيفة، وقد اسخى هذا الرجل صاحب العمل براتب جيد يكفيه لمعيشته في الاردن ولعائلته في العراق زوجته (الفنانة المخرجة منتهى عبد الرحيم وابنائها).
لقد ترك الفنان الاستاذ حمودي الحارثي بغداد وهو يذرف دموع الفراق على محلته وابنائها الطيبين خلقا واجتماعيا، باب السيف هذه المحلة التي ترعرع فيها ، انها منطقة شعبية تقع بين الكريمات وبين الجسر القديم (جسر الشهداء) وبمحاذات نهر دجلة ، تعاطفه مع ابناء الحي الشعبي اجبرته على البقاء في بغداد ، الا ان وفاة استاذه سليم البصري وعدم اجراء له التشييع الذي يرتقي الى مستوى ماقدمه للعراق من الفن الاصيل جعله يراجع نفسه ويحزم الامر على الخروج من بغداد ، فهي اسباب ليست سياسية بقدر ماهي اسباب تدهور العلاقات الانسانية ولا سيما الفنانين والذين لم يشاركوا في تشييع جنازة الفنان الراحل سليم البصري مما حز في نفسه هذا الموقف الغير السليم والذي لا ينطوي على الوفاء والاخلاص لهذا الصرح الفني العظيم لعدم تشييعهم له وبما يليق بسمعته وسيرته الفنية، ولهذا صارح زوجته بقرار ترك العراق والهجرة الى الخارج بعد تدهور الاوضاع الاقتصادية والامنية واصبح خروجه من العراق امرا لا بد منه .
هذا الانسان ، انه صريح وصادق مع نفسه ومع الاخرين، لقد صرح وعن طريق الوسائل الاعلامية المختلفة عن اسباب خروجه من العراق ورحيله الى الخارج بانها اسباب متعلقة باوضاع العراق منها الامنية والاقتصادية والتي اجبرته على الرحيل ، ولم يصرح كغيره من اللذين يستغلون الاوساط الاعلامية ليروجون من خلالها على انهم ضحية اسباب سياسية ويدعون لانفسهم من البطولات في مقاومة الانظمة السياسية مفتخرين بزيف ادعاءاتهم ، لقد رحل وبقي اسم عبوسي مرسوما في قلوب العراقيين وفي حدقات المعجبين بفنه ، هذا الاسم الذي كان ينعشه ويستمتع بسماعه من قبل الاطفال ومن بعض المعجبين به ومن مشاهديه ولا سيما الشعبيين منهم ، هذه الطبقة والتي ذكرته بالحي الشعبي الذي عاش ماساته ومعاناته ولا سيما دربونة بابا زنكو ، ودربونة ملا فهيمة ، لقد وجد صعوبة الانسلاخ عن مجتمعه وعن واقعه الذي ترعرع فيه وصعوبة الانصهار مع مجتمع غريب عن عاداته وتقاليده ولغته وقوميته ، هاجر ليبدأ من مرحلة الصفر ودون الالتفات الى الماضي االمليىء بانجازاته الفنية والذي اخلص فيه اخلاصا مليىء بالايمان الى ان وصل الى تحقيق طموحاته الفنية مرتقيا من خلاله الى مستوى نجومية الفنانين العرب .
لقد اعاد صياغة مسلسل تحت موس الحلاق بصياغة مسرحية وتم تقديمها مع الاستاذ سليم البصري على مسارح امريكا والمانيا وهولندا .
واخيرا يبقى اسم عبوسي راسخا في ذاكرة الشعب العراقي ومسلسل تحت موس الحلاق وكما بقي اسم حجي راضي اسما لامعا في ذاكرة العراقيين – انهما ثنائي ابدعا في مسيرتهما ولا سيما في فن الدراما الكوميدية الشعبية .
وها نحن نختم صفحة من صفحات سيرة هذا الفنان الرائد حمودي الحارثي والذي يبقى عنوانا للتالق والابداع ، ومدرسة لا تضاهيها مدرسة في التلقائية والعفوية في التمثيل ، لتبقى هذه الشخصية المحبوبة لدى جماهيره التي ازرته وشجعته طيلة مسيرة حياته الفنية ، الاستاذ حمودي الحارثي كان ومازال رمزا من رموز الكوميديا الهادفة في عراقنا الحبيب .