مما يؤسف له ان بعض الشائعات الغير الحقيقية تدور حول حياة معظم الفنانين العراقيين والعرب، تاخذ مداها الواسع والفبركة الغير الحقيقية والمبنية على دوافع اما ان تكون عدائية او استفزازية، وفي احيان ابتزازية مبنية على طلبات غير شرعية تفرض على بعض الفنانين بغية ابتزازهم لاغراض دنيئة غير حقيقية، وكثيرة هي الامثلة والتي راح ضحيتها العديد من الفنانات نتيجة هذا الابتزاز، او تشويه بعض الحقائق والتي لا تمت باية صلة للفنان المعني، والملاحظ ان بعض الوسائل الاعلامية المرئية والسمعية تعتمد بنقل وقائعها واعلامها على ما يتداوله الناس ومن دون الرجوع الى المصدر الحقيقي لتنقل وقائع مزيفة وتدس السم الاعلامي من اجل تشويش سمعة بعض الفنانين عمدا وانتقاما لاغراض دفينة فيها من العداء لفنان معين لتشويه سمعته ومسيرته الفنية، وكثيرة هي الشائعات والتي تنشر على مواقع التواصل الاجتماعي كاخبار الزواج والطلاق والافتراق والمستند على الاكاذيب الملفقة غرضها محاربة الفنانين في رزقهم وتشويه سمعتهم، ومثل هؤلاء قد يشكلون خطرا على سيرة وحياة العديد من الفنانين من تشويه الحقائق والتي لا تمت الى الواقع باية صلة، انما غرضهم زرع الفتنة في الحياة الاجتماعية لدى عوائل الفنانين، وهذا بالطبع اما دافعه هو الحسد، او عداء بين الناشر والمنشور عنه، او ان هناك من دفع بالمال من اجل نشر مثل هذه الاخبار الغير الصحيحة.
وما نعنيه هنا خبر وفاة الفنان المبدع والقدير نزار السامرائي، هذا الفنان الذي عاش بمصداقيته ومحبته مع الاوساط الاعلامية ومع زملائه من الفنانين، ان نجاح الفنان نزار السامرائي يكمن في حبه للفن واخلاصه والتزاماته الحريصة على المواعيد المقررة في الحضور الى مواقع العمل، ان كان في الاستوديوهات التلفزيونية او الى مواقع العمل في التصوير السينمائي.
لقد عشق الفن واخلص له منذ ان كان طالبا في معهد الفنون الجميلة عام 1965 في الكسرة.
لقد ربطتني رابطة الزمالة الطلابية يوم كنا زملاء في معهد الفنون الجميلة ومع بقية نجوم الدراما العراقية غزوة الخالدي، وكذلك الفنانة القديرة فوزية عارف والفنان الرائد عبد الامير السماوي وحيدر المولى وكاظم الخالدي وماجد عاكول وسعدون سلمان-- الخ.
كان نزار السامرائي بشوش الوجه، يحب النكتة ويرويها بعد ان يضيف لها بعض اللمسات من عنده ويضيف عليها من نكهة الكوميد فيها.
كان هذا الطالب جديا بقراراته وجريئا في التحدي لمواجهة الصعاب، كان محبا لزملائه في المعهد، ومبدعا بابتكاراته وسريع البديهية.
اذكر مرة اننا ونزار السامرائي وغزوة الخالدي وكاظم ساجت مشتركين في مشهد صفي من مسرحية القلب الارعن، فكنا مجموعة في هذا المشهد نتبادل الاراء والمقترحات غايتنا اضفاء بعض الجماليات والابداع على هذا المشهد وامام الاستاذ القدير المخرج بهنام ميخائيل، وفي اثناء عرض هذا المشهد صدرت حركة غير مرسومة، حركة جريئة من الطالب نزار السامرائي مع غزوة الخالدي والتي قامت بتمثيل دور الممرضة، واثناء اداء عملها التمريضي في الردهة واذا بنزار السامرائي يضربها على قفاها بمضرب البلاستيك والخاص بقتل الذباب مفاجئا بهذه الحركة غزوة الخالدي والتي لم تكن مرسومة ضمن هذا المشهد مما جعلت هذه الحركة مفاجئة لغزوة بحيث جعلها ترسم ردود فعل حقيقية على وجهها، فاستحسنها الاستاذ بهنام ميخائيل، كونها كونها كانت حركة جميلة زادت من واقعية المشهد.
كان نزار السامرائي الداينمو المحرك لمعظم انشطتنا الصفية، نشاطه كان متميزا بحيوية الافكار والابتكارات، كان يميل الى جانب الطلبة ضد القرارات المتشددة بحقهم من قبل ادارة المعهد، ولهذا كان يعتبر النموذج الحيوي وحال لسان الطلبة في الدفاع عن حقوقهم.
كان نزار السامرائي شابا بمعنى الكلمة اشبه بالمطرب الامريكي الفيس برسلي وهكذا كان يحلو لنا تسميته حينما كان يعتلي فوق الرحلات الصفية ليغني اغانيه ويحاول تقليده في العزف على الة الكيتار الغير الموجودة في يديه، يقلد حركات المطرب ونحن من حوله نصفق له، كان نزار يحب السياحة والترحال مع الشباب، ولهذا حاول مرات عديدة الرحيل مع كروب من الشباب في مخيمات كشفية حيث كان يستانس بها ويحقق من خلالها تنفيسا عما كان يكبته في ذاته.
حادثة ظريفة مازلت اذكرها عن هذا الفنان القدير في مرحلة الدراسية حينما جاء دوره لتادية اختباره في درس الصوت والالقاء، فقام واتجه للصعود على خشبة المسرح الصغير في الطابق العلوي من بناية المعهد مستاذنا من الاستاذ محمد امين الجلبي مدرس الصوت والالقاء ان يصطحب معه على المسرح كرسيا ليساعده على التمثيل، فبعد موافقة الاستاذ اخذ الكرسي ووضعه بوضعية حجبت النظر مابينه وبين الجمهور ليخرج من بعدها مسرحية قمبيز (كتاب صغير) والذي كان محتفظا به تحت قميصه ويضعه على الكرسي وبدأ بالقراءة ونحن وجميع الطلبة غارقين في الضحك مما اثار انتباه الاستاذ فامرنا بالكف عن الضحك. وبعد الانتهاء من قرائته للقصيدة، بدأنا نصفق له دعما لما قدمه ومن ثم اخذ الكتاب ووضعه ثانية تحت قميصه ومن دون ملاجظة ذلك من قبل الاستاذ.
ومن ثم ترك خشبة المسرح لياخذ مكانه في الجلوس مع الطلبة، هذه الحادثة والتي لجأ اليها نزار لكونه لم يكن مهيأ للاختبار لانشغاله بالاشتراك مع احد الاعمال المسرحية والتي كان يخرجها احد الاساتذة للمعهد، انما هو كان بحقيقته من الطلبة المجدين والحريصين على متابعة منهاجه الدراسي.
بعد التخرج من المعهد افترقنا كل واحد منا اختار لحياته الفنية مسيرة ساهم من خلالها في تحريك عجلة الفن ومسيرته التي عشنا فيها اجمل مراحل حياتنا الفنية، فاتجه الفنان نزار السامرائي الى التمثيل بعد ان خطفته عدسات كاميرات التلفاز وكاميرات السينما ومايكرفونات استوديوهات الدراما الاذاعية اضافة الى اعمال الفرقة القومية للتمثيل.
لقد اكتسب الفنان القدير نزار السامرائي حرفة فنية اكسبته نجومية وميزته عن بقية الفنانين من زملائه في المسيرة الفنية ويعود هذا التميز الى عدة اسباب وعوامل منها:
وجهه الوسيم والذي يصلح لمعظم الادوار الشبابية ورشاقته ومرونة جسده والتي فرضت شخصيته على جميع المخرجين، وتواضعه الذي اعجبت العديد من المخرجين المبدعين منهم المخرج التلفزيوني محمد يوسف الجنابي، والمخرج كارلو هارتيون، وعمانوئيل رسام، حيث كانت له حصة لا يستهان بها من مشاركاته في المسلسلات التلفزيونية والتي ابدع في تجسيد ادواره لكونه يملك خلفية ثقافية اكتسبها من اساتذتنا الرواد ابراهيم جلال وبهنام ميخائيل وجعفر السعدي وبدري حسون فريد وحميد محمد جواد. بقي ان نعلم ان هذا الفنان والتي انجبته محافظة بابل هو من مواليد عام 1945 حيث ولد من عائلة كريمة اكتسب كرمه من والديه، والدته ووالده السيد حسين عبد الوهاب عبد الحميد السامرائي. لقد امتلك هذا الفنان القدير مسيرة فنية حافلة بالعطاء والابداع، اعمالا دخلت الى قلوب المعجبين من المشاهدين، حيث امتاز بتمثيل جميع الادوار البسيطة منها والمركبة، وكذلك في جميع الادوار الكوميدية والجدية.
انه فنان مثقف يملك من الثقافة في حرفية الدراما مما ساعدته على التالق والعطاء، فهو مبدع في تجسيد اية شخصية تسند اليه، كونه يخضعها الى بعض الدراسات ويجسدها من خلال تحليل ابعادها وايجاد ردود افعالها، ومن ثم يخلق منها شخصية متميزة لها تاثيراتها على المشاهدين ومن خلال حركات غير متشنجة انما تتميز بالاسترخاء له اسلوبا في التمثيل لا يجاريه اي ممثل في اسلوبه، لا يحب التقليد بقدر ما يتجه الى الابتكار وخلق شخصية مرتبطة بالواقع الحياتي ان كانت شخصية مثقفة، او شخصية ذات نكهة شعبية، ولهذا يعود دائما الى خياله في خلق شخوصه، ويتجه الى خبرته ومسيرته المليئة بالعديد من الصور التي يسترجعها ليعيد الحياة اليها وانما باطار جديد يكسوها من الابعاد الجديدة منها الطبيعية والنفسية والاجتماعية وبموجب انتمائيتها وفق تحليل ابعادها العلمية والتي تفرض عليه دراستها،.
وكيف لا وهو الفنان الذي يعرف كيف يعيش ادواره ومن خلال ايجاد المعاني المستترة ماخلف السطور بعد دراسته للنص وخلق العلاقة التي يجب ان يخلقها مع بقية الشخوص في المشهد الواحد، ليساعد ومن خلال دوره على تنمية الصراع ان كان هو احد اقطاب هذا الصراع ليخلق من خلال مساهمته هذه في خلق عنصر الاثارة والتشويق للمشهد الواحد، ولهذا اتجه اليه معظم المخرجين للاستعانة به واشراكه باعمالهم التلفزيونية والسينمائية، كونه يعرف كيف يخلق علاقته الحسية مع دوره ومع بقية الادوار المشاركة له في المشهد الواحد، ليخلق من هذه العلاقة الحسية ملحمة درامية تساعد على خلق صورة ملحمية فيها من الاثارة والتشويق.
هذا التميز في الثقافة والتعامل مع ادواره جعله يشارك العديد من نجوم الدراما العراقية وفي عدة اعمال سينمائية وتلفزيونية منها:
- ·فيلم (بيوت في ذلك الزقاق)
- ·(صخب البحر)
- ·(عيون لا تنام)
- ·(القادسية)
- ·(العملية911)
- ·(الباحثون)
- ·(الحدود الملتهبة).
اما في المسلسلات التلفازية فلقد شارك في عدة اعمال تلفزيونية نالت اعجاب المشاهدين والصحافة والنقاد منها:
- ·(ذئاب الليل بجزئيه الاول والثاني)
- ·(فتاة في العشرين)
- ·(اسد الجزيرة)
- ·(عائد من الرماد).
هذا الفنان الرائد والذي اعطى من جهد متميز في عالم المسرح والتلفزيون والاذاعة، سيبقى علما ومعلما للابداع والعطاء في الدراما العراقية.